لتنقلها ألوف الجمال في البر أو السفن في البحر إلى العريش وغزة؛ لتصل إلى القدس.
بلغت السفينة الأميرية براكبيها ضواحي الإسكندرية، تلوح على مدى منها عشرات من أديارها الحصينة صوب البحر في الشمال وبحيرة مريوط في الجنوب، وتتوسطها مدينة الإسكندرية في سورها القاتم تعلوه شهبة ناصعة كأنها قطعة من أحقاف اليمن العالية تجللها ثلوج، ذلك بأنها كانت في أسفلها محوطة بسور عظيم عالي الجدران قاتم اللون لقدمه، ولما يتسلق عليه من نباتات الصحراء البحرية في ذلك الجو الرطب الذي تشتهيه الأعشاب وتمرع فيه. ثم تعلو الجدران من ورائها بروج مشرقة وقباب لامعة من الرخام والمرمر والحجر الأبيض هي صوى الكنائس الكثيرة والمعاهد العظيمة، والآثار الباقية في الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، وأجمل مدائنه وأغناها وأطيبها.
لاح السور العظيم محيطا بالإسكندرية أمام عينه إحاطة السوار بالمعصم حتى على شاطئ البحر فقد رآه ينعطف انعطاف مجد في سيره، وكانت هيلانة قد خبرته بعض أمره فكان يتبين البعيد كأنه قريب، ويرى بعين فكره ما لا تطلعه العين الناظرة على تفاصيله؛ رأى إذ ذاك أحجارا صماء كبيرة بني بها السور العظيم، تعلوها على فترات قصيرة أبراج مستديرة وصروح مربعة ازدحمت بالمقاتلة من أنواع الجند الرومي والزنجي وبالمسترزقة من العرب وأهل برقة وطرابلس وإفريقية (تونس) ولاح باب الإسكندرية الشرقي، باب عون (المطرية) أو باب الشمس، داخلا في السور إلى مدى تلوح على جانبيه عضادتان مقوستان من البناء الأصم، وكأنما الباب صدر كمي هازئ، أو صنديد لا يبالي بمن يواجهه. قد درع وكفت بصفائح من الحديد والنحاس ثبتت بمسامير ذات رءوس كبيرة، وجعلت له فيما روى له مزاليج من قضب الحديد لا يهزها وقع قذائف المجانيق عليها فهي لا تئن لها، ولا ترن إلا رنين الضاحك الهازئ، ولا يؤثر فيها لهب النيران المدمرة، فهي هي لا تتزحزح ولا تتجانف، والويل لمن يقرب من الباب أو يقف يقرعه، إن كان له أن يقرع، فهناك تنصب عليه من ناصية الباب ميازيب من نفط وكبريت ونيران تشعل لهبا لا ينطفئ حتى ينقله إلى من أرسلوه فيحرقهم ويحرقه معا.
وكانت كنيسة مرقس الرسول
9
تتبدى عالية بقبابها إلى الجانب الشرقي البحري من الجدار، وتلوح وراءها صوب الباب مسلتان عظيمتان
10
عرف ورقة يومئذ أنهما قائمتان أمام هيكل يسمى القيصريون
11
أنشأته كليوباترا تكريما لزوجها أنطونيوس، وجعلت فيه معبدا لعبادة القياصرة، ومدرسة ومكتبة لرواد العلم، ومطعما للطلبة، ثم أتمه وزاد فيه القيصر أوغسطوس حين استولى على مصر وجعلها من أتباع رومة. من ذلك الحين نسب إليه، وظل كذلك حتى انقلب المعبد في المسيحية كنيسة للصلاة والترتيل، ولاح له إلى الجانب الجنوبي في قرية رقودة عمود السواري
Unknown page