واستعدت نفسي الجازعة وقلت لها: أخاف من السعادة التي تغمرني، أخاف من السعادة يا ندى.
واغرورقت عيناي بالدموع، وتعلقت بجفنيها دمعتان، فأما دموعي فبعض الألم الذي أخفيه، وأما دموعها فمن حديثي إليها عن سعادتي.
والتقت الدموع، دموع الألم ودموع السعادة، فاعجب معي يا أخي من إحساسين على طرفي نقيض كان التعبير عنهما واحدا!
أتسخر مني يا صديقي؟ بربك لا تفعل فإنه يحلو لنا حين نغوص في أحزاننا أن نجعل من أنفسنا فلاسفة، وإن كنا في عميق إحساسنا نعرف أننا لسنا من الفلسفة في شيء.
ولكننا نخادع أنفسنا ونرتاح إلى هذا الخداع مع علمنا أنه خداع.
أتسخر مني يا صديقي، لا تتعجل السخرية، فسوف أفسح لك مجالا للسخرية لا ينتهي أمده، لا تفرغ سخريتك كلها، فإن كان فيما قلت ما يثير هذه الابتسامة الهازئة التي تضعها على فمك فإن فيما عملت ما يثير قهقهتك الساخرة العالية؛ فاحتفظ ببعض سخريتك ولا تفرغها جميعا فإن ما قمت به بعد ذلك يحتاج إلى كل السخرية التي تزدحم في نفسك.
سافرت إلى أوروبا مع زوجتي، نعم سافرت بعد أن أعدت قراءة ما كتب عن مرض زوجتي وبعد أن تأكدت ألا فائدة ترجى من السفر، إلا أنني وجدت مجلة غير علمية تقول إن هناك بحثا يدور عن هذا المرض، سافرت إلى هذا البحث، ألم أقل لك احتفظ بسخريتك؟!
توهمت أنني قد أجد أملا بجانب هذا البحث الدائر، وإلى هذا الأمل سافرت، وتجسم الأمل في نفسي حتى كاد أن يصبح حقيقة، وفي أوروبا أنكرت أنني طبيب، وأصبحت أفعل ما يقول به الأطباء ملتمسا في كل كلمة أملا أزيد به أملي، مكثت مع زوجتي ولا عمل لي إلا تنفيذ ما يقول به الأطباء الباحثون لا أناقشهم في شيء، ولا أفكر إلا فيما يقولون، وقد أعلم أنهم مخطئون ولكنني أخطئ نفسي وأصدقهم، وأخفي على زوجتي ما يقولون وما أعلم، وأوهمها أنني أعمل في البحث الذي جئت من أجله، وأوهمها كلما عرضتها على طبيب أنه صديق لي يريد أن يفحصها، ليست زوجتي غبية أيها الصديق، لقد عرفت أنها مريضة، وعرفت أن مرضها خطير ولكنها لم تشأ أن تشعرني بمعرفتها حتى لا تنغص علي فرحتي بأنني استطعت أن أخفي عنها مرضها، وكانت تراني أمامها سعيدا دائما فلم تشأ أن تشعرني أنها عرفت بمرضها حتى لا تقطع هذه السعادة المصطنعة التي كنت أخلقها لنفسي أمامها، أكانت كاذبة هذه السعادة جميعها أم كان بعضها حقا، لا تسخر يا صديقي ، لقد استطعت - وأنا الطبيب - أن أقنع نفسي أن الأطباء سيشفون زوجتي من المرض.
نعم، توهمت هذا، وأحببت وهمي وعشت فيه، حتى أصبحت السعادة التي كنت أفتعلها، حقيقة أومن بها لا تقبل مني شكا ولا نقاشا.
وتلومني لأني طلبت إليك أن تبيع كل ما أملك، وتلومني اليوم لأني طلبت إليك أن تبيع أدوات العيادة، لا، لا تلمني يا صديقي، لقد اشتريت بما أرسلت إلي من نقود أملا ضخما ووهما حلوا أحببته، وأحببت العيش فيه وبه.
Unknown page