Badr al-Tamam: Commentary on Lamiyyah of Shaykh al-Islam
بدر التمام شرح لامية شيخ الإسلام
Publisher
مركز النخب العلمية-القصيم
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م.
Publisher Location
بريدة
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي جعل العلم النافع طريقًا موصلًا لرضاه، وصراطًا يتبعه من أراد هداه، ويحيد عنه من ضل واتبع هواه، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص: ٥٠]، ونشهد أن لا إله إلا الله، رفع شأن العلم وأهله حتى وصلوا من المجد منتهاه، ومن العز أعلى ذراه، فمن سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى جنته وعلاه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة التقاة، ومن سار على نهجه إلى يوم لقاه، أما بعد:
فهذا هو الكتاب الأول (^١) من المرحلة الأولى من المنهجية العلمية التأصيلية التي تعين طالب العلم وتأخذ بيده على طريق واضح نير لينشد غايته من العلم الشرعي الصحيح على ضوء الكتاب والسنة بخطوات ثابتة مدروسة.
تُرَكِّز منهجية التميز على جوانب غايةٍ في الأهمية في مسيرة طالب العلم نحو هدفه، ومن تلك الجوانب:
- اختيار أبرز وأهم المتون العلمية وشرحها شرحًا مناسبًا يقرب العلم ويسهل إتقانه.
- القراءة الفردية المستمرة في مختلف الفنون مع المناقشة الجماعية لما تمت قراءته.
_________
(^١) أصل هذا الشرح كان ارتجالًا، ومما دوَّنه بعض الطلاب في أثناء الإلقاء، ثم زيد فيه ونُقِص.
1 / 5
المتابعة والمراجعة للشروح وفوائد الدروس وتسميع المحفوظات للطلاب الراغبين.
- جلسة شهرية حوارية مفتوحة: للترويح وتنمية ملكة الحوار العلمي بحيث يختار فيها موضوع علمي معاصر يناقش من قبل الطلاب.
- تستمر المنهجية أكثر العام بأجوائها العلمية المميزة بمعدل ثلاثة دروس في الأسبوع بعد صلاة المغرب يوم الثلاثاء ومغرب وعشاء الجمعة، ويمكن الاستزادة من الدروس لاحقًا إذا لزم ذلك، أو الالتحاق بدروس الفجر اليومية.
- يتم توفير كتب الشروح مع وضع خطة للمراجعة المستمرة لجميع المشروحات بشكل دوري.
- رعاية طالب العلم مع متابعته في مسيرته العلمية والحرص على إتقان الطالب للمتون المشروحة.
- تخصيص سجل خاص لطالب العلم الراغب في متابعته في حفظ المتون ومراجعة الشروح، والقراءة الفردية الموسعة.
- المتابعة والتواصل مع الطلاب عن طريق رسائل الجوال.
- تذليل العقبات أمام طالب العلم الجاد ووضع البرامج والخطط العلمية الإضافية لمن يجد لديه همة وطموحًا وسعة من الوقت.
- الاهتمام بالجوانب الإيمانية والسلوكية والخلقية من خلال الدروس والشروح والجلسات الحوارية.
- لطالب العلم الراغب في الالتحاق بالمنهجية إمكانية اللحاق واستدراك ما فاته وذلك بالتواصل المباشر مع اللجنة العلمية من خلال
1 / 6
الجوال الخاص بالمنهجية، أو التواصل المباشر مع الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل، ويفضل الحضور لأجل المتابعة بشكل دوري ثابت حسب ظروف المشارك، ويمكن أن يلتحق بالمنهجية طالب العلم الذي لا يتمكن من الحضور سواء في منطقة القصيم أو خارجها أو خارج المملكة، بتوفير شروح المنهجية، ومتابعة الطالب في قراءتها وإتقانها من خلال التواصل عن طريق جوال المنهجية أو موقع مشروع النخبة العلمي على الشبكة العالمية (قريبًا)، أو الاتفاق مع الشيخ عبد الرحمن حفظه الله.
أمدنا الله وإياكم بالعلم النافع، ووهبنا من لدنه رحمة وفضلًا.
