أو تنحرف، وكنت أحصنك بالحي القيوم الذي لا ينام؛ حتى انتهى هذا الامتحان، وأنا أعفيك اليوم من القراءة، ولكن أريد أن آخذ عليك عهدا، فعدني بأن تكون وفيا! قال الصبي في استحياء:
2 «لك علي الوفاء.» قال سيدنا: فأعطني يدك، وأخذ بيد الصبي، فما راع
3
الصبي إلا شيء في يده غريب، ما أحس مثله قط، عريض يترجرج،
4
ملؤه شعر تغور فيه الأصابع، ذلك أن سيدنا قد وضع يد الصبي على لحيته، وقال: هذه لحيتي أسلمك إياها، وأريد إلا تهينها، فقل: «والله العظيم ثلاثا، وحق القرآن المجيد لا أهينها.» وأقسم الصبي كما أراد سيدنا، حتى إذا فرغ من قسمه؛ قال له سيدنا: كم في القرآن من جزء؟ قال: ثلاثون، قال سيدنا: وكم نشتغل في الكتاب من يوم؟ قال الصبي: خمسة أيام. قال سيدنا: فإذا أردت أن تقرأ القرآن مرة في كل أسبوع، فكم تقرأ من جزء كل يوم؟ فكر الصبي قليلا ثم قال: ستة أجزاء. قال سيدنا: فتقسم لتتلون على العريف ستة أجزاء من القرآن في كل يوم من أيام العمل، ولتكونن هذه التلاوة أول ما تأتي به حين تصل إلى الكتاب، فإذا فرغت منها فلا جناح
5
عليك أن تلهو وتلعب، على ألا تصرف الصبيان عن أعمالهم. أعطى الصبي على نفسه هذا العهد، ودعا سيدنا العريف فأخذ عليه عهدا مثله، ليسمعن للصبي في كل يوم ستة أجزاء من القرآن، وأودعه شرفه، وكرامة لحيته، ومكانة الكتاب في البلد، وقبل العريف الوديعة، وانتهى هذا المنظر وصبيان الكتاب ينظرون ويعجبون.
الفصل التاسع
من ذلك اليوم انقطعت صلة الصبي التعليمية «بسيدنا»، واتصلت بالعريف، ولم يكن العريف أقل غرابة من سيدنا؛ كان شابا طويلا نحيفا أسود فاحما، أبوه سوداني، وأمه مولدة، وكان سيئ الحظ، لم يوفق في حياته لخير، جرب الأعمال كلها فلم يفلح في شيء منها، أرسله أبوه عند كثير من الصناع ليتعلم صنعة فلم يفلح، وحاول أن يجد له في معمل السكر شغل العامل أو الخفير أو البواب أو الخادم، فلم يفلح في شيء من هذا، وكان أبوه ضيق الصدر به، يمقته ويزدريه، ويؤثر
Unknown page