Awail Kharif
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Genres
استمر الصوت الحاد بنبرة عالية. قائلة: «لقد كرست كل وقتي لإجراء الترتيبات. أكاد لا أنام. أضحي بنفسي من أجلكما ليلا ونهارا ومن حقي أن أعرف.» بدا كما لو أنها استشعرت الانهيار البطيء للعجوز جون بينتلاند وتسعى الآن إلى أن تطيح به، وتعزله من منصبه بصفته كبير العائلة، في انقلاب ساحق عليه، لتنصب نفسها مكانه، طاغية شديدة الاستبداد هزيلة البنيان؛ كما لو أنها تخلت أخيرا عن طريقتها القديمة الماكرة المتمثلة في محاولة استمالة رجال العائلة بالمكر والخداع. صارت الآن مستعدة لإرساء قواعد السلطة الأمومية، باعتبارها الملاذ الأخير لعائلة وهنت قوتها. كانت قد ثارت بالطريقة نفسها مرة قبل ذلك، حسبما تتذكر أوليفيا، في تلك الشهور الطويلة التي استسلم فيها السيد سترازرس، الذي كان يحتضر ببطء، مانحا إياها زهوة الانتصار.
تنهد جون بينتلاند بعمق وإرهاق، وتمتم قائلا: «لا شيء مهم يا كاسي. إنه أمر سيزعجك وحسب. أنا وأوليفيا نعمل على تسويته.»
ولكنها لم تتراجع. ظلت واقفة، متمسكة بموقفها واستمرت في وصلة التقريع، وارتفعت نبرة صوتها لتصل إلى درجة هيستيرية. قالت: «لن أهمش. لا أحد يخبرني بأي شيء مطلقا. وعلى مدار سنوات الآن، أستبعد كما لو أنني محدودة الذكاء. رغم ضعفي ووهني، أبذل قصارى جهدي لخدمة العائلة ولا أتلقى ولو كلمة شكر واحدة ... لماذا تفضل أوليفيا دوما على أختك؟» وانهمرت على وجهها دموع رثاء حسي مفرط على الذات. حتى إنها بدأت تغمغم وتخلط كلماتها، واستسلمت تماما لحالة من اللذة الحسية المصاحبة للنوبات الهيستيرية.
رأت أوليفيا، التي كانت تراقبها في هدوء، أن هذه لم تكن واقعة عادية. كانت هذه، في الحقيقة، هي العمة كاسي الجديدة التي كانت سابين قد كشفتها لها قبل أيام قليلة ... العمة كاسي حديثة العهد جدا التي كانت قد ولدت في تلك اللحظة في الشرفة الأمامية لتحل محل العمة كاسي العجوز التي دائما ما كانت محاطة بهالة من الدموع والأعمال الصالحة والمشاركة الوجدانية. الآن فهمت ما لم تفهمه من قبل مطلقا؛ وهو أن العمة كاسي لم تكن مجرد إنسانة مريضة بالوهم غير عقلانية غير مؤذية ومثيرة للشفقة؛ وإنما قوة غاشمة ومعدومة الضمير. وعرفت أنه وراء هذا الانغماس العاطفي خطة مدروسة جدا. وتشككت نوعا ما في أن الخطة كانت تهدف إلى إخضاعها، أو إجبارها (أي أوليفيا) على أن تقع تماما تحت وصاية المرأة العجوز. مرة أخرى رأت الحشرة تضرب بجناحيها باهتياج شديد نوافذ عالم لن تستطيع دخوله أبدا ...
وبهدوء قالت أوليفيا: «بالتأكيد، يا عمة كاسي، لا داعي لإحداث جلبة غير مبررة ... لا داعي للسوقية والابتذال ... في وقت كهذا.»
نظرت العجوز إلى أخيها، وقد ألجمتها المفاجأة، لكن لم تأت من جانبه أي مبادرة بالعون أو الغوث؛ لا بد أنها رأت، بوضوح تام، أنه انحاز إلى جانب أوليفيا ... الدخيلة، التي تجرأت على اتهام سليلة عائلة بينتلاند بالسوقية والابتذال. «سمعت ما قالته، يا جون ... سمعت ما قالته! وصفت أختك بالسوقية والابتذال!» ولكن فجأة بدأت نوبتها الهيستيرية تنحسر ، كما لو أنها رأت أنها اختارت، في نهاية المطاف، خطة هجوم خاطئة. لم تجبها أوليفيا. جلست في مكانها وحسب، تنتظر، وقد بدت شاحبة وصبورة وجميلة في ملابسها السوداء. كانت لحظة غير منصفة في حق العمة كاسي. فما كان أي رجل، ولا حتى آنسون نفسه، سينحاز ضد أوليفيا حينها.
قال الرجل المسن بنبرة متأنية: «إن كان يجب أن تعرفي، يا كاسي. ... الموضوع يخص شيئا لن ترغبي في سماعه. ولكن إن كان يجب أن تعرفي، فهو ببساطة أن جثمان هوراس بينتلاند وصل إلى محطة القطار في دورهام.»
انتاب أوليفيا شعور خاطف بأن قناع المراءاة والنفاق بدأ يتصدع، ويتشقق ببطء إلى أجزاء صغيرة.
في البداية، أخذت العمة كاسي تحدق فيهما وحسب، وهي تخنفر وتمسح عينيها الحمراوين، ثم قالت بنبرة هادئة على نحو مذهل: «كما ترى ... أنت لا تخبرني بأي شيء مطلقا. لم أعرف من قبل أنه توفي.» كان في مسلكها لمحة انتصار وتبرير لتصرفها.
قال الرجل المسن: «لم يكن ثمة داع لإخبارك يا كاسي. لم تسمحي بأن يتلفظ أحد في العائلة باسمه لسنوات. أنتما - أنت وآنسون - اللذان جعلتماني توعدته ودفعته إلى العيش خارج البلاد. لماذا إذن تهتمين حين يموت؟»
Unknown page