إدارة الشؤون التعلمية - مركز النخب العلمية
جوال المنهجية: ٠٥٣٠١٢٣١٢٧
بريد إلكتروني: alnokhab@hotmail.com
1 / 7
نص اللامية
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ... رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه ... لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّلُ
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلِّهِمْ لي مَذْهَبٌ ... وَمَوَدَّةُ القُرْبَى بِها أَتَوَسَّلُ
وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ علَا وفضائلٌ ... لكِنَّما الصِّدِّيقُ مِنْهُمْ أَفْضَلُ
وَأَقُولُ فِي القُرآنِ ما جاءَتْ بِهِ ... آياتُهُ فَهُوَ الكَريمُ المُنْزَلُ
وأقولُ قَالَ اللهُ ﷻ ... والمصطفى الهادي ولَا أَتأوَّلُ
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّها ... حَقًّا كما نَقَلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
وأَرُدُّ عُهْدَتَها إلى نُقَّالِهَا ... وأَصُونُها عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ
قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ القُرَانَ وراءَهُ ... وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
والمؤمنونَ يَرَوْنَ حقًّا ربَّهُمْ ... وإلى السَّماءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
وأُقِرُّ بالميزانِ والحَوضِ الذي ... أَرجُو بأنِّي مِنْهُ رِيًّا أَنْهَلُ
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ ... فَمُسَلَّمٌ نَاجٍ وآخَرُ مُهْمَلُ
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَةٍ ... وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقلٍ في قَبرِهِ ... عَمَلٌ يُقارِنُهُ هناك وَيُسْأَلُ
هذا اعتقادُ الشافِعيِّ ومالكٍ ... وأبي حنيفةَ ثم أحمدَ يُنْقَلُ
فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوفَّقٌ ... وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَوَّلُ
1 / 8
نسبة نظم اللامية
لشيخ الإسلام ابن تيمية
اختلف أهل العلم قديمًا وحديثًا في نسبة المنظومة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: صحة نسبة نظم اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقال بذلك:
١ - الشيخ أحمد بن عبد الله المرداوي ﵀ (ت:١٢٣٦ هـ)، في شرحه على اللامية، المسمى: «اللآلئ البهية في شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية»، فقد نسب القصيدة لشيخ الإسلام ابن تيمية كما في اسم شرحه على اللامية (^١).
٢ - الشيخ محمد بن عبد الله الجبَرتِي ﵀ (ت:١٢٨٦ هـ) في شرحه على اللامية، حيث يقول في مقدمة كتابه: «أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى مولاه العلي الكبير، محمد بن عبد الله الجبَرتِي: هذا شرح لطيف على منظومة الشيخ العالم العلامة، والبحر الفهَّامة، تقي الدين، أبي العباس، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، الحراني يُبَيِّن حقائقها، ويكشف دقائقها، وسميته: (زاد المعاد في اعتقاد خيار العباد)» (^٢).
٣ - الشيخ خير الدين، الآلوسي ﵀ (ت:١٣١٧ هـ)، حيث قال في كتابه «جلاء العينين»: «اعلم أولًا أن عقيدة الشيخ ابن تيمية الموافقة للكتاب
_________
(^١) اللآلئ البهية ص (٣٦).
(^٢) مخطوط منه نسخة بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية برقم (٢٧٠٤ - ٤ - ف).
1 / 9
والسنة وأقوال سلف الأمة مستفيضة مفصلة في تصنيفاته، وحبه وتعظيمه للصحابة الكرام لاسيما (الشيخين) طافحة به عباراته وذلك أظهر من الشمس في رابعة النهار خصوصًا لمن تتبعها في تأليفاته، ونقلها بأسرها يفضي إلى الملل إلا أني أحرر لك البعض: (وعن البحر اكتفاء بالوشل) فمنه قوله:
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ... رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ»
ثم ذكر المنظومة بأكملها (^١).
٤ - الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد ﵀ (ت:١٤٠٨ هـ)، فقد قال في شرحه على العقيدة الواسطية: «قال الشيخ تقي الدين ﵀ في لاميته المشهورة:
قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ القُرَانَ وراءَهُ ... وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
إلخ» (^٢).
٥ - الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي ﵀ (ت:١٤١٠ هـ)، حيث قال: «قال: شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ نظمًا في اعتقاد الأئمة الأربعة، وهو اعتقاده مجيبًا من سأله عن ذلك، قال قدس الله روحه:
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ... رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ»
ثم ذكر المنظومة بأكملها (^٣).
_________
(^١) جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ص (٧٣).
