رابعًا: لو سلم أن هذه الكواكب هي المدبرة لهذا الكون لكان تدبيرها حال ظهورها فقط، أما حال أفولها فينقطع تصرفها بالكلية، وهذا ينافي ربوبيتها، إذ إن الرب الذي يكون متصرفًا لهذا الكون يجب أن يكون قيومًا يقيم هذا الكون في جميع الأوقات وفي جميع الأحوال، كما قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ ١، لذا أشار الخليل ﵇ عند محاجته لقومه إلى هذا المعنى بقوله: ﴿لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ ٢.
القسم الثاني: الأدلة على فساد اعتقادهم أن لهذه الكواكب تأثيرًا في هذا الكون، والأدلة على ذلك من المنقول والمعقول، فمن المنقول الأحاديث التي تدل على إبطال تأثير الكواكب في الحوادث الأرضية، منها ما أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن المغيرة بن شعبة ﵁ قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله ﷺ: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأستموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي"٣، وما رواه مسلم عن ابن عباس –﵄ قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي ﷺ من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله ﷺ رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله ﷺ: "ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم. فقال رسول
١ سورة الفرقان، الآية: ٥٨.
٢ انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (٨/١٧٣)، والآية (٧٦) من سورة الأنعام.
٣ سبق تخريجه: ص١٠٣.