قد يوجد في عالم مجهول مخلوقات هي شر من الإنسان، هذا جائز، وإن كنت إلى عدم التصديق به أميل، لكن الثابت أنهم يقطنون إذا وجدوا في أقاليم محرومة من النور، وإذا كانوا يحترقون، فبالجليد الذي يحدث آلاما لاذعة لا بالنيران الشريفة بين بنات الكواكب المضطرمة. هم معذبون؛ لأنهم أخباث ولأن الخبث داء، ولكن لا يصح أن يعذبوا إلا بالقشب. ***
إن أبيقور والقديس فرنسوا داسيز، هما في نظري أفضل الأصدقاء الذين لقيتهم الإنسانية المعذبة في سيرها على غير هدى، لقد أطلق أبيقور النفوس من مخاوفها الباطلة، وعلمها أن تقيس فكرة السعادة على طبيعتها المسكينة وقواها الضعيفة، أما الرجل الصالح فرنسوا داسيز الذي كان أرق قلبا وأدق إحساسا، فقد هدى النفوس سبيل التنعم بالحلم الباطن، وأوصاها أن تتغذى به، فتفيض مسرة في مهاوي وحدة مسحورة، كان كلاهما صالحا محسنا؛ الأول لقضائه على الأوهام المخيبة، والآخر لخلقه أوهاما لا يقظة منها. ***
إن للوهم الذي يدوم صفات الحقيقة، ولن يكون مخدوعا أو مغبونا من لا يقع في الخيبة. ***
لا تدوم الممالك بحكمة بعض الوزراء ورجاحة عقولهم، بل بحاجة الملايين من الناس الذين يحترفون لكسب معاشهم ضروب الحرف الدنيئة كالصناعة والتجارة والزراعة والجندية والملاحة، فإن هذه الصغائر هي التي تؤلف ما يدعونه بعظمة الشعوب، وليس فيها للأمير ووزرائه أدنى نصيب. ***
الدولة كالجسد الإنساني، ليست كل وظائفها شريفة، بل إن منها ما يجب إخفاؤه عن الأنظار، وقد تكون هذه الوظائف أوجبها ولا غنى عنها. ***
يجب أن تقول بما يقوله الجمهور إذا كنت لا تستطيع أن تفكر مثل تفكيره، فإن بوحدة العقائد قوة الشعوب. ***
لا يمكن أن يحكم الشعب الواحد في الزمن الواحد إلا على صورة واحدة؛ لأن الشعوب أجسام تتوقف وظائفها على تركيب أجزائها وحالة أعضائها؛ أي على الأرض وسكانها، لا على الحكومات التي تخلع على الأمم كالثياب المحكمة على جسم الأفراد. ***
ما الوطن؟ هو نهر يجرى، شواطئه أبدا متبدلة، ومياهه متجددة. ***
على باريس مهمة، هي أن تعلم الدنيا، فإن من حجارة أرض باريس الحجارة التي طالما ثارت لنصرة العدل والحرية، تفجرت الحقائق المعزية المنقذة. ***
في مالية الشعوب منابع خفية يغيب عن علماء الاقتصاد علمها، فإن أمة مفلسة لقادرة على أن تعيش خمسمائة عام بابتزاز الأموال وهضم الحقوق. وكيف السبيل إلى معرفة ما قد يجهز به فقر شعب عظيم حماته وجنوده من المدافع والبنادق، والخبز الرديء، والأحذية الرديئة والتبن والشعير؟ ***
Unknown page