107

Awail Kharif

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Genres

كان من المستحيل أن ترفض، من المستحيل حتى أن تواصل الاعتراض أكثر من ذلك، من المستحيل أن تقول إنه في تلك اللحظة بالذات كانت تريد أن تهرب، أن تلوذ بالفرار فحسب، أن تتركهم إلى الأبد، بعد أن صارت سيبيل في أمان. أشاحت بناظريها بعيدا وقالت بصوت خفيض: «أجل.»

كان من المستحيل أن تتخلى عنه الآن ... بعد أن صار عجوزا منهكا. كانت الرابطة التي تجمعهما قوية للغاية؛ وقد كانت موجودة منذ وقت طويل جدا، منذ أول يوم دخلت فيه بيت عائلة بينتلاند بصفتها عروس آنسون وأدركت أنها تكن الاحترام للأب، وليس للابن. نوعا ما، كان قد فرض هو عليها قدرا من سلطته الأبوية القاسية. بدا لها أنها محاصرة في حين كانت في قرارة نفسها تنوي الفرار؛ كما كانت خائفة من الفكرة التي كانت لا تنفك تراودها بأنها ربما صارت، في نهاية المطاف، واحدة من آل بينتلاند ... قاسية، حريصة، متحفظة، تتجرع قدرا من المرارة، وتفتقر حياتها إلى الحماس والبهجة، ومولعة بتقديس إله فظ، متلون، خفي، يطلق عليه الواجب. ظلت تفكر في تعليق سابين الساخر عن «خصال الطبقة الوسطى الدنيا التي تتسم بها عائلة بينتلاند» ... الافتقار إلى الحماس، الافتقار إلى الفخامة، وإلى النبل. ورغم ذلك، كان هذا العجوز الشرس نبيلا، بطريقة غريبة ... حتى سابين أدركت ذلك.

عاد يتحدث مجددا. قال: «لم يترك لك أمر المال فحسب ... فلديك أيضا سيبيل التي لا تزال أصغر سنا من أن يطلق لها العنان ...»

قالت أوليفيا بعناد رزين: «كلا، ليست صغيرة جدا. لها مطلق الحرية في أن تفعل ما تشاء. حاولت أن أجعلها أكثر حكمة مني حين كنت في نفس عمرها ... ربما أكثر حكمة مما كنت في أي يوم من الأيام ... حتى في الوقت الحاضر.» «لعلك محقة، يا عزيزتي. لقد كنت كذلك مرات كثيرة جدا ... والأمور ليست كما كانت على أيامي ... بالتأكيد ليست كما كانت فيما يخص الفتيات الصغيرات.»

أمسك الأوراق مرة أخرى، وأخذ يقلب فيها بطريقة غريبة ومتوترة، تتعارض جدا مع أسلوبه الصارم والحازم المعتاد. وخطرت لها لمحة تبصر أوحت لها بأنه كان يتصرف على هذا النحو؛ لأنه أراد أن يتحاشى النظر إليها. كانت تكره الأسرار وفي تلك اللحظة كانت خائفة من أن يكون على وشك أن يخبرها بأشياء كانت تفضل ألا تسمعها أبدا. كانت تكره الأسرار ومع ذلك بدت من الأشخاص الذين يجذبون الأسرار إليهم دوما.

واصل حديثه قائلا: «لنستبعد سيبيل من هذا، فلدينا الآنسة هادون العجوز الغريبة الأطوار التي تعيش في دورهام، التي، كما تعلمين، كنا نعتني بها لسنوات؛ ولدينا كاسي، التي تشيخ وتزداد اعتلالا، على ما أظن. لا يمكننا أن نتركها للآنسة بيفي المحدودة الذكاء. أعرف أن أختي كاسي كانت عبئا عليك ... ما برحت أن كانت عبئا علي، طيلة حياتي.» ابتسم ابتسامة متجهمة. قائلا: «أظن أنك تعرفين ذلك ...» ثم قال بعد أن سكت لبرهة: «ولكن الأهم من ذلك كله، لدينا زوجتي.»

اتخذ صوته نبرة غريبة وغير طبيعية، كانت خالية تماما من المشاعر. صار أشبه بصوت صادر عن شخص أصم لم يسمع مطلقا الأصوات الصادرة عنه.

أردف قائلا: «لا أستطيع أن أتركها بمفردها. بمفردها ... دون أحد يعتني بها عدا ممرضة مدفوعة الأجر. لا يسعني أن أموت وأنا أعرف أنه لا أحد يفكر فيها ... باستثناء الآنسة إيجان الكفء التعسة ... الغريبة عنها. كلا يا أوليفيا ... لا يوجد أحد سواك ... لا يوجد أحد يمكنني أن أثق به.» نظر إليها بحدة. وأردف قائلا: «هل ستعدينني بأن تعتني بها دوما ... ولن تسمحي لهم بأن يتخلصوا منها؟ هل ستعدينني بذلك؟»

شعرت مرة أخرى بأنها محاصرة. قالت: «بالطبع. بالطبع، سأعدك بذلك.» وماذا كان عساها أن تقول غير ذلك؟

أضاف، وهو يشيح بنظره بعيدا عنها مرة أخرى، قائلا: «لأنني ... لأنني مدين لها بذلك ... حتى بعد موتي. لن أرتاح لو حبست في مكان ما ... وسط غرباء. ما أريد أن أقوله إنه ... ذات مرة ... ذات مرة ...» ثم توقف فجأة عن الحديث، كما لو أن ما كان على وشك أن يقوله لا يحتمل.

Unknown page