أنهر الجانب الغربي:
الجانب الغربي أكثر أنهرا من الجانب الشرقي، ومرجع كل أنهره إلى نهرين كبيرين؛ أحدهما يأخذ ماءه من دجلة وهو دجيل إلى الشمال من بغداد، والثاني يأخذ من الفرات وهو نهر عيسى، ومنبعه إلى الغرب من بغداد ويصب جنوبيها في دجلة.
أما النهر الأول فيتفرع عنه بطاطيا، وعلى جانبي هذا النهر ضياع وبساتين كثيرة، حتى إذا قرب من بغداد انشعب منه نهر يدخل في مدينة المنصور المدورة، وكان مجراه داخل المدينة معمولا من خشب الساج، ثم ينشعب من نهر بطاطيا نهر آخر ينساب في مدينة بغداد خارج مدينة المنصور، وفي المدينة يتشعب إلى أنهار عديدة. وينشعب من نهر بطاطيا نهر ثالث يجيء نحو بغداد خارج المدينة المدورة أيضا. قال الخطيب: وهذه الأنهار كلها كانت مكشوفة إلا التي تمر منها في الحربية فإنها كانت تجري في قنوات تحت الأرض.
أما نهر عيسى فكان يجري من الفرات على مقربة من الأنبار حتى يصب في دجلة، وكان على جانبيه كثير من القرى والضياع والبساتين، ومنه تنشعب أكثر الأنهار التي كانت تنساب في بغداد الغربية. وأول نهر ينشعب منه نهر الصراة، وهو من أشهر أنهار بغداد ومنه يتفرع كثير من أنهار الجانب الغربي، وهو الطريق الأوسع للسفن التي تأتي من الفرات إلى دجلة أو تذهب منها إليه. والنهر الثاني الذي يتفرع من نهر عيسى هو نهر المحول، ومنه تتفرع أنهار كثيرة تخترق بغداد، وإنما سمي المحول؛ لأن السفن التي تنحدر في نهر عيسى من الفرات كانت تحول حمولتها في صدر هذا النهر إلى سفن أصغر منها أو إلى البر كي تحمل على الدواب؛ لأن نهر عيسى وما يتفرع عنه يضيق عن حمل السفن التي تجري فيه بعد انشعاب نهر الصراة والمحول، وكذلك تفعل السفن الصغيرة التي تأتي من دجلة، فإنها تحول حمولتها إلى سفن أخرى أكبر منها لتصعد في نهر عيسى إلى الفرات.
والنهر الثالث الذي يتفرع من نهر عيسى هو نهر كرخايا، يتفرع منه تحت نهر المحول، ومنه تتفرع أنهار تسقي ضياعا وبساتين على جانبيه إلى أن يدخل بغداد ويمر بعدة قناطر، ومنه تتشعب كل أنهار محلة الكرخ التي من أشهرها: نهر رزين، ونهر العمود، ونهر البزازين، ونهر الدجاج، ونهر القلائين، ونهر طابق. وبعض هذه الفروع يصب في دجلة وبعضها في الصراة، ومن نهر كرخايا يتفرع نهر يدخل مدينة المنصور في مجار من خشب الساج، فكان أهل المدينة المدورة يشربون من ماء دجلة وماء الفرات.
أنهر الجانب الشرقي:
لم يكن في الإمكان عند إنشاء الجانب الشرقي أن تشق أنهاره من دجلة لانخفاضها وارتفاع أرضه؛ لذلك اضطر العباسيون أن يشقوا أنهاره من نهرين؛ أحدهما يقال له: نهر بين، ويتفرع من النهروان. والثاني: نهر الخالص، ويتفرع من نهر ديالى. أما الأول فيتفرع عنه نهر يقال له نهر موسى ويمر بقصور الخلافة، حتى إذا تجاوز قصر الثريا، تنشعب منه عدة أنهار من أشهرها نهر المعلى، أما النهر الثاني فينشعب منه نهر يقال له نهر الفضل ومنه ينشعب نهر المهدي. وكان معظم المحلات الشمالية من الجانب الشرقي تستقي من الأنهار المتشعبة من نهر الفضل المتشعب من نهر الخالص، ومعظم المحلات الجنوبية تستقي من الأنهر المتفرعة من نهر موسى المتفرع من نهر بين المتفرع من النهروان.
ولم يبق في الجانبين من هذه الأنهر اليوم أثر ولا عين، كما لم يبق شيء من الأمارات التي تهدي إلى مواضعها . وإذا حاول المنقبون الحصول على أثارة من علمها فعليهم أن يثيروا الأرض؛ لعلهم يعثرون على بعض القناطر التي كانت تقوم عليها.
الفصل الثامن
الجسور
Unknown page