109

Awail Kharif

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Genres

عاد يطأطئ رأسه. وقال: «أوه، سابين! طبعا! إنها خطيرة. إنها تعرف أكثر من اللازم عما يجري في العالم. لقد عرفت عددا كبيرا جدا من الأشخاص غريبي الأطوار.» ثم كرر مرة أخرى ما قاله قبل أشهر بعد انتهاء الحفل الراقص قائلا: «ما كان ينبغي أن تعود إلى هنا أبدا.»

وفي خضم الحديث الغريب والمفكك، تناهى إلى مسامعهما صوت الموسيقى الآتية من غرفة الجلوس البعيدة. في البداية، لم يسمعها جون بينتلاند، الذي كان يعاني من بعض الصمم، ولكن بعد قليل اعتدل في جلسته، يستمع، والتفت إليها متسائلا: «هل ذلك هو الشاب المعجب بسيبيل؟» «أجل.» «هو فتى لطيف، أليس كذلك؟» «فتى لطيف جدا.»

وبعد فترة من الصمت، سألها: «ما اسم الأغنية التي يعزفها؟»

لم تستطع أوليفيا أن تمنع نفسها من الابتسام. وأجابته قائلة: «إنها تدعى «أنا واقع في الحب مرة أخرى وقد جاء الربيع (آم إن لوف أجين أند ذا سبرينج إز كامينج).» لقد أحضرها جان من باريس. ألفها صديق له ... ولكن الأسماء لم تعد ذات مغزى في الموسيقى. لا أحد يستمع إلى الكلمات.»

للحظة اكتست ملامح وجهه بلمحة بهجة خاطفة. وعلق قائلا: «للأغاني أسماء غريبة هذه الأيام.»

كان من شأنها أن تفر، حينئذ، مغادرة المكان في هدوء. تململت في جلستها، بل همت بإشارة بأنها تريد المغادرة، ولكنه رفع يده بطريقته المعهودة، مما جعلها تشعر بأنها يجب عليها أن تطيعه كما لو كانت طفلة. «ثمة أمر أو أمران آخران يجب أن أخبرك بهما، يا أوليفيا ... أمران سيساعدانك في فهم الأمور. لا بد أن يعرفهما شخص ما. شخص ما ...» توقف فجأة وبذل مجددا مجهودا مضنيا ليواصل الحديث. برزت العروق بحدة على صدغيه.

تابع حديثه، مشيرا بالإشارة الحتمية ناحية الجناح الشمالي، قائلا: «الأمر متعلق بها في المقام الأول. لم تكن على تلك الحال دوما. ذلك ما أريد أن أوضحه. ما أريد أن أقوله إننا ... تزوجنا عندما كان كلانا في سن صغيرة جدا. كان أبي هو من أراد ذلك. كنت في العشرين من عمري وهي كانت في الثامنة عشرة. كان أبي يعرف عائلتها على الدوام. كانوا أبناء عمومة لنا، بصورة أو أخرى، مثلما كانوا أبناء عمومة لسابين. كان أبي يدرس مع والدها في نفس المدرسة وكانا ينتميان إلى النادي نفسه وكانت هي ابنة وحيدة من المحتمل أن ترث ثروة كبيرة. إنها قصة قديمة، كما ترين، ولكنها مألوفة نوعا ما في عالمنا ... وكل هذه الأشياء كان لها اعتبارها، وفيما يخصني، لم يكن لي قبلئذ أي علاقة بالنساء ولم أعشق أي امرأة قط. كنت صغيرا جدا في السن. أظن أنهم رأوها زيجة مثالية ... بتوفيق إلهي كما صورت لهم أحلامهم السعيدة. كانت جميلة جدا ... بإمكانك أن تلاحظي الآن أنها حتما كانت جميلة جدا ... كانت حلوة المعشر، أيضا، وبريئة.» سعل، ثم واصل حديثه بجهد بالغ. «كان ... كان عقلها كعقل طفلة صغيرة. لم تكن تفقه شيئا ... زهرة بريئة»، قالها بنبرة تشوبها همجية غريبة.

ثم توقف عن الحديث لبرهة، كما لو أن المجهود الذي بذله كان يفوق طاقته، وجلس محدقا من النافذة صوب البحر. بدا لأوليفيا أنه كان يسترجع السنوات وصولا إلى الفترة التي كانت فيها السيدة العجوز المسكينة شابة صغيرة وربما خجلة جدا من تودده المتحمس. ساد الصمت مرة أخرى في جنبات الغرفة، صمت مطبق جدا لدرجة أن الهدير الخافت البعيد لارتطام الأمواج بالصخور صار مسموعا، ثم تناهت إلى مسامعهما مجددا موسيقى جان. كان يعزف لحنا آخر ... ليس أغنية «أنا واقع في الحب مرة أخرى»؛ وإنما أغنية أخرى تدعى «سيدة القيثارة» (يوكلالي ليدي).

قال جون بينتلاند: «أتمنى أن يوقفوا تلك الموسيقى الملعونة!»

قالت أوليفيا وهي تقوم من مكانها: «سأذهب.» «كلا ... لا تذهبي. يجب ألا تذهبي ... ليس الآن.» بدا عليه التوتر، بل والفزع تقريبا، ربما خوفا من أنه لو لم يخبرها الآن بالقصة الطويلة التي يجب أن يقصها على أحد فلن يخبرها بها أبدا. «كلا، لا تذهبي ... ليس قبل أن أنهي حديثي يا أوليفيا. يجب أن أنهي حديثي ... أريدك أن تعرفي السبب وراء الأمور التي حدثت مثلما حدث هنا أمس وأول أمس في هذه الغرفة ... لا يوجد مبرر، ولكن ما سأقوله ربما يفسر الأمر ... قليلا.»

Unknown page