(^٢) التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ص (١٢٧).
(^٣) عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين (١/ ٣٦٩ - ٣٧٠).
1 / 10
٦ - الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي ﵀ (ت:١٤٢٣ هـ)، حيث قال: «ولشيخ الإسلام ابن تيمية عقيدة وجيزة، وهي منظومة لامية من بحر الرجز وها هي ذا فأقرأها:
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ... رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ»
ثم ذكرها بأكملها (^١).
٧ - الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ﵀ (ت:١٤٣٠ هـ) قال في مقدمة شرحه على نظم اللامية: «هذه الأبيات تُنسب إلى شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام المعروف بابن تيمية شيخ الإسلام، وعَلَم الهداة الأعلام ﵀، وأكرم مثواه، وهذه الأبيات لم تكن مشهورة، ولأجل ذلك ما أوردها الشيخ عبد الرحمن بن القاسم في مجموع الفتاوى، ولعله لم يجزم بأنها لشيخ الإسلام، أو أنها ليست من الفتاوى التي لها مكانتها، ولا شك أنها عقيدة لها أهميتها، ولو كانت مختصرة، تضمنت مجمل عقيدة أهل السنة، وتضمنت القول الصحيح الذي عليه أئمة الإسلام من سلف الأمة وأئمتها، وقد جزم بصحتها عن شيخ الإسلام الشيخ العالم محمد الغنامي ﵀ وطبعها في رسالته التي هي بعنوان: «القول السديد في عقيدة التوحيد» وطبعت قديمًا، وقرأتها يمكن قبل خمس وخمسين سنة أو نحوها، جزم بأنها لشيخ الإسلام، ورأيتها أيضًا مكتوبة عند أحد أجدادنا بخط قديم في صفحة واحدة؛ ولكنه ذكر قال: هذه أبيات تُنسب إلى شيخ الإسلام، ولا شك أن اشتهارها يدل على مكانتها، وعلى أنها من نظمه ﵀، وأيضًا قد شرحها بعض المتأخرين: شرحها المرداوي وطُبِعَ شرحه محققًا، وجزم بأنها
_________
(^١) الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه ص (١٣٧).
1 / 11
لشيخ الإسلام ﵀، وذلك علامة على شهرتها وعلى مكانتها» (^١).
٨ - الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني حيث عزاها لشيخ الإسلام في ترجمته له، وقال: «وقال في عقيدته وأتباعه:
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ... رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ»
ثم ذكر المنظومة بأكملها (^٢).
٩ - الشيخ يوسف بن عبد الله السالم في مقدمة شرحه لنظم اللامية، حيث قوَّى احتمال نسبتها لشيخ الإسلام، فقال: «فهذا شرح لامية شيخ الإسلام التي تنسب إليه والتي لخص فيها مذهبه وعقيدته ... ولم تجد اهتماما من الشراح، ربما لوضوحها أو لقلة أبياتها، أو لعدم ثقة بعضهم بنسبتها إلى الشيخ، ومتمسكهم في ذلك أنه لم يرد لها ذكر في مؤلفات الشيخ ولا في مؤلفات تلامذته، والأولى أن تجد العناية حتى وإن ثبت أنها ليست له لاحتوائها على مسائل في صميم معتقد المسلم، مع تقريبي أن تكون له لموافقتها معتقد الشيخ، والثابت في أمكنة أخرى من رسائله وكتبه، مع ثبوت مخطوطات متقدمة لها يقوي بعضها بعضًا» (^٣).
_________
(^١) شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية: لفضيلة الشيخ الدكتور: عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، وخرج أحاديثه وعلق عليه الدكتور: طارق الخويطر، نشر كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى عام ١٤٢٨ هـ.
(^٢) أوراق مجموعة من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ص (٣١ - ٣٢).
(^٣) شرح اللامية له ص (٩).
1 / 12
واستدل أصحاب هذا الرأي بأمور منها:
الأمر الأول: أن هذه المنظومة وُجِدَت مع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من النسخ المخطوطة.
ونُوقِش هذا الأمر: بأن مجرد وجود المنظومة بين كتب شيخ الإسلام لا يكفي لإثبات نسبتها إليه.
الأمر الثاني: أن بعض النسخ المخطوطة تُعَنْوَن بنسبة المنظومة لشيخ الإسلام، وتُخْتَم بذلك.
