120

عندما كنت في سن صغيرة، وظفنا بستانيا وطاهيا وخياطة؛ جميعهم كانوا «غريبي الأطوار»، وميالين إلى التقاتل بعضهم مع بعض. كانوا جميعهم يدينون بالفضل في وظائفهم لحقيقة أنهم حظوا باهتمام جدي عندما كانوا نزلاء في سجن المقاطعة، وأحضرهم في نهاية المطاف إلى المنزل.

عندما اشتريت السيارة البخارية، كنت الوحيدة بين شقيقاتي التي لا تزال تعيش في المنزل، وكانت الخياطة الخادمة الوحيدة المتبقية من بين الخدم. كانت تدعى «العجوز آني»، ولم تعترض على ذلك الاسم، بل كانت تستخدمه بنفسها فتكتب رسائل إلى الطاهي تقول فيها: «لم يكن الشاي ساخنا، هل سخنت الإبريق؟ العجوز آني.» كان الطابق الثالث بأكمله مخصصا للعجوز آني، وكانت إحدى شقيقاتي - دولي - تقول: إنها في أي وقت تحلم بمنزل تراكوير، تحلم بالعجوز آني في الطابق الثالث بالأعلى تلوح بعصا القياس الخاصة بها، وترتدي ثوبا أسود بذراعين سوداوين طويلتين مخمليتين، مما يجعلها أشبه بعنكبوت.

كانت إحدى عينيها منحرفة نحو الجانب، مما يعطي انطباعا بأنها تستوعب معلومات أكثر من الشخص العادي.

لم يفترض بنا مضايقة الخدم بأسئلة عن حياتهم الشخصية، لا سيما أولئك الذين كانوا في السجن، لكن بالطبع كنا نسألهم. أحيانا ما كانت تطلق على السجن «الدار». ذكرت أنه كانت هناك فتاة في الفراش المقابل تصرخ بلا انقطاع، ولهذا السبب فرت - آني - لتعيش في البرية. لقد ذكرت أن الفتاة ضربت لأنها تركت النار تنطفئ. سألناها: لماذا ذهبت إلى السجن؟ فكانت تقول: «كذبت!» لذا، لبرهة من الوقت، ترسخ لدينا انطباع مفاده أن الناس يذهبون إلى السجن إذا كذبوا!

في بعض الأيام تكون في حالة مزاجية جيدة، وتلعب معنا لعبة «فتش عن الكشتبان»، وأحيانا تكون في حالة مزاجية سيئة، وتلدغنا بالإبر أثناء تعديلها أطراف الثوب إذا استدرنا أسرع من اللازم، أو توقفنا أسرع من اللازم. قالت: إنها تعرف مكانا يوجد به طوب يوضع على رءوس الأطفال يوقف نموهم. كان تكره صنع فساتين العرس (لم تضطر لصنع واحد لي قط)، ولم تعجب بأي من أزواج شقيقاتي. مقتت عشيق «دولي» للغاية، لدرجة أنها صنعت عيبا متعمدا بالأكمام جعلها تتمزق، وبكت دولي، لكنها صنعت لنا ثياب سهرة جميلة لارتدائها حين قدم الحاكم العام والسيدة مينتو إلى مدينة والي.

أما عن زواجها، فكانت تقول أحيانا إنها تزوجت، وأحيانا أخرى إنها لم تتزوج. قالت إن رجلا أتى إلى الدار واصطفت جميع الفتيات أمامه وقال: «سوف أتخير الفتاة ذات الشعر الحالك السواد.» وكانت تلك الفتاة هي العجوز آني، لكنها رفضت الذهاب معه، على الرغم من أنه كان ثريا وحضر في عربة. شيء من قبيل قصة سندريلا لكن بنهاية مختلفة. ثم قالت: إن دبا قتل زوجها في البرية، وإن جدي قتل الدب، ولفها في جلد هذا الدب واصطحبها إلى المنزل من السجن.

اعتادت أمي أن تقول لنا: «الآن، يا فتياتي، لا تشجعن العجوز آني على الحديث، ولا تصدقن كلمة واحدة مما تقول.»

أنا أسهب في الحديث عن الماضي، لكنك ذكرت بالفعل أنك مهتم بتفاصيل تلك الفترة الزمنية. أنا مثل كثر في سني ممن ينسى شراء شيء ضروري في حياته اليومية، لكنه يذكر لون المعطف الذي كان لديه يوما ما في سن الثامنة.

لذا عندما اشتريت السيارة البخارية، طلبت مني العجوز آني أن أصحبها في جولة. تبين لي أن ما أرادته هو أقرب إلى رحلة بالسيارة. فاجأني الأمر إذ إنها لم ترد قط الخروج في رحلات من قبل، ورفضت الذهاب إلى شلالات نياجرا، ولم ترغب حتى في الذهاب إلى المرفأ لمشاهدة الألعاب النارية في احتفالات العيد القومي في الأول من يوليو. كذلك كانت تخشى السيارات وترتاب في قيادتي، لكن المفاجأة الكبرى أنها كانت تعرف شخصا ما تود الذهاب لزيارته. أرادت مني الذهاب إلى كارستيرز لزيارة آل هيرون، الذين قالت عنهم إنهم أقاربها. لم تتلق أي زيارات أو خطابات من أولئك الناس، وعندما سألتها هل أرسلت خطابا تسأل فيه إن كان بإمكاننا زيارتهم أم لا، قالت: «لا أستطيع الكتابة.» كان جوابها سخيفا؛ فقد كتبت رسائل للطاهي وقوائم طويلة بالأشياء التي تريدني أن أشتريها من الميدان أو من المدينة؛ شريطة، وقماش باكرام، وقماش التفتا. كان بإمكانها تهجي كل هذه الكلمات.

قالت: «وهم ليسوا بحاجة إلى معرفة سابقة؛ في الريف الأمور مختلفة.»

Unknown page