Athar Carab Fi Hadara Urubbiyya
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Genres
وتجار النصارى أيضا لا يمنع أحد منهم ولا يعترض، وللنصارى على المسلمين ضريبة يؤدونها في بلادهم وهي من الأمنة على غاية. وتجار النصارى أيضا يؤدون في بلاد المسلمين على سلعهم، والاتفاق بينهم على الاعتدال في جميع الأحوال وأهل الحرب مشتغلون بحربهم، والناس في عافية، والدنيا لمن غلب. هذه سيرة أهل هذه البلاد في حربهم، وفي الفتنة الواقعة بين أمراء المسلمين وملوكهم كذلك، ولا تعترض الرعايا ولا التجار؛ فالأمن لا يفارقهم في جميع الأحوال سلما أو حربا، وشأن هذه البلاد في ذلك أعجب من أن يستوفى الحديث عنه ...
وقد كان لفهم الدولة على معناه الصحيح أثره النافع في العلاقات السلمية والحربية بين الحكومات، فلم يحدث قط في العالم العربي أن دولة حاربت أخرى للمطالبة بحصة أميرة في العرش، أو للخلاف على ميراث الأصهار وتركات البيوت الملكية؛ لأن الحضارة العربية رفعت معنى الدولة من مرتبة الحطام الذي يورث أو ينتقل بالنسب والمصاهرة، إلى المرتبة الإنسانية التي ارتقت إليها الحضارة الحديثة بعد ذلك ببضعة قرون؛ وهي قيام الدولة على علاقة حرة بين الراعي المسئول والرعايا الطلقاء من أسر العبودية والاسترقاق، فلا جرم يقال بحق: إن الحضارة العربية سبقت أوروبا زمنا طويلا في مجال التربية الدولية، وسلكت المنهج الوحيد الذي يؤدي إلى انتظام المعاملات العالمية على الوجهة القديمة التي يممها دعاة الإصلاح في عهد عصبة الأمم المتحدة، وما يشبهها من الجامعات.
أثر أوروبا الحديثة في النهضة العربية
سداد الديون
مضى زمن كانت أوروبا فيه - كما رأينا في بعض فصول هذا الكتاب - تتلقى الحضارة العربية وهي نافرة متبرمة، أو حائرة مستسلمة؛ إذ كان شيوخها وأصحاب زمامها ينعون الزمان، ويسخطون على الدنيا ومن فيها؛ لأن وجوه الناشئين قد تحولت عن القبلة التي كانوا يأتمون بها، وعقول المتعلمين قد انصرفت عن المطالب التي كانوا يعكفون عليها، فأصبحوا ولا هم لهم إلا الإقبال على كل ما هو عربي غريب، والإعراض عن كل ما هو أوروبي أصيل.
ثم دارت الأفلاك دوراتها التي تدورها كأنما هي مستقرة في مكانها، فإذا بصيحة كهذه الصيحة تسمع من جانب الشرق العربي كأنها منقولة من أفواه أولئك الأوروبيين الذين رددوها قبل ألف سنة؛ لأن أبناء الشرق أصبحوا ولا هم لهم إلا الإقبال على كل ما هو أوروبي غريب، والإعراض عن كلما هو شرقي أو عربي أصيل!
ذلك سداد الديون!
وكثيرا ما يكون سداد الديون غير مقصود وغير مشكور، ولا سيما ديون الحضارات الإنسانية التي تتوارثها الأمم دواليك بين الأخذ والإعطاء.
وتعلم الشرق الحديث من أوروبا كما تعلمت أوروبا من الشرق القديم.
ولا ضير في التعليم، ولولا أنه كان تعليم قصور.
Unknown page