ونُوقِش هذا الأمر: بأن بعض النسخ ليس فيها نسبة لشيخ الإسلام، ولو ثبت أن بعضها يُعَنْوَن بنسبتها إليه فلا يكفي ذلك لإثبات نسبتها إليه ما لم توجد قرائن أخرى تؤكد هذا الأمر، وهذا مشهور ومعروف في علم التحقيق في مبحث إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه.
الأمر الثالث: اشتهار نسبتها لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث نسبها إليه عدد من العلماء، وتلقوها بالقبول.
ونُوقِش هذا الأمر: بأن كثيرًا من المؤلفات اشتهرت نسبتها إلى أشخاص، وعند التحقيق وُجِدَ أنها منحولة عليهم، وليست لهم بل هي لأُناسٍ آخرين، ومجرد الشهرة لا تُثبت نسبة كتاب إلى صاحبه.
٤ - أن عددًا من العلماء المتقدمين شرح هذه المنظومة على أساس أنها لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ونُوقِش هذا الأمر: بأن أغلب الذين شرحوا هذه المنظومة دعاهم إلى ذلك ما حوته من عقيدة السلف، لا لأنها من مصنفات شيخ الإسلام،
1 / 13
وبعضهم اعتمد على شهرة نسبتها إليه.
الرأي الثاني: عدم صحة نسبتها لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقال بذلك:
١ - الشيخ محمد بن صالح العثيمين ﵀ (ت:١٤٢١ هـ)، فقد قال في «شرح السَّفارِينية»: «الظاهر أنها لا تصح أصلًا عن الشيخ» (^١).
٢ - الشيخ بكر عبد الله أبو زيد ﵀ (ت:١٤٢٩ هـ)، حيث ذكر هذه المنظومة في كتابه «المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية»، تحت باب «الكتب المنحولة على شيخ الإسلام» (^٢).
واستدل أصحاب هذا الرأي بأمور منها:
الأمر الأول: أن هذه المنظومة لم يذكرها أحد من الذين اهتموا بذكر مصنفات شيخ الإسلام كابن رُشَيّق، وابن القيم، وابن عبد الهادي، وابن رجب وغيرهم، ولم ينسبها إليه أحد من تلاميذه ومعاصريه، وفي هذا أكبر دليل على عدم نسبتها إليه.
ونُوقِش هذا الأمر: بأن مصنفات شيخ الإسلام كثيرة جدًا، ومن الصعب إحصاؤها، والذين ذكروا مصنفاته لم يدَّعوا أنهم استقصوها كلها، بل إنهم ذكروا أشهرها وأكبرها، وأما «اللامية» فلصغرها وقلة أبياتها أُغْفِلت أمام المصنفات الكثيرة.
ويؤيد هذا ما ذكره الحافظ ابن رجب، حيث قال - في سياق الكلام عن مؤلفات شيخ الإسلام -: «قد جاوزت حدّ الكثرة، فلا يمكن أحدًا حصرها،
_________
(^١) شرح السفارينية ص (٤٢٧) طبعة دار البصيرة، وهذا الكلام غير موجود بطبعة دار الوطن.
(^٢) ص (٧٢).
1 / 14
ولا يتسع هذا المكان لعد المعروف منها، ولا ذكرها ..»، وعدّ منها شيئا، ثم قال: «وأما القواعد المتوسطة والصغار وأجوبة الفتاوى، فلا يمكن الإحاطة بها لكثرتها وانتشارها وتفرقها» (^١).
الأمر الثاني: أنَّ شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» عند حديثه عن صفة الكلام، قال: «وقد أنشد فيهم المنشد:
قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ القُرَانَ وراءَهُ ... وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ»
وهذا البيت أحد أبيات «اللامية» ولم ينسبه لنفسه، وهذا يشعر بأنها ليست له.
ونُوقِش هذا الأمر: بأن شيخ الإسلام ربما لم ينسب هذا البيت إليه تواضعًا، وقد درج على هذا المسلك بعض العلماء قديمًا وحديثًا منهم تلميذه ابن القيم ﵀ حيث أثبت له بعض المحققين أبياتًا ذكرها في بعض كتبه ولم ينسبها لنفسه (^٢)، وكثيرًا ما كان الشيخ ابن عثيمين يشرح نظمه ويقول: قال الناظم، ويقصد بذلك نفسه.
