المقدمة
الجزء الأول: في الكلام على ممالك أوروبا
1 - في الكلام على الدولة العلية العثمانية
2 - في الكلام على مملكة فرنسا
3 - في الكلام على مملكة إنكلترة
4 - في الكلام على مملكة النمسة
5 - في الكلام على مملكة الروسية
6 - في الكلام على مملكة البروسية
7 - في الكلام على عصبة جرمانيا
8 - في الكلام على مملكة إيطاليا
9 - في الكلام على مملكة إسبانيا
10 - في الكلام على مملكة السويد والنورويج
11 - في الكلام على مملكة هولاندة
12 - في الكلام على مملكة الدنيمرك
13 - في الكلام على مملكة باواريا
14 - في الكلام على مملكة البلجيك
15 - في الكلام على مملكة البرتوغال
16 - في الكلام على سويسرة
17 - في الكلام على مملكة البابا
18 - في الكلام على مملكة الفورتنبرغ
19 - في الكلام على إمارة بادن الكبرى
20 - في الكلام على مملكة الإغريق
الجزء الثاني: في الكلام على أقسام الكرة إجمالا
1 - في الكلام على أوروبا
2 - في الكلام على آسيا
3 - في الكلام على أفريقية
4 - في الكلام على أميركا
5 - في الكلام على جزر الأوقيانوس
6 - في تقسيم البحر
تقاريظ الكتاب
المقدمة
الجزء الأول: في الكلام على ممالك أوروبا
1 - في الكلام على الدولة العلية العثمانية
2 - في الكلام على مملكة فرنسا
3 - في الكلام على مملكة إنكلترة
4 - في الكلام على مملكة النمسة
5 - في الكلام على مملكة الروسية
6 - في الكلام على مملكة البروسية
7 - في الكلام على عصبة جرمانيا
8 - في الكلام على مملكة إيطاليا
9 - في الكلام على مملكة إسبانيا
10 - في الكلام على مملكة السويد والنورويج
11 - في الكلام على مملكة هولاندة
12 - في الكلام على مملكة الدنيمرك
13 - في الكلام على مملكة باواريا
14 - في الكلام على مملكة البلجيك
15 - في الكلام على مملكة البرتوغال
16 - في الكلام على سويسرة
17 - في الكلام على مملكة البابا
18 - في الكلام على مملكة الفورتنبرغ
19 - في الكلام على إمارة بادن الكبرى
20 - في الكلام على مملكة الإغريق
الجزء الثاني: في الكلام على أقسام الكرة إجمالا
1 - في الكلام على أوروبا
2 - في الكلام على آسيا
3 - في الكلام على أفريقية
4 - في الكلام على أميركا
5 - في الكلام على جزر الأوقيانوس
6 - في تقسيم البحر
تقاريظ الكتاب
أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك
أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك
تأليف
خير الدين التونسي
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان من جعل من نتائج العدل العمران، وفضل بالعقل نوع الإنسان، وأهله به لحسن التدبير ومراتب العرفان، وأمره بالتعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان، أحمده وهو المحمود في كل آن بكل لسان، وأصلي على عبده سيدنا محمد المرسل بالكتاب والميزان، المنزل عليه إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وعلى آله وأصحابه حفاظ شريعته اللائقة بكل زمان، الدائرة أحكامها على مركزي الإيمان والأمان. أما بعد؛ فيقول جامع هذه الورقات - أرشده الله إلى أقوم الطرقات:
إني بعد أن تأملت تأملا طويلا في أسباب تقدم الأمم وتأخرها جيلا فجيلا، مستندا في ذلك لما أمكن تصفحه من التواريخ الإسلامية والإفرنجية، مع ما حرره المؤلفون من الفريقين فيما كانت عليه وآلت إليه الأمة الإسلامية، وما سيئول إليه أمرها في المستقبل، بمقتضى الشواهد التي قضت التجربة بأن تقبل، التجأت إلى الجزم بما لا أظن عاقلا من رجال الإسلام يناقضه، أو ينهض له دليل يعارضه، من أنا إذا اعتبرنا تسابق الأمم في ميادين التمدن، وتحزب عزائمهم على فعل ما هو أعود نفعا وأعون، لا يتهيأ لنا أن نميز ما يليق بنا على قاعدة محكمة البنا إلا بمعرفة أحوال من ليس من حزبنا، لا سيما من حف بنا وحل بقربنا.
ثم إذا اعتبرنا ما حدث في هذه الأزمان من الوسائط التي قربت تواصل الأبدان والأذهان، لم نتوقف أن نتصور الدنيا بصورة بلدة متحدة، تسكنها أمم متعددة، حاجة بعضهم لبعض متأكدة، وكل منهم وإن كان في مساعيه الخصوصية غريم نفسه فهو بالنظر إلى ما ينجر بها من الفوائد العمومية مطلوب لسائر بني جنسه، فمن لاحظ هذين الاعتبارين اللذين لا تبقي المشاهدة في صحتهما أدنى رين، وكان بمقتضى ديانته من الدارين أن الشريعة الإسلامية كافلة بمصالح الدارين، ضرورة أن التنظيم الدنيوي أساس متين لاستقامة نظام الدين، يسوءه أن يرى بعض علماء الإسلام الموكول لأمانتهم مراعاة أحوال الوقت في تنزيل الأحكام، معرضين عن استكشاف الحوادث الداخلية، وأذهانهم عن معرفة الخارجية خلية. ولا يخفى أن ذلك من أعظم العوائق عن معرفة ما يجب اعتباره على الوجه اللائق. أفيحسن من أساة الأمة الجهل بأمراضها، أو صرف الهمة إلى اقتناء جواهر العلوم مجردة عن أعراضها، كما أنه يسوءنا الجهل بذلك من بعض رجال السياسة، والتجاهل من بعضهم رغبة في إطلاق الرئاسة؛ فلذلك هجس ببالي ما استذكيت لأجله ذبالي، من أني لو جمعت بعض ما استنتجته منذ سنين بإعمال الفكر والروية، مع ما شاهدته أثناء أسفاري للبلدان الأوروباوية، التي أرسلني إلى بعض دولها الفخام الطود الرفيع الأسمى، والكهف المنيع الأحمى، جناب ولي النعم وزكي الأخلاق والشيم، من لم تزل عزائمه كاسمه صادقة، وألسنة الأيام بالثناء عليه ناطقة، لم يخل سعيي من فائدة، خصوصا إذا صادف أفئدة على حماية بيضة الإسلام متعاضدة.
وأهم تلك الفوائد عندي، التي هي في هذا التأليف مناط قصدي، تذكير العلماء الأعلام بما يعينهم على معرفة ما يجب اعتباره من حوادث الأيام، وإيقاظ الغافلين من رجال السياسة وسائر الخواص والعوام، ببيان ما ينبغي أن تكون عليه التصرفات الداخلية والخارجية، وذكر ما تتأكد معرفته من أحوال الأمم الإفرنجية، خصوصا من لهم بنا مزيد اختلاط وشديد علقة وارتباط، مع ما أولعوا به من صرف الهمم إلى استيعاب أحوال سائر الأمم، واستسهالهم ذلك بطي مسافات الكرة الذي ألحق شاسعها بالأمم، فجمعت ما تيسر بعون الله من مستحدثاتهم المتعلقة بسياستي الاقتصاد والتنظيم، مع الإشارة إلى ما كانوا عليه في العهد القديم، وبيان الوسائل التي ترقوا بها في سياسة العباد إلى الغاية القصوى من عمران البلاد، كما أشرت إلى ما كانت عليه أمة الإسلام المشهود لها حتى من مؤرخي أوروبا الأعيان، بسابقية التقدم في مضماري العرفان والعمران، وقت نفوذ الشريعة في أحوالها، ونسج سائر التصرفات بمنوالها.
والغرض من ذكر الوسائل التي أوصلت الممالك الأوروباوية إلى ما هي عليه من المنعة والسلطة الدنيوية، أن نتخير منها ما يكون بحالنا لائقا، ولنصوص شريعتنا مساعدا وموافقا؛ عسى أن نسترجع منه ما أخذ من أيدينا، ونخرج باستعماله من ورطات التفريط الموجود فينا، إلى غير ذلك مما تتشوف إليه نفس الناظر في هذا الموضوع، المحتوي من الملاحظات النقلية والعقلية على ما نشره بطي فصوله يضوع. وسميته: «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك». مرتبا له على مقدمة وكتابين يشتمل كل منهما على أبواب.
