Awail Kharif
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Genres
لم تستطع أن تجد ما تقوله. أدركت أن سيبيل ستعود، ولكنها ستعود سيبيل مختلفة، سيبيل التي صارت امرأة، ولم تعد الطفلة، التي كانت لا تزال وهي في سن الثامنة عشرة تمارس أحيانا اللعبة السخيفة المتمثلة في الجلوس في حجر أمها. وكانت ستأخذ معها شيئا كان لا يزال حتى حينئذ يخص أوليفيا، شيئا لا يمكنها أن تسترده ثانية أبدا. لم تستطع أن تجد ما تقوله. لم تستطع إلا أن تتبعهما إلى الباب، ومن هناك رأت سابين وقد جلست بالفعل في السيارة كما لو أنه لم يكن شيء استثنائي يحدث على الإطلاق؛ وفي نفس الوقت أرادت أن تذهب معهم، أن تهرب إلى أي مكان مهما كان.
رأتهما عبر الضباب يستديران ويلوحان لها بينما كانت السيارة تمضي مبتعدة، يلوحان لها بمرح وسعادة لأنهما كانا في مقتبل حياتهما ... وقفت عند المدخل لتراقب أضواء السيارة تبتعد في صمت على الطريق وفوق الجسر عبر الظلام متجهة إلى بوابة منزل «بروك كوتيدج». كان يوجد شيء بخصوص «بروك كوتيدج» ... شيء تفتقر إليه الأجواء في منزل عائلة بينتلاند: فهناك كان توبي كاين وسافينا بينتلاند يجتمعان في لقاءاتهما الماجنة.
وفي الجو الحار الساكن من الهواء، بلغ سمعها بخفوت صوت الأمواج النائية عبر الأهوار، وبغرابة خطرت على بالها كلمات أغنية كانت قد نسيتها منذ سنوات ... «الأمواج المتكسرة تتلاطم عالية على الشاطئ الصخري القاسي.» وفي نشاز مع نغمة الأمواج المتكسرة، ظلت الصراصير وحشرات الجندب (التي تنذر بقدوم فصل الخريف) تصدر أصواتا كعزف الكمان ونقيقا؛ ومن بعيد من ناحية مدينة ماربلهيد راقبت الضوء من نافذة الفنار يظهر ويختفى بتقطع كأنه عين تغمز. كانت واعية بكل مشهد وصوت ورائحة في هذه الليلة الخانقة. قالت في نفسها إنه ربما تهب عاصفة قبل أن يصلا إلى كونيتيكت. سيواصلان قيادة السيارة طوال الليل ...
كانت أضواء سيارة سابين قد عاودت الآن التحرك، مبتعدة عن منزل «بروك كوتيدج»، عبر أراضي أوهارا، تنهب الأرض في اتجاه الطريق الرئيسية. وفي الغور السحيق بجوار النهر، اختفيا للحظة ثم ظهرا مرة أخرى قبالة الكتلة المظلمة للتل الذي كانت تكلله مقبرة البلدة. ثم فجأة اختفيا، تاركين وراءهما صوت الأمواج المتكسرة وصفير الصراصير والضوء المتقطع البعيد المنبعث من الفنار.
ظلت تراقبهما جنبا إلى جنب في السيارة المنطلقة عبر الظلام، غافلين عن كل شيء في هذا العالم باستثناء سعادتهما. أجل، شيء ما كان قد رحل عنها إلى الأبد ... شعرت بغيرة مروعة جامحة كانت أشبه بألم جسدي، وفجأة أدركت أنها كانت واقفة بمفردها تماما في الظلام أمام باب المنزل العتيق. •••
استفاقت على صوت آنسون وهو يسألها: «أهذا أنت يا أوليفيا؟» «أجل.» «ماذا تفعلين بالخارج؟» «خرجت لأستنشق بعض الهواء.» «أين سيبيل؟»
للحظة لم تجب، ثم قالت بجرأة نوعا ما: «خرجت بالسيارة مع جان ليوصلا سابين إلى المنزل.»
قال: «تعرفين أنني لا أوافق على ذلك.» كان في تلك اللحظة قد أتى عبر الرواق ووقف بجوارها. «لن يضر ذلك في شيء.» «قيل ذلك من قبل ...» «لماذا تساورك الشكوك إلى هذا الحد، يا آنسون، تجاه ابنتك؟» لم تكن لديها رغبة في مجادلته. لم تكن تريد شيئا سوى أن تترك وشأنها، أن تذهب إلى غرفتها وتستلقي هناك وحدها في الظلام؛ إذ عرفت الآن أن مايكل لن يأتي.
قال آنسون: «أوليفيا، ادخلي للحظة. أريد أن أتحدث معك.» «حسنا ... ولكن أرجوك لا تكن مزعجا. أنا مرهقة جدا.» «لن أكون مزعجا ... لا أريد سوى تسوية أمر ما.»
عرفت حينئذ أنه عازم على أن يكون مزعجا جدا، وقالت في نفسها إنها لن تستمع إليه؛ وإنما ستفكر في شيء آخر أثناء حديثه، وهي حيلة تعلمتها منذ وقت طويل. وفي غرفة الجلوس، جلست في هدوء وانتظرت أن يبدأ حديثه. بدا مرهقا وشاحبا أكثر من المعتاد وهو يقف إلى جوار رف المدفأة. أدركت أنه كان قد عكف على العمل على تأليف كتابه؛ وأدركت أنه أفرغ كامل تركيزه، وكل ذرة في كيانه، في هذا العمل؛ ولكن بينما كانت تراقبه تلاعبت بها مخيلتها بالخدعة القديمة بتخيل أن مايكل واقف هناك مكانه ... متحديا، عابسا قليلا، مفعما بقوة متمهلة، ثابتة، لا تنضب.
Unknown page