واحتمال آخر وهو: أنه لما كان يجادل ويناقش في مسألة الكلام أراد أن يستشهد بهذا البيت، ورأى أنه ليس من المناسب في أسلوب المناقشة أن يستشهد بكلام ثم ينسبه لنفسه.
_________
(^١) ذيل طبقات الحنابلة (٤/ ٥٢٠).
(^٢) قال محمد حامد الفقي في تعليقه على «إغاثة اللهفان» ص (٢٣١) - معلقًا على قول ابن القيم: وقال آخر وأحسن ما شاء، ثم ذكر أبياتًا: «أنا لا أشك في أن هذا القائل هو الإمام المحقق الرباني الصادق ابن القيم، وهذا نفسه في الشعر وروحه».
1 / 15
الأمر الثالث: أن في هذه المنظومة ما يخالف تقريرات شيخ الإسلام ابن تيمية وسائر السلف، وذلك ما ورد في البيت الرابع من المنظومة:
وَأَقُولُ فِي القُرآنِ ما جاءَتْ بِهِ ... آياتُهُ فَهُوَ القديمُ المُنْزَلُ
فلفظ (القديم) من ألفاظ المتكلمين، التي أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه في كثير من كتبه، فوجودها في هذه المنظومة يدل على أنها ليس له.
ونُوقِش هذا الأمر: بأنه قد ورد في بعض نسخ اللامية المخطوطة لفظ (الكريم المنزل) بدل (القديم المنزل)، ويمكن أيضًا أن يقال: إن شيخ الإسلام صنف هذه المنظومة في بدايات حياته العلمية، وهذا ما أشار إليه الشيخ العثيمين ﵀ من أن الاحتمال قائم بأن يكون ابن تيمية قد صنف هذه القصيدة في بداية طريقه في الطلب (^١).
الرأي الثالث: الشك في صحة نسبتها لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقال بذلك:
١ - الشيخ سليمان بن سحمان النجدي ﵀ (ت:١٣٤٩ هـ)، حيث قال: «وأما ما ذكره في القول السديد في الأبيات التي نسبها لشيخ الإسلام قدس الله روحه إن صح النقل بذلك عنه حيث قال:
وَأَقُولُ فِي القُرآنِ ما جاءَتْ بِهِ ... آياتُهُ فَهُوَ القَدِيمُ المُنْزَلُ
فهذا القول إن صح لا ينافي كونه سبحانه يتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافًا لأهل الكلام من
_________
(^١) شرح السفارينية ص (٤٢٧) طبعة دار البصيرة.
1 / 16
المبتدعة وغيرهم، والله أعلم» (^١).
٢ - الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان ﵀ (ت:١٤٢٢ هـ)، حيث قال: «مِمَّا نُسِبَ إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ... رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ
ثم ذكرها بأكملها (^٢).
٣ - الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله، حيث قال في تقديمه لكتاب «شرح اللامية» ليوسف السالم: «فقد قرأت هذا الشرح للأبيات المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، وألفيتها مفيدة ... ولعل هذا الشرح يجعل لها من الاهتمام والقبول لدى طلبة العلم ما يناسبها، وإن كان بعض أهل العلم يشك أن تكون لشيخ الإسلام، ولكن ما دامت تشتمل على حق وإفادة، فالحق ضالة المؤمن» (^٣).
٤ - الشيخ علي بن محمد العِمران، حيث قال: «لامية شيخ الإسلام نشرها الأخ خالد الحيان معتمدًا على عدة نسخ خطية متأخرة، وذكر بعض أدلة ثبوتها، وإن كنت لا أوافقه على الجزم بنسبتها إليه، بل فيه نظر كبير. ثم وقفت على نسخة خطية منها على طرة مجموع فيه فتوى لابن تيميه بخط أحد أبناء عمومته، بتاريخ (٧٦٢ هـ) في غاية الجودة والنفاسة، لكنه لم يجزم بنسبتها لشيخ الإسلام، فيبقى أن تجمع هذه الدلائل والقرائن إذا أردنا
_________
(^١) تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة ص (٢١).
(^٢) مجموعة القصائد الزهديات (٢/ ٤٢٦).
(^٣) شرح اللامية ص (٥).
1 / 17
الجزم بإثباتها أو نفيها» (^١).
