حتى عوف كان قد أرخى رأسه على صدره، وكأنه يفكر.
واستمر الصمت زمنا لم يقطعه إلا عوف حين رفع رأسه، وقال وهو يستغرب منهم السكوت، ويحدق فيهم: والله هاو يا رجالة.
وانفجروا يضحكون، واستمرت الضحكات تنفجر، وهي لا تريد أن تنتهي، وكان يبدو أنها لن تنتهي لولا أنهم سمعوا همهمة لم يألفوها، وحمل إليهم الظلام جعجعة شيخ الخفراء المعهودة، ونبراته القاطعة الحادة: واد انت وهوه، إنتو عاملينها غرزة يا ولاد الكلب. قوم قامك عفريت منك له.
وكان أول من تسلل لا يلوي على شيء هو خالي الوفاض منهم، أما الذي في حافظته قرش أو يتدفأ جنبه بورقة، فقد تكاسل قليلا وهو يقوم، ولما وقف تثاءب كثيرا وتمطى، ثم مضى في خطوات وئيدة وهو يلقي بالسلام إلى من حوله، ويشدد على عوف باللقاء في ليلة ثانية، وكلهم يحسون أن الليلة قد انتهت، وما كان يريد لها أحد أن تنتهي.
واستوقف شيخ الخفراء عوف، وقال له بعد أن اطمأن إلى ذهابهم جميعا: واد يا عوف، إزيك؟
وفهم عوف ما يريد، فقال له وكأنه يؤدي فرضا عليه: هاو آريو يا شيخ الغفر.
وقهقه الرجل، وظل يقهقه ويتلوى وعوف يأخذ طريقه إلى داره.
ومضى الليل. •••
وقبل شروق الشمس الجديدة كانوا جميعا يأخذون طريقهم إلى النهار، وكانوا يأخذون طريقهم إليه، ووجوههم باسمة وأطياف من الليلة التي مضت تلوح لهم، وتظل عالقة بخاطرهم تخفف ما في نهارهم من حدة.
وكان عوف يتسلل هو الآخر كالعصفور المبتل، مؤدبا وخجولا؛ ليستأنف همسه وسؤاله عن ثمن الكيلة.
Unknown page