112

Arkhas Layali

أرخص ليالي

Genres

وطالت هذه المرة على غير عادتها، وعلا صوت نفيسة حتى لم يعد يحتمله، وأصبح لا يطيق النظر إلى وجوه جيرانه ورءوسهم المهتزة الآسفة على شبابه وقلة بخته، أو تمنياتهم التي لا يمضغها تحت أسنانه أو يستر بها جسد نفيسة.

وفي يوم وعبده عائد، قالت له نفيسة إن طلبة قد أرسل له.

وأحس عبده بفرحة فإن أي سؤال في مثل حاله يعني الأمل، وليكن أملا كاذبا إلا أنه أحسن من لا شيء على أية حال.

وفي التو ذهب إلى طلبة، وكان سيد القاطنين في البيت بلا جدال، فقد كان يعمل تمورجيا في المستشفى، وكان كذلك أحدث القاطنين.

ورحب به طلبة، وابتسم عبده لترحيبه في خجل، وما كاد طلبة يسأل عن الحال حتى قص عبده الحكاية، وكان عبده يشعر بالراحة وهو يقصها ويتحدث عن أيام مجده وذكرياته، كان إذا أحس بالنظرات تقشعر وهي تعبر جلبابه المهلهل لا يستريح حتى يتكلم عن حرفة، وعن الناس الذين عرفهم وعمل معهم، وكأنه يداري خروق جلبابه، وحين يتكلم عما فات كان صوته يمتلئ ونفسه تكبر ويشعر بأنه كان رجلا، ثم يخفت حديثه وتتبرم لهجته، ويسخط على الدنيا والزمان والناس، ويتشوق إلى الخير الذي ضاع، ويشمئز من الشر الذي ملأ القلوب، ثم كانت كلماته تصغر، وصوته يضعف وابتسامة خجلة تأخذ طريقها إلى وجهه، وهو يتحدث إلى جليسه عما صار إليه، ويسأله بعد أن يفرغ كل الضعف الذي في صوته، وتنتهي كل الاستكانة التي يهمس بها، يسأله إن كان يعرف له الطريق إلى عمل.

واستمع طلبة، وقاطعه كثيرا وهو يستمع، ثم أخبره في النهاية بأن هناك عملا ينتظره.

ورجع عبده، وكأن ليلة القدر قد فتحت له.

وحدث نفيسة كثيرا عن طلبة وترحيبه وطيبته، وأمرها أن تذهب في الغد بعدما ترجع من عند الطلبة الذين تغسل لهم إلى امرأته وتساعدها، وتسليها.

ومن الفجر كان عبده مستيقظا، وقبل شروق الشمس كان هو وطلبة أمام قسم نقل الدم في المستشفى، وانتظر وجاء أناس مثله وانتظروا، وفتح الباب في العاشرة، ودخلوا، وأخذ عبده بالمكان الذي كله سكون وصمت. ونفذت إلى أنفه رائحة كالفنيك تملأ الجو، وجعلت معدته تطفو حتى تصل إلى حلقه، وأوقفوهم طابورا وسألوه وهو كالذاهل، واستجوبوه وعرفوا اسم أمه وأبيه، وكيف مات خاله وعمه، وطالبوه بصورة، وبحث عبده فلم يجد إلا صورته الملصقة على تحقيق الشخصية الذي يحمله دائما خوفا من الطوارئ والعساكر.

ودفعوا إبرة في وريده، وأخذوا منه ملء زجاجة من الدم الأحمر. وقالوا له: بعد أسبوع.

Unknown page