وبهداية الله نستوضح مناهج الرشد والصواب. والجري في هذا المجال وإن كان فوق طاقتي، لكن إغضاء الفضلاء مأمول في جنب فاقتي، وصدق النية كافل إن شاء الله تعالى ببلوغ الأمنية.
المقدمة
لما كان السبب الحامل على الشيء متقدما عليه طبعا، ناسب أن نقدمه وضعا، ولم نكتف بالإيماء في الخطبة إلى ما دعانا لجمع هذا التأليف، بل رأينا من المهم أن نعود إلى إيضاحه هنا ونبني عليه ما أردنا إيراده في المقدمة، فنقول:
إن الباعث الأصلي على ذلك أمران آيلان إلى مقصد واحد؛ أحدهما: إغراء ذوي الغيرة والحزم من رجال السياسة والعلم، بالتماس ما يمكنهم من الوسائل الموصلة إلى حسن حال الأمة الإسلامية، وتنمية أسباب تمدنها بمثل توسيع دوائر العلوم والعرفان، وتمهيد طرق الثروة من الزراعة والتجارة، وترويج سائر الصناعات ونفي أسباب البطالة، وأساس جميع ذلك حسن الإمارة، المتولد منه الأمن، المتولد منه الأمل، المتولد منه إتقان العمل المشاهد في الممالك الأوروباوية بالعيان وليس بعده بيان. ثانيهما: تحذير ذوي الغفلات من عوام المسلمين عن تماديهم في الإعراض عما يحمد من سيرة الغير، الموافقة لشرعنا، بمجرد ما انتقش في عقولهم من أن جميع ما عليه غير المسلم من السير والتراتيب ينبغي أن يهجر، وتآليفهم في ذلك يجب أن تنبذ ولا تذكر، حتى إنهم يشددون الإنكار على من يستحسن شيئا منها. وهذا على إطلاقه خطأ محض؛ فإن الأمر إذا كان صادرا من غيرنا وكان صوابا موافقا للأدلة، لا سيما إذا كنا عليه وأخذ من أيدينا، فلا وجه لإنكاره وإهماله، بل الواجب الحرص على استرجاعه واستعماله. وكل متمسك بديانة وإن كان يرى غيره ضالا في ديانته، فذلك لا يمنعه من الاقتداء به فيما يستحسن في نفسه من أعماله المتعلقة بالمصالح الدنيوية، كما تفعله الأمة الإفرنجية، فإنهم ما زالوا يقتدون بغيرهم في كل ما يرونه حسنا من أعماله، حتى بلغوا في استقامة نظام دنياهم إلى ما هو مشاهد.
وشأن الناقد البصير تمييز الحق بمسبار النظر في الشيء المعروض عليه قولا كان أو فعلا، فإن وجده صوابا قبله واتبعه، سواء كان صاحبه من أهل الحق أو من غيرهم، فليس بالرجال يعرف الحق بل بالحق تعرف الرجال، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها.
ولما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه على رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بأن عادة الفرس أن يطوقوا مدنهم بخندق حين يحاصرهم العدو؛ اتقاء من هجومه عليهم، أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم
برأيه، وحفر خندقا للمدينة في غزوة الأحزاب، عمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين. وقال سيدنا علي كرم الله وجهه: «لا تنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قال.» وإذا ساغ للسلف الصالح أخذ مثل المنطق من غير أهل ملتهم وترجمته من لغة اليونان لما رأوه من الآلات النافعة، حتى قال الغزالي: «من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه.» فأي مانع لنا اليوم من أخذ بعض المعارف التي نرى أنفسنا محتاجين إليها غاية الاحتياج في دفع المكائد وجلب الفوائد؟
وفي «سنن المهتدين» للعلامة الشيخ المواق المالكي ما نصه: «إن ما نهينا عنه من أعمال غيرنا هو ما كان على خلاف مقتضى شرعنا، أما ما فعلوه على وفق الندب أو الإيجاب أو الإباحة، فإنا لا نتركه لأجل تعاطيهم إياه؛ لأن الشرع لم ينه عن التشبه بمن يفعل ما أذن الله فيه.» وفي «حاشية الدر المختار» للعلامة الشيخ محمد بن عابدين الحنفي ما نصه: «إن صورة المشابهة فيما تعلق به صلاح العباد لا تضر.»
على أنا إذا تأملنا في حالة هؤلاء المنكرين لما يستحسن من أعمال الإفرنج نجدهم يمتنعون من مجاراتهم فيما ينفع من التنظيمات ونتائجها، ولا يمتنعون منها فيما يضرهم؛ وذلك أنا نراهم يتنافسون في الملابس وأثاث المساكن ونحوها من الضروريات، وكذا الأسلحة وسائر اللوازم الحربية، والحال أن جميع ذلك من أعمال الإفرنج . ولا يخفى ما يلحق الأمة بذلك من الشين والخلل في العمران وفي السياسة؛ أما الشين فبالاحتياج للغير في غالب الضروريات الدال على تأخر الأمة في المعارف، وأما خلل العمران فبعدم انتفاع صناع البلاد باصطناع نتائجها الذي هو أصل مهم من أصول المكاسب. ومصداق ذلك ما نشاهده من أن صاحب الغنم منا، ومستولد الحرير وزارع القطن مثلا يقتحم تعب ذلك سنة كاملة، ويبيع ما ينتجه عمله للإفرنجي بثمن يسير، ثم يشتريه منه بعد اصطناعه في مدة يسيرة بأضعاف ما باعه به. وبالجملة، فليس لنا الآن من نتائج أرضنا إلا قيمة موادها المجردة دون التطويرات العملية التي هي منشأ توفر الرغبات منا ومن غيرنا، ثم إذا نظرنا إلى مجموع ما يخرج من المملكة، وقايسناه بما يدخلها، فإن وجدناهما متقاربين خف الضرر، وأما إذا زادت قيمة الداخل على قيمة الخارج فحينئذ يتوقع الخراب لا محالة. وأما الخلل السياسي فإن احتياج المملكة لغيرها مانع لاستقلالها وموهن لقوتها، لا سيما إذا كان متعلق الاحتياج، الضروريات الحربية التي لو يتيسر شراؤها زمن الصلح لا يتيسر ذلك وقت الحرب ولو بأضعاف القيمة. ولا سبب لما ذكرناه إلا تقدم الإفرنج في المعارف الناتجة عن التنظيمات المؤسسة على العدل والحرية، فكيف يسوغ للعاقل حرمان نفسه مما هو مستحسن في ذاته، ويستسهل الامتناع عما به قوام نفعه بمجرد أوهام خيالية، واحتياط في غير محله؟!
ومما يحسن سوقه هنا قول بعض المؤلفين من الأوروباويين في السياسات الحربية: إن الممالك التي لا تنسج على منوال مجاوريها فيما يستحدثونه من الآلات الحربية والتراتيب العسكرية، يوشك أن تكون غنيمة لهم ولو بعد حين. وخص التراتيب الحربية لأنها موضوع كتابه، وإلا فالواجب مجاراة الجار في كل ما هو مظنة لتقدمه، سواء كان من الأمور العسكرية أو من غيرها. ومما يؤيد ما قررناه قوله
صلى الله عليه وسلم
لعاصم بن ثابت من حديث: «من قاتل فليقاتل كما يقاتل.» ويوضح معناه ما تضمنته وصية الصديق لخالد بن الوليد - رضي الله عنهما - حين بعثه لقتال المرتدين، فقال: «يا خالد، عليك بتقوى الله والرفق بمن معك ...» إلى أن قال: «والخوف عند أهل اليمامة، فإذا دخلت بلادهم فالحذر الحذر! ثم إذا لاقيت القوم فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به، السهم للسهم والرمح للرمح والسيف للسيف.» قلت: ولو أدرك هذا الزمان لأبدل ذلك بمدفع الششخان، ومكحلة الإبرة والسفينة المدرعة، ونحوها من المخترعات التي تتوقف عليها المقاومة، ولا يحصل بدونها الاستعداد الواجب شرعا، الذي يستلزم معرفة قوة المستعد له، والسعي في تهيئة مثلها أو خير منها، ومعرفة الأسباب المحصلة له.
