Aram Dimashq Wa Israil
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genres
وبعد ذلك، ودون مقدمات، يخبرنا الإصحاح الثالث في مطلعه بأن سليمان قد صاهر فرعون ملك مصر: «وصاهر سليمان فرعون ملك مصر، وأخذ بنت فرعون وأتى بها إلى مدينة داود إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الرب، وسور أورشليم حواليها.» ثم تراءى الرب لسليمان في حلم ليلا «وقال الله: اسأل ماذا أعطيك؟ فقال سليمان: ... أيها الرب إلهي، أنت ملكت عبدك مكان داود أبي وأنا فتى صغير لا أعرف الخروج والدخول. وعبدك في وسط شعبك الذي اخترته، شعب كثير لا يحصى ولا يعد من الكثرة. فأعط عبدك قلبا فهيما لأحكم على شعبك، وأميز بين الخير والشر، لأنه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا؟ ... فقال الرب: هو ذا قد فعلت حسب كلامك. هو ذا أعطيتك قلبا حكيما ومميزا، حتى إنه لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظيرك. وقد أعطيتك أيضا ما لم تسأله غنى وكرامة، حتى إنه لا يكون رجل مثلك في الملوك كل أيامك.» ثم ينتقل النص إلى إعطائنا مثالا حيا عن حكمة سليمان. فهناك امرأتان زانيتان تسكنان معا، ولكل منهما ابن رضيع في سن واحدة، فمات ابن الأولى في الليل، فاستبدلت الابن الحي للثانية به وأرقدته إلى جوارها وادعت أنه ابنها وأن الميت ابن زميلتها. فجاءتا إلى سليمان ليحكم بينهما، وكل واحدة تدعي أن الولد الحي هو ابنها. فقال سليمان: ائتوني بسيف. فأتوا بسيف بين يدي الملك. فقال الملك: اشطروا الولد الحي شطرين وأعطوا نصفا للواحدة ونصفا للأخرى. فاضطرم قلب الأم على ابنها وقالت لهم أن يعطوه للأخرى ولا يميتوه. عند ذلك عرف سليمان أنها أم الولد الحي وأعطاه لها. «ولما سمع جميع إسرائيل بالحكم الذي حكم به الملك خافوا الملك؛ لأنهم رأوا حكمة الله فيه لإجراء الحكم» (الملوك الأول، 3).
وفيما عدا هذه القصة فإن المحرر لا يسوق لنا أمثلة أخرى عن حكمة سليمان، رغم أنه يعود إلى القول في الإصحاح التالي: «وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر. وكان أحكم من جميع الناس ... وكان صيته في جميع الأمم حواليه. وتكلم بثلاثة آلاف مثل، وكانت نشائده ألفا وخمسا. وتكلم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط. وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك. وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان.» وقد عمد سليمان إلى تقسيم مملكته في الداخل إلى اثنتي عشرة مقاطعة إدارية عليها وكلاء معينون من قبله يديرون شئونها. وقد زوج بعضا من بناته إلى المقربين إليه من هؤلاء الوكلاء والحكام لضمان ولائهم. أما عن أحوال إمبراطورية سليمان المترامية الأطراف، فإن النص يصفها بالكلمات التالية: «وكان يهوذا وإسرائيل كثيرين كالرمل الذي على البحر في الكثرة. وكان سليمان متسلطا على جميع الممالك من النهر إلى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر. كانوا يقدمون الهدايا ويخدمون سليمان كل أيام حياته. وكان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كر سميذ وستين كر دقيق، وعشرة ثيران مسمنة، وعشرين ثورا من المراعي، ومائة خروف، ما عدا الأيائل والظباء واليحامير والإوز المسمن؛ لأنه كان متسلطا على كل ما عبر النهر من تفسح إلى غزة، على كل ملوك عبر النهر. وكان له صلح من جميع جوانبه حواليه. وسكن يهوذا وإسرائيل آمنين كل واحد تحت كرمته، وكل واحد تحت تينته من دان إلى بئر السبع كل أيام سليمان. وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته، واثنا عشر ألف فارس» (الملوك الأول، 4).
