سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا قال بنينا وإذا سكت أمسكنا) (1) .
وخلاصة الحديث أن صورة الجنة وجهنم الجسمانيتين الماديتين هي صور الأعمال والأفعال الحسنة والسيئة لبني آدم حيث تعود إليهم يوم الآخرة كما أن الآيات الشريقة قد أشارت إلى ذلك مثل قوله تعالى : «ووجدوا ما عملوا حاضرا» (2) وقوله : «إنما هي أعمالكم ترد إليكم» (3) ومن الممكن أن يكون عالم الجنة وعالم جهنم نشأتين ودارين مستقلين يتحرك إليهما بالحركة الجوهرية ، والدوافع الملكوتية والحركات الإرادية العملية والخلقية . وإن كانت حظوظ كل من الناس من صور أعمال أنفسهم .
وعلى أي حال فإن عالم الملكوت الأعلى عالم الجنة الذي هو عالم مستقل وتساق النفوس السعيدة إليه . وعالم جهنم هو الملكوت السفلي الذي تساق إليه النفوس الشقية . وما يعود إلى الإنسان في كل من النشأتين من الصور البهية الحسنة أو الصور المؤلمة المدهشة فهي أعمال نفس الإنسان .
وبهذا البيان نجمع بين ظواهر الكتاب والأخبار المختلفين بحسب الظاهر . كما أن هذا البيان يوافق البرهان ومسلك ذوي العرفان أيضا .
فصل:
لا يخفى أن حديث أبي ذر رضوان الله تعالى عليه في هذا المقام ، حديث جامع ، وكلام متين ، لا بد من المحافظة عليه . فإنه أبو ذر لما قال : اعرضوا أعمالكم على الكتاب الكريم حيث يقول : «إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم» تمسك الرجل بالرحمة قائلا : فأين رحمة الله ؟ قال أبو ذر لا تكون رحمة الحق من دون قيد ولا شرط بل هي قريبة من المحسنين .
إعلم أن الشيطان الملعون ، والنفس الأمارة بالسوء الخبيثة ، يغرران بالإنسان عبر طرق كثيرة ، ويقودانه إلى الهلاك الأبدي الدائمي ، وآخر وسيلة يلتجآن إليها ، هي تغرير الإنسان في بدء الأمر برحمة الحق سبحانه ، ومنعه بذلك عن المضي في العمل الصالح ، وهذا الاتكال على الرحمة من مكائد الشيطان وأساليب تضليله . والدليل على ذلك أننا في قضايانا الدنيوية ، لا نعتمد على رحمة الحق سبحانه ، بل نرى العوامل الطبيعية والظاهرية ، مستقلة ومؤثرة بدرجة كأنه لا أثر في الوجود إلا للأسباب الظاهرية . ولكننا في الأمور الأخروية نتكل غالبا حسب زعمنا على وجود الحق سبحانه ، ونغفل عن توجيهه لنا وتوجيه رسوله صلى الله عليه وآله الاربعون حديثا :334
Page 333