وجاء صوت أميمة من الداخل مختلطا بأصوات الطفلين؛ ليقول كلاما لم يميزه أحد فصاح أدهم: اسكتي يا ولية، موتي إن شئت ولكن في صمت!
وعاد إلى تفحص ابنه. وبغتة ارتعدت أطرافه. وأمسك بطرف كمه وقال في فزع: دم! ما هذا؟ دم أخيك؟!
فحملق قدري في كم جلبابه ثم انكمش بحركة لا إرادية، وحنى رأسه في يأس. وأطرق قدري بحركته اليائسة، فجذبه أدهم حتى أقامه، ثم دفعه إلى الخارج. دفعه بقسوة لم يعهدها من قبل، وغشي عينيه ظلام فوق الظلام المحيط.
21
دفعه نحو الخلاء قائلا: سنميل نحو خلاء الدراسة كي لا نمر أمام كوخ إدريس.
وأوغلا في الظلام، وقدري يسير كالمترنح تحت قبضة أبيه الناشبة في منكبه. وتساءل أدهم وهو يجد في السير بصوت أدركه الهرم: خبرني هل ضربته؟ بأي شيء ضربته؟ وعلى أي حال تركته؟
لم يجب قدري. كانت قبضة أبيه شديدة ولكنه لم يكد يشعر بها. وكان ألمه شديدا ولكنه لم يفصح عنه، وود أن الشمس لا تطلع أبدا. - ارحمني وتكلم، ولكنك لم تعرف الرحمة، وقد قضيت على نفسي بالعذاب يوم أنجبتك، أنا الذي تطاردني اللعنات منذ عشرين عاما، وها أنا ذا أطلب الرحمة ممن لا يعرفها.
فانفجر قدري باكيا، حتى ارتجف منكبه في قبضة أدهم القاسية، وظل يرتجف حتى سرت عدواه إلى أدهم، لكنه قال: أهذا جوابك؟ لماذا يا قدري؟ لماذا؟ كيف هان عليك؟ اعترف في الظلام قبل أن ترى نفسك في ضوء النهار.
فهتف قدري: لا طلع النهار! - نحن أسرة الظلام، لن يطلع علينا نهار! وكنت أحسب الشر مقيما في كوخ إدريس، فإذا به في دمنا نحن. إن إدريس يقهقه ويسكر ويعربد، أما نحن فيقتل بعضنا البعض، رباه .. هل قتلت أخاك؟ - أبدا! - فأين هو؟ - ما قصدت قتله!
فصاح أدهم: لكنه قتل!
Unknown page