At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

Khaldoun Naguib d. Unknown
119

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

الشَّرْحُ - هَذَا البَابُ يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى (بَابَ مَنْ تَعَلَّقَ بِالمَلَائِكَةِ)، حَيْثُ تَعَلَّقَ المُشْرِكُوْنَ بِهِم لِحُصُوْلِ الشَّفَاعَةِ. - قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ﴾: فِي قِرَاءَةٍ ﴿فُرِغَ عَنْ﴾ (١) وَمَعْنَاهُ ذَهَبَ عَنْ قُلُوْبِ المَلَائِكَةِ مَا حَلَّ فِيْهَا مِنَ الفَزَعِ. (٢) - سِيَاقُ الآيَةِ الكَرِيْمَةِ هُوَ ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِيْنَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ لَا يَمْلِكُوْنَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيْهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيْرٍ، وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيْرُ﴾ (سَبَأ:٢٢). - فِي البَابِ بَيَانُ حَالِ المَلَائِكَةِ عِنْدَ رَبِّهَا وَإشْفَاقِهَا مِنْ خَشيَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِم دُوْنَ اللهِ تَعَالَى بِحُجَّةِ الشَّفَاعَةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُوْنَ، لَا يَسْبِقُوْنَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُوْنَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُوْنَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُوْنَ، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُوْنِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِيْنَ﴾ (الأَنْبِيَاء:٢٦). (٣) - مُنَاسَبَةُ الآيَةِ لِلتَّوْحِيْدِ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ تَعَالَى مُنْفَرِدًا فِي العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ؛ فَيَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالعِبَادَةِ. - السِّيَاقُ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَفَاعَةَ إلّا بإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَلَمَّا كَانَتِ المَلَائِكَةُ عِنْدَ المُشْرِكِيْنَ هُم بَنَاتُ اللهِ - تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ - وَكَانُوا يَطْلُبُوْنَ مِنْهَا الشَّفَاعَةَ؛ حَسُنَ إِيْرَادُ حَالِ المَلَائِكَةِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَصَارَ فِي ذَلِكَ بَيَانُ حَالِ مَنْ لَا يَخْلُقُ مَعَ مَنْ يَخْلُقُ. (٤) - قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فُزِّعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ﴾: أَيْ: جَاوَزَ الفَزَعُ قُلُوْبَهُم، وَالفَزَعُ هُوَ الخَوْفُ المُفَاجِئُ.

(١) البُخَارِيُّ (٤٧٠١). (٢) قَالَ الجَوْهَرِيُّ ﵀ فِي الصِّحَاحِ (١٢٥٨/ ٣): (الإِفْزَاعُ: الإِخَافَةُ، وَفُزِّعَ عَنْهُ: أَيْ: كُشِفَ عَنْهُ الخَوْفُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ﴾ أَيْ: كُشِفَ عَنْهَا الفَزَعُ). (٣) قُلْتُ: وَتَأَمَّلِ الاقْتِرَانَ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ وَالخَشْيَةِ تَرَى المُطَابقَةَ مَعَ الآيَةِ وَالحَدِيْثِ اللَّذَيْنِ فِي البَابِ، وَتَعْلَم بِذَلِكَ مَقْصُوْدَ المُصَنِّفِ مِنْ إِيْرَادِهِمَا. (٤) قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ (٤٥٨/ ٧) - عِنْدَ تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ النَّجْمِ -: (وَقَوْلُهُ ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ (النَّجْم:٢٦) كَقَوْلِهِ ﴿مَنْ ذَا الَّذِيْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ (البَقَرَة: ٢٥٥)، ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ (سَبَأ:٢٣)، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِيْنَ، فكَيْفَ تَرْجُوْنَ أَيُّهَا الجَاهِلُوْنَ شَفَاعَةَ هَذِهِ الأَصْنَامِ وَالأنْدَادِ عِنْدَ اللهِ؛ وَهُوَ لَمْ يَشْرَعْ عِبَادَتَهَا وَلَا أَذِنَ فِيْهَا، بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهَا عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيْعِ رُسُلِهِ، وَأنْزَلَ بِالنَّهْي عَنْ ذَلِكَ جَمِيْعَ كُتُبِهِ؟!).

1 / 119