والذي يبدو لي التوقف في نسبة هذه المنظومة لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀؛ وذلك لأنه من الصعب الجزم بإثباتها له، ويصعب أيضًا نفي نسبتها إليه، وكلا الفريقين المثبتين والنافين ليس لديهم القرائن الكافية على النفي أو الإثبات (^٢).
وعلى كل حال: فهذا الخلاف في نسبتها لا ينقص من قيمتها العلمية شيئًا، ولا يوجب ردها، فهي منظومة مباركة، تضمنت مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة، وما عليه أئمة الإسلام من سلف الأمة وأئمتها، مع سهولة عبارتها وقلة أبياتها.
وعدد أبيات هذه «اللامية» ستة عشر بيتًا، كما هو الأكثر في نسخها، وسميت بـ «اللامية»؛ لأن قافيتها مختومة باللام، وفيها سُئل الناظم عن جملة من المسائل، فأجاب بقوله: «يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ...» إلى آخر المنظومة.
_________
(^١) في لقاء له على موقع صيد الفوائد. htm ١٧ http://saaid.net/leqa/.
(^٢) لقد وقفت على أغلب ما كتب في هذه المسألة، ولم أجد من جمع أطرافها، وناقش جميع أقوالها، وقد استفدت من الجميع وأضفت عليهم الكثير. ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب:
١٤٠٣٥٠ http://islamqa.info/ar/ref/، وملتقى أهل الحديث:
١٣٧٣٥٢ http://
الشرح
الشرح
الشرح .ahlalhdeeth.com/vb/sho
الشرح thread.php؟t=.
الشرح
الشرح
الشرح .ahlalhdeeth.com/vb/sho
الشرح thread.php؟t=.
1 / 18
شرح المنظومة اللامية
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي ... ..................................
الشرح قوله: (يا سَائِلي): (يا): حرف نداء، (سَائِلي) سؤال هداية واسترشاد. • السؤال يأتي على أنواع منها: - النوع الأول: أن يكون السؤال لطلب المال، والمشروع في هذا النوع عدم نهر السائل، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى:١٠]، وجاء في سنن أبي داود: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» (^١). - النوع الثاني: أن يكون السؤال في مسألة من مسائل الشرع، فهذا تُشرع إجابته إذا تبيَّن صدقُهُ في طلب الحق، وهذه وظيفة أهل العلم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣]. فإذا توقف الحق على بيان المسؤول كان البيان وعدم الكتمان واجبًا عليه وجوبًا عينيًا؛ لأن هذا هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى على كل من _________ (^١) أخرجه أبو داود رقم (١٦٤٠)، وقد صحح الحديث الشيخ عبد الله الدويش ﵀، ولكن فيه يعلى بن أبي يعلى: قال فيه ابن أبي حاتم: «مجهول» كما في «الجرح والتعديل» (٩/ ٣٠٣)، وتبعه في ذلك الذهبي في «الميزان» (٤/ ٤٥٨)، وابن حجر؛ ولذلك أَعلَّهُ الزيلعي، وضعفه العراقي، والألباني، وغيرهم.
الشرح قوله: (يا سَائِلي): (يا): حرف نداء، (سَائِلي) سؤال هداية واسترشاد. • السؤال يأتي على أنواع منها: - النوع الأول: أن يكون السؤال لطلب المال، والمشروع في هذا النوع عدم نهر السائل، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى:١٠]، وجاء في سنن أبي داود: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» (^١). - النوع الثاني: أن يكون السؤال في مسألة من مسائل الشرع، فهذا تُشرع إجابته إذا تبيَّن صدقُهُ في طلب الحق، وهذه وظيفة أهل العلم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣]. فإذا توقف الحق على بيان المسؤول كان البيان وعدم الكتمان واجبًا عليه وجوبًا عينيًا؛ لأن هذا هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى على كل من _________ (^١) أخرجه أبو داود رقم (١٦٤٠)، وقد صحح الحديث الشيخ عبد الله الدويش ﵀، ولكن فيه يعلى بن أبي يعلى: قال فيه ابن أبي حاتم: «مجهول» كما في «الجرح والتعديل» (٩/ ٣٠٣)، وتبعه في ذلك الذهبي في «الميزان» (٤/ ٤٥٨)، وابن حجر؛ ولذلك أَعلَّهُ الزيلعي، وضعفه العراقي، والألباني، وغيرهم.
1 / 19
أعطاه الكتاب وعلمه العلم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران:١٨٧].
