أسرق أم قتل؟! وقال بحزن: لا أصدق أنك أخي إدريس!
فقال وهو يقهقه: لا تعجب ما دمت تعلم أنني ابن الجبلاوي!
فهتف أدهم في نفاد صبر: هلا أوسعت لي الطريق؟ - كما تشاء لك حماقتك!
وملأ جيبه بالخيار، وألقى عليه نظرة ازدراء، ثم بصق على العربة ومضى.
ووقفت أميمة تستقبله وهو يقترب من الكوخ. كانت الظلمة تغشى الخلاء. وفي داخل الكوخ شمعة تحترق كأنها رمق في صدر محتضر. أما في السماء فالنجوم تزهر، وعلى ضوئها يبدو البيت الكبير كشبح عملاق. أدركت أميمة من صمته أنه على حال يستحسن معها تجنبه. قدمت إليه كوز ماء؛ ليغسل أطرافه وجاءته بجلباب نظيف. وغسل وجهه وقدميه وبدل جلبابه ثم جلس على الأرض ومد ساقيه. واقتربت منه في حذر فجلست وهي تقول بلهجة الاسترضاء: ليتني أتحمل عنك بعض تعبك.
وكأنها حكت أجرب فصاح: اخرسي يا أصل الشر والتعاسة!
فتزحزحت بعيدا عنه حتى كادت تختفي، ولكنه صاح: إنك خير من يذكرني بغفلتي وحماقتي، ملعون اليوم الذي رأيتك فيه.
فجاءه في الظلام انتحابها ولكنه ضاعف من غضبه فقال: سحقا لدموعك! إن هي إلا عرق الخبث الذي يمتلئ به جسدك.
فجاءه صوتها الباكي قائلا: كل قول يهون بالقياس إلى عذابي. - لا تسمعيني صوتك، وابعدي عن وجهي.
وكور ثوبه المخلوع ورماها به، فتأوهت قائلة: «بطني!» وسرعان ما برد غضبه، وأشفق من العواقب. وآنست هي من صمته تراجعا فقالت بصوت المتوجع: سأذهب بعيدا كما تريد.
Unknown page