190

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

- قَوْلُهُ (وَلَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالمُشْرِكِيْنَ): الحَيُّ: المُرَادُ بِهِ: القَبِيْلَةُ، وَمَعْنَى (يَلْحَقَ): يَتَّبِعَ، وَذَلِكَ إِمَّا بِأَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِلَادِهِم وَيَسْكُنُوا مَعَهُم وَيَكُوْنوا مِنْ دَوْلَتِهِم، وَإِمَّا بِأَنْ يَبْقُوا فِي بِلَادِ المُسْلِمِيْنَ؛ وَلَكِنَّهُم عَلَى مَنْهَجِ الكُفَّارِ، وَيَرْتَدُّوْنَ عَنِ الإِسْلَامِ.
وَقَدْ دَلَّتْ نُصُوْصٌ كَثِيْرَةٌ مِنَ السُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ سَيَقَعُ فِي الأُمَّةِ - وَهُوَ وَاقِعٌ الآنَ - مِنْهَا:
- (لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِيْ الخَلَصَةِ، وَذُوْ الخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِيْ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ فِي الجَاهِلِيَّةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (١) (٢)
- (لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهْارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالعُزَّى)، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ إِنْ كُنْتُ لَأَظنُّ حِيْنَ أَنْزَلَ اللهُ ﴿هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ﴾ (التَّوْبَة:٣٣) أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا! قَالَ: (إنَّهُ سَيَكُوْنُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيْحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيْمَانٍ؛ فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فيهِ فَيَرْجِعُوْنَ إِلَى دِيْنِ آبَائِهِم). رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا. (٣)
- (لا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ منْ أُمَّتِي بِالمُشْرِكِيْنَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأوْثانَ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ثَوْبَان مَرْفُوْعًا. (٤)
- (لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٥)، وَفِي رِوَايَةٍ أَحْمَدَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ). (٦)
- قَوْلُهُ (طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي) (٧): قَالَ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (٨) (أَمَّا هَذِهِ الطَّائِفَةُ فَقَالَ البُخَارِيُّ (٩): هُمْ أَهْلُ العِلْمِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنْ لَمْ يَكُوْنُوا أَهْلَ الحَدِيْثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُم (١٠)! قَالَ القَاضِي عِيَاضُ: (إنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الحَدِيْثِ)، قُلْتُ (النَّوَوِيُّ): وَيَحْتَمِلُ أَنْ هَذِهِ الطَّائفةَ مُفَرَّقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ المُؤْمِنِيْنَ، مِنْهُم شُجْعَانٌ مُقَاتِلُوْنَ، وَمِنْهُم فُقَهَاءُ، وَمِنْهُم مُحَدِّثُونَ، وَمِنْهُم زُهَّادٌ وَآمِرُوْنَ بِالمَعْرُوْفِ وَنَاهُوْنَ عَنِ المُنْكَرِ، وَمِنْهُم أَهْلُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الخَيْرِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُوْنُوا مُجْتَمِعِيْنَ؛ بَلْ قَدْ يَكُوْنُوْنَ مُتَفَرِّقيْنَ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ).
- قَوْلُهُ (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ): خَذَلَهُم؛ أَيْ: لَمْ يَنْصُرْهُم وَيُوَافِقْهُم عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّهُ سَيُوْجَدُ مَنْ يَخْذُلُهُم، لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّهُم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيْلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيْرَةً بِإِذْنِ اللهِ﴾ (البَقَرَة:٢٤٩).

(١) البُخَارِيُّ (٧١١٦)، وَمُسْلِمٌ (٢٩٠٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا.
وَ(الأَلْيَةُ): العَجِيْزَةُ، أَوْ مَا رَكِبَ العَجُزَ مِنْ شَحْمٍ وَلَحْمٍ. القَامُوْسُ المُحِيْطُ (ص١٢٦٠).
قَالَ العَلَّامَةُ القَنوْجِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (حُسْنُ الأُسْوَةِ) (ص٤٥٤): (وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهم يَرْتَدُّوْنَ وَيَرْجِعُوْنَ إِلَى جَاهِلِيَّتِهِم فِي عِبَادَةِ الأَوْثَانِ؛ فَتَرْمُلُ حَوْلَهُ نِسَاءُ دَوْسٍ طَائِفَاتٍ بِهِ؛ فَتَرْتَجُّ أَرْدَافُهُنَّ).
(٢) وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى ذِيْ الخَلَصَةِ جَرِيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ البَجَليَّ كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٣٠٢٠)، وَفِيْهِ قَوْلُهُ ﷺ: (أَلَا تُرِيْحُنِي مِنْ ذِيْ الخَلَصَةِ؟) فَقَالَ جَرِيْرٌ: فَنَفَرْتُ فِي مَائَةٍ وَخَمْسِيْنَ رَاكِبًا، فَكَسَرْنَاهُ، وقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ) - وَفِي لَفْظٍ لَهُ (٤٣٥٧) - (كَانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتًا بِاليَمَنِ لِخَثْعَمَ وبَجِيْلةَ؛ فِيْهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهَا: الكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا).
(٣) مُسْلِمٌ (٢٩٠٧).
(٤) صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٢٥٢)، وَهُوَ فِي مَتْنِ البَابِ.
(٥) قَالَ القُرْطُبِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (التَّذْكِرَةُ) (ص١٣٥١): (قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِم: قُيِّدَ (الله) بِرَفْعِ الهَاءِ وَنَصْبِهَا، فَمَنْ رَفَعَهَا؛ فَمَعْنَاهُ ذَهَابُ التَّوْحِيْدِ، وَمَنْ نَصَبَهَا؛ فَمَعْنَاهُ انْقِطَاعُ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ. أَيْ: لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُوْلُ: اتَّقِ اللهَ).
(٦) مُسْلِمٌ (١٤٨)، وَأَحْمَدُ (١٣٨٣٣) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا.
(٧) وَحَدِيْثُ الطَّائِفَةِ المْنَصُوْرَةِ مُتَوَاتِرٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ تَحْتَ حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (٥٨٤٩).
(٨) شَرْحُ مُسْلِمٍ (٦٦/ ١٣).
(٩) البُخَارِيُّ (١٠١/ ٩).
(١٠) أورَدَهُ الحَاكِمُ فِي مَعْرِفَةِ عُلُوْمِ الحَدِيْثِ (ص٢).

1 / 190