ولا يجوز كتمان العلم إلا إذا خاف الضرر على نفسه، قال أبو هريرة ﵁: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ» (^١)، وهذا العلم الذي لم يبثه هو العلم المتعلق بولاية الأمويين، فقد جاء في ولايتهم أحاديث فلم يكن أبو هريرة ﵁ يبثها خشية الفتنة.
• وهناك أحوال يُنهى عن السؤال فيها:
- الحالة الأولى: السؤال عمَّا لا ينفع، وعليه يُحْمَل قول النبي ﷺ في «الصحيحين»: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ» (^٢)، وفي «الصحيحين» أيضًا عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ»، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ َقَالَ: «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ»، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِ رسول الله
_________
(^١) أخرجه البخاري رقم (١٢٠).
(^٢) أخرجه البخاري رقم (٧٢٨٨)، ومسلم رقم (١٣٣٧) من حديث أبي هريرة ﵁، واللفظ لمسلم.
1 / 20
مِنَ الغَضَبِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللهِ ﷿» (^١). وهذا هو الشاهد حيث غضب النبي ﷺ لما سُئل هذه الأسئلة التي لا طائل من ورائها.
- الحالة الثانية: السؤال عما لم يكن، وقد جاء عند الدارمي عن عبدالله بن عمر ب قال: «لا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَلْعَنُ السَّائِلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ» (^٢).
- الحالة الثالثة: السؤال عن المغيَّبات التي سكت الشارع عن بيانها، ولم يرد فيها شيء عنه، فلا يُشرع مثل هذه الأسئلة إنما يقتصر فيها على ما جاءت به الشريعة.
كمن يَسْأَل ويقول: كيف يعذب الفاسق في قبره؟ وكمن يسأل ويقول: كيف يُنعم المؤمن في قبره ويمد له مد البصر؟ وكيف يكون قبره روضة من رياض الجنة؟
هذا مما سكت الشارع عنه، وكان من منهج الصحابة ﵃ عدم الخوض في السؤال عن مثل هذا وغيره أيضا، قال أنس ﵁: «نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ» (^٣).
_________
(^١) أخرجه البخاري رقم (٩٢)، ومسلم رقم (٢٣٦٠).
(^٢) أخرجه الدارمي (١/ ٦٢)، وإسناده حسن.
(^٣) أخرجه البخاري رقم (٦٣)، ومسلم رقم (١٢)، واللفظ له.
1 / 21
وهذا ليس معناه النهي عن السؤال مطلقًا، ولكن عن فَرْضِيَّة المسائل، وعن كيفية المغيبات التي لا يمكن أن تدركها العقول، وتقف أمامها حائرة.
- الحالة الرابعة: سؤال التنطع، ويدل عليه قوله ﷺ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ (^١)» (^٢)، ويدخل فيه سؤال بعض الناس لأهل العلم بقصد إظهار العلم والمعرفة!
وقد يسأل السائل وهو يعلم، لكن بنية تعليم الناس، فلا بأس بذلك.
- الحالة الخامسة: سؤال المراء والجدال، وقد قال النبي ﷺ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا» (^٣).
- الحالة السادسة: سؤال العالم اختبارًا له فهذا ليس محمودًا، وكل
_________
(^١) التنطع: التكلف والمغالاة، ومجاوزة الحدود.
(^٢) أخرجه مسلم رقم (٢٦٧٠)، وأبو داود ح (٣٩٩٢) من حديث عبدالله بن مسعود ﵁.
(^٣) أخرجه أبو داود رقم (٤١٦٧) من حديث أبي أمامة ﵁، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٤٢٠)، رقم (٢١١٧٦)، والطبراني في المعجم الكبير (٨/ ٩٨)، رقم (٧٤٨٨)، وغيرهم، والحديث له شواهد منها: حديث ابن عمر ﵄ عند الطبراني في المعجم الأوسط (١/ ٢٦٩)، رقم (٨٧٨)، وحديث معاذ ابن جبل ﵁ عند الطبراني أيضا في معاجمه الثلاثة: الكبير (٢٠/ ١١٠) رقم (٢١٧)، والأوسط (٥/ ٢٨٥)، رقم (٥٣٢٨)، والصغير (٢/ ٧٤) رقم (٨٠٥)؛ وقد جَوَّد إسناده العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (١/ ١٥٣)، وحسَّنه الهيثمي في مجمع الزوائد (١/ ١٥٧)، وصحَّحه النووي في رياض الصالحين ص (٢١٦)، والأرناؤوط في تحقيق سير أعلام النبلاء (١٨/ ٥١٦).
