1
في أقطار الأرض، لا تكاد تخلو منهم المدينة أسبوعا، وكانت مذاهبهم مختلفة، وكانوا قد تقسموا الناس فيما بينهم فجعلوهم شيعا، وفرقوا أهواءهم تفريقا عظيما، وكانت المنافسة حادة في الإقليم بين أسرتين من أصحاب الطريق، لإحداهما أعلاه وللأخرى أسفله.
وإذا كان أهل الإقليم ينتقلون ولا يأبون على أنفسهم الهجرة من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة داخل الإقليم، فقد كان يتفق أن ينزل أتباع إحدى الأسرتين حيث تتسلط الأسرة الأخرى، وكان زعماء الأسرتين يتنقلون في الإقليم يزورون أتباعهم وأشياعهم، ولله ما كان يحدث من الخصومات يوم يهبط صاحب العالية إلى السافلة، أو يصعد صاحب السافلة إلى العالية! وكان أبو الصبي من أتباع صاحب العالية، أخذ عنه العهد، وأخذ عنه أبوه من قبل. وكانت أم الصبي من أتباع صاحب العالية أيضا، بل كان أبوها من أنصاره وحوارييه
2
المقربين إليه، ومات صاحب العالية وخلفه على الطريق ابنه الحاج ... وكان أنشط من أبيه، وأقدر على الكيد واللؤم، وأنهض للخصومة، كان أقرب من أبيه إلى الدنيا، وأبعد من أبيه عن الدين.
وكان أبو الصبي قد هبط إلى السافلة واستقر فيها، فكانت لصاحب العالية عادة أن يزوره مرة في كل سنة، وكان إذا أقبل لم يقبل وحده، ولم يقبل في نفر قليل، وإنما أقبل في جيش ضخم؛ إن لم يبلغ المائة فليس ينحط عنها إلا قليلا. ولم يكن يتخذ قطر السكة الحديدية ولا سفن النيل، وإنما كان يتخذ الجياد والبغال والحمير، يسير ومن حوله أصحابه فيمرون بالقرى والدساكر، ينزلون ويرحلون في أبهة وضخامة، منتصرين حيث لا سلطان إلا لهم، متحدين
3
حيث لخصومهم شيء من القوة. وكانوا إذا زاروا أسرة الصبي أقبلوا حتى ينزلوا، فإذا الشارع ممتلئ بهم وبخيلهم وبغالهم وحمرهم، قد أخذوه من القناة إلى أقصاه الجنوبي، وإذا الشاء تذبح، وإذا السمط
4
ممدودة في الشارع، وإذا هم إلى طعامهم في شره لا يعدله شره، والشيخ جالس في المنظرة ومن حوله أصفياؤه وأولياؤه، وبين يديه صاحب البيت وأخصاؤه يأتمرون أمره،
Unknown page