وبما عرفت اندفع أيضا أن الأولى ذكرهما في البيان لاحتياج بعض مباحثهما إلى معرفة المجاز اللغوي، والاستعارة بالكناية، ولما بحث عنهما هاهنا كان المناسب أن يستوفي البحث حتى لا يحتاج إلى إعادة بحثهما في البيان؛ فبحث عن مطلق الإسناد باعتبارهما لأنهما لا يخصان الإسناد الخبري.
[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]
قال الشارح: فلذا قال (ثم الإسناد) وذكره بالاسم الظاهر دون الضمير لئلا يتوهم عوده إلى الإسناد الخبري هذا، وهذا هو الذي ذكره البيضاوي (¬1) - قدس سره- في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (¬2) حيث قال: وكرر لفظ الهدى ولم يضمر لأنه أراد بالثاني أعم من الأول، وأورد عليه أن المتبادر من معرفة سبق ذكرها العهد، وكونها عين ما سبق، وإن جاز حملها على غير ما سبق، فهي كالضمير بعينه في أن الظاهر أن مرجعه عين ما سبق، مع جواز رجوعه إلى ما في ضمنه.
ولا يذهب عليك أن العطف «بثم» حينئذ للتراخي الرتبي، لكون بحثه أشمل مما سبق، ونحن نقول: لم يضمر لبعد المرجع جدا، أو لدفع توهم رجوعه إلى الكلام المذكور في قوله: وكثيرا ما يخرج الكلام على خلافه، والمقام لاستيلاء الوهم؛ كيف والمشهور الثابت في أصل يعني المفتاح التلخيص كون الحقيقة والمجاز العقليين كلاما؟ على أنه قد تقرر في موضعه أنه إذا دار الضمير بين الأبعد والأقرب فهو عائد إلى الأقرب، نفى أنهما لا يخصان بالإسناد، بل يجريان في التعلق نحو: أجريت النهر، والإضافة نحو قوله تعالى: شقاق بينهما (¬3) على ما قيل، وفي النسبة الوصفية نحو: الربيع المنبت، فقصد استيفاء البحث عنهما كما ذكرت يستدعي ذكر ما هو أعم من الإسناد، ولا يذهب عليك انتقاض تعريفهما بها، وسيأتي لهذا الكلام تتمة.
وإنما قال (منه حقيقة عقلية) ومنه مجاز عقلي توطئة لتعريفهما، ولم يقل:
Page 257