ولكن العيون عمياء ، والآذان صماء والقلوب محجوبة . نصف بيت شعر :
«ابحث عن عين تثقب الاسباب الظاهرية كي ترى السبب الحقيقي» .
الى متى والى أي مستوى تكفر قلوبنا الميتة بنعم الحق سبحانه ، وتتعلق بهذا العالم وظروفه وأشخاصه ؟ إن هذه التعلقات والتوجهات ، كفران لنعم ذاته المقدس وإسدال ستار على رحمته .
ومن هنا يعلم أن النهوض بحق شكره لا يكون في مستطاع أي شخص ، كما يقول الحق المتعالي جل جلاله «وقليل من عبادي الشكور» (1) فإن القليل من العباد يعرفون كما ينبغي نعم الحق . ولهذا فإن القليل من العباد يؤدون الشكر للحق جل جلاله كما يستحق .
ولا بد من معرفة أنه كما تختلف مستويات معرفة العباد ، كذلك تختلف مراتب شكرهم . وأيضا أن مراتب الشكر مختلفة ، لأن الشكر هو الثناء على النعم التي وهبها المنعم . فإذا كانت النعم من قبيل النعم الظاهرية كانت لها مرتبة من الشكر ، وإذا كانت من النعم الباطنية كانت لها مرتبة أخرى . وإذا كانت من نوع العلوم والمعارف كان شكرها من نوع آخر ، وإن كانت من تجليات الاسماء ، كان لها شكر وإن كانت من قبيل التجليات الذاتية الأحدية كان هناك شكر آخر . وحيث أن جميع مراتب النعم متوفرة لقليل من العباد ، كان النهوض بأداء الشكر على جميع المستويات لقليل من العباد ، وهم الخلص من الاولياء الجامعين لجميع الحضرات ، والذين هم برزخ البرازخ ، والحافظين لكل المراتب الظاهرة والباطنة ، ولهذا يكون شكرهم مع جميع الألسنة الظاهرة والباطنة والسرية .
والشكر وإن قالوا إنه من المقامات العامة لأنه مقرون بدعوى مكافأة المنعم على أنعامه . فيعد هذا من إساءة الأدب للمنعم ولكن هذه المقارنة تكون لغير الاولياء خصوصا الكامل منهم ، الجامع للحضرات ، والحافظ لمقامي الكثرة والوحدة . ولهذا قال الشيخ العارف الخواجة الانصاري ، رغم قوله بأن الشكر من المقامات العامة : «والدرجة الثالثة أن لا يشهد العبد إلا المنعم فإذا شهد المنعم عبودية استعظم منه النعمة ، وإذا شهده حبا استحلى منه الشدة ، وإذا شهده تفريدا لم يشهد منه نعمة ولا شدة» .
توضيحه : إن الدرجة الثالثة من الشكر هو مشاهدة العبد لجمال المنعم والتأمل فيه وله مقامات ثلاثة :
الاول : أن يشاهد جمال المنعم مشاهدة العبد الذليل لمولاه ، ويغفل عن نفسه ويستغرق الاربعون حديثا :322
Page 321