يا إلهي، يا إله الحب والحياة والموت، أنت الذي كونت أرواحنا ثم سيرتها في هذه الأنوار وهذه الظلمات. أنت الذي فطرت قلوبنا ثم جعلتها تنبض بالأمل والألم. أنت، أنت الذي أريتني رفيقتي جسدا باردا. أنت الذي قدتني من أرض إلى أرض لتظهر لي مراد الموت بالحياة، ومشيئة الوجع بالفرح. أنت الذي أنبت في صحراء وحدتي وانفرادي زنبقة بيضاء ثم سيرتني إلى واد بعيد لتبينها لي زنبقة ذابلة ذاوية فانية!
نعم، يا رفاقي، يا رفاق وحشتي واغترابي، إن الله قد شاء فسقاني الكأس العلقمية. لتكن مشيئة الله. نحن البشر، نحن الذرات المرتعشة في خلاء لا حد له ولا مدى، نحن لا نستطيع سوى الخضوع والامتثال. فإن أحببنا فحبنا ليس منا وليس لنا . وإن سررنا فسرورنا ليس فينا بل في الحياة نفسها. وإن تألمنا فالألم ليس بكلومنا بل بأحشاء الطبيعة بأسرها.
لم أقص عليكم حكايتي شاكيا، إن من يشكو يشك في الحياة. وأنا من المؤمنين؛ أؤمن بصلاحية هذه المرارة التي تمازج كل رشفة أرتشفها من كؤوس الليالي، أؤمن بجمال هذه المسامير التي تخترق صدري، أؤمن برأفة هذه الأصابع الحديدية التي تمزق غشاء قلبي.
هذه حكايتي؛ فكيف أصل إلى نهايتها وهي بدون نهاية؟ لقد بقيت راكعا أمام نعش الصبية التي أحببتها في أحلامي محدقا إلى وجهها حتى وضع الفجر يده على بلور النوافذ، فقمت إذ ذاك وعدت إلى غرفتي متوكئا على أوجاع الإنسانية منحنيا تحت أعباء الأبدية.
وبعد ثلاثة أسابيع تركت البندقية ورجعت إلى لبنان رجوع من صرف ألف جيل في أعماق الدهر. رجعت رجوع كل لبناني من غربة إلى غربة.
سامحوني، يا رفاقي، فقد أطلت حديثي. سامحوني!
المراحل السبع
شجيت نفسي سبع مرات: المرة الأولى لما حاولت الحصول على الرفعة عن طريق الضعة، والمرة الثانية لما عرجت أمام المقعدين، والمرة الثالثة لما خيرت بين الصعب والهين فاختارت الهين، والمرة الرابعة لما أخطأت فتعزت بخطإ غيرها، والمرة الخامسة لما تجلدت عن ضعف وعزت جلدها إلى القوة، والمرة السادسة لما لمت أذيالها عن أوحال الحياة، والمرة السابعة لما وقفت مرتلة أمام الله وحسبت الترتيل فضيلة فيها.
وعظتني نفسي
وعظتني نفسي فعلمتني حب ما يمقته الناس ومصافاة من يضاغنونه وأبانت لي أن الحب ليس بميزة في المحب بل في المحبوب. وقبل أن تعظني نفسي كان الحب بي خيطا دقيقا مشدودا بين وتدين متقاربين، أما الآن فقد تحول إلى هالة أولها آخرها وآخرها أولها، تحيط بكل كائن وتتوسع ببطء لتضم كل ما سيكون.
Unknown page