وبناء على ذلك يقال هنا: هل يمكننا اليوم الحصول على الاستعداد المشار إليه بدون تقدم في المعارف وأسباب العمران المشاهدة عند غيرنا؟ وهل يتيسر ذلك التقدم بدون إجراء تنظيمات سياسية، تناسب التنظيمات التي نشاهدها عند غيرنا في التأسس على دعامتي العدل والحرية اللذين هما أصلان في شريعتنا؟ ولا يخفى أنهما ملاك القوة والاستقامة في جميع الممالك؟
ولما كان الغرض من هذا الكتاب لا يتم إلا ببيان أحوال البلدان الأوروباوية؛ لزم أن نثني العنان إليه، مدرجين في أثنائه ما يناسب الأمة الإسلامية، فنقول: إن الحالة الراهنة في ممالك أوروبا لم تكن ثابتة لها من قديم الزمان؛ لأنها كانت بعد هجوم البرابرة الشماليين وسقوط الدولة الرومانية سنة أربعمائة وست وسبعين مسيحية على أفظع حال من التوحش والاعتداء والجور، آخذة في حركة السقوط التي هي أسرع من الصعود طبعا، ولم تزل في ربقة الرق لملوكها وكبراء الأمم الجائرة المسمين بالنوبليس إلى زمن ولاية الإمبراطور شارلمان ملك فرنسا ومعظم ممالك أوروبا سنة سبعمائة وثمان وستين، فبذل غاية جهده في إصلاح حال الناس بسعيه في تنمية المعارف وغيرها، ثم بعد وفاته رجعت أوروبا إلى غياهب جهالتها وظلم ولاتها كما يأتي تفصيله. ولا يتوهم أن أهلها وصلوا إلى ما وصلوا إليه بمزيد خصب أو اعتدال في أقاليمهم؛ إذ قد يوجد في أقسام الكرة ما هو مثلها أو أحسن، ولا أن ذلك من آثار ديانتهم؛ إذ الديانة النصرانية ولو كانت تحث على إجراء العدل والمساواة لدى الحكم، لكنها لا تتداخل في التصرفات السياسية؛ لأنها تأسست على التبتل والزهد في الدنيا، حتى إن عيسى عليه السلام كان ينهى أصحابه عن التعرض لملوك الدنيا فيما يتعلق بسياسة أحوالها، قائلا إنه ليس له ملك في هذه الدنيا؛ لأن سلطان شريعته على الأرواح دون الأشباح، والخلل الواقع في ممالك البابا كبير الديانة النصرانية لامتناعه من الاقتداء بالتراتيب السياسية المعتبرة في بقية الممالك الأوروباوية دليل واضح على ما ذكرناه، وإنما بلغوا تلك الغايات والتقدم في العلوم والصناعات بالتنظيمات المؤسسة على العدل السياسي وتسهيل طرق الثروة واستخراج كنوز الأرض بعلم الزراعة والتجارة، وملاك ذلك كله الأمن والعدل اللذان صارا طبيعة في بلدانهم، وقد جرت عادة الله في بلاده أن العدل وحسن التدبير والتراتيب المحفوظة من أسباب نمو الأموال والأنفس والثمرات، وبضدها يقع النقص في جميع ما ذكر كما هو معلوم من شريعتنا والتواريخ الإسلامية وغيرها، فقد قال
صلى الله عليه وسلم : العدل عز الدين وبه صلاح السلطان وقوة الخاص والعام وبه أمن الرعية وخيرهم. ومن أمثال الفرس: الملك أساس والعدل حارس، فما لم يكن له أساس فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع. وفي نصائح الملوك: إن ولي الأمر يحتاج إلى ألف خصلة، وكلها مجموعة في خصلتين إذا عمل بهما كان عادلا، وهما: عمران البلاد وأمن العباد.
ومن تصفح الفصل الثالث من الكتاب الأول من «مقدمة ابن خلدون» رأى أدلة ناهضة على أن الظلم مؤذن بخراب العمران كيفما كان وبما جبلت عليه النفوس البشرية، كان إطلاق أيدي الملوك مجلبة للظلم على اختلاف أنواعه، كما هو واقع اليوم في بعض ممالك الإسلام، ووقع بممالك أوروبا في تلك القرون عند استبداد ملوكها بالتصرف المطلق في عبيد الله، من غير تقيد بقانون عقلي لمنافاته لشهواتهم، ولا شرعي لعدم وجوده في الديانة المسيحية المبنية على التبتل والزهد في الدنيا كما تقدم. وما أشرف بعض ممالكهم على الاضمحلال وسلب الاستقلال إلا بسوء تصرفهم الناشئ عن إطلاق أيديهم مع حسن سيرة مجاوريهم إذ ذاك من الأمة الإسلامية، الناتج عن تقيد ولاتهم بقوانين الشريعة المتعلقة بالأمور الدينية والدنيوية، التي من أصولها المحفوظة إخراج العبد عن داعية هواه، وحماية حقوق العباد سواء كانوا من أهل الإسلام أو من غيرهم، واعتبار المصالح المناسبة للوقت والحال، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، وارتكاب أخف الضررين اللازم أحدهما ... إلى غير ذلك.
ومن أهم أصولها وجوب المشورة التي أمر الله بها رسوله المعصوم
صلى الله عليه وسلم
مع استغنائه عنها بالوحي الإلهي، وبما أودع الله فيه من الكمالات، فما ذاك إلا لحكمة أن تصير سنة واجبة على الحكام بعده، قال ابن العربي: «المشاورة أصل في الدين وسنة الله في العالمين، وهي حق على عامة الخليقة من الرسول إلى أقل الخلق.» ومن كلام علي رضي الله عنه: «لا صواب مع ترك المشاورة.» ومن الأصول المجمع عليها وجوب تغيير المنكر على كل مسلم بالغ عالم بالمنكرات. وقال حجة الإسلام الغزالي: الخلفاء وملوك الإسلام يحبون الرد عليهم ولو كانوا على المنابر. فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يخطب: أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه. فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا. فقال: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه. ولا شك أن مثل هذا الإمام العادل الشديد في حماية الدين وحقوق الخلافة لو لم ير مساغا من الشريعة لذلك الكلام، مع ما فيه من الشدة ما حمد الله عليه، بل كان الواجب رده وزجر قائله، وروى الغزالي أيضا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من «الإحياء» أن معاوية حبس عطاء الناس، فقام إليه أبو مسلم الخولاني فقال: إنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك. فقال معاوية بعد إسكان غضبه بالوضوء: صدق أبو مسلم، إنه ليس من كدي ولا من كد أبي، فهلموا إلى عطائكم.
قلت: لولا التغيير المشار إليه ما استقام للبشر ملك؛ لأن الوازع ضروري لبقاء النوع الإنساني، ولو ترك ذلك الوازع يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لم تظهر ثمرة وجوب نصبه على الأمة لبقاء الإهمال بحاله، فلا بد للوازع المذكور من وازع له يقف عنده؛ إما شرع سماوي أو سياسة معقولة، وكل منهما لا يدافع عن حقوقه إن انتهكت؛ فلذلك وجب على علماء الأمة وأعيان رجالها تغيير المنكرات، ونصب الأوروباويون المجالس وحرروا المطابع، فالمغيرون للمنكر في الأمة الإسلامية تتقيهم الملوك كما تتقي ملوك أوروبا المجالس وآراء العامة الناشئة عنها وعن حرية المطابع، ومقصود الفريقين واحد؛ وهو الاحتساب على الدولة لتكون سيرتها مستقيمة، وإن اختلفت الطرق الموصلة إلى ذلك. وما ذكرناه أشار إليه ابن خلدون في فصل الإمامة من مقدمته حيث قال: «إن الملك لما كان عبارة عن المجتمع الضروري للبشر ومقتضاه التغلب والقهر، اللذان هما من آثار القوة الغضبية المركبة في الإنسان، كانت أحكام صاحبه في الغالب حائدة عن الحق مجحفة بمن تحته من الخلق؛ لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من شهواته، فتسعر طاعته لذلك، وتجيء العصبية المفضية إلى الهرج والقتل، فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها، كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم. وإذا خلت الدولة عن مثل هذه السياسة لم يستقم أمرها ولا يتم استيلاؤها، فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصرائها كانت سياسة عقلية، وإذا كان فرضها من الله تعالى بشارع يقررها كانت سياسة دينية نافعة في الدنيا والآخرة.» انتهى.
