وبعد اتباع فؤاد نصيحة ابن خالته «المخلص» لم يتبين طرق هذه المعيشة من تلك، ولا عرف كم أضافت إليه تلك النصيحة من الآلام والهموم؛ لأنه كان ثملا لا يفيق.
ولما مشى فؤاد على هذه الطريق نسي نصائح والده له تماما؛ لأنه كان قد نسيه معها، وأخذ يكتب إليه كثيرا واعدا بقرب رجوعه وبإيقافه على قصته، وهذا ما كان يسلي ذلك الوالد التعيس الذي أوقعه شرف مبدئه بهذه الوهدة، وتلك الوالدة المستحقة الرحمة التي أوصلها كبرياؤها إلى هذه النتيجة الهائلة.
وكان فؤاد يمشي مع رفقائه على طريق الهلاك، ومن يراه يعرف بأنه مدفوع إلى سلوكها مرغما؛ لأنه كان لا يعي على شيء ولا يصغي أو يفتكر، فكان إذا قدم له الناس كأسا يشربها وربما شرب عشرات مثلها ولا يرفض، ولكنه لم يذهب بنفسه ويشربها. ولم يتغير شيء من أحواله قط؛ فإنه بقي كما كان دمث الأخلاق لطيف المعشر كثير الافتكار يحب الرحمة والإحسان، وكثيرا ما يكون سكرانا ومتوكئا على ذراع أحد أصدقائه، فيمر بأحد الفقراء ولا ينساه، بل يأخذ من جيبه مالا ويدفعه إليه. وكان يأتي أمورا كثيرة شريفة تدل على أن سلوكه كان إما رغما عنه وإما عن غير انتباه.
وبينما كان فؤاد بهذه الحالة على موائد الخمور وبين أسباب السرور ويتعذب بنفسه وجسده ولا يدري، كانت بديعة في أشد حالات العذاب وهي تتعذب وتدري لماذا هو عذابها.
الفصل الثامن والعشرون
الكتاب
وكانت بديعة من حين سمعت كلمة «خائنة» من فم فؤاد لم تذق راحة، إلا أن ما كان يعذبها كثيرا هو بطلان هذه التهمة التي لم تعرف ما دعا فؤادا إلى تصديقها، وقد جهلت تلك المساعي الشريرة ضدها.
ولما كانت لم تزل ضعيفة الجسم انتكست وعادت إليها آلام المرض، فلم يجد حديث أديب المسلي وحنوه وحبه الصادقان، ولا سهر واعتناء جميلة نفعا؛ لأن الضربة كانت عظيمة، وقد كانت تظهر التسلي لما تكون بين الناس ولسان حالها ينشد:
لا تحسبوا رقصنا ما بينكم طربا
فالطير يرقص مذبوحا من الألم
Unknown page