وأرسل حيرام ملك صور الفينيقية رسلا إلى سليمان يهنئه بعد أن سمع أنهم مسحوه ملكا. فأرسل سليمان إلى حيرام طالبا منه تزويده بخشب أرز من لبنان، وبنجارين وبنائين؛ لأنه ليس مثل الصيدونيين من يعرف قطع الخشب. ووعده أن يرسل له مقابل ذلك حنطة وزيتا. فوافق حيرام، وعقد الاثنان بينهما عهدا وصنعوا صلحا. ولما ابتدأ سليمان باستلام شحنات الخشب شرع ببناء هيكل الرب، وبناء قصور له ولزوجاته. وقد سخر سليمان في أعمال البناء آلافا مؤلفة من الشعب. فثلاثون ألفا يروحون ويجيئون إلى لبنان بالتناوب، وسبعون ألفا يحملون أحمالا، وثمانون ألفا يقطعون في الجبل، ما عدا المشرفين الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف. فاكتمل بناء البيت في السنة الأربعمائة والثمانين لخروج بني إسرائيل من أرض مصر، والتي وافقت السنة الرابعة لحكم سليمان. فجمع سليمان شيوخ إسرائيل وكل رءوس الأسباط لإصعاد تابوت عهد الرب وخيمة الاجتماع، وتم إدخال التابوت ووضعه في مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس. «وكان لما خرج الكهنة من القدس أن السحاب ملأ البيت، ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب؛ لأن مجد الرب ملأ بيت الرب.» ووقف سليمان أمام المذبح وكل جماعة إسرائيل تنظر إليه، وبسط يديه إلى السماء وقال: «أيها الرب إله إسرائيل. ليس مثلك إله في السماء من فوق ولا على الأرض من أسفل. حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهم ... إلخ» (الملوك الأول، 5-8).
وبعد مدة، صعد فرعون ملك مصر وأخذ مدينة جازر، التي كانت حتى ذلك الوقت مدينة كنعانية مستقلة عن سليمان «فأحرقها بالنار وقتل الكنعانيين الساكنين في المدينة، وأعطاها مهرا لابنته امرأة سليمان.» فأخذها سليمان وأعاد بناءها، كما أعاد بناء مدن حاصور ومجدو وجازر. كما بنى بعلة وتدمر في البرية. وبنى سليمان سفنا على شاطئ بحر سوف (الأحمر)، واستخدم لتسييرها في البحر عمالا فينيقيين من صور أرسلهم له حيرام. فأتوا إلى بلاد يدعوها النص أوفير، وأخذوا من هناك أربعمائة وعشرين وزنة ذهب أتوا بها إلى الملك سليمان (الملوك الثاني، 9).
وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان، فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جدا، وجمال حاملة أطيابا وذهبا كثيرا وحجارة كريمة. «فلما رأت ملكة سبأ كل حكمة سليمان، والبيت الذي بناه، وطعام مائدته، ومجلس عبيده وموقف خدامه وملابسهم، وسقاته ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب، لم يبق فيها روح بعد. فقالت للملك: صحيحا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك، ولم أصدق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي ... وأعطت الملك مائة وعشرين وزنة ذهب وأطيابا كثيرة جدا وأحجارا كريمة ... وأعطى الملك سليمان لملكة سبأ كل مشتهاها الذي طلبت، عدا ما أعطاها إياه حسب كرم الملك سليمان، فانصرفت وذهبت إلى أرضها هي وعبيدها» (الملوك الأول، 10: 1-13).
وكان وزن الذهب الذي أتى لسليمان في سنة واحدة ستمائة وستا وستين وزنة ذهب، وذلك عدا الذي أتاه من ضرائب التجار وتجارتهم، ومن الولاة الذي عينهم في المقاطعات. وعمل مائتي ترس من ذهب مطرق، في كل واحد منها ستمائة شاقل من الذهب، وثلاثمائة مجن من ذهب مطرق، في كل واحد منها ثلاثة أمناء من الذهب. وهذه جعلها سليمان في أحد بيوته المعروف ببيت وعر لبنان. وفي ذلك البيت كانت جميع آنية شرب الملك سليمان وطعامه من الذهب؛ لأن الفضة لم تحسب شيئا في أيامه. وقد جعل في بحر فينيقيا أيضا سفنا تبحر مع سفن حيرام إلى ترشيش (إسبانيا)، وتأتي من هناك بالذهب والفضة والعاج، فتعاظم الملك سليمان على كل ملوك الأرض في الغنى والحكمة، وكانت كل الأرض ملتمسة وجه سليمان. وكانوا يأتون إليه كل واحد بهديته، بآنية فضة وآنية ذهب وحلل وسلاح وأطياب وخيل وبغال، سنة سنة. وقد بلغ من ثراء المملكة في عهده أن الفضة في أورشليم كانت مثل الحجارة، وخشب الأرز مثل خشب الجميز الذي في السهل لكثرته (الملوك الثاني، 10: 14-29).
وأحب الملك سليمان نساء غريبات كثيرات، من موآبيات وعمونيات وآدوميات وصيدونيات وحثيات، من الأمم التي نهى الرب بني إسرائيل عن الدخول إليهن حتى لا يملن قلوبهم وراء آلهتهن، فكانت له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من السراري. وكان في زمان شيخوخته أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين، وملكوم إله العمونيين. «فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل، الذي تراءى له مرتين، وأوصاه في هذا الأمر ألا يتبع آلهة أخرى، فلم يحفظ ما أوصى به الرب. فقال الرب لسليمان: من أجل أن ذلك عندك، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقا وأعطيها لعبدك» (الملوك الأول، 11: 1-13).
وأقام الرب في وجه سليمان ثلاثة أعداء؛ أولهم هدد الآدومي ، الذي كان من نسل الملك في آدوم، وهرب إلى مصر عقب حملة يوآب قائد داود على آدوم، ثم عاد من هناك بعد أن سمع بموت داود ومقتل يوآب، فملك في آدوم وقاوم سليمان. والخصم الثاني هو رزون بن أليداع، وكان قائدا في جيش هدد عزر ملك صوبة، ثم استقل بنفسه وجمع حوله الأتباع والجنود بعد حملة داود على هدد عزر، ثم دخل دمشق فملك فيها، وكان خصما لإسرائيل طيلة أيام سليمان. أما الخصم الثالث فكان من بطانة سليمان، واسمه يربعام بن نباط، من سبط أفرايم الإسرائيلي، وكان عاملا لسليمان في منطقة إسرائيل. وقد خرج يربعام عن طاعة سليمان بعد تلقيه بشارة من النبي أخيا الشيلوني بأن الرب يملكه على إسرائيل: «لما خرج يربعام من أورشليم لاقاه أخيا الشيلوني النبي في الطريق وهو لابس رداء جديدا. فقبض أخيا على الرداء الجديد الذي عليه ومزقه اثنتي عشرة قطعة، وقال ليربعام: خذ لنفسك عشر قطع؛ لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل: ها أنا ذا أمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباط، ويكون له سبط واحد من أجل عبدي داود ومن أجل أورشليم المدينة التي اخترتها من كل أسباط إسرائيل؛ لأنهم تركوني وسجدوا لعشتاروت إلهة الصيدونيين ... وآخذك فتملك حسب كل ما تشتهي نفسك وتكون ملكا على إسرائيل.» ولما بدأ يربعام نشاطاته السرية للاستقلال عن أورشليم طلب سليمان قتله «فقام يربعام وهرب إلى مصر، إلى شيشق ملك مصر، وكان في مصر إلى وفاة سليمان ... وكانت الأيام التي ملك فيها سليمان في أورشليم على كل إسرائيل أربعين سنة، ثم اضطجع سليمان مع آبائه ودفن في مدينة داود أبيه، وملك رحبعام ابنه عوضا عنه» (الملوك الأول، 11: 14-43).
رجع يربعام بن نباط من مصر بعد أن سمع بوفاة سليمان. أما رحبعام بن سليمان فقد صعد إلى مدينة شكيم في الشمال، حيث اجتمع هناك جميع إسرائيل ليملكوه عليهم. فكلموه قائلين: «إن أباك قسى نيرنا، وأما أنت فخفف الآن من عبودية أبيك القاسية، ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك ... فأجاب الملك بقساوة، وترك مشورة الشيوخ التي أشاروا بها عليه، وكلمهم حسب مشورة الأحداث قائلا: إن أبي ثقل نيركم، وأنا أزيد على نيركم، أبي أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب ... فعصى إسرائيل على بيت داود إلى هذا اليوم. ولما سمع جميع إسرائيل بأن يربعام قد رجع أرسلوا فدعوه إلى الجماعة وملكوه عليهم.» وأما رحبعام فقد تبعه سبط واحد، هو سبط بنيامين، إضافة إلى سبط يهوذا، الذي كان قد ملكه بعد وفاة أبيه (الملوك الأول، 12: 1-30).
ولكي يكرس يربعام الاستقلال عن أورشليم كان لا بد له من الاستقلال الديني، وصرف نظر مواطنيه عن هيكل الرب فيها؛ لذلك فقد عمد إلى بناء معبدين في إسرائيل، واحد في بيت إيل والآخر في دان، ووضع في كل منهما عجلا ذهبيا، وقال للإسرائيليين: «كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم. هو ذا آلهتك يا إسرائيل، الذين أصعدوك من مصر ... وبنى بيت المرتفعات، وصير كهنة من أطراف الشعب لم يكونوا من بيت لاوي. وعمل يربعام عيدا في الشهر الثامن في اليوم الخامس عشر من الشهر كالعيد الذي في يهوذا» (الملوك الأول، 12: 25-33).
Unknown page