والقاسم المذكور تعلقت به ديون واسعة، استدانها وتكلف من الناس لطلبها وسؤالهم إياها، ولا يفي ماله بالقضاء لها، فإذا لم يقضها له أحمد بن الحسن من بيت المال والأعشار ارتبك في المضيق، وناله إثم التفريط، فإن حقوق العباد شديدة وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في الدين ما شدده لمن أوفى به، فكيف إذا لم يحصل الوفاء له؟ والورع لا يدخل في تكثير الديون، وإن دخل في شيء للضرورة فاليسير، مع العلم من نفسه أن ما له في القضاء يفي به من ماله أو مما هو تحت تصرفه ويده، فإما تجشم ما لم يعلمه، وتوهمه أنه يقضيه مما سيفتحه فمن الغرور الذي لا يخفى على أهل المعقول، وقد قيل: إن ديون القاسم هذا بلغت إلى نحو مائة ألف.
وفي هذه المدة ظهور نجم وقت السحر له شعاع من قدامه قدر نصف ذراع من مجرى الثريا ومكان طلوعها، بقي كذلك قدر ثلاثة أيام ثم اضمحل، والله أعلم.
والمهدي عند ذلك فرق اليمن بين أولاد المتوكل أكثرها وبين أولاد أحمد بن القاسم وغيرهم، وبقي معه بلاده الأولة وزيادة معها اليسير، وكل منهم قال ما يكفيه إقطاعه، ولله قول الشاعر :
ما كل ما في البسيطة كافيا
فإذا قنعت فكل شيء كافي
وكل منهم مد يده في رعايا بلاده في غالبهم[183/ب]، وبعد تقضي عمل شهارة، وسكون ما وقع فيها من الأمور المنهارة سكن المهدي أحمد بن الحسن بالهجر مبرزا لوطاقه وخيامه بميدانه وحدبته، واستقر جميع أصحابه بجنابه، فكانت محطة واسعة؛ لأجل اجتماع أهل الناحية ومواجهة القبائل العذرية والبلاد الأهنومية قهرا عليهم وخوفا أن يجرى فيهم ما جرى في أصحابهم.
ولما أيس القاسم بن محمد صاحب شهارة عن تمام إمامته وما دعاه إلى نفسه وما شاهده من الحروب بعينه لم يسعه إلا الهبوط من جبل شهارة والنزول إلى المحطة، فاتفق بالمهدي وقفة المسالمة، وتمثل لسان حاله بقول المتنبي في ديوانه:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
Page 528