حتى وصلوا بها إلى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة».
ثم رئي نقلها من هذه القبة فنقلت منها سنة 1275ه، ذكر عصرينا الفاضل السيد محمود الببلاوي شيخ المسجد الحسيني والمتولي الآن شيخا على المسجد الزينبي في (التاريخ الحسيني) أنه سمع من شيوخ ثقات كبراء أنها نقلت من القبة إلى المسجد الزينبي، ثم نقلت بموكب حافل إلى خزانة الأمتعة بالقلعة، ثم نقلت منها سنة 1304ه إلى ديوان الأوقاف، وفي سنة 1305ه نقلت إلى قصر عابدين مقر الخديو، ومنه نقلت في السنة المذكورة إلى المسجد الحسيني.
ولما عزم الخديو محمد توفيق باشا على نقلها تلك السنة أمر أن تتخذ لها خزانة بالحافظ الشرقي في المسجد الحسيني، ثم استجلبها من ديوان الأوقاف إلى قصر عابدين، وأمر أن تحفظ في شقق من الديباج الأخضر مطرزة بسلوك الفضة المذهبة، قيل: إن زوجته الأميرة المعظمة أمينة بنت الأمير إلهامي باشا ابن والي مصر عباس باشا الكبير، تولت تطريزها بيدها تعظيما وإجلالا لتلك الآثار، ثم احتفل بنقلها من القصر إلى المسجد يوم الخميس الخامس والعشرين من جمادى الثانية من السنة المذكورة في موكب فخم لم تشهد مصر مثله، مشى فيه نحو ثلاثين ألف نسمة على أقدامهم، واحتشد لرؤيته على جانبي الطريق نحو مائتي ألف وكان الخديو دعا في ذلك اليوم العلماء والأعيان إلى القصر للمسير في الموكب، وأمر أن يسير فيه جميع مستخدمي الدواوين، وكانت الآثار الشريفة ملفوفة في خمس شقق من الديباج مرفوعة على أسرة في بهو الاستقبال الكبير وحولها مجامر البخور، فلما تم توافد المدعوين استدعى الخديو إلى مجلسه قاضي مصر والشيخ الأكبر محمدا الأنبابي شيخ الأزهر والشيخ محمدا البناء المفتي ومن كبار العلماء الشيخ محمدا المهدي العباسي، وكان وقتئذ معزولا عن الأزهر والإفتاء، ومن أبناء البيوت القديمة السيد عبد الباقي البكري نقيب الأشراف وشيخ الصوفية، والسيد عبد الخالق السادات سليل بني وفا، ثم حمل الخديو على يديه إحدى هذه الودائع الكريمة، وأشار إلى أخيه الأمير حسين كامل باشا، والغازي أحمد مختار باشا المندوب السلطاني العالي، ومحمد ثابت باشا رئيس الديوان الخديوي، ومحمد رءوف باشا ناظر الأوقاف، بحمل الأربع الباقية، فحملوها وخرجوا جميعا إلى سلم القصر المشرف على ميدان عابدين، فتقدم السيد عبد الباقي البكري وتسلم الوديعة التي يحملها الخديو وانتظم مع الحاملين لبقية الآثار، وكان خروج الموكب من القصر في ضحى ذلك اليوم، ووصل إلى المسجد الحسيني بالسير الرويد في ثلاث ساعات، وكان مسيره من عابدين في شارع عبد العزيز إلى ميدان العتبة الخضراء فشارع محمد علي إلى ميدان باب الخلق فشارع تحت الربع إلى باب زويلة فشارع السكرية فالعقادين فالغورية فالسكة الجديدة إلى أن وصل إلى المسجد الحسيني، وكان في طليعته خمسة من فرسان الشرطة يتلوهم جميع أرباب الأشائر الذين بالقاهرة حاملين أعلامهم، ثم كوكبة من فرسان الجيش فكتيبة من مشاته فالأعيان والوجوه فالعلماء وطلبة العلم فعشرون وصيفا يحملون مجامر البخور وقماقم العطر، ومن بعدهم حملة الآثار في صف، يتوسطهم السيد البكري، وعن يمينه ويساره الغازي مختار باشا وكان لابسا حلته العسكرية، والأمير حسين باشا أخو الخديو، وفي الطرفين محمد ثابت باشا ورءوف باشا، ثم يتلوهم الوزراء - وكان يقال لهم في ذلك الحين: النظار - ثم مستخدمو الدواوين فشرذمة من رجال الشرطة، ولما وصلوا بالآثار إلى المسجد أودعوها في خزانتها وأودعوا معها المصحف العثماني، وتسلم مفاتيحها ناظر الأوقاف، ثم تليت آيات من الكتاب العزيز، ووقف الشيخ سليم عمر القلعاوي شيخ مسجد القلعة فخطب خطبة نوه فيها بالآثار ودعا للسلطان وللخديو.
ثم لما تولى على مصر الخديو عباس حلمي باشا سنة 1309ه، رأى أن ينشئ للآثار حجرة خاصة فتم إنشاؤها سنة 1311ه وراء الحائط الشرقي للمسجد الحسيني والحائط الجنوبي لقبة المشهد، وجعل لها بابان واحد إلى المسجد وواحد إلى القبة، وجعلت خزانة الآثار بحائطها الجنوبي، وهي باقية فيها إلى اليوم تقصد بالزيارة في أيام معلومة.
عدد هذه الآثار وصفتها
نرى فيما سردناه من الروايات اختلافا في عدد هذه الآثار بالزيادة والنقصان، وسبب ذلك أن من الراوين من لم يرها، فذكر ما نقل له عنها بالسماع، ومنهم من تساهل في استقصاء عددها واكتفى بذكر بعضها، ولقد أحسن من احتاط منهم فأعقب عبارته بقوله: (وغير ذلك) والذي يتحصل من مجموع هذه الروايات أنها كانت قطعة من العنزة، أي: الحربة، وقطعة من القصعة، ومرود، وعبر عنه بعضهم بالميل، وقال بعضهم من نحاس وبعضهم من نحاس أصفر، وملقط، وقال عنه بعضهم من حديد، وقيده بعضهم بكونه صغيرا لإخراج الشوك من الرجل أو غيرها، ومخصف، وقيده بعضهم بكونه صغيرا، وعبر عنه بعضهم بالإشفي الذي كان
صلى الله عليه وسلم
يخصف به نعله، ومكحلة، ومشط، وانفرد بذكرهما ابن كثير، وقطعة عصا وانفرد بذكرها الجبرتي، وقطعة من القميص ولم يذكرها إلا ابن إياس والجبرتي، ومن غير الآثار النبوية المصحف المنسوب لأمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم أضاف إليها السلطان الغوري المصحف العثماني الذي كان بمدرسة القاضي الفاضل وهما باقيان إلى اليوم وفي نسبتهما إليهما نظر
18 .
ولم يبق من الآثار النبوية اليوم إلا المكحلة والمرود والقطعة من القميص والقطعة من القضيب وهي التي عبر عنها الجبرتي بقطعة عصا، وضم إليها شعرتان من اللحية النبوية الشريفة
Unknown page