قلت: والنفع المذكور إنما يكون تاما ببقائها محترمة بصونها والذب عن حوزتها بمثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أشرنا إليه. هذا وإنا لا ننكر إمكان أن يوجد في الملوك من يحسن تصرفه في المملكة بدون مشورة أهل الحل والعقد، ويحمله حب الإنصاف على الاستعانة بالوزير العارف النصوح فيما يشكل عليه من المصالح، لكن لكون ذلك من النادر الذي لا يعتبر لاستناده إلى أوصاف قلما تجتمع في إنسان، وعلى فرض اجتماعها ودوامها له تزول بزواله، وجب علينا أن نجزم بأن مشاركة أهل الحل والعقد للملوك في كليات السياسة، مع جعل المسئولية في إدارة المملكة على الوزراء المباشرين لها بمقتضى قوانين مضبوطة مراعى فيها حال المملكة أجلب لخيرها وأحفظ له.
وبيان ذلك أن حالة الملوك بمقتضى الطبيعة البشرية لا تخرج عن صور ثلاث: لأن الواحد منهم إما أن يكون كامل المعرفة والمحبة لخير الوطن قادرا على إجراء المصالح بمراعاة الأصلح، أو يكون كامل المعرفة ولكن له أغراض وشهوات خصوصية تصده عن مراعاة المصالح العمومية، أو يكون ناقص المعرفة ضعيف المباشرة. ومثل هذه الصور الثلاث يعتبر في الوزير المباشر، ولا يخفى أن لزوم المشورة ومسئولية الوزراء في الصورة الأولى لا يعطل كامل المعرفة عن مقصده الحسن، بل يعينه حيث إن آراء الجميع متعاضدة على المصلحة، كما أنه يسهل دوام الملك في عائلته، ولو كانوا من ماصدقات الصورتين الأخيرتين الواضح فيهما تأكد المشورة والمسئولية لوجوب المعارضة في الثانية والإعانة في الثالثة، فبذلك يستقيم حال المملكة، ولو كان الوالي أسير الشهوات أو ضعيف الرأي، كما قال المترجم لتاريخ ستورد مل الإنكليزي: إن رفعة شأن الأمة الإنكليزية بلغت الغاية في مدة الملك جورج الثالث الذي كان مجنونا، وما ذاك إلا بمشاركة أهل الحل والعقد ومسئولية الوزراء لهم.
وقد يسبق إلى بعض الأذهان الضعيفة أن تكليف من تحسن سيرته من الوزراء ينجبر به خلل الصورتين الأخيرتين، بحيث لا يحتاج لأهل الحل والعقد. وهو ظاهر السقوط؛ لأن تقديم الوزير للمباشرة وتأخيره عنها بيد الملك، ولا يظن أن الملك يقدم من يعلم أنه يخالفه مخالفة معتبرة. وعلى فرض تقديمه وسيره سيرة مستحسنة فإنا نرى أن حال الوزير دائر بين أمرين؛ لأنه إما أن يوافق الملك وحاشيته على أغراضهم وشهواتهم مرجحا بذلك حظ نفسه، وضرر المملكة في هاته الحالة لا يكاد يخفى، وإما أن يخالفهم ويأمر من تحته من المتوظفين بما تقتضيه مصلحة البلاد، وحينئذ فمن أين له هذا الحق؟ وبأي ظهير يستظهر على تلك المخالفة؟ خصوصا إذا لم تكن هناك شريعة نافذة تحميه من تحزب حساده الذين غاية أملهم إضراره وتعطيل تصرفاته الحسنة المقللة لفوائدهم بكل وجه أمكنهم ، ولو بتنفيذ إذنه على غير مقصوده أو تأخيره عن الوقت المناسب؛ ليظهر الخلل ويكثر الزلل، أو بإخفاء جليل حسناته وإشهار حقير سيئاته لتغيير القلوب عليه. ومن دعاء علي رضي الله عنه: «اللهم احفظني من عدو يرعاني؛ إن رأى مني حسنة دسها، وإن رأى سيئة أشهرها.» ثم إذا خيب الله آمالهم بنجاح سعي الوزير المشار إليه في إدارة المملكة رجعوا إلى سلوك طريق الوشاية به عند الملك، بأن يقولوا: إنه استبد عليك ولم يبق لك من الملك غير الاسم ... إلى غير ذلك من أنباء الفساق التي قد تروج على العاقل قبل التبين، خصوصا عند الدول المشرقية. فكيف يتيسر للوزير والحالة ما ذكر أن يجري إدارة المملكة على مواقع المصلحة مخالفا بذلك من هو الخصم والحكم؟! ولما في هاته الحالة الثانية من العوائق يضطر الوزير المذكور إما إلى اختيار الحالة الأولى بالمجاراة وسلوك طرق المداراة، وعاقبة ذلك وخيمة لعوده بالمضرة على الوطن والملك وعليه نفسه؛ لأن استعذاب الموافقة على الشهوة في الحال الناشئ عند خراب المملكة يستعقب مرارة الندامة في المآل. وإما إلى الاستعفاء من الخدمة بالمرة، وهو وإن لم يكن واجبا لحفظ ذاته فهو واجب للتخلص مما يتوقع من الموافقة على ما يئول إلى خراب المملكة الموجب لعقاب الخالق ولوم المخلوق؛ إذ الإنسان ولو ساغ له المخاطرة بنفسه لمصلحة الوطن لا يسوغ له المخاطرة بديانته وهمته، وما يجب عليه من الطاعة للملك والمحبة للوطن لا يحصلان إلا ببذل الجهد في النصح بجلب المصالح ودرء المفاسد إن قدر عليهما، وإن لم يقدر فبالامتناع من الموافقة على ما يضر، فإن لم يفعل كانت موافقته مع العلم بما ينشأ عنها من المضرة خيانة.
فبان بهذا أن الممالك التي لا يكون لإدارتها قوانين ضابطة محفوظة برعاية أهل الحل والعقد خيرها وشرها منحصر في ذات الملك، وبحسب اقتداره واستقامته يكون مبلغ نجاحها. ويشهد لذلك حالة الممالك الأوروباوية في القرون الماضية قبل تأسيس القوانين، فقد كان لهم في ذلك الوقت من الوزراء من لهم شهرة إلى الآن بتمام المعرفة والمروءة، ومع ذلك لم يتيسر لهم حسم مواد الخلل المنبعث من صورتي استبداد الملوك المشار إليهما، لا يقال إن مشاركة أهل الحل والعقد للأمراء في كليات السياسة تضييق لسعة نظر الإمام وتصرفه العام؛ لأنا نقول: هذا التوهم يندفع بمطالعة «الأحكام السلطانية» للماوردي، فإنه قال فيه عند بيان وزارة التفويض: «هي أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده، وليس يمتنع جواز هذه الوزارة، فإن الله تعالى يقول حكاية عن نبيه موسى عليه السلام:
واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري . فإذا جاز ذلك في النبوءة كان في الإمامة أجوز.» انتهى.
