112

Awn al-Hanan fi Sharh al-Amthal fi al-Quran

عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

Publisher Location

بيروت

Genres

يكفرون بشيء منها، فأيس إبليس منها، وتمناها اليهود والنصارى، وقالوا: نحن نتقى ونؤمن بآيات ربنا، فأخرجهما الله تعالى بقوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، ومعنى الأمى أنه لا يقرأ ولا يكتب، وهى صفة نبينا محمد ﷺ، قال ﷺ: «نحن أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب»، والعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرءون، أى الخط، والنبى ﷺ كان كذلك.
قال أهل التحقيق: وكونه أميا بهذا التفسير، كان من جملة معجزاته، وبيان ذلك من وجوه:
الأول: أنه ﷺ كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظوما مرة بعد أخرى، من غير تبديل ألفاظه، ولا تغيير كلماته، والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها، فلا بد وأن يزيد فيها، أو ينقص عنها بالقليل والكثير، ثم إنه ﷺ مع أنه ما كان يكتب ولا يقرأ يتلو كتاب الله تعالى من غير زيادة، ولا نقصان، ولا تغيير، فكان ذلك معجزة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى: ٦].
ثانيا: أنه لو كان يحسن الخط والقراءة، لكان متهما فى أنه ربما طالع كتب الأولين، فحصل على هذه العلوم من تلك المطالعة، فلما أتى بالقرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم أو مطالعة، كان ذلك من المعجزات، وهذا هو المراد من قوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ
[العنكبوت: ٤٨].
ثالثا: تعلم الخط شىء سهل، فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى سعى، فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم فى الفهم، ثم إنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين، وأعطاه من العلوم والحقائق ما لم يصل إليه أحد من الخلق، ومع تلك القوة العظيمة فى العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذى يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلا وفهما، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المادتين جاريا مجرى المعجزات. انتهى.
ثم إن هذا الاتباع الذى وصف به اليهود والنصارى تارة يكون بالقوة فقط لمن تقدم موته على زمانه ﷺ، وتارة يخرج من القوة إلى الفعل كمن لحق زمانه زمان دعوته، فمن علم الله تعالى منه أنه لا يتبعه إذا أدركه لا يغفر له، ولو عمل جميع الطاعات، وقد عرفه سبحانه لهم بجميع خواصه حتى لا يتطرق عند مجيئه ريبة، ولا يتعلل أحد فى أمره بعلة،

1 / 114