وفي 10 تشرين الأول سنة 1922 تم الاتفاق بين الفريقين على المعاهدة على ألا تكون نافذة إلا بعد موافقة المجلس التأسيسي عليها.
ولم تزل تستقيل وزارة وتتألف أخرى إلى أن تم جمع المجلس التأسيسي في 27 آذار سنة 1924، فنظر في لائحة القانون الأساسي وفي لائحة قانون الانتخابات فأقرهما، كما نظر في المعاهدة العراقية الإنكليزية فأقرها بأكثرية ضئيلة، ودخل على القانون الأساسي تعديلان: الأول بعد وضعه موضع العمل بسنة، والثاني سنة 1943.
ولم تزل المدة التي تضمنتها المعاهدة المذكورة بين المد والجزر، والعراقيون يلحفون في طلب الاستقلال التام الذي لا تشوبه شائبة، حتى تم عقد المعاهدة العراقية الإنكليزية في 30 حزيران سنة 1930 التي عليها العمل الآن، والتي خرج العراق بمقتضاها من ربقة الانتداب الذي لم يعترف به في وقت ما إلى حظيرة الاستقلال، وبمقتضاها دخل العراق عصبة الأمم بعد أن اعترف باستقلاله ست وخمسون دولة.
ومن أهم الأحداث التي اهتزت لها عاصمة الهاشميين وفاة المغفور له فيصل الأول في 8 أيلول سنة 1933، فبويع ولي عهده نجله الملك غازي الأول، وكانت وفاة جلالة الملك فيصل الأول في برن من بلاد سويسرة، فنقل جثمانه إلى بغداد بطيارة خاصة ودفن في مقبرة آل البيت، التي كانت قد أعدت من قبل، وأهم حادث شهدته المملكة بعد ذلك وفاة الملك الشاب المغفور له غازي الأول بحادث اصطدام سيارته الخاصة سنة 1939، فبويع بالملك ولي عهده ابنه الفرد فيصل الثاني. ولما كان دون السن القانونية فقد عهد مجلس الأمة بالوصاية عليه إلى سمو الأمير عبد الإله بن الملك علي بن الملك حسين، ولم يزل قائما بأعباء مهمته هذه على خير ما يرام متخذا من سياسة المغفور له عمه فيصل الأول - عليه الرحمة - منارا يأتم به.
الباب الرابع
الخطط والآثار
لم تكد الدولة العباسية تتخذ بغداد عاصمة لها حتى أقبل الناس إليها من كل صوب وحدب، وتكاثف فيها رجال المال والأعمال، فأكثروا من إنشاء الدور والقصور، وكانت الدولة تشجع على ذلك وتمد أهل النشاط من التجار والصناع برعايتها وفضل عنايتها. وفي الحق أنه لم تصل مدينة من مدن الإسلام في العصور الخالية إلى ما وصلت إليه بغداد من سعة العمران ونبالة الآثار، كما أنه لم تصب مدينة منها بما أصيبت به بغداد من الكوارث والجوائح.
فكما تضافرت الأيدي على عمرانها ورفعة شأنها، تضافرت الخطوب والكوارث على تمزيق أديمها ومحو قديمها. فقد تعاونت أيدي الغرباء من الأجناد والفاتحين من المغول ومن لف لفهم، ودجلة والفرات والأمراض الوافدة، على تدميرها وطمس معالمها، حتى لم يبق من رسومها اليوم أثر يمكن أن يهتدي به الباحث المنقب إلى تعيين المواضع التي كانت تقوم عليها تلك القصور الشاهقة والمباني الشامخة والمساجد الجامعة والمدارس العظيمة التي كانت تملأ سمع الزمان وبصره، اللهم إلا بعض طلول لا تزال ماثلة؛ مثل: المدرسة المستنصرية وباب الطلسم الذي ينسب بناؤه إلى الخليفة الناصر، وبعض المآذن وبقايا خرائب قصر على دجلة من الجانب الشرقي أطلقت عليه دائرة الآثار اسم القصر العباسي ...
أين موضع المدينة المدورة؟ أين موضع قصور الخلفاء؟ أين موضع البيمارستان العضدي؟ أين مجاري الأنهار التي كانت تجري خلال الجانبين؟ أين موضع المدرسة النظامية؟ أين مواضع المحلات الكبيرة في الجانبين؟ أين مدافن الخلفاء العباسيين؟ ...
لا جواب على هذه الأسئلة إلا من قبيل الحدس والتخمين، أما الجواب المبني على استنطاق الآثار واستجلاء المعالم فلا سبيل إليه؛ ولذلك فإن الباحثين في خطط بغداد اليوم لا يخرجون في تدقيقاتهم واستنتاجاتهم عن حدود الظنون. ونحن نرجو من دائرة الآثار أن تقوم بالحفر والتنقيب في أطراف المدينة اليوم؛ لعلها تهتدي إلى ما ينير السبيل أمام المحققين من المؤرخين.
Unknown page