فما رأي أمثال هؤلاء العلماء في القديم والحديث لو أصررنا على أن «لا تفسير ولا تأويل»، وأبينا إلا التمسك بنص القرآن الشريف؟ أيحكمون علينا بالإثم والفسوق؟ فإن فعلوا، أفلا نحكم عليهم بالجهل والجمود؟ إنهم لفي ضلال مبين.
لقد آن لهذه الأجناس البشرية أن تصحو وتفيق! فلو كانت البواعث الروحية أو الجزاءات الروحية كافية لبقاء الأخلاق؛ لكان للقرآن أسلوب غير هذا الأسلوب، ولكن الله لم يشأ أن يترك عباده في عماية وضلال، فوصف لهم الجنة وقطوفها الدانية وصفا شائقا لا يدع مجالا للمتأولين والمتخيلين! وقد جعل الله الجزاء في الآخرة مثلا للجزاء في الدنيا - لو يفهم المتفيهقون.
أكتب هذا وأنا أقرأ كل يوم في الآداب القديمة والحديثة شكوى الأدباء من إعزاز الجماهير للمال، وإجلالهم لأهله، فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟! لقد كان المال زينة الحياة منذ خلق الله الوجود، أفيريد هؤلاء الكسالى أن يحولوا سنة الله فلا تقدر الجهود المادية ، ولا ينظر إلى من يستغلون كنوز الأرض بغير الازدراء؟ كم مضت آلاف السنين والروحيون يذمون المال، وطلاب المال! فما أبغضه أحد حتى ولا الروحيون أنفسهم، أفلا يجب أن تكف هذه الألسنة الداعية إلى المستحيل ثم يفرغ الناس لشئونهم جميعا قبل أن يستحوذ الغربيون على ما في العالم من الأموال والثمرات، ثم لا يتركوا لنا غير الشعر والخيال؟!
ذكرى الشيخ محمد عبده
بين يدي الآن جريدة «الماتان» وفيها صورة باستيرو قد كتب بجانبها بالخط العريض ما تعريبه: «الماتان يدعو قراءه إلى مساعدته على تنظيم حفلة في باريس للذكرى المئوية التي ستقيمها الحكومة في ستراسبورج»، ويلي ذلك كلمة قيمة عن تاريخ باستيرو العالم الفرنسوي المعروف.
ففي فرنسا تحتفل الحكومة بذكرى العلماء، ثم تدعو الجرائد قراءها إلى العمل لشمول تلك الحفلات، أما في مصر فلا تعنى الحكومة بشيء من ذلك، ولا تفكر الجرائد في كثير منه أو قليل؛ وأمامنا الاحتفال بذكرى الشيخ محمد عبده، فقد دعا إليه فريق من تلامذته الأوفياء، وتفضلت الجرائد فنشرت الخبر بلا تعليق! وهكذا، تموت فينا عاطفة إجلال العظمة، وتبجيل العظماء، على أن كبار الرجال لم يعيشوا لأنفسهم، بل عاشوا لأممهم عيشة طافحة بالشقاء! فبأي قلب نواجه هذا العقوق الدميم؟ ومتى نرحم أنفسنا من هذا التخاذل المرذول.
فباسم العلم والمروءة نقدم إلى من احتفلوا بذكرى الشيخ محمد عبده خالص الشكر ووافر الإجلال «والله لا يضيع أجر المحسنين».
مناقشة لغوية
جرى في بعض الأندية ذكر هذا المثل «الحديث ذو شجون» فرأى بعضهم أن صوابه «الحديث شجون»، ودليله أنه رآه كذلك - كعنوان دائم - في بعض الجرائد، فرد عليه أحد الحاضرين قائلا: إنه لو كان ما يكتب على جدران الجرائد أو صحائفها حجة ودليلا على صحة ذلك المكتوب؛ لما كان العامة مخطئين في قولهم «الإهرام» بكسر الهمزة؛ لأنها ضبطت كذلك على عمارة الأهرام الغراء! فقال قائل: إنه غلط مقصود؛ لأن تلك الجريدة تساعد الرجعيين من الشيوخ الفانين! ورأى آخر أنه خطأ شائع جاراه صاحب الجريدة وهو المعقول، وهنا نذكر قولهم: «خطأ مشهور خير من صواب مهجور»، وهي الكلمة التي لجأ إليها المرحوم الشيخ محمد عبده، حين سئل عن صحة قوله: «راحت السكرة وجاءت الفكرة» بفتح الفاء.
وبهذه المناسبة أذكر أني لقيت في طريقي مرة العلامة أحمد باشا زكي فقال لي: أين تقصد؟ قلت: إلى مكان بيني وبينه خطوات - بضم الخاء - فقال: لو قلت خطوات بفتح الخاء لكنت أدنى إلى الرشاد! فقلت: إنها بضم الخاء في قوله تعالى:
Unknown page