اصطحبنا إلى حجرة تناول الطعام التي بدت غير مستخدمة - لا بد أنهم تناولوا طعامهم في مكان آخر - وقدمت لنا أصناف كثيرة من الطعام؛ أذكر منها الفجل المملح، وأوراق الخس، والدجاج المشوي، والفراولة والقشدة. كانت الأطباق من خزانة حفظ الأواني الخزفية؛ لم تكن صحونهم العادية. شجرة هندية عتيقة وجميلة. لديهم أطقم من كل شيء. جناح حجرة المعيشة المخملي. جناح حجرة الطعام من خشب الجوز. فكرت في أنهم سيستغرقون برهة من الوقت حتى يعتادوا على حياة الترف.
استمتعت العجوز آني بشعور أن أحدا يقوم على خدمتها، وتناولت الكثير من الطعام، وأمسكت بعظام الدجاج لتنزع منها الفتات الأخير من اللحم. تسلل الأطفال خفية عند المداخل وتحدثت النساء بأصوات خافتة ومخجلة إلى حد ما في المطبخ. كان تريس هيرون يتسم باللياقة، وجلس معنا، واحتسى كوبا من الشاي أثناء تناولنا الطعام. ثرثر عن نفسه طوعا بقدر كاف وأخبرني أنه درس علم اللاهوت بكلية نوكس كوليدج. أخبرني أنه أحب العيش في تورونتو؛ تملكني شعور بأنه يسعى إلى إقناعي بأن طلاب اللاهوت ليسوا جميعا على هذه الدرجة من النحافة على الإطلاق، كما كنت أظن، أو يعيشون حياة متزمتة. أخبرني أنه مارس التزلج على الجليد في هاي بارك، وأنه كان يذهب في نزهات خلوية بهانلانز بوينت، وأنه شاهد الزرافة في حديقة حيوان ريفرديل. أثناء حديثه، تشجع الأطفال قليلا وبدءوا في الدخول إلى الغرفة واحدا تلو الآخر. طرحت عليهم الأسئلة الحمقاء المعتادة: كم أعماركم؟ ماذا تدرسون في المدرسة حاليا؟ هل تحبون المعلم؟ كان تريس يحثهم على الإجابة أو يجيب عنهم بنفسه، وأخبرني أيهم أشقاؤه وشقيقاته، وأيهم أبناء وبنات عمومته.
قالت العجوز آني: «هل يحب بعضكم بعضا إذن؟» مما استدعى التطلع بنظرات تعلوها الدهشة.
حضرت سيدة المنزل مرة أخرى وتحدثت إلي مجددا من خلال طالب اللاهوت. أخبرته أن الجد استيقظ الآن ويجلس بالشرفة الأمامية. نظرت إلى الأطفال وقالت: «لماذا سمحت لهم جميعا بالدخول إلى هنا؟»
سرنا نحو الشرفة الأمامية؛ حيث وضع مقعدان بمتكأ مستقيم، وجلس رجل عجوز على واحد منهما؛ كانت له لحية بيضاء جميلة تصل إلى طرف الصدرية التي يرتديها. لم يبد أنه مهتم بنا. كان له وجه عجوز طويل وشاحب ومذعن.
قالت العجوز آني: «حسنا يا جورج.» كما لو أن هذا ما كانت تتوقعه. جلست على المقعد الآخر وأخبرت إحدى الفتيات الصغيرات: «احضري لي الآن وسادة. احضري وسادة رفيعة وضعيها عند ظهري.» •••
أمضيت فترة ما بعد الظهيرة في تقديم خدمات توصيل بسيارتي البخارية. علمت ما يكفي عنهم الآن بما لا يجعلني أشرع في سؤالهم عمن يرغب في توصيلة، أو إمطارهم بوابل من الأسئلة من قبيل: هل يهتمون بالسيارات؟ خرجت فحسب وربت على السيارة في أماكن مختلفة كما لو أنها حصان، وتفحصت المرجل البخاري. تتبعني طالب اللاهوت وقرأ اسم السيارة البخارية على الجانب «مركبة الرجل النبيل السريعة». سألني إن كانت لأبي.
أخبرته بأنها تخصني. شرحت له كيف يسخن الماء داخل المرجل، وقدر الضغط البخاري الذي يحتمله المرجل. لطالما تساءل الناس حول ذلك؛ حول حدوث انفجارات. اقترب الأطفال مني عندئذ، وفجأة لاحظت أن المرجل كان خاويا تقريبا. سألت هل من سبيل أحصل به على بعض الماء.
ركضوا لإحضار الدلاء وتشغيل المضخة! اتجهت نحو الشرفة وسألت الرجال هناك: هل من مانع في ذلك؟ وشكرتهم حين أخبروني بأن لي ما أشاء. بمجرد أن امتلأ المرجل كان من الطبيعي - بالنسبة إلي - أن أسألهم إن كانوا لا يمانعون في تشغيل المحرك البخاري، وقال متحدث: لا بأس. لم يضق صدر أحد أثناء الانتظار. حدق الرجال في المرجل بتركيز. لم تكن، بالطبع، هذه أول سيارة يرونها، لكنها - على الأرجح - السيارة البخارية الأولى.
عرضت على الرجال توصيلهم أولا، من باب اللياقة. أخذوا يراقبونني في ارتياب بينما كنت أعبث في المقابض والأذرع لتشغيل السيارة. ثلاثة عشر جزءا مختلفا يدفع أو يجذب! تأرجحنا فوق الممر أثناء ذهابنا في الخامسة، ثم سرنا بسرعة عشرة أميال في الساعة. علمت أنهم يشعرون بالضيق بعض الشيء؛ لأن سيدة تقود بهم، لكن حداثة التجربة جعلتهم يتحملون. بعد ذلك، صعد مجموعة من الأطفال، ساعدهم في الركوب طالب اللاهوت وهو يخبرهم بأن يجلسوا بلا حراك ويتشبثوا جيدا، وألا يشعروا بالذعر أو يسقطوا خارج السيارة. زدت السرعة قليلا، بعد أن أصبحت على دراية الآن بالأخاديد وحفر الوحل، كما أن صيحات الخوف والبهجة لم يكن من الممكن إيقافها.
Unknown page