لم تر لوحات سيرافين النور إلا بعد أن وصلت إلى الثامنة والأربعين، حين التقت بالصدفة بالرجل الذي اكتشف بيكاسو، مجمع اللوحات الشهير، الألماني ويلهايم أودي الذي استأجر شقة في منزل مخدومها، ورأى لوحاتها التي تعكس حالتها النفسية ما بين التوهج والنشوة، وقادها إلى الشهرة، لكنها انتهت إلى الجنون، وماتت فقيرة في مستشفى للأمراض العقلية، لكنه ليس الجنون، بل هي أسئلة الفن ومصير الفنان التي لم تستطع أن تجيب عنها، ربما كانت موهبتها أكبر من هذه الأسئلة، ربما فاجأها الفن بأسئلة أعظم فجعلها تقفز من سور الدهشة الذي يفصل بين العقل والجنون.
هذا ليس كتابا عن سيرافين، بل عن السبب الذي قادها إلى الفن والجنون، عن الدهشة والجمال، المرتبطين بالضرورة معا، أحدهما يقود إلى الآخر، أحدهما يسلمك من يدك إلى الآخر، ويمنح قلبك قبلة الحياة، ويساعده على النبض أسرع.
الدهشة، عدوة الاستعارات الميتة، قرينة كسر المألوف، ابنة الغرابة والفن، صديقة الأرنب الذي قفز من القبعة الفارغة. هل تذكر أول مرة شاهدت فيها هذا المشهد؟ بالنسبة إلي كنت صغيرا جدا أحدق في الشاشة، في محاولة للفهم والاستيعاب مع إحساس بالمتعة، يجعل الحياة متقدة كشعلة مضيئة في ظلام اليوم العادي المميت.
هذا كتاب عن السحر، في شتى صوره، التي تبدأ من وقوف الساحر ذي القبعة الطويلة، يمسك القبعة بيد، وأذني الأرنب في يد أخرى؛ إلى سحر الإمساك بالقلم وتشكيل عالم جديد؛ لذا فهذا كتاب عن فن الكتابة، إلى سحر خلق عالم مدهش تتأمله بعينين مفتوحتين في صالة مظلمة؛ لذا فهذا كتاب عن السينما، عن المشهد الذي رأيته صغيرا فظل عالقا حتى الآن؛ لذا فهو كتاب عن الماضي والحاضر. ولأنني ما زلت حيا بدهشة تجري في عروقي بدلا من الدم، فهو كتاب عن المستقبل.
هذا كتاب عن الدهشة وضد علامات التعجب، أكن عداوة لعلامة التعجب عندما تكون في نهاية الكلام، لا أحتاج إلى من يرفع حاجبي نيابة عني، لا أريد من يضع يدي على موضع الدهشة، ويقول لي: تعجب، لا أريده سوى أن يتركني هكذا، هائما في صحراء الكلام، فربما أتعثر في دهشة، تطيل الحياة يوما آخر، أو تمنح لها معنى.
في البدء كانت الدهشة، ثم جاء بعدها كل شيء.
عن الكتابة
كيف تصبح كاتبا فاشلا؟ ... سبع نصائح
كل الكتاب سيقولون لك كلاما آخر، سيقدمون لك عشرات النصائح التي تبدأ ب «كيف تصبح كاتبا جيدا»، سيخطون لك الطرق التي تجعلك - إذا سرت عليها - كاتبا مرموقا. لكني سأقول لك العكس: ما الذي إذا فعلته فلن تصبح كاتبا ناجحا؟ ما الذي إذا حافظت عليه فستصير كاتبا فاشلا؟ سأقول لك. (1) اكتف بالموهبة
إذا أردت أن تصبح كاتبا فاشلا - ولديك الموهبة - فلا تفعل شيئا آخر، اكتف بالجلوس على المقاهي وتصفح فيس بوك وقل للقاصي والداني: «أنا موهوب.» املأ الدنيا صراخا بأنك أكثر أبناء جيلك موهبة؛ لأنك بعد سنوات ستملؤها صراخا بأنك قد ظلمت ولم يلتفت أحد لموهبتك، دون أن تضيف أنك لم تفعل شيئا لهذه الموهبة أو تصقلها بالقراءة أو الاهتمام أو التطوير. يمكنك أن تقول إن الموهبة كانت عصفورا صغيرا جاءك هدية وأنت صغير، كبرت أنت في العمر، لكنك أهملت العصفور، فلم تطعمه، ولم تسقه، ولم تحضر له بيتا أكبر، حتى ضاق عليه القفص فقتله، أو حطم أضلاعه على أقل تقدير. (2) لا تكتب
Unknown page