قلت: فإذا جاز تشريك الإمام لوزير التفويض على الوجه المذكور ولم يعد مثل ذلك تنقيصا من تصرفه العام كان تشريكه لجماعة هم أهل الحل والعقد في كليات السياسة أجوز؛ لأن اجتماع الآراء إلى مواقع الصواب أقرب، ولهذا لما جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة شورى بين ستة قال: إن انقسموا اثنين وأربعة فكونوا مع الأربعة. (ميلا منه إلى الأكثر؛ لأن رأيهم إلى الصواب أقرب، قاله السيد السند) وإن تساووا فكونوا في الحزب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف. على أن المولى سعد الدين في «شرح العقائد» لم يمنع المشاركة في تصرفات الإمامة، وقصر منع التعدد على منشأ الفساد، حيث قال في أثناء مبحث الإمامة: «غير الجائز هو نصب إمامين مستقلين تجب طاعة كل منهما على الانفراد؛ لما يلزم عليه من امتثال أحكام متضادة، وأما في الشورى فالكل بمنزلة إمام واحد.» انتهى. أي لأن تعدد الأشخاص لا ينافي وحدة الإمامة التي مدارها على وحدة الأمر والنهي، وقد سلم كلام السعد محشوه كالفاضلين؛ عصام الدين وعبد الحكيم، وقرره الخيالي بقوله: وقد يجاب أيضا، وبالجملة فكلهم معترف بصحة كلام السعد في نفسه، وظاهر حينئذ أحروية جواز الشورى في كليات السياسة بالمعنى الذي أشرنا إليه؛ إذ هي دون الشورى في سائر التصرفات، ثم إن الشورى على الوجه المذكور ليس فيها تضييق لدائرة خطة الإمامة وعموم تصرفها، باعتبار أن نظر أهل الحل والعقد بمنزلة نظر الإمام ومراعاة كونه مظهرا له لاستبداده بتمشيته وإدارته، مع ما يستبد به من التصرفات التي لا تقتضي المشاركة كإجراء الخلطة السياسية والمتجرية مع الأجانب، ونصب أرباب الخطط وتأخيرهم، وتنفيذ سائر الأحكام ونحو ذلك من التصرفات التي هي محمل وحدة الآمر، وهاك شاهدا آخر من كلام الإمام ابن العربي فإنه قال في المغارم التي تؤخذ من الناس عند فراغ بيت المال: «إنها تؤخذ جهرا لا سرا وتنفق بالعدل لا بالاستيثار وبرأي الجماعة لا بالاستبداد.» انتهى. ولزيادة البيان نستوضح ذلك بمثال، وهو أن مالك البستان الكبير مثلا لا يستغني في إقامته وتدبير شجره عن الاستعانة بأعوان يكون لهم مزيد معرفة بأحوال الشجر وما يصلحه أو يفسده، فإذا اتفق أن رب البستان أراد قطع شيء من فروع شجره لما رأى في ذلك من تقوية الأصول وتنمية ثمارها فلم يوافقه أعوانه على ذلك، علما منهم بمقتضى قواعد الفلاحة أن القطع في ذلك الوقت مما ينشأ عنه موت الشجرة من أصلها، فتعطيل إرادة المالك في ذلك لا يعد تضييقا لسعة نظره وعموم تصرفه في بستانه، وقد يكون مستند الأعوان في تعطيل إرادته أمرا شرعيا، كما إذا أراد بيع الثمرة قبل بدو صلاحها مثلا فأشاروا عليه بأن ذلك لا يرضاه خالق الشجر، الذي هو المالك الحقيقي، فيلزمه الرجوع لرأيهم في المثالين وإلا توجه اللوم إليه واستحق أن يحجر عليه. وهل يقال حينئذ أن ذلك تضييق على رب البستان؟! بل إن التوسعة عليه مضادة للحكمة الإلهية في إيجاد العالم واستعمار أرضه ببني آدم، هذا مع أن منفعة البستان مختصة بربه، أما إذا كانت له ولغيره أو منزلته فيها كما قال عمر رضي الله عنه: كمنزلة والي اليتيم؛ فأحرى أن لا يتوهم أن ذلك تضييق عليه.
ومعلوم أن تصرف الإمام في أحوال الرعية لا يخرج عن دائر المصلحة، وأن القيام بمصالح الأمة وتدبير سياستها مما لا يتيسر لكل أحد، فتعطيل الإرادة حينئذ إنما يقع في شيء خارج عن دائرة التصرف المسوغ له، فتحرر بما شرحناه اندفاع ذلك القيل، وأنه لا مانع من التشريك على الوجه المذكور. ومن لاحظ جانب المقتضى كما لاحظه الشيخ ابن العربي فيما قدمناه عنه، وهو ملحظنا في جميع ما أسلفناه، لم يتوقف في الجزم بتعينه، لا سيما في هذا الزمان الذي قل فيه العرفان وكثر الطغيان.
وقد كانت وقعت بيني وبين أحد أعيان أوروبا مكالمة أسهب فيها بمدح ملكهم وذكر ما له من مزيد المعرفة بأصول السياسة، حتى قال: إنه متقيد بطبعه وعقله عن سلوك غير منهاج الصواب. فقلت له: كيف تشاحونه في الحرية السياسية وترومون مشاركته في الأمور الملكية، والحال أنكم تسلمون له من الكمالات ما لا يحتاج معه إلى المشاركة؟ فأجابني بقوله: من يضمن لنا بقاءه مستقيما واستقامة ذريته بعده؟
ومما يناسب سوقه هنا ما ذكره المؤرخ الشهير تيارس أحد أعضاء مجلس النواب بفرنسا الآن، وكان وزيرا للملك لويز فليب في آخر تاريخه المشهور عند ذكر عواقب الاستبداد، وأن العمل بالرأي الواحد مذموم ولو بلغ صاحبه ما بلغ من الكمالات والمعارف بعدما ترجم لنابوليون الأول بأوصافه الخاصة، وألحقه في السياسة بأفراد الرجال الذين جاد بهم الدهر في القرون الماضية، حتى وصفه بهمة إسكندر الرومي وقيصر الروماني وذكاء أنيبال الأفريقي ومعارفه الحربية، إلى أن قال مخاطبا للفرنسيس: تعالوا نمعن النظر في أفعال هذا الملك التي هي في الحقيقة أفعالنا، فيستفيد منها من كان جنديا كيف ينبغي أن تقاد الجيوش، ومن كان من رجال الدولة معرفة كيف ينبغي أن تكون إدارة المملكة، وكيف ينبغي أن يرتفع شأنها بدون خروج عن دائرة التواضع والرفق؛ إذ المعاملة متى لم تكن مصحوبة برفق وقناعة لا تتحمل، وربما يفضي ذلك إلى أسباب الاضمحلال كما أفضت إليها سيرة المذكور، الذي هو أقل البشر قناعة. فبالجملة نعتبر بغلطاته فنتجنبها، ثم نستفيد - معاشر أبناء الوطن - تربية أخيرة لا يسع نسيانها؛ وهي أنه لا يسوغ أبدا أن يسلم أمر المملكة لإنسان واحد بحيث تكون سعادتها وشقاوتها بيده، ولو كان أكمل الناس وأرجحهم عقلا وأوسعهم علما.
ونحن وإن كنا لسنا ننتقد فعل نابوليون في افتكاك فرنسا من أيدي الديركتوار بعد أن كانت أشرفت على الضياع في أيديهم، لكن نرى أن وجوب استخلاص المملكة من تلك الأيدي الضعيفة الخاسرة لا يكون حجة في إسلامها إسلاما مطلقا ليد قاهرة متهورة لا تبالي بشيء، ولو كانت هي اليد المنتصرة في ريفلي ومرنفو، على أنا نقول إن كان هناك أمة تعذر عذرا ما في تسليم أمرها لشخص واحد فلا تكون غير الأمة الفرنساوية في ذلك الوقت، أعني سنة ثمانمائة وألف، حين استرأست نابوليون المذكور عليها، والناس إذ ذاك فوضى لا سراة لهم، ولم يكن المشير عليها بذلك قاصدا مجرد تخويفها لإلجائها إلى قيود العبودية، بل كان الخوف متحققا بالمشاهدة. فوا حسرة تلك الأمة على ألوف من النفوس البريئة صرعت بالمجزرة، وألوف كذلك خنقت بسجون الدير وألوف أغرقت بوادي لوار! وبالجملة فقد حل بأولئك المتمدنين من أفعال المتوحشين أمر فظيع، روعهم وأرعد فرائصهم، ولم يزالوا بعد سكون تلك الثورة القاسية رائجين بين السيافين المولعين بقطع الرءوس، وهم جماعة الديركتوار، وبين الجهال المتغربين عن وطنهم، وهم شيعة الملوك الذين كانوا يرومون بإراقة الدماء إرجاع فرنسا إلى الحالة القديمة التي كانت قبل الثورة مع ما طرأ عليهم في أثناء ذلك الاضطراب من ظهور سيف الأجنبي متهددا. فبينما هم في لجج الهرج إذ أقبل من المشرق الشاب المنصور الذي ذلت له صعاب الأمور، العاقل المتواضع المغرى باستمالة قلوب البشر، وهو نابوليون المشار إليه. أفتراهم والحالة هذه لا يعذرون في إلقاء زمامهم بيد المذكور؟ بلى:
إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا
فلا يسع المضطر إلا ركوبها
ومع ذلك فلم تمض إلا سنوات قليلة إذ انقلب ذلك العاقل مجنونا بجنون غير مماثل لجنون أرباب الثورة، والجنون فنون، فإنه تقرب بمليون من النفوس في ميدان الحرب، وحمل أهل أوروبا على التعصب على فرنسا، حتى بقيت مغلوبة غريقة في دمائها مسلوبة من نتائج انتصارها مدة عشرين سنة، بحيث صارت على حالة يرثى لها، ولم يبق لها أن تستثمر بعد ذلك إلا ما كان مزدرعا فيها من بذر التمدن الوقتي، فمن كان يظن أن عاقل سنة ثمانمائة وألف يجن في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وألف؟! نعم كان يمكن توقع ذلك لو أمعنوا النظر في أن الذي له القدرة التامة، بحيث يستطيع أن يفعل كل ما يريد معه داء لا دواء له، وهو الشهوة الداعية لفعل كل مستطاع، ولو كان قبيحا إذا تقرر هذا. فعلى أبناء الوطن أن يتأملوا سيرة المذكور ويستخرج منها كل فريق ما يناسب خطته. والأهم أمر واحد؛ وهو أن لا يطلق أمر الوطن لإنسان واحد كائنا من كان، وعلى أي حالة كان. وقد ختمت هذا التاريخ الطويل المستوعب لأحوال نصرنا وانهزامنا بهذه النصيحة، بل الصيحة الصادرة عن صميم فؤادي غير مشوبة برياء، راجيا بلوغها إلى قلب كل فرنساوي ليتيقن جميعهم أنه لا يليق بهم بذل حريتهم إلى أحد، كما لا ينبغي لهم الإفراط فيها حتى تنتهك حرمتها. انتهى المراد منه. وفي حكمة أرسطو أن من الغلط الفادح أن تعوض الشريعة بشخص يتصرف بمقتضى إرادته، فإذا تأملت كلامي هذين الحكيمين وما تضمنه أولهما من المشاحة في الاستبداد، مع كون المستبد من المشهود لهم بمزيد العرفان والأهلية؛ تعرف بذلك ما جبلت عليه نفوس القوم من حب الحرية والامتناع من ظلم الملوك، كما يشهد به كلام سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه في حديث مسلم الذي رواه المستورد القرشي رضي الله عنه عنده، فقال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس.» فقال عمرو: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخلالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك.
