Awn al-Hanan fi Sharh al-Amthal fi al-Quran
عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
Publisher Location
بيروت
Genres
امرأة عمران، وكل هؤلاء من بنى إسرائيل، ولا يمكن أن يعلمه الرسول ﷺ إلا بوحى إلهى، وهذا ولا شك دليل على بنى إسرائيل، وإلزام لهم بالحجة التى لا يستطيعون ردها، وبيان ذلك أن إخباره ﷺ بهذه الأنباء، وهى معلومة عندهم وحاصلة لديهم على الوجه المطابق للواقع من دلائل صدقه فى دعوى النبوة، بناء على أن الإخبار بالشىء على الوجه المطابق للواقع يتوقف على العلم به، وطريق العلم منحصر فى:
١ - المشاهدة.
٢ - الاستماع من أهل العلم وقراءة أسفارهم.
٣ - الوحى.
وأن ما عدا الوحى من طريق العلم منتف عنه ﷺ، فتعين أنه، ﵇، إنما أخبر بتلك الأنباء بالوحى، وأنه نبي حقا، ثم إنه تعالى لم ينف من طريق العلم فى الآية الكريمة، إلا أنه ﷺ لم يشاهد هذه الوقائع كما يصرح به قوله: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ...
[آل عمران: ٤٤] إلخ، وفى ظاهر الحال أنه لا حاجة إلى نفى المشاهدة لكون انتفائها معلوما قطعا؛ لأن مشاهدة الإنسان ما سبق على وجوده سبقا زمانيا مستحيلة، واستحالتها معلومة لكل أحد، بخلاف الاستماع من أهل العلم وأصحاب التواريخ، فإنه وإن كان منفيا فى نفس الأمر أيضا كانتفاء المشاهدة، إلا أنه متوهم وليس استحالته كاستحالة المشاهدة، فالتصريح بنفى ما لا حاجة إلى نفيه، وترك التعرض بنفى ما ينبغى التعرض بنفيه خلاف مقتضى الظاهر، فما الوجه؟
قال العلماء فى تحقيق ذلك: إن الآية صرحت بنفى المشاهدة مع عدم الحاجة إليه، وتركت التعرض بنفى السماع، مع أن العقل يجوزه فى الجملة لنكتة، وهى التهكم باليهود المنكرين لنبوته ﷺ؛ ولأن يوحى إليه. وطريق التهكم أن العلم منحصر فى الثلاثة المذكورة لا محالة، وأنهم ينكرون الوحى إليه، ويعترفون أيضا بأنه ﷺ ليس من أهل السماع، وقراءة كتب التواريخ للقطع بأنه، ﵇، لم يخالط أهل الكتاب، ولم يصاحب منهم أحدا، فلم يبق من طريق العلم فى حقه ﷺ إلا مشاهدة ما أخبر به من الوقائع، وذلك أنهم كما ينكرون الوحى إليه ﷺ مع اعترافهم له بأنه لم يصاحب أحدا من أهل الكتاب، فإذا نفت الآية المشاهدة، وانتفاؤها معلوم قطعا ويقينا عند كل أحد، كان المقصود التهكم بمنكر الوحى، كأنه قيل لهم: أيها المنكرون، أن يوحى إليه ﷺ
1 / 100