29

قال: «تعرفت عليك على الفور على الرغم من مرور عدة سنين. عندما رأيتك، كنت أتحدث إلى أحدهم، وبعدها التفت مرة أخرى، فإذا بك اختفيت.»

قالت لويزا: «لا أعرفك.»

قال: «حسن، لا أحسبك تعرفينني، بالطبع لن تعرفيني.» كان يرتدي سروالا رماديا وقميصا ذا أكمام قصيرة بلون أصفر باهت، ووشاحا أبيض مائلا إلى الصفرة معقودا عقدة غليظة؛ بدا أكثر أناقة من رجل محسوب على النقابة. كان أشيب الشعر أجعده وكثيفه، وكان شعره من النوع المرن الذي يتموج صعودا وهبوطا من جبهته، كانت بشرته تميل إلى الحمرة، والتجاعيد تملأ وجهه من فرط المجهود الذي بذله أثناء الكلمة التي ألقاها. كان يرتدي نظارة ذات زجاج ملون، أزاحها عن عينيه الآن، وكأنه يريد أن تراه على نحو أفضل. عيناه زرقاوان زرقة خفيفة، ومحمرتان بعض الشيء وقلقتان. وعلى الرغم من أنه كان حسن المظهر وما زال يحتفظ بقوامه الممشوق، فيما خلا بروز بسيط أعلى الحزام، فإنها لم تجد مظهره الجيد - بملابسه الرياضية المنمقة وشعره الأجعد وتعبيراته النافذة - شديد الجاذبية. كانت تفضل ملامح آرثر؛ ذلك التحفظ والجلال المتشح بالسواد الذي يراه البعض تعاليا وتراه هي شيئا مثيرا للإعجاب وبريئا.

قال: «كنت أنوي دائما كسر حاجز الصمت بيننا، كنت أود أن أتحدث إليك. كان ينبغي أن أدخل وأودعك على الأقل، لقد حانت لحظة الرحيل فجأة.»

لم تكن لدى لويزا أدنى فكرة عما يمكن أن تقوله ردا على ذلك. تنهد وقال: «لا بد أنك مستاءة مني. أما زلت كذلك؟»

قالت: «بلى.» ثم عادت بطريقة ساخرة إلى المجاملات المعتادة قائلة: «كيف حال جريس؟ وكيف حال ابنتك؟ ليليان؟» أجابها بقوله: «جريس ليست على ما يرام؛ فهي تعاني من التهاب المفاصل، ووزنها يتعارض مع حالتها. أما ليليان فهي في خير حال؛ تزوجت، لكنها ما زالت تدرس الرياضيات للمرحلة الثانوية؛ ليس بالعمل العادي بالنسبة إلى امرأة.»

كيف يمكن للويزا أن تصحح معلوماته؟ هل بإمكانها القول إن زوجته جريس تزوجت مجددا خلال الحرب، تزوجت من مزارع مطلق؟ قبل ذلك، كانت معتادة على التردد على بيتنا وتنظيفه مرة واحدة أسبوعيا. كانت السيدة فير قد بلغت من الكبر عتيا، وليليان لم تكمل دراستها الثانوية قط، فكيف لها أن تعمل بالتدريس في مدرسة ثانوية؟ تزوجت ليليان صغيرة، وأنجبت عددا من الأطفال، وهي تعمل حاليا في صيدلية، وهي تضارعك طولا وشعرها مجعد وأشقر. كثيرا ما كنت أتطلع إليها، وأحدث نفسي لا بد أنها تشبهك. في مراحل عمرها الأولى، اعتدت أن أعيرها ملابس ربيبتي التي أمست صغيرة عليها.

بدلا من ذلك كله، قالت له: «إذن ذات الرداء الأخضر لم تكن ليليان، أليس كذلك؟» «نانسي؟ أوه، لا! نانسي هي ملاكي الحارس. فهي تراقب وجهتي ومواعيدي، وتهتم بإعداد خطبي التي ألقيها، وتهتم بمأكلي ومشربي، ومواعيد تناول الدواء؛ يميل ضغطي إلى الارتفاع، لكنه ليس بالأمر الخطير. لكن أسلوب حياتي ليس صحيا؛ فأنا لا أكف عن الحركة، فالليلة يجب أن أستقل الطائرة المتجهة إلى أوتاوا، وغدا لدي اجتماع مهم، ودعيت إلى وليمة كبيرة مساء غد.» أحست لويزا أن الأمر يستدعي أن تقول: «هل علمت أنني تزوجت؟ لقد تزوجت آرثر دود.»

ظنت أنه أبدى شيئا من الدهشة، لكنه قال: «نعم، سمعت بهذا الخبر.»

قالت لويزا بجلد: «لقد عملنا بكد أيضا. مات آرثر منذ ست سنوات، حافظنا على المصنع طوال الثلاثينيات، حتى خلال الفترات التي لم يبق لدينا فيها سوى 3 عمال فحسب. لم يكن لدينا مال لتنفيذ الإصلاحات، وأذكر أننا خلعنا مظلات المكتب كي يصعد بها آرثر على السلم ويرمم بها السقف. حاولنا أن نفعل كل ما هدانا تفكيرنا إليه، حتى حارات لعبة البولينج الخلوية صنعناها لأجل تلك الأماكن الترفيهية. وبعدها اندلعت الحرب، ولم نستطع الصمود. استطعنا بيع كل آلات البيانو التي صنعناها، لكننا كنا بصدد صنع حقائب لأجهزة الرادار للبحرية. كنت لا أبرح المكتب مطلقا.»

Unknown page