هذا، وقد كانت الأمة الإسلامية وقت احترامها للأصول الشرعية، المشار إلى بعضها سابقا، بالمكانة التامة من الثروة والشوكة المحروستين بسياج حسن تدبير أمرائها وعدلهم واستجلابهم رضا الله تعالى بتعمير أرضه، نقل صاحب «كشف الظنون» أن بعض العلماء قال: «لو علم عباد الله رضا الله في إحياء أرضه لم يبق على وجه الأرض موضع خراب.» ومن حكم أرسطو: العالم بستان سياجه الدولة، والدولة سلطان تحيا به السنة، والسنة سياسة يسوسها الملك، والملك نظام يعضده الجند، والجند أعوان يكلفهم المال، والمال رزق تجمعه الرعية، والرعية عبيد يكنفهم العدل، والعدل مألوف وبه قوام العالم. فقد تضمنت هذه الكلمات الحكيمة الإشارة بجعل العالم بستانا إلى تشبيه الرعية بشجر ثمرته المال وحارسه الجند، وأن استقامة الدولة بها حياة السنة السياسية التي هي مادة حياة بستان العالم. ومن آثار ثروة الأمة الناتجة عن احترام أصول العدل ما حكاه المقريزي في «الخطط»، قال: لما سار المأمون في قرى مصر، وكان يقيم بالقرية يوما وليلة، اجتاز بقرية يقال لها طاء النمل، ولم يقم بها فتوسلت إليه عجوز كبيرة بالقرية في الإقامة، فأسعفها. وأحضرت من لوازم نفقة الخليفة وجنوده ما عظم لديه أمره، وأهدت له حين عزم على الرحيل عشرة أكياس من سكة الذهب كلها ضرب عام واحد، فازداد تعجبه وقال: ربما يعجز بيت مالنا عن مثل هذا، ورد عليها مالها رفقا بها، فلم تقبل وقالت: هذا - مشيرة إلى الذهب - من هذه - أي طينة الأرض - ثم من عدلك يا أمير المؤمنين، وعندي من هذا شيء كثير. فقبله وأعظم جائزتها. انتهى بتصرف واختصار.
وحكي أيضا أن خراج مصر بلغ في زمن الخلفاء الراشدين أربعة عشر مليون دينار، وقدرها بسكة الوقت نحو سبعمائة مليون فرنك، وهذا المبلغ دخل إيالة واحدة مع الإنصاف في الجباية. وحكى ابن خلدون في «المقدمة» أن المحمول إلى بيت المال في أيام الرشيد العباسي بلغ إلى سبعة آلاف وخمسمائة قنطار ذهبا، وقدر ذلك تقريبا ألف وأربعمائة مليون فرنك، وهذا دون ما يؤخذ من العين، ويدل على القوة العسكرية الناتجة من عدل الشريعة واتحاد الأمة ما تيسر لهم من الفتوحات التي يشهد بها المؤرخون من الفريقين، ويصدقها العيان. ففي «قرة العيون» الذي ترجمه الشيخ أحمد الزرافي المصري من اللغة الفرنساوية، وعد من حسنات المطبعة المصرية، أن الإسلام فتح في ظرف ثمانين سنة من الأقاليم أكثر مما فتحه الرومان في ثمانية قرون. وبما نقلناه يعلم ما كان للأمة الإسلامية من نمو العمران وسعة الثروة، والقوة الحربية الناشئة عن العدل، واجتماع الكلمة وأخوة الممالك واتحادها في السياسة، واعتنائها بالعلوم والصناعات ونحوها من المآثر العرفانية التي ظهرت في الإسلام، ونسج الأوروباويون على منوالها، وشهد المنصفون منهم بفضل التقدم فيها للأمة الإسلامية.
ففي تاريخ دروي وزير المعارف العمومية بفرنسا الآن ما معناه: بينما أهل أوروبا تائهون في دجى الجهالة لا يرون الضوء إلا من سم الخياط؛ إذ سطع نور قوي من جانب الأمة الإسلامية من علوم أدب وفلسفة وصناعات وأعمال يد وغير ذلك، حيث كانت مدينة بغداد والبصرة وسمرقند ودمشق والقيروان ومصر وفاس وغرناطة وقرطبة مراكز عظيمة لدائرة المعارف، ومنها انتشرت في الأمم، واغتنم منها أهل أوروبا في القرون المتوسطة مكتشفات وصناعات وفنونا علمية يأتي بيانها، وفيه يقول: «كانت الآداب قبل انتشار العرب من جزيرتهم متأصلة فيهم موداة بلغتين: الحميرية في اليمن والقرشية في الحجاز، وبالأخيرة جاء القرآن (ولا يخفى عليك أن الذي يقابل الحميرية هو المضرية، وإن وقع الإجماع في القراءة على خصوص القرشية)؛ ولذلك اشتهرت واستمر خلوصها إلى وقتنا هذا باستمرار كتب العلم والديانة، وما دخلت العجمة في اللسان إلا بدخول الأمم في الإسلام وتطاول السنين. وللغة المذكورة من الاتساع وسعة المجال ما لا يخفى على مثافنها، لا سيما في الأشياء التي بها قوام المعيشة في البادية أو تتكرر رؤيتهم لها أو تكثر حاجتهم إليها، فقد يكون للشيء الواحد عدة أسماء باعتبار تعدد صفاته وأحواله، وبكثرة الترادف عندهم اتسعت لهم دوائر الآداب الشعرية؛ إذ يقال للعسل عندهم ثمانين اسما وللثعبان مائتين وللأسد خمسمائة، وللجمل ألفا وكذا السيف، وللداهية نحو أربعة آلاف اسم. ولا جرم أن استيعاب مثل هذه الأسماء يستدعي حافظة قوية، وللعرب من قوة الحافظة وحدة الفكر ما لا يسع أحدا إنكاره، فمن مشاهيرهم: حماد الراوية، الذي ذكر يوما للخليفة الوليد أنه ينشد له في الحال مائة قصيدة والقصيدة من عشرين إلى مائة بيت، فتعب المستمع قبل المنشد.» إلى أن قال: «ولم يكن للعرب في أول الأمر إلا تلك الآداب، ثم لما اتسعت لهم دوائر الفتوحات واختلطوا بالأمم الذين سبقوهم في الحضارة اتسع لهم نطاق المعارف، فأخذوا من اليونان تآليف أرسطو وشرحوها بإمعان نظر. لكن من سوء البخت لم يأخذوا الفلسفة من كتب اليونان الأصلية، وإنما تعلموها من الكتب المترجمة بلغة أهل الشام، فهم ترجموا المترجمة؛ فلذلك لما نقلها الفيلسوف العربي حفيد ابن رشد إلى أوروبا في القرون المتوسطة وجد بها من التحريف أكثر مما وقع فيها أولا. وأما العلوم الرياضية فقد صادف فيها العرب المرمى، والفضل في ذلك للعلماء الذين جلبهم الخليفة المأمون من القسطنطينية.»
