72

Arkhas Layali

أرخص ليالي

Genres

فغمزت بعينها، وقالت هامسة وهي تشير إلى الغرفة: أصله بيتكلم على أختك.

وبردت عظام محمد، وذهب العرق عنه، وانزاح عن خاطره هم كثير. وصدق هذا، بل لم يجد مانعا لديه أن ينام أحمد في بيتهم، بل يكاد يقيم في النهاية معهم حين قرأ فاتحة أخته.

وكان محمد ينام كثيرا فليس له عمل إلا النوم، وكان لا يشعر بالحياة، وهي تمضي إلا حين يخف الظلام، فيعرف أن النهار قد حل، وانتشرت معه ذرات الغبار التي تثيرها أخته حين تكنس أرض الدار، ولا يشعر بحياة من حوله إلا حين تسقيه أمه الشاي، أو تحضر له أخته الغذاء، أو يغمزه المعلم أحمد بقرش الحلاوة الطحينية.

ومع هذا، فمن خلال الطاقة الضيقة المعتمة التي يطل منها على الحياة، لم يفته أن يراعي التنافس الذي استوى على أقدامه بين أمه وأخته في جلي الكعوب، وتسريح الشعر، وقرص الخدود حتى تحمر. ولم يفته أيضا أن أمه وأخته أصبحتا وكأن لا هم لهما إلا إرضاؤه والتنافس على تلبية إشاراته ورغائبه. وكان المعلم أكثر منهما.

وفي يوم تناول فيه محمد إفطاره من اللبن الرائب، ثم تقيأه ولم يكف عن القيء إلا الظهر حين غاب عن الوعي.

وزار البيت في هذا اليوم عدد كبير من الناس، وانعقدت مجالس وفضت مجالس، ودار الشاي مرات ومرات، وأخرج المعلم في كل مرة علبته من جيبه ليحلي أقداح القهوة، وكان آخر المجالس ذلك الذي دارت فيه الجوزة، وانتشت الأكواب، واستمر إلى ما بعد منتصف الليل.

واستقر الرأي بعد هذا كله على ذهاب محمد إلى طبيب البندر في الصباح.

ومن الفجر دارت نبوية تقرع الأبواب لتستعير حمارا يوصل ابنها، وقرعت الأبواب مرات كثيرة دون جدوى. وما كان للحمار أن يأتي إلا من خلال المعلم ومن تحت أهداب علبته، وقد جاء.

ورآه الطبيب، وبعد كلمة من هنا وجنيه من هناك، حجز محمد في مستشفى المركز.

وغاب محمد بعد هذا عن وعي الناس والقرية، وشيئا فشيئا عن وعي المعلم وأمه ثم أخته. •••

Unknown page