[مقدمة المؤلف]

| [مقدمة المؤلف]

|| [مقدمة المؤلف]

بسم الله الرحمن الرحيم. وهو حسبي الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آل محمد الطيبين، وصحبه الأكرمين، وسلم عليهم أجمعين.

هذا كتاب مختصر أودعناه أبوابا حسنة في علم الأزمنة وأساساتها. والفصول وأوقاتها، ومناظر النجوم وهيئاتها، بأوضح ما أمكننا من التبيين، وبأسهل ما حضرنا من التقريب. وبالله نستعين على ما نحاول (1) من جميع أمورنا، وإليه يرغب في التوفيق لما يرضيه عنا. وحسبنا الله، وعليه توكلنا.

Page 39

باب معرفة الأصل في حساب الأزمنة

| باب معرفة الأصل في حساب الأزمنة

|| باب معرفة الأصل في حساب الأزمنة

الزمان ينقسم عند جميع الأمم بأربعة أقسام:

القسم الأول منها يسمى ساعة، والثاني يسمى يوما، والثالث يسمى شهرا، والرابع يسمى سنة.

فأما الساعة فهي جرذ من أربعة وعشرين جزءا من الزمان الجامع الليل والنهار جميعا.

وأما اليوم فيستعمل على وجهين: أحدهما أن يجعل اسما للنهار خاصة.

والوجه الآخر أن يكون اليوم اسما للمدة الجامعة للزمانين جميعا، أعني الليل والنهار.

ويختلف في ابتدائه (1). فأما العرب فابتداء اليوم عندهم من غروب الشمس، وانقضاؤه عند غروبها مرة ثانية. وأما العجم فابتداء اليوم عندهم من طلوع الشمس إلى طلوعها مرة أخرى.

واليوم قسمان: ليل ونهار. وهما يتساويان في المقدار تارة ويختلفان أخرى.

فإذا كانت الشمس في أول الحمل أو في الميزان كانا متساويين (2). وإذا كانت الشمس في نصف الفلك الشمالي، وهو من الحمل إلى آخر السنبلة، وهو من الميزان إلى آخر الحوت، كانت مدة الليل أطول.

Page 41

وأما الشهر فاختلف حساب الامم فيه (1). فمنهم من يجعل الشهر مدة مسير القمر من حين يفارق الشمس إلى أن يفارقها مرة أخرى (2). وذلك تسعة وعشرون يوما، ونصف يوم، وثلثا ساعة على التقريب، إلا أن إثبات هذا الكسر غير ممكن، فأسقطوه من بعض شهورهم، وأكملوا في بعضها يوما. فصار بعض شهورهم ثلاثين يوما، وبعضها تسعة وعشرين يوما لا غير. وهذا مذهب العرب والعبرانيين من العجم واليونانيين (3).

ومنهم من لا يعتبر مسير القمر، ويبني حسابه على مسير الشمس (4) بمقدار برج من بروج الفلك. وذلك ثلاثون يوما، وثلث يوم، وسدس يوم على التقريب.

وهذا مذهب الروم والسريانيين والقبط (5).

وأما السنة فهي المدة الجامعة للفصول الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء. ومقدارها عند الروح والسريانيين اثنا عشر شهرا شمسية، قد أكمل الكسر في بعضها فصار أحدا وثلاثين يوما، وأسقط من بعضها فصار ثلاثين يوما لا غير. ومقدارها عند القبط اثنا عشر شهرا شمسية، قد أسقط الكسر من جميعها، فصار كل شهر منها ثلاثين يوما؛ ويزيدون على ذلك خمسة أيام تسمى (6) النسيء (7) عوضا من الكسور التي أسقطت من كل شهر.

Page 42

ومقدار السنة عند العرب اثنا عشر شهرا قمرية. وكذلك هي عند العبرانيين واليونانين. إلا أن هؤلاء يزيدون في كل ثلاث سنين من سنيهم شهرا، فتكون الثالثة من سنيهم أبدا ثلاثة عشر شهرا قمرية يسمونها الكبيسة. وربما كانت زيادتهم لهذا الشهر في مد سنتين، لأنهم يفعلون ذلك في كل تسعة عشر سنة تسع مرات (1). يفعلون ذلك في السنة الثالثة من هذا الدور، وفي السنة السادسة منه، وفي السنة الثامنة منه، وفي السنة الحادية عشرة، وفي السنة الرابعة عشرة، وفي السنة السابعة عشرة وفي السنة (2) التاسعة عشرة، وهي آخر الدور، ثم يبتدئون دورا ثانيا، فيفعلون فيه كما فعلوا في الدور الذي قبله. وهذا الدور هو الذي يسمى بلغة الروم فيلبس (3).

وإنما فعلوا ذلك ليستوي لهم حساب القمر مع حساب الشمس، فتكون شهورهم ثابتة (4) في الأزمنة غير منتقلة عن أوقاتها من الفصول الأربعة. وذلك أن السنة إذا جعلت اثني عشر شهرا قمرية كانت أنقص من السنة الشمسية بأحد عشر (5) يوما على التقريب، فتصير شهورها لأجل ذلك دائرة في الفصول الأربعة، غير مستقرة فيها، يكون الشهر منها في زمن شدة البرد، ثم يرى بعد ذلك في زمن شدة الحر.

Page 43

وقد كانت العرب في الجاهلية تفعل مثل هذا، وتزيد في كل ثالثة من سنيها شهرا (1)، على نحو ما ذكرناه عن العبرانيين واليونانيين.

وكانوا يسمون ذلك النسيء. وكانت سنة النسيء ثلاثة عشر شهرا قمرية.

وكانت شهورهم حينئذ غير دائرة في الأزمنة، كان لكل (2) شهر منها زمن معلوم لا يعدوه. فهذا كان فعل الجاهلية حين أحدثوا النسيء، وعملوا به. فلما جاء الله تعالى بالإسلام بطل ذلك، وحرم العمل به، فقال: @QUR@05 إنما النسيء زيادة في الكفر (3). وقال عز وجل @QUR@011 إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله (4). فسنة العرب اليوم اثنا عشر شهرا قمرية دائرة في الأزمنة الأربعة.

Page 44