204

Al-Tawḍīḥ al-Rashīd fī sharḥ al-tawḥīd

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

المُلْحَقُ الخَامِسُ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ) فَوَائِدُ وَمَسَائِلُ بَابِ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ
- الفَائِدَةُ الأُوْلَى) تَفْسِيْرُ آيَاتِ سُوْرَةِ البَقَرَةِ مِنْ تَفْسِيْرِ الشَّيْخِ السَّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (١):
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِيْنُ عَلَى (٢) مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِيْنَ كَفَرُوا يُعَلِّمُوْنَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوْتَ وَمَارُوْتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُوْلَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُوْنَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُوْنَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّيْنَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُوْنَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُوْنَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوْبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُوْنَ﴾ (البَقَرَة:١٠٣).
قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ ﵀: (هُمْ كَذَبَةٌ فِي ذَلِكَ، فَلْم يَسْتَعْمِلْهُ سُلَيْمَانُ، بَلْ نَزَّهَهُ الصَّادِقُ فِي قِيْلِهِ ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ أَيْ: بِتَعَلُّمِ السِّحْرِ، فَلَمْ يَتَعَلَّمْهُ، ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِيْنَ كَفَرُوا﴾ بِذَلِكَ.
﴿يُعَلِّمُوْنَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ مِنْ إِضْلَالِهِم وَحِرْصِهِم عَلَى إِغْوَاءِ بَني آدَمَ، وَكَذَلِكَ اتَّبَعَ اليَهُوْدُ السِّحْرَ الَّذِيْ أُنْزِلَ عَلَى المَلَكِيْنِ الكَائِنَيْنِ بِأَرْضِ بَابِلَ مِنْ أَرْضِ العِرَاقِ، أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا السِّحْرُ امْتِحَانًا وَابْتِلَاءً مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ فَيُعَلِّمَانِهِمُ السِّحْرَ. (٣)

(١) (ص٦١).
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٣٥٠/ ١): (وَعَدَّاهُ بِـ (عَلَى) لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ (تَتْلُو): تَكْذِبُ).
(٣) وَقَدْ اسْتَعْرَضَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤١٩/ ٢) قَوْلَيْنِ فِيْهَا، فَقَالَ ﵀: (قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ﴾ قَالَ بَعْضُهُم: مَعْنَاهُ الجَحْدُ، وَهِيَ بمَعْنَى (لَمْ) فَتَأْوِيْلُ الآيَةِ عَلَى هَذَا المَعْنَى: وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى المَلَكَيْنِ، وَاتَّبَعُوا الَّذِيْ تَتْلُوا الشَّيَاطِيْنُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ مِنَ السِّحْرِ، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ، وَلَا أَنْزَلَ اللهُ السِّحْرَ عَلَى المَلَكَينِ، وَلَكِنَّ الشَّيَاطِيْنَ كَفَرُوا يُعَلِّمُوْنَ النَّاسَ السِّحْرَ. فَيَكُوْنُ حِيْنَئِذٍ قَوْلُهُ ﴿بِبَابِلَ هَارُوْتَ وَمَارُوْتَ﴾ مِنَ المُؤَخَّرِ الَّذِيْ مَعْنَاهُ التَّقدِيْمُ.
وَقَالَ آخَرُوْنَ: بَلْ تَأْوِيْلُ (مَا) الَّتِيْ فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ﴾: (الذِيْ) ....). وَسَاقَ بِنَحْوِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ وَرَجَّحَهُ.
وَالأَوَّلُ رَجَّحَهُ القُرْطُبِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٥٠/ ٢)، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَعَلَى الوَجْهِ الأَوَّلِ (مَا: النَافِيَة): يَكُوْنُ عِنْدَهُمُ المَلَكَانِ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ هُمَا الَّذَيْنِ ادَّعَى فِيْهِمُ اليَهُوْدُ النُّزُولَ بِالسِّحْرِ، وَهَارُوْتُ وَمَارُوْتُ هُمَا الَّذَيْنِ تَعَلَّمُوا السِّحْرَ مِنَ الشَّيَاطِيْنِ.
قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀: (لَا شَكَّ أَنَّ الآيَةَ فِيْهَا خِلَافٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ التَّفْسِيْرِ، لَكِنِ الَّذِيْ تَرَجَّحَ لَدَيَّ أَنَا شَخْصِيًّا بِأَنَّ (مَا) فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ﴾ لَيْسَتْ نَافِيَةً، بَلْ هِيَ مَوْصُوْلَة، أَيْ: أَنَّ اللهَ ﷿ أَنْزَلَ المَلَكَيْنِ لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ السِّحْرَ - حَيْثُ كَانَ السِّحْرُ انْتَشَرَ فِي ذَلِكَ الزَّمانِ؛ وَاخْتَلَطَ أَمْرُهُ بِبَعْضِ المُعْجِزَاتِ الَّتِيْ كَانَ يَأْتِي بِهَا بَعْضُ الأَنْبِيَاءِ - كَمِثْلِ قِصَّةِ السَّحَرَةِ مَعَ مُوْسَى ﵊، حَيْثُ أَرَادَ فِرْعَوْنُ عَلَى يَدِي السَّحَرَةِ أَنْ يُضَلِّلَ الشَّعْبَ عَنْ دَعْوَةِ مُوْسَى إِلَى الحَقِّ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ إنَّمَا هُوَ السِّحْرُ، ثُمَّ كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ ﷿ قَضَى عَلَى عَمَلِ السَّحَرَةِ وَأَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِاللهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، فَكَانَ عِلْمُهُم بِالسِّحْرِ سَبَبًا لَهُم لِيُمَيِّزُوا بَيْنَ مَا كَانَ خَيَالًا وَسِحْرًا وَبَيْنَ مَا كَانَ حَقِيْقَةً، ﴿فَأَلْقَى مُوْسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُوْنَ﴾ (الشُّعَرَاء: ٤٥». أَشْرِطَةُ سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّوْرِ (ش١٨٩).

1 / 204