88

Badāʾiʿ al-ṣanāʾiʿ fī tartīb al-sharāʾiʿ

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

Publisher

مطبعة شركة المطبوعات العلمية ومطبعة الجمالية ووصَوّرتْها: دار الكتب العلمية وغيرها

Edition Number

الأولى

Publication Year

1327-1328

Publisher Location

القاهرة وبيروت

دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَقْيَسُ، وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ أَوْسَعُ، وَلَوْ أَنَّ الْأَرْضَ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رِخْوَةً يُصَبُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ، حَتَّى يَتَسَفَّلَ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِهَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَتَسَفَّلَتْ الْمِيَاهَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَمَا فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا طَهُرَتْ، وَيَقُومُ التَّسَفُّلُ فِي الْأَرْضِ مَقَامَ الْعَصْرِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْعَصْرَ، وَعَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَسَفَّلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً فَإِنْ كَانَتْ صَعُودًا يُحْفَرُ فِي أَسْفَلِهَا حَفِيرَةٌ، وَيُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيُزَالُ عَنْهَا إلَى الْحَفِيرَةِ، ثُمَّ تَكْبَرُ الْحَفِيرَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً بِحَيْثُ لَا يَزُولُ الْمَاءُ عَنْهَا لَا تُغْسَلُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْغَسْلِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كُوثِرَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَتْ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ بَاقٍ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تُقْلَبَ فَيُجْعَلُ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا، وَأَسْفَلُهَا أَعْلَاهَا لِيَصِيرَ التُّرَابُ الطَّاهِرُ وَجْهَ الْأَرْضِ، هَكَذَا رُوِيَ أَنَّ «أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُحْفَرَ مَوْضِعُ» بَوْلِهِ، فَدَلَّ أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الصَّلَاةِ]
يُحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ مَسَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ إلَى مَعْرِفَة (أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ)، وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ، وَالْأَرْكَانِ، وَالشَّرَائِطِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَالسُّنَنِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ فِيهِ وَمَا يُكْرَهُ، وَمَا يُفْسِدُهُ، وَمَعْرِفَةُ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ أَوْ فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: فَرْضٍ، وَوَاجِبٌ، وَسُنَّةٌ، وَنَافِلَةٌ وَالْفَرْضُ نَوْعَانِ: فَرْضُ عَيْنٍ، وَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الصَّلَوَاتُ الْمَعْهُودَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالثَّانِي: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ أَمَّا الصَّلَوَاتُ الْمَعْهُودَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ.
فِي بَيَانِ أَصْلِ فَرْضِيَّتِهَا، وَفِي بَيَانِ عَدَدِهَا، وَفِي بَيَانِ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا، وَفِي بَيَانِ أَرْكَانِهَا، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْأَرْكَانِ، وَفِي بَيَانِ وَاجِبَاتِهَا، وَفِي بَيَانِ سُنَنِهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُفْسِدُهَا، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهَا؛ إذَا فَسَدَتْ؛ أَوْ فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا؛ أَوْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ أَوْ عَنْ مَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ، وَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَمَّا فَرْضِيَّتُهَا فَثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَالْمَعْقُولِ.
(أَمَّا) الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ: ﴿أَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [الأنعام: ٧٢] وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣] أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا.
وقَوْله تَعَالَى: وَ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: ٢٣٨]، وَمُطْلَقُ اسْمِ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَوَاتِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ الَّتِي تُؤَدَّى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ١١٤] الْآيَةَ يَجْمَعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ تُؤَدَّى فِي أَحَدِ طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَصَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُؤَدَّيَانِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ إذْ النَّهَارُ قِسْمَانِ: غَدَاةٌ وَعَشِيٌّ، وَالْغَدَاةُ: اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ الْعَشِيُّ، حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْعَشِيُّ فَأَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَحْنَثُ؛ فَدَخَلَ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ١١٤] الْمَغْرِبُ، وَالْعِشَاءُ لِأَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ فِي زُلَفٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهِيَ سَاعَاتُهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] وَقِيلَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: زَوَالُهَا، وَغَسَقُ اللَّيْلِ: أَوَّلُ ظُلْمَتِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.
وَقَوْلُهُ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ: أَيْ وَأَقِمْ قُرْآنَ الْفَجْرِ، وَهُوَ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَثَبَتَتْ فَرْضِيَّةُ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَفَرْضِيَّةُ صَلَاتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
وَقِيلَ دُلُوكُ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْفَجْرِ فِي قَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، وَفَرْضِيَّةُ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ وقَوْله تَعَالَى ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: حِينَ تُمْسُونَ: الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَحِينَ تُصْبِحُونَ: الْفَجْرُ، وَعَشِيًّا: الْعَصْرُ، وَحِينَ تُظْهِرُونَ: الظُّهْرُ ذَكَرَ التَّسْبِيحَ وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ أَيْ صَلُّوا لِلَّهِ إمَّا لِأَنَّ التَّسْبِيحَ مِنْ لَوَازِمِ الصَّلَاةِ، أَوْ لِأَنَّهُ تَنْزِيهٌ، وَالصَّلَاةُ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا تَنْزِيهُ الرَّبِّ ﷿ لِمَا فِيهَا مِنْ إظْهَارِ الْحَاجَاتِ إلَيْهِ وَإِظْهَارِ الْعَجْزِ وَالضَّعْفِ.
وَفِيهِ وَصْفٌ لَهُ بِالْجَلَالِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالتَّعَالِي عَنْ الْحَاجَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ: إنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَرْضِيَّةَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
وَلَوْ كَانَتْ

1 / 89