بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا عند تفرق الأهواء للتمسك بالثقلين: كتاب الله، والعترة الطاهرة، وألهمنا عند تشعب (1) المذاهب والآراء التشبث (2) بالعروة الوثقى والحجة الظاهرة، وغرس في حدائق قلوبنا غرائس ألطافه، فما زالت حجتنا دامغة للعقائد البائرة، مدحضة للمذاهب الحائرة، وغذانا في عالم ألست بربكم (3) بأغذية محبة أهل البيت، وخلقنا من فاضل طينتهم الفاخرة.
والصلاة على محمد ذي المعاجز الباهرة، والبراهين القاهرة، والمعالم العامرة، والأعراق الطاهرة، والأخلاق الزاهرة، وآله النجوم السائرة، والأفلاك الدائرة.
أما بعد: فيقول الفقير إلى اللطف السبحاني، المعتصم بالامداد الرباني أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني (4): إن الله سبحانه وله الحمد هداني إلى الصراط المستقيم، وسلك بي المنهاج القويم، والسبيل المقيم، ووفقني عند اختلاف الأهواء واضطراب الآراء للتمسك بأهل بيت نبيه الطاهرين، وأيدني بعناياته الربانية، فلم
Page 23
أزل أتدرج في مدارج اليقين.
وقد وفقني الله سبحانه لمطالعة جملة من كتب المخالفين وأصحتهم، وملاحظة طائفة من دساتير هؤلاء المخذولين، ومصنفات أجلتهم، مثل معجم أبي القاسم الطبراني (1)، ومطالب السؤول لكمال الدين محمد بن طلحة الشامي الشافعي (2)، والفصول المهمة لنور الدين علي بن محمد المكي المالكي (3)، وكفاية الطالب للشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (4)، والصواعق المحرقة لابن حجر
Page 24
المكي، (1) وفرائد السمطين للحموي (2)، وجامع الأصول لابن الأثير (3) الجزري الشافعي (4)، وغيرها.
فوجدتها مشتملة على أحاديث، فخرجتها (2) غير كاذب، وعددها يفوت وهم الحاذق والحاسب، تصرح بامامة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلافته، وتنادي بجلالة قدره وعظمته، وتخبر بأن التمسك بالعترة الطاهرة موجب للفوز في الآخرة، وأنهم كسفينة نوح وباب حطة، وناهيك بها منقبة فاخرة، ومكرمة واضحة ظاهرة.
فأحببت أن أجمع مختصرا محتويا على لمع من الأخبار، مشتملا على غرر من تلك الآثار.
هذا وأفواج العوائق المتراكمة تمنع عن تحقيق المرام، وأمواج العلائق المتلاطمة تحجب عن نيل ذلك المقام، والدهر يماطل كما يماطل الغريم، وحوادث الأقدار لا تنام ولا تنيم.
فذكرت - بتوفيق الله عز مجده وسلطانه - طائفة من تلك الأخبار في هذه
Page 25
الرسالة، ورسمت جملة مقنعة من تلك الآثار في هذه المقالة.
واخترت منها أربعين حديثا، عملا بما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) من قوله: (من حفظ على أمتي أربعين حديثا (1) مما يحتاجون إليه في أمور دينهم، بعثه الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما) (2).
وهذا الحديث مستفيض بين الفريقين، مشهور عند القبيلتين، بل نظمه بعضهم في سلك الأخبار المتواترة، ورواه بمتون متقاربة وأسانيد متغايرة (3).
ثم اني ذكرت في ذيل أكثرها أخبارا اخر بمعناها، ونبهت في معظمها على وجه دلالتها، وحقيقة مغزاها، وأطلقت عنان القلم في بعضها حق الاطلاق، وسجلت (4) على المخالفين في دفع ترهاتهم (5) الغير الرائجة عند الجهابذة الحذاق.
وحيث خرج - بتوفيق الله - من القوة إلى الفعل، وحان حين ختامه، وبرزت أزهاره من أكمامه، أحببت أن يعلو قدره، ويسموا في سماء الرفعة بدره.
Page 26
فرسمت على صفائح سبيكته سامي ألقاب من ألقى إليه الملك مقاليده، وملكه المجد طريفه وتليده (1)، وسمت باسمه رؤوس المنابر في الآفاق، واستوى في سماء الرفعة على سرير الملك بالإرث والاستحقاق المخصوص من العناية السبحانية بالنفس القدسية، المكرم من الحضرة الربانية بالألطاف الخفية، والرئاسة الانسية، مزيح ظلم الظلم عن بساط البسيطة بكواكب مواكبه، ومجلي غمام الغموم بشموس غرائب الرغائب من نفائس مواهبه.
إذا تغلغل فكر المرئ في طرف * من مجده غرقت فيه خواطره حلو خلائقه شوس حقائقه * تحصى الحصى قبل أن تحصى مآثره وليس بدعا فان البحر راحته * جودا وان عطاياه جواهره أعظم ملوك الأرض شأنا، وأعلاهم منزلا ومكانا، الذي تفتخر أعاظم السلاطين باستلام سدة بابه، وتتبجح (2) أكابر الخواقين بتعفير الوجوه على تراب أعتابه، وهو السلطان بن السلطان بن السلطان، أبو المظفر شاه سلطان حسين بها درخان، خلد الله سبحانه على مفارق الأنام ظل سلطنته القاهرة، وأطلع في سماء الرفعة والجلال شموس إقباله الزاهرة، وأجرى آثار معاليه على صفحات الأيام، وربط أطناب دولته بأوتاد الخلود والدوام.
وخدمت به حضرته العلية التي تطوف بكعبتها الرجال، وتشد إليها الرحال، ولا زالت محط رحال الأكابر والأفاضل، ومخيم أرباب الماثر والفضائل.
فان صادف من الحضرة السلطانية محل القبول، فهو حري بأن يسير في الآفاق مسير الصبا والقبول، والله سبحانه أسأل أن يديم بهجة الدنيا بدوام أيامه وإدامة انعامه، وأن يجعل دولته المنيعة ممتدة الأطناب، مرتفعة الأعلام، إلى ظهور
Page 27