وفي أوائل القرن التاسع المسيحي أمر الخليفة المذكور عالمين من فلكية بغداد أن يقيسا مسافة درجة واحدة من خط الطول بصحراء سنجار ويزناها؛ ليثبت بذلك تكوير الأرض بالمشاهدة، وقد تبين ذلك باختلاف ارتفاع القطب الشمالي عن طرفي الخط المقيس.
وقد شرح العرب كتاب إقليدس، وهذبوا زيج بطليموس وحرروا حساب تعريج منطقة البروج، كما حرروا الفرق بين أوقات الاعتدال والفرق بين السنين الشمسية والزمنية، فوجدوا بين السنة الشمسية والسنة الزمنية عدة دقائق، واخترعوا للتحريرات آلات جديدة ... إلى غير ذلك، مما يدل على ما للعرب من قابلية العلوم الرياضية. ومنهم حازت مدينة سمرقند قبل أوروبا بكثير محل رصد عجيب. وأما ما ينسب للعرب من اختراع الجبر والمقابلة والأرقام الحسابية المسماة عندنا بالأرقام العربية فلم يثبت، بل إنما تعلموا ذلك مع فلسفة أرسطو بالتلقي من غيرهم، وهي من العلوم التي وجدوها بإسكندرية. ويمكن أنهم نقلوا إلينا على ذلك الوجه البوصلة؛ أي بيت الإبرة، والبارود الذي تعلموه من أهل الصين. كما يعترف لهم أهل أوروبا بمزية اختراع الكاغد من القماش؛ وبذلك كثرت الكتب ودنت أسعارها وسهل الطبع وتوفرت نتائجه بعد وجوده. وقد اشتهر العرب أيضا بمعرفة الطب الذي كانوا تلقوه من كتب اليونان، ولابن رشد تعليقات عديدة على كتب جالينوس شاهدة بما ذكر، ومن فلاسفتهم عدة أشخاص صاروا في وقت واحد حكماء وأطباء مشاهير، مثل أبي علي بن سيناء المتوفى سنة ست وعشرين وأربعمائة، هجرية وابن رشد المذكور. وقد بلغوا من الشهرة إلى حيث صار أعداؤهم في ذلك الوقت يرغبون في معالجتهم إياهم، كما يحكى أن بعض ملوك قسطلية كان اعتراه مرض الاستسقاء فاشتهى أن تكون معالجته بقرطبة، وحصل من لطف الخليفة على الإذن في أن يذهب ويداويه المسلمون.
ومن مآثر حكماء العرب كيفية تقطير المياه واستعمال الراوند وأدوية كثيرة. ومن العلوم التي لهم الفضل فيها الجغرافيا، وسبب تقدمهم فيها أن اتساع فتوحاتهم ورغبتهم في الأسفار الخطيرة لافتراض الحج عليهم أنتجت لهم المعرفة بكثير من البلدان الشاسعة، التي لم يصل إليها أهل أوروبا أو نسوها بعدما كانت معروفة لهم، ومن مشاهيرهم في هذا الفن أبو الفداء والمسعودي والإدريسي، وهذا الأخير هو الذي استدعاه روجير ملك صقلية وألف عنده كتابه الغريب الذي سماه «نزهة المشتاق». وأما علم التاريخ فمن تآليفهم فيه تاريخا المسعودي وأبي الفداء المذكورين وتاريخ المقريزي، غير أنها تواريخ مختصة بأبناء جنسهم، وقل أن يوجد بها الكريتيك بمعنى أنهم لا يسبرون منقولاتهم بمسبار العقل، كما أشار إلى ذلك ابن خلدون، ولا يخرجون عن دائرة الوقائع المجردة، ولا سبب لذلك إلا ما حكاه سدليو في تاريخه الآتي ذكره من أن وجود التسلط من الملوك في بلدان المشرق هو الذي كان يمنع المؤرخين من شرح جميع الوقائع ببيان أسبابها؛ للخطر الذي يلحقهم في حكاية الحق. وأما صناعة الأرشتكتور؛ أي هندسة البناء في اصطناع الهيئات فلم يشتغل العرب منها إلا بما يرجع إلى إتقان الأبنية، حيث كانت شريعتهم تمنع التصوير، على أن البناء نفسه لم تظهر لهم فيه اختراعات غريبة، فالأصل عندهم في الأقواس المرفوعة على الأسطوانات أن تكون أكبر من نصف دائرة، وهذا الشكل أخذوه من أبنية البرزنتيين، وهم أمة من اليونان، اعتاض العرب عن الصور الدهنية والمجسدة التزيين بالنقش المسمى عندهم بنقش حديدة، وكان في الأصل رسوما لها مدلولات، ثم صار مجرد خطوط متقاطعة شبيهة بالحروف العربية التي يمكن أن يصور منها أشكال جيدة ظريفة، وكثيرا ما نتعجب من إتقان تلك الحروف حين نراها على الزرابي والأقمشة المشرقية. ومن مآثر العرب اصطناع الجوابي والفوارات والتزويق بالذهب والأحجار الثمينة كالمرمر التي كانوا يجلبونها من المشرق ومن مقاطع إسبانيا الجنوبية، ومن أشهر أبنيتهم الجامع العظيم الذي بناه عبد الرحمن الأول بقرطبة، وكان به ألف وثلاث وتسعون أسطوانة وأربعة آلاف وسبعمائة قنديل، ثم قصر الزهراء الذي لا يتأخر عن الجامع المذكور في العظم، وقد بناه عبد الرحمن الثالث على شاطئ الوادي الكبير، وبه ينبوع عظيم يفور منه شبه باقة من الزئبق، ثم ينعكس في قصعة من المرمر. ومن بديع أبنيتهم حمراء غرناطة التي هي في آن واحد قصر وحصن، وبها عدة أمور تصلح أن تكون مثالا للطافة البناء وحسنه، خصوصا وسطها المسمى ببطحاء الأسود.
وأما التجارة فقد كان للعرب حسن رغبة فيها في سائر الأوقات، ثم لما امتدت سلطنتهم من البيريني - وهي جبال بين فرنسا وإسبانيا - إلى جبال هملاي التي بأقصى شمال الهند صاروا أكبر تجار الأرض. وأما الفلاحة فلا يعلم لهم نظير فيها؛ إذ ليس لغيرهم ما لهم من الاقتدار على جلب المياه وتوزيعها بلطف في مزارعهم الواسعة تحت شمسهم المحرقة، فسيرتهم في ذلك السائر بها إلى الآن أهل بلنسية روضة إسبانيا صالحة أن نجعلها أسوة نقتدي بها في فلاحتنا الفرنساوية. وأما الصناعات فإن العرب تعلموا جميعها لما دخلوا بلدان الرومانيين العظيمة، حتى صاروا من أحذق أربابها، وكفاهم شهرة في ذلك سلاح طليطلة التي كانت تحت سلطانهم بإسبانيا، وحريريات غرناطة والجوخ الأزرق والأخضر بمدينة كونسة والسروج والحروج والجلود بقرطبة. وكان أهل أوروبا يشترون هذه المهمات بأعلى ثمن ويتنافسون فيها، مع شدة نفرتهم من أهلها المخالفين لديانتهم.
وبالجملة فقد بلغت إسبانيا من العمران إلى هذه الشهرة في القرون الأولى من مدة الخلفاء، حيث كانت الفتن عنها أسكن من المشرق، وقد تزايد نمو سكانها إلى أن صار بمدينة قرطبة وحدها نحو مائتي ألف دار وستمائة جامع وخمسين مارستانا وثمانين مكتبا عموميا وتسعمائة حمام ومليون نفس. فهاك برنامجا إجماليا للتمدن الذي نشره العرب من شاطئ تاج، وهو واد كبير بإسبانيا إلى وادي هندوس بالهند، تمدنا يكاد يخطف نوره الأبصار، ولكنه لسرعة نموه كان معرضا للعطب، قال: وتمدن أوروبا اليوم كان أبطأ في النمو، ولكنهم حصلوا بعد انقلابات وكسوفات على ما يمكن به طول البقاء المعتاد في كل بطيء النمو. وقال في بيان امتداد ملك العرب: قد امتد ملكهم في ظرف مائة سنة من ظهور الإسلام مثل ما يمتد عظيم الخلقة فاتحا ذراعيه لالتقاط شيء، فبلغ من أقصى الهند إلى جبال بيريني الكائنة بين فرنسا وإسبانيا، وقدر امتداد هذا الملك من سبع عشرة إلى ثمان عشرة مائة فرسخ، ولم يبلغ هذا المبلغ دولة من الدول الماضية، وقد استمرت الديانة واللسان وأحكام القرآن نافذة في غالب البلدان التي فتحوها، واغتنمت منهم أوروبا في القرون المتوسطة مكتشفات وصنائع وعلوما، وإن كان منها ما أخذوه من غيرهم، لكن لهم الفضل في تهذيب ذلك وتخليده بعدهم. ثم في النصف الثاني من القرن العاشر المسيحي توجه الراهب الفرنساوي جربير الذي جلس على الكرسي البابوي باسم سلفستر الثاني إلى مسلمي إسبانيا، وقرأ هناك علم الجبر والفلك وأجرى لأهل أوروبا النصرانية منهلا جديدا من معارف العرب، وجمع خزانة جليلة من الكتب، وصنع كرتي السماء والأرض. انتهى ما أمكن تلخيصه من كلام الوزير المشار إليه.
وفي «تاريخ العرب» لسدليو - مدرس علوم التاريخ بإحدى مدارس فرنسا وأحد أعضاء جمعية المعارف بها - ما معناه: إني منذ مدة طويلة تنيف على العشرين سنة مشتغل ببيان مزايا العرب على غيرهم من الأمم، فيما يتعلق بالعلوم والتقدم في التمدن مدة قرون متطاولة من أيام اليونان بالإسكندرية إلى أيام العصر الجديد، فلزمني أن أجمع ما تيسر لي من الأدلة على عظم هذه الأمة التي لم يعرف قدرها إلى الآن، وأعرضه على ما لغيري ممن تكلم عليها، فيتأسس تاريخا لها عموميا، وإن كان ذلك مما لا تفي به طاقة إنسان واحد. وقبل الشروع في ذلك على وجه الاختصار يلزمني أن أندب الناس إلى التأمل في أحوال هذا الجنس الذي كان كثير الفتوحات عديم الاستيلاء عليه في سائر مغازيه، ولم يزل مدة أربعة آلاف سنة على حال واحد في اكتساب الفضائل والمزايا التي تميز بها على غيره، والتراتيب والعادات الخاصة به. ومن حجج ذلك أن الوقت الذي كانت فيه الممالك القديمة في مبدأ تكوينها ذات حيرة كان هذا الجنس إذ ذاك قائما بنفسه قادرا على الإغارة على غيره، فقد كانت ملوك مصر وبابل من ذلك الجنس مدة تسعة عشر قرنا قبل التاريخ المسيحي، ثم بعد أن رجع إلى حدوده الأصلية دافع عن نفسه سلطة الفراعنة وملوك الشام، وامتنع من تسلط قيرس وإسكندر، ودام في استقلاله ضد الرومان الذين كانوا ملكوا الدنيا، وبعد ظهور النبي
صلى الله عليه وسلم
الذي جمع قبائل العرب أمة واحدة تقصد مقصدا واحدا، وظهرت للعيان أمة كبيرة مدت جناح ملكها من نهر طاج في إسبانيا إلى نهر الفانج في الهند، ورفعت على منار الإشادة أعلام التمدن في أقطار الأرض أيام كانت أوروبا مظلمة بجهالات أهلها في القرون المتوسطة، كأنها نسيت بالمرة ما كان عندها من التمدن الروماني واليوناني.
وبعد انقسام ممالك الإسلام لم تتعطل العلوم والآداب التي نتجت على أيديهم، فإن خلفاء بغداد وقرطبة ومصر وإن ضعفت قوتهم الملكية والسياسية فإن سلطتهم الروحانية لم تزل قوية مطاعة في كل جهة لاجتهادهم في توسيع دوائرها بقدر طاقتهم. وقد نال النصارى الذين استطاعوا إخراج العرب من إسبانيا بالخلطة معهم في الحروب معارفهم وصنائعهم واختراعاتهم، ثم المغل والترك الذين تسلطوا على آسيا وتداولوها كانوا خدمة في العلوم لمن تغلبوا عليه من فرق العرب. وإلى الآن لم نطلع في أوروبا على الأصول التي تبين لنا عادات العرب اطلاعا تاما؛ إذ لم يعرف عندنا من تواريخهم إلا تواريخ أبي الفداء وأبي الفرج والمقريزي وابن الأثير ونبذة من تاريخ ابن خلدون، ونجهل بالمرة تواريخ كثيرة نود لو نجد من يترجمها لنا، وإن كان المقدار الذي حصل عندنا كافيا في رد غلط من غلط من أهل أوروبا في شأن العرب. ثم إني ذكرت في تاريخنا هذا ما يتعلق بفتوحات الخلفاء الأولين، وبتاريخ دولة بني أمية بدمشق وقرطبة وبتاريخ دولة بني العباس ببغداد والفاطميين بمصر، وبانقسام الممالك الإسلامية بالمشرق بعد تسلط الترك والمغل عليهم، فبينت جميع ذلك بقدر الطاقة وزدت عليه شيئا لم يوجد في التواريخ السالفة، وهو برنامج التمدن العربي الذي قد توشجت عروقه في الدنيا القديمة، واستمرت آثاره ظاهرة إلى الآن لكل من يبحث بالجد عن أصل المعارف منا. وفي أوائل القرن الثامن من تاريخنا تبدل ولوعهم بالفتوحات بالجد في المعارف والعلوم، فكانت إذ ذاك قرطبة ومصر وطليطلة وفاس والرقة وأصبهان وسمرقند تتسابق في ميدان العلوم مع بغداد تحت بني العباس، وترجمت في تلك المدة كتب اليونان وقرئت بالمدارس وشرحت، وسرت حركات عقولهم في جميع مواد المعارف الإنسانية؛ فنتج عنها من الاختراعات الغريبة ما شاع صيته في أوروبا، فتبين بلا إشكال أن العرب هم أساتيذنا بلا إنكار لكونهم جمعوا الأدوات المؤسسة عليها تواريخنا المتوسطة، وبدءوا بكتابة الرحلات واخترعوا التآليف في تاريخ وفيات الأعيان، ووصلوا في صناعة اليد إلى غاية لا تحد، وبقية آثار أبنيتهم مما يدل على اتساع معارفهم، وكذلك اختراعاتهم الغريبة تزيد بيانا لفضائلهم التي لم ينزلوا إلى الآن منزلتهم التي يستحقونها بسببها، فإن علوم الفيزيك والطب والتاريخ الطبيعي والكيمياء والفلاحة لما جاءت في أيديهم ازداد فيها الغريب مع كونها من المحسوسات التي لا تصرف لها هممهم صرفا تاما، فكيف بالعلوم العقلية التي اجتهدوا فيها اجتهادا يفوق الحد من مبدأ القرن التاسع إلى انتهاء القرن الخامس عشر؟ ثم نقول: ما نسبة ما عرفناه الآن منهم ببحثنا إلى ما بقي مجهولا لنا من ذلك؟ وبالجملة فالعرب هم منبع معارفنا ولم نزل إلى الآن نطلع على أشياء من مخترعاتهم التي كانت منسوبة لغيرهم، كما قرأنا كتبهم. ثم قال في شأن التمدن العربي: إنهم كانوا في القرون المتوسطة مختصين بالعلوم من بين سائر الأمم، وانقشعت بسببهم سحائب البربرية التي امتدت على أوروبا حين اختل نظامها بفتوحات المتوحشين، ورجعوا إلى الفحص عن ينابيع العلوم القديمة، ولم يكفهم الاحتفاظ على كنