86

أثناء تخبطه في أرجاء المكان، وجد نفسه عند المضخة. المياه الجارية تصل إلى البيت الآن، لكنهما ما برحا يستعملان المضخة خارج البيت، ويضعان لباوندر الطعام إلى جوارها، وعندما أدرك السيد سيديكاب ماهيتها انشغل بها، وأخذ يحرك ذراع المضخة لأعلى ولأسفل بسرعة جنونية. لم يكن ثمة كأس يشرب منها كالعادة، ولكن فور انبثاق الماء وضع رأسه تحت المضخة. تدفق الماء ثم توقف عندما أوقف الضخ، وبعدها عاد ليضخ مجددا، ووضع رأسه تحتها مجددا وأعاد الكرة. طفق يضخ ويغمر نفسه بالماء تاركا إياه يتدفق على رأسه ووجهه وكتفيه وصدره دون أن يتوقف عن إصدار أصوات كلما أمكنه ذلك. شعر باوندر بالحماس وشرع يجري في المكان ويصطدم به متعاطفا معه بنباحه وأنينه.

صرخت ماريان أن كفاكما! دعا هذه المضخة! دعاها واهدآ!

رضخ لها باوندر وحده، أما السيد سيديكاب فظل على ما هو عليه حتى أغرق نفسه وحجبت رؤيته مؤقتا من شدة المياه، وحينئذ تعذر عليه أن يجد ذراع المضخة. بعدها توقف. رفع إحدى ذراعيه لأعلى وأشار باتجاه الغابة والنهر؛ كان يشير بهذا الاتجاه ويصدر الأصوات المزعجة نفسها. آنذاك لم يكن كل ما يفعله منطقيا بالنسبة إليها، ولم تفكر في الأمر إلا لاحقا. بعدها هدأ تماما، وجلس فحسب على غطاء البئر مبللا بالكامل وجسده يرتعد ويداه على رأسه.

حدثت نفسها بأن الأمر ربما كان بسيطا على أية حال؛ لعله يتذمر لأنه لا يوجد كأس تحت المضخة.

إذا كان مرادك كأس فسأذهب وأجلبها لك. لا حاجة لأن تتصرف كالأطفال. لا تبرح مكانك، سأذهب وآتي لك بكأس.

عادت إلى المطبخ وأحضرت كأسا. خطرت لها فكرة أخرى. جهزت له طبقا من المكسرات الممزوجة بالزبد والمربى. كانت هذه الوجبة المفضلة لدى الأطفال، لكن الكبار يعشقونها أيضا؛ هكذا قال أبواها.

رجعت إلى الباب، ودفعته ويداها مشغولتان بالوجبة التي جهزتها، لكن لم تجد له أثرا؛ لم يكن في الساحة سوى باوندر الذي بدا على وجهه التعبير نفسه كلما جعل من نفسه أضحوكة.

إلى أين ذهب يا باوندر؟ في أي اتجاه ذهب؟

كان باوندر يشعر بالخجل والضجر، ولم يبد أي ردة فعل؛ جل ما فعله أن انسل إلى مكانه المعتاد تحت ظلة البيت في الوحل إلى جوار الأساسات.

سيد سيديكاب، سيد سيديكاب، تعال وانظر ما جلبت لك!

Unknown page