كرائم من رب بهن متين (كذا) (قال): فأمر الشريف المرتضي وكيله بحمل النسخة إلى القالي وإبقاء الثمن له.
أثر بعد عين
وحكى إبراهيم بن المهدي قال: قدم المأمون مدينة السلام من خراسان فأمن الناس غيري، فتواريت واختليت اختلاء شديدا، فقالت لي عجوز من الأزد وكانت تخدمني: سأحتال لك في أن يصل إليك مال. فركبت زورقا فلما جاءت المأمون في قصره صاحت: صاحبة نصيحة. فأمر بها فأدخلت عليه، فقالت له: إن دللتك يا أمير المؤمنين على إبراهيم المهدي فما تجعل لي؟ قال: مائة ألف درهم. قالت: وجه معي رسولا، وادفع إليه ألف دينار، ومره أن يدفعها إلي عندما أريه وجه إبراهيم، فوجه المأمون حسين الخادم ودفع إليه الدنانير، وأمره بما قالت، فجاءت مع حسين الخادم حتى دخلت مسجدا فيه صندوق فاتت بحمال فحمله، فجعلت تطوف به في الأسواق والشطوط فمرة يسمع صوت الباعة ومرة صوت الملاحين، فلما أظلم الليل أدخلته دارا، وفتحت عنه فإذا بمجلس عظيم في صدره إبراهيم بن المهدي يشرب، وبين يديه جوار يغنين، فانكب حسين على رجل إبراهيم يقبلها، فسأله إبراهيم عن المأمون، وتناولت منه المرأة الدنانير. قال له إبراهيم: كل عندي لقمة، واشرب عندي قدحا، وتحمل عني رسالة، وامض محفوظا. قال: أفعل. فقدم إليه طعاما فأكل ثم سقي شرابا فيه بنج فشربه فسكر، وأدخل الصندوق وأقفل عليه، وحمل حتى أتي باب العامة، فلما أصبح الناس رأوا الصندوق ليس معه أحد، فأنهوا خبره إلى صاحب الحرس، فكتب الخبر إلى المأمون، فأحضر وفتح فإذا حسين الخادم مسبوت، فعولج حتى أفاق. فقال له المأمون: رأيت إبراهيم؟ قال: إي والله. قال: أين هو؟ قال: لا أدري. وحدثه بالقصة، فقال المأمون: خدعنا والله وذهب المال. قال إبراهيم: فتفرجت بالألف دينار مديدة.
نخبة من كتاب المختار في كشف الأسرار
القرد المسحور «قال الجوبري»: رأيت بخراسان - ويروى: بحران - سنة (613ه/1217م) رجلا من بني ساسان أخذ قردا وعلمه السلام على الناس والتسبيح والسواك والبكاء، ثم رأيت من هذا القرد من الناموس ما لا يقدر عليه أحد من الناس، فإذا كان يوم الجمعة جاء عبد هندي لطيف الملبوس حسن الشمائل إلى الجامع ومعه سجادة حسنة فيفرشها عند المحراب، فإذا كانت الساعة الرابعة جاء القرد بملبوس عظيم من ملابس الملوك وفي وسطه حياصة ذهب مرصعة بأنواع الجواهر، وقد طيبه بأنواع الطيب، وأركبه بغلة بقماش فاخر وركابات محلاة بالذهب، ثم يمشي في خدمته ثلاثة عبيد هنود بأفخر ما يكون من الملبوس، الواحد يحمل وطاءه، والثاني تاسومته - ويروى: سرموزته - والثالث يمشي قدامه كالحاجب له. وهذا القرد لا يمر على أحد إلا سلم عليه طول الطريق.
فإذا وصل إلى باب الجامع نزل، فيقدمون له التاسومة - السرموزة - فيلبسها ثم يعضده العبد إلى أن يصل إلى الموضع الذي فيه السجادة، وهو مطرق بالهيبة والسكون، وكل من سأل عنه يقال له: هذا ابن الملك الفلاني من أكبر ملوك الهند وهو مسحور، ثم يفرش له العبد الوطاء فوق السجادة، ويحط له مسبحة وسواكا، فيقلع القرد بيده منديلا من وسطه من الحياصة ويضعه قدامه، ثم يتناول المسواك فيستاك به، ويصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يأخذ المسبحة ويسبح.
