Awail Kharif
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Genres
أجابته قائلة: «اصرفهم. يمكننا التقاط صور للأجداد في أي وقت آخر. سيكونون معنا دائما.»
تطوعت سابين بإرسال الخبر إلى سيبيل وجان. ففي مثل هذه الأوقات، كان انفصالها المنعدم الشعور عن الأحداث يجعلها شخصا ذا قيمة كبيرة، وأدركت أوليفيا أنه يمكن الوثوق بها لأداء مهمة البحث عنهما لأنها أرادت بشدة استرداد سيارتها. وتذكرت أوليفيا وعدها للرجل المسن، وذهبت لزيارة السيدة سومز، لكنها كانت زيارة بلا طائل؛ إذ دخلت السيدة العجوز في حالة من فقدان الوعي التام. وقيل لأوليفيا إنها ربما تفارق الحياة دون أن تعرف أن جون بينتلاند قد فارقها قبلها.
تربعت العمة كاسي على عرشها في غرفة الجلوس المعتمة، وهناك، وسط الرائحة النفاذة للمحصول الخريفي الأول من زهور الأقحوان، استقبلت الوفود القادمة من المناطق الريفية المحيطة بعينين محمرتين وتودد بخنفرة. مرة أخرى بدت شامخة لبعض الوقت في حالة من الانتصار والقوة، لدرجة أنها تغلبت على ضعفها بما يكفي لأن تتردد على منزلها الشبيه بمقصورة المراقبة جيئة وذهابا سيرا على قدميها، لتصل مبكرا وتغادر في وقت متأخر من الليل. وأصرت على استدعاء الأسقف سمولوود ليقود القداس، واكتشفت بعد كثير عناء أنه يحضر مؤتمرا كنسيا في منطقة الغرب. وردا على تلغرافها، لم تتلق سوى ردا مفاده أنه يستحيل عليه العودة، حتى ولو أجلوا موعد الجنازة ... فنظرا لتبوئه دور المدافع البارز عن عقيدة الولادة العذرية للمسيح، لم يكن بوسعه أن يترك الميدان في لحظة يتعرض فيها نفوذ جماعته للتهديد.
بدا لبعض الوقت أن صرح العائلة بأكمله كان، كما كانت تأمل سابين، ينهار من حولهم ويتحول إلى أنقاض.
أما أوليفيا، فكانت ستنعم بالسكينة لولا أنها وصلتها رسائل من مايكل ثلاث مرات في غضون يومين - فأعادتها إلى مرسلها دون أن تفتحها لأنها كانت تخشى من أن تقرأها؛ إلى أن كتبت في النهاية ردا على إحداها تقول: «لم يعد يوجد ما يقال. دعني وشأني.» وبعد ذلك، لم يكن هناك سوى الصمت، الذي بدا لها غير محتمل أكثر من رؤية رسائله. واكتشفت أن شخصين كانا قد شهدا المأساة - هما هيجينز الذي كان يركب حصانا مع الرجل المسن، وسابين التي كانت تسير بمحاذاة النهر - تسير فقط لأن جان وسيبيل استعارا سيارتها. لم يكن هيجينز يعرف شيئا سوى أن الفرس قد انطلقت في جموح وقتلت سيده؛ أما سابين فكان لديها رواية مختلفة بغرابة للأحداث، وقصتها على أوليفيا أثناء جلوسهما في غرفتها، في اليوم التالي.
إذ قالت: «رأيتهما، قادمان عبر المروج ... ابن العم جون، يتبعه هيجينز. وفجأة، بدت الفرس خائفة من شيء ما وأخذت تركض ... في خط مستقيم نحو مقلع الحجارة. كان مشهدا مذهلا ... مشهدا مروعا ... لأنني كنت أعرف - كنت متيقنة - مما سيحدث. للحظة، بدا ابن العم جون يصارع الفرس، ثم فجأة مال إلى الأمام على عنقها وأطلق لها العنان. انطلق هيجينز خلفه؛ ولكن لم تكن ثمة فائدة من محاولة الإمساك بها ... وكأن أحدا كان يحاول السيطرة على زوبعة. بدا وكأنهما يطيران عبر الحقول مباشرة في اتجاه خط أشجار الخمان التي كانت تخفي وراءها مقلع الحجارة، وعرفت طوال الوقت أنه لا سبيل إلى إنقاذهما إلا إذا استدارت الفرس. وعند الشجيرات، قفزت الفرس ... أروع قفزة رأيت حصانا يقفزها في حياتي، مباشرة فوق الشجيرات إلى الهواء الطلق ...»
وللحظة، أشرق وجه سابين بحماس مخيف. وارتعش صوتها قليلا. وقالت: «كان مشهدا مروعا وجميلا. للحظة بدوا يكادان يرتفعان في الهواء كما لو أن الفرس كانت تطير، ثم سقطا دفعة واحدة ... إلى قاع مقلع الحجارة.»
لاذت أوليفيا بالصمت، وبعد برهة، كما لو أن سابين كانت تنتظر لتستجمع شجاعتها، واصلت حديثها بصوت منخفض قائلة: «ولكن ثمة شيء رأيته يقينا. فعند حافة مقلع الحجارة، حاولت الفرس أن تستدير. كان يمكن أن تستدير، ولكن ابن العم جون رفع سوطه وضربها بوحشية. لم يكن ثمة شك في هذا. لقد أجبر الفرس على القفز فوق أشجار الخمان ...» ومجددا، بعد توقف قصير، استأنفت الحديث مرة أخرى قائلة: «لا بد أن هيجينز، هو الآخر، رأى ذلك. إذ تبعهما إلى حافة مقلع الحارة. سأراه هناك دائما، ممتطيا حصانه والسماء في الخلفية. كان ينظر إلى أسفل نحو مقلع الحجارة وللحظة كان الحصان وفارسه معا يبدوان بالضبط مثل القنطور، الكائن الخرافي ... كانت صورة مذهلة انطبعت في ذهني.»
تذكرته على هذه الصورة؛ ولكنها تذكرته أيضا كما رأته ليلة الحفل الراقص، وهو يتسلل عبر زهور الليلك مثل شبح. قالت سابين وهي تقوم من مكانها: «جان وسيبيل سيعودان غدا، ثم سأغادر إلى نيوبورت. ظننت أنك تودين أن تعرفي ما عرفته أنا وهيجينز، يا أوليفيا.» ثم ترددت للحظة، وهي تتطلع من النافذة إلى البحر. وأخيرا قالت: «كان رجلا غريبا. كان آخر البيوريتانيين العظماء. لم يعد يوجد المزيد. لا أحد من بقيتنا يؤمن بأي شيء. نحن فقط نتظاهر ...»
ولكن أوليفيا كانت لا تكاد تسمعها. فهمت الآن لماذا تحدث إليها الرجل المسن وكأنه على شفير الموت، وقالت في نفسها: «لقد فعلها بطريقة ما كان لأحد أن يكتشفها. كان يثق في هيجينز، ووجود سابين في المشهد كان مصادفة. ربما ... ربما ... فعلها ليبقيني هنا ... لأنقذ الشيء الذي كان يؤمن به طوال حياته.»
Unknown page