وضرب العرب في مجاهل الأرض ومعالمها يتجرون ويبحثون على ما لم يسبق لغيرهم من الأمم، وكثيرا ما كان ينتهي بعض المولعين بالمطوحات من أرباب الرحلات من الإفرنج إلى أماكن منزوية عن العالم في إفريقية وآسيا، ثم لا يلبثون أن يروا العرب قد سبقوهم إليها منذ قرون ونشروا بين أهلها دينهم ولسانهم وأنشئوا فيها إمارات صغيرة ساروا فيها على آيينهم وأوضاعهم.
وكانوا كلما نزلوا أرضا أنشئوا فيها المساكن، بل أقاموا المدن وهندسوها، ومن المدن التي أنشئوها في الشرق والغرب ما أصبح في قليل من الزمن أشبه بالعواصم الكبرى، وكانوا إذا اضطروا إلى الغارة على مقاطعة وأكرهتهم الحرب على أن يخربوا بعض عمرانها لدواع حربية لا تمضي أعوام قليلة حتى يعيدوها جنات غناء بما فطروا عليه من بعد الهمة وسعة الفضل، ويتعمدون أن يكون ما يعمرون من الأبنية الخالدة لا الموقتة.
وسبقت العرب إلى اختراع طريقة الكتابة بالحروف البارزة الخاصة بالعميان، اخترعها زين الدين الآمدي (712ه/1312م) وكان قد فقد بصره في أول عمره، فكان كلما اشترى كتابا لخزانته لف ورقة على شكل حرف من الحروف ولصقها في الكتاب، وكانت هذه الحروف هي التي يستعين بها على معرفة ثمن الكتاب.
هذا قول بعض العلماء، والصحيح أن الحروف البارزة كانت معروفة عند العرب قبل هذا العصر بدليل قول أبي العلاء المعري:
كأن منجم الأقوام أعمى
لديه الصحف يقرؤها بلمس
وسبقت العرب الأوروبيين إلى الطيران، وقد حاوله عباس بن فرناس حكيم الأندلس، وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك الموسيقى، ووضع الآلة المعروفة بالمثقال ليعرف بها الأوقات، ومثل في بيته السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها تمثيلا يخيل للناظر أنه حقيقة.
ويأخذ الإنسان العجب إذا قرأ في اللزوميات للمعري قوله:
إن لم يكن في سماء فوقنا بشر
فليس في الأرض أو ما تحتها ملك
Unknown page