244

[195/أ] وساق في القصيدة، وذكر أن هذه الدولة كدولة كسرى وقيصر، ثم بعد ذلك ذكر في هذه القصيدة الثناء على نفسه بالكمال، والصفات المرتضاة في الرجال، وأن غيره في حيز الإهمال، وإنما تشدده لإنشاء هذه الرسالة، والتفوه بهذه المقالة ما ظهر له من عزم أحمد بن الحسن على ترك القصد إليه، وأنه قد صار يريد التعريج والارتحال من حدود تلك البلاد التي لديه، فأمن ذلك الجناب، وجدد الدعوة ومد في الخطاب، واعتقد في هذه الدولة ومن معهم البغي والعناد، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولكنها شنشنة في البلاد اليمنية معتادة، وأحوال الملك لمن أراده من يحط لجانب من خالفه وتزكية نفسه ومن أجابه، والدنيا لو عرفها الإنسان غرارة، والدخول في تكاليفها لا يكمل بها العبد الضعيف ولا يتم له فيها مراده، ولو عرف معنى قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} لكان عند ذلك يعرف عجزه عن الوفاء بها ولو عرف بقوله تعالى[195/ب]: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} لكان ذلك رادعا له عن مدح نفسه وتزكيته، ولو عرف بمعنى قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } وقوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } وقوله تعالى: {فلا تغرنكم الحياة الدنيا } {وما عند الله خير وأبقى } وغير ذلك من الآيات القرآنية والسنة النبوية التي يضيق ذكرها هنا؛ لأن هذا تاريخ لا يراد فيه إلا الأخبار، لا المحاججة والجدال، على أن قوله واحتجاجه بقوله تعالى: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع } خطأ فاحش من هذا السيد وجهل منه رابش ، لأن الآية لا يجوز لأحد من البشر أن يحتج بها؛ لأنها في سبب خاص، إذ هي في سياق قوله تعالى:{قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون} فالهادي الله تعالى لا غيره من هذا العالم المخلوق، فليس إليه هدى أصلا إنما الهادي الله تعالى، وكذلك في تلاوته لقوله تعالى: {ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل} فهو خطاب من الله تعالى إلى اليهود والنصارى، ومن لم يعرف بدلائل الخطابات، كيف يدعي الإمامات! فأين وغيرك من هؤلاء الدعاة أيها السيد بمعزل عن شروط الإمامة الصحيحة. وأما طعنك في أحمد بن الحسن فهو قد قام أميرا محتسبا، وجمع كلمة المسلمين، وصلح بسببه كلمة المسلمين، وزالت الفتنة التي كانت ثائرة[196/أ]. وبعث السيد محمد الغرباني هذا بتلك القصيدة الأولة إلى بعض الجهات، ويحث على الدعا للناس إلى الإجابة له مع تطلبات، وأن الهجرة إلى حضرته كالواجبة على زعمه والقيام بنصرته، وفيها بعض تحويل للقصيدة السابقة، وذم فيها دولة أحمد بن الحسن وولاته وأتباعه، وهو لم يشعر أن هجرته التي هو فيها مما يجب بالإجماع الهجرة عنه؛ لأن فيها أحكام الطاغوت ظاهرة شاهرة، والشريعة فيها إنما هي لمن شاء من أهلها على سبيل المراضاة لا القهرية، ولا الأخذ من الحاكم إن وجد فيها عليهم باليد القوية، فالعقود بينهم على هذه الصفة لا تحل؛ لأن أحكام الطاغوت كفرية، بنص الله تعالى في كتابه العزيز، حيث قال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } ونحوها من الآيات الكريمة في الطاغوت، والصفات الذميمة هذا حيث كان دعاك إلى الهجرة أيها السيد لغيرك، فأنت المدعو لها المخاطب بها إن كنت تعرف وتعقل، مع ما في التفريق بين المسلمين من المخالفة لنهي رب العالمين، ولكن الأمر كما قال الشاعر :

لهوى النفوس سريرة لا تعلم

وفيها بعض القضاة من بني العنسي تراهم يتدينون وينكرون على غيرهم بزعمهم وهم[196/ب] المستنكر عليهم بقعودهم في بلاد تجب الهجرة عنها، فإن بلاد برط وسفيان التي صاروا فيها يحكم فيها بالطاغوت على رؤوس الملأ لا ينكر ذلك أحد ويقطعون السبيل، وقد ذكرت لبعضهم ذلك، فقال: ما يكره تركه لها إلا أن له منها زكاة تصرف إليه، فانظر كيف آثر الدنيا على الدين! فلا قوة إلا بالله، وأمثلهم قال: لما اعترضته إن محلته وجيرانه شارط عليهم أن لا يحكم أحد منهم بالطاغوت في بلده، ولكنهم يحكمون به في غير حوطته، وهذا غير مصوغ له في التخلص من العذر في ذلك، كما لا يخفى.

Page 551