قلت: معنى قوله أو صرف الحكم إلى آخر: إلى مسند إليه آخر والمسند إليه الآخر من جنس السابق فى هذا الكلام، وذلك لا يقتضى كونه فيما بعد، بل من جنس السابق عليه وهذا من قبيل اشتباه مفهوم الحكم بموارده فلما كان الإضراب غير شامل لجميع صور العطف ببل وإن كان متحققا فى (نحو جاء زيد بل عمرو # وما جاءنى زيد بل عمرو) أضرب عن ذكر الإضراب والنفى بصرف الحكم الشامل لجميع الصور، لكن كون المثال الثانى لصرف الحكم غير واضح على مذهب الجمهور من أن «بل» يبطل النفى فيما بعده ويجعل ما قبله فى حكم المسكوت عنه حتى يكون المعنى ما جاءنى زيد بل جاءنى عمرو؛ لأنه لا معنى لصرف الحكم إلى ما بعد «بل» بعد اختلاف الحكم السابق واللاحق، نعم يتضح على مذهب المبرد أن النفى والإثبات سببان والمعنى: بل ما جاءنى عمرو مع احتمال جاءنى زيد بين النفى والإثبات، فالغلط عند المبرد فى الاسم المعطوف عليه فقط وعند الجمهور فيه وفى ذكر النفى فكلمة «بل» لتدارك غلطين عندهم تدارك النفى بالإبطال وتدارك المعطوف عليه بعينه بصرف الحكم إلى المعطوف ويمكن توضيح صرف الحكم بأن المراد صرف الحكم بعينه أو بعد إصلاحه بإبطال نفيه، والمراد بالحكم إما الوقوع واللاوقوع أو الإيقاع والانتزاع والمراد بصرفه صرفه باعتبار الإفادة فلا يتجه أنه يقتضى تكذيب الحكم فى المعطوف عليه مع أنه غير تكذيب بل مسكوت عنه والصرف فى الإفادة كما يصح في الإيقاع يصح في الوقوع، والصرف بحسب الواقع لا يصح في شيء منهما فما ذكره الشارح المحقق في شرح المفتاح أن المراد بالحكم الإيقاع فلا يستلزم صرف الحكم كذب الحكم في المعطوف عليه لا يتم ولا يشكل عليك عدم شمول النكتة للعطف في: ليضرب زيد بل عمرو؛ لأنه ليس لصرف الحكم بل لصرف الطلب؛ لأن الكلام في المسند إليه بالإسناد الخبري على أن التحقيق أن الحكم هنا يعم الخبر والإنشاء قال الرضى: وإذا عطفت ب «بل» مفردا بعد النفي أو النهي فالظاهر أنها للإضراب أيضا ومعنى الإضراب: جعل الحكم الأول موجبا أو غير موجب كان، كالمسكوت عنه بالنسبة إلى المعطوف عليه وفرق بين العطف ببل وبدل الغلط وإن كان كلاهما لتدارك الغلط في المتبوع فإن الأول لا يقع في كلام البليغ والثاني شائع بين البلغاء مطرد في كلامهم؛ لأنها موضوعة لتدارك مثل هذا الغلط وقد نبه عليه المصنف حيث ترك بدل الغلط وذكر العطف ببل، وابن الحاجب سوى بينه وبين البدل لكن تعقبه الرضي بهذا الفرق وهو المرضي كذا قيل، وقد عرفت أن من بدل الغلط ما هو أبلغ من المعطوف فالفرق بأن هذا البدل ليس من أحوال المسند إليه إذ لا مسند إليه # قبله؛ لأنه لم يقصد أو ترك بالكلية بخلاف المعطوف عليه ببل فإن البليغ بعد الإتيان به سهوا التفت إليه واعتبر الحكم مرتبطا به وذكر ما يصرف الحكم عنه إلى آخره.
(أو الشك) أي: لإفادة الشك (أو التشكيك) أي: لجعل المخاطب شاكا في الحكم لغرض يتعلق به (نحو جاءني زيد أو عمرو) أو للإبهام نحو وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (¬1) أو للتحقير أو للإباحة نحو: ليدخل زيد أو عمرو، والفرق بينهما أن التحقير يفيد ثبوت الحكم لأحدهما فقط وفي الإباحة تجوز الجمع بينهما لكن لا من حيث مدلول اللفظ بل بحسب أمر خارج، ونبه المصنف بترك عد التفسير مقاما للعطف على قلته في الواو والفاء وعلى أن ما بعد «أي» و «إن» عطف بيان لما قبله كما عليه الجمهور لا معطوف كما عليه المفتاح، قالوا يؤيد الجمهور كون المعطوفات مغايرة للمعطوف عليه إلا ما قل من العطف بالواو والفاء للتفسير. وتفسير أئمة اللغة الضمير المجرور بأي من غير إعادة الجار وتفسيرهم الضمير المرفوع المتصل به من غير تأكيد بمنفصل ولا فصل، وفيه بحث؛ لأن ما بعدهما يشارك المعطوفات في كون التشريك فيه في الإعراب بواسطة الحرف وهما مستثنيان عنده من قاعدتي العطف على الضمير المجرور والضمير المرفوع المتصل، بل القاعدتان عنده أنه إذا عطف بغير أي وأنا على الضمير المجرور أعيد الخافض، وعلى الضمير المرفوع المتصل يؤتى بتأكيد بمنفصل أو بفصل، وكون القاعدة عندهم أشمل من القاعدة عنده لا يوجب تأييدهم والحروف العاطفة عنده اثنا عشر لأنه جعل «أي» و «أن» فيهما لأنه لا وجه للفرق بين أي وأن وإن لم يصرح إلا بأي فما ذكره السيد السند أنها عنده أحد عشر حرفا محل نظر، ولم يذكر العطف بأم لاختصاصه بالإنشاء إلا أن عدم التعرض به في باب الإنشاء أيضا يوجب إهمال الفن لما يهمه.
[وأما الفصل]
(وأما الفصل)
Page 363