304

Al-Raḥīq al-Makhtūm

الرحيق المختوم

Publisher

دار الهلال

Edition Number

الأولى

Publisher Location

بيروت (نفس طبعة وترقيم دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع)

Genres

أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك. وجعل يكلم النبيّ ﷺ، وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة عند رأس النبيّ ﷺ ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبيّ ﷺ ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ، فرفع عروة رأسه وقال: من ذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، أو لست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبيّ ﷺ: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء (وكان المغيرة ابن أخي عروة) .
ثم إن عروة جعل يمرق أصحاب رسول الله ﷺ وعلاقتهم به، فرجع إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فذلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
هو الذي كف أيديهم عنكم
ولما رأى شباب قريش الطائشون، والطامحون إلى حرب، رغبة زعمائهم في الصلح، فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، فقرروا أن يخرجوا ليلا ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثا تشعل نار الحرب، وفعلا قد قاموا بتنفيذ هذا القرار، فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليلا فهبطوا من جبل التّنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أن محمد بن سلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعا. ورغبة في الصلح أطلق سراحهم النبيّ ﷺ وعفا عنهم، وفي ذلك أنزل الله وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح: ٢٤] .
عثمان بن عفان سفيرا إلى قريش
وحينئذ أراد رسول الله ﷺ أن يبعث سفيرا يؤكد لدى قريش موقفه وهدفه من هذا السفر، فدعا عمر بن الخطاب ليرسله إليهم، فاعتذر قائلا: يا رسول الله ﷺ ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت، فدعاه، وأرسله إلى قريش، وقال: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا،

1 / 311