1 / 22
هذه الأسئلة من التكلف الذي نُهي عنه شرعًا.
قوله: (عَنْ مَذْهَبِي): يعني عمَّا أذهب إليه وأقول به وأراه في مسائل الشرائع والأحكام.
والمذهب يُطلق ويراد به الأحكام العملية، ويسمى بالفقه الأصغر، ويطلق ويراد به أصول الدين وعلم التوحيد والأسماء والصفات، ويُسمَّى بالفقه الأكبر.
وقد اشتهر عند بعض أهل العلم تقسيم الدين إلى فروع وأصول، ويعنون بأصول الدين ما يتعلق بعقائده وأصوله الكبرى، ويعنون بالفروع الأحكام العملية. ولكن يُشكل عليه أن من الأحكام العملية: الصلاة، فهل يستقيم أن تكون الصلاة من فروع الدين؟ وقد قال النبي ﷺ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ» (^١).
والصلاة هي عمود الدين، فمتى تُركت سقط الدين كله، وقد أفاض في بيان هذا شيخ الإسلام (^٢)، وتلميذه ابن القيم (^٣)، والشيخ ابن عثيمين وغيرهم، والمقصود أن هذا التقسيم فيه نظر.
_________
(^١) أخرجه مسلم رقم (١٣٤)، والترمذي رقم (٢٥٤٣) من حديث جابر بن عبد الله ﵄، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(^٢) ينظر: مجموع الفتاوى (٣/ ١٢٥).
(^٣) إعلام الموقعين (٤/ ٣٧٥).
1 / 23
...................... ... رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ
الشرح قوله: (وعَقيدَتِي) العقيدة لغة: مأخوذة من العقد، وهو شدُّ الشيء وربطُهُ بإحكام، ومنه عَقْدُ الإزار؛ لأنه يُشدُّ بإحكام، واعتقدت كذا إذا عَقدتَ عليه القلب والضمير. واصطلاحًا: هي الإيمان الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة من أصول الدين وأموره وأخباره، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر والقدر والشرع، ولرسوله ﷺ بالطاعة والتحكيم والاتباع (^١). قوله: (رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ) (مَنْ) اسم موصول: فيكون المعنى رزق الهدى الذي يسأل سؤال هداية واسترشاد، فهذا الشطر من البيت فيه دعاء، حيث دعا الناظم للسائل بالهداية، والدعاء بالهداية للنفس مشروع، قال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:٦]، وفي «صحيح مسلم»: «اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (^٢)، كما يُشرع الدعاء للغير بالهداية كما في دعاء النبي _________ (^١) ينظر في تعريفها الاصطلاحي: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر العقل ص (٩). (^٢) أخرجه مسلم رقم (٧٧٠)، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: سألت عائشة أم المؤمنين، بأي شيء كان نبي الله ﷺ يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: «اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
الشرح قوله: (وعَقيدَتِي) العقيدة لغة: مأخوذة من العقد، وهو شدُّ الشيء وربطُهُ بإحكام، ومنه عَقْدُ الإزار؛ لأنه يُشدُّ بإحكام، واعتقدت كذا إذا عَقدتَ عليه القلب والضمير. واصطلاحًا: هي الإيمان الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة من أصول الدين وأموره وأخباره، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر والقدر والشرع، ولرسوله ﷺ بالطاعة والتحكيم والاتباع (^١). قوله: (رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ) (مَنْ) اسم موصول: فيكون المعنى رزق الهدى الذي يسأل سؤال هداية واسترشاد، فهذا الشطر من البيت فيه دعاء، حيث دعا الناظم للسائل بالهداية، والدعاء بالهداية للنفس مشروع، قال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:٦]، وفي «صحيح مسلم»: «اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (^٢)، كما يُشرع الدعاء للغير بالهداية كما في دعاء النبي _________ (^١) ينظر في تعريفها الاصطلاحي: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر العقل ص (٩). (^٢) أخرجه مسلم رقم (٧٧٠)، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: سألت عائشة أم المؤمنين، بأي شيء كان نبي الله ﷺ يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: «اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
1 / 24