فإذا فعل ذلك قام العبد الكبير وسلم على الناس، وقال: يا أصحابنا، من أصبح معافى فليشكر الله على ما أنعم عليه، واعلموا أن بني آدم هدف للبلايا، فمن ابتلي فليصبر ومن عوفي فليشكر، واعلموا أن هذا القرد الذي ترونه بينكم لم يكن والله في زمانه أحسن منه شبابا، وهو ابن الملك الفلاني صاحب الجزيرة الفلانية، فسبحان من سلب منه الحسن والملك، ومع ذلك فإنه لم ير في الناس أرحم منه قلبا ولا أروع منه، وإنما هذه الدنيا كثيرة المحن، فكان من القضاء المقدور أن أباه زوجه بابنة الملك الفلاني، فأقامت معه كذا وكذا سنة، ثم نقلوا إليها أنه عشق غيرها، فهربت إلى بيت أهلها، ولما حصلت عند أمها سحرته أمها، فصار قردا كما ترون. فلما علم والده بذلك أمر السحرة والأطباء والحكماء أن يردوه إلى صورته، فعجزوا عن ذلك فأمر بإخراجه من الإقليم لما لحقه من العار بين الملوك، وقد سألنا زوجته فيه غير مرة أن تعيده إلى حالته الأولى فامتنعت، وقالت إنها تركت عنده أثاثا قيمته مائة ألف دينار، وحلفت لا ترده إلى صورته إلا بها، وقد درنا به البلاد، وتعصبت له الملوك والتجار، فجمعنا له تسعين ألف دينار وبقي عشرة آلاف دينار، فمن يساعده بشيء من ذلك ويعينه على ما قضي عليه ويرحم هذا الذي عدم شبابه وملكه وأهله ووطنه؟ فإذا سمع القرد ذلك وضع المنديل على وجهه وبكى أمر بكاء بدموع كالمطر، فترق له القلوب، وما من الحاضرين إلا ومن يردفه بشيء، فما يخرج من الجامع إلا بشيء كثير، وهم يدورون به البلاد على هذه الصفة، فاعلم ذلك.
المكدي المحتال «قال الجوبري»: ومن ذلك أني كنت في قونية من بلاد الروم سنة (616ه/1220م )، فمررت في بعض الشوارع ، فرأيت إنسانا عليه ثياب خلقة، وهو ملقى على جنبه، ورأسه معصب بخرقة، وهو يئن أنين الضعيف، ويقول: من يقضي شهوتي برمانة؟ فلما نظرت إليه قلت: وعزة الله، من بني ساسان، ولا بد ما أبصر ماذا ينتهي إليه أمره. فجلست قريبا منه بحيث أراه ولا يراني، فصارت الدراهم تتساقط عليه مع القطع والفلوس والخبز وغيره، فلم يزل كذلك إلى وقت القائلة حتى خفت الناس عنه الرائح والجائي، فلما رأى ذلك التفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا، فوثب مثل البعير المنشط إذا فك من عقاله، وجعل يخترق الأزقة والشوارع وأنا خلفه، إلى أن انتهى إلى زقاق غير نافذ أمام باب دار حسنة البنيان بمساطب وفانوس معلق، فرقي العتب وطرق الباب، ففتح له وهم بالعبور فأدركته وقلت: السلام عليك. فقال: وعليك السلام، من تكون؟ فقلت: ضيف. فقال: مرحبا بالضيف. ثم أخذ بيدي وقال: خير مقدم، ادخل. فدخلت قاعة واسعة فيها من البسط والفرش والمساند واللحف ما لا يوجد إلا عند الأكابر من أبناء الدنيا، فقال لي: اصعد. فصعدت على طراحة حسنة، وأما صاحبي فإنه رمى من رقبته مزودا فيه مقدار عشرة أرطال خبز، وفيه دراهم وفلوس شيء كثير، ثم شد وسطه بفوطة تساوي دينارين، وخلع ذلك الخلق، فقدمت له الجارية ماء سخينا وطشتا ليتغسل، ثم لبس بدلة قماش فاخرة، وشم ماء ورد ممسكا وتطيب، فرأيت له شعرا طويلا، وطلع فجلس إلى جانبي، وقال لي: والله هذا نهار مبارك برؤيتك. فقلت: بارك الله فيك وأعانك على ما أنت بصدده. ثم قال: يا حرير - وهو اسم جاريته - هاتي ما عندك برسم ضيفنا. فما أدري إلا والجارية قد أحضرت مائدة عليها أربع زبادي صيني، في كل واحدة لون فاخر طعام خاص وخبز خاص وبقل من جميع البقول، ثم أحضرت سكردانا عليه حريف ومالح وحامض، فصار يأكل ويلقمني ويؤانسني بالحديث، وأنا أعمل باليدين، إلى أن اكتفينا، وغسلنا أيدينا، فقال لي: إليك المعذرة، جئتنا على غير وعد، لكن الكريم يسامح. ثم تحدثنا ساعة، ونادى : يا حرير، هاتي لنا ما نتحلى به، فأحضرت أنواعا من الحلوى لم تحصل إلا عند الأغنياء الكبار، فأكلنا منها حسب الكفاية.
هذا وأنا في غاية التعجب ثم قلت له: لو فتحت لك دكان بزلكان - ويروى: بزاركان - لكان خيرا لك من هذه الحرفة التي تعانيها، فتبسم ثم قال لي: كم يكون مكسب التاجر كل يوم لو كان رأس ماله خمسة آلاف دينار؟ قلت: لعله يكسب نصف دينار. فقال: أنا يقع لي كل يوم خمسة عشر درهما وأكثر وأقل فائدة بغير رأس مال، فماذا أصنع بالدكان؟! مع أن التاجر لا يخلو من الخسارة في بعض الأوقات، وعليه كلف، أما أنا فربح بلا خسارة. فقلت له: ماذا تصنع بالخبز الذي يصل لك كل يوم؟ قال: نيبسه ونعمله فتيتا، فتجيء تجار أنطاكية يشترونه لسفر المراكب في البحر المالح، فيحصل لنا منه كل سنة مئونة أهل البيت وكسوتهم. فتعجبت من ذلك.
ثم قال لي بعد ذلك: وما تقول في الخمر؟ أتستعمل شيئا منها؟ قلت: أرضى بها وبكل ما ينتهي إليها. فنادى الجارية بإحضار المدام، فأحضرت سفرته وآنيته وأحضرت شرابا عتيقا لم أشرب منه إلا عند الأكابر والرؤساء، فشربنا ثم قال: يا حرير، خلي أختك تنزل فتطيب عيشنا. فنزلت جارية من أحسن ما يكون من الجواري ومعها عود، فلعبت به ساعة ثم ألقته وأخذت الجنك، فضربت عليه ساعة، ولم تزل تبدل الملاهي حتى انتصف الليل، فلما أردنا النوم قال: وا لك يا فلانة، افرشي لسيدك في المخدع الفلاني، وأوقدي له قنديلا، ثم أتتني بطشت ومنشفة فاغتسلت ثم نمت، ولم أزل نائما إلى بكرة النهار، فانتبهت، فإذا به قد دخل علي وقال لي: يا سيدي، الضيافة ثلاثة أيام، فلا تبرح من مكانك حتى أعود إليك، ثم قال للجارية: هاتي العدة. فأتته بذلك الخلق والمزود والعصابة فعصب رأسه، وخبأ شعره ولبس ذلك الخلق، ثم أتته بمخلاة فيها تراب، فجعل ينفض عليه حتى غبر وجهه وثيابه، ثم إنه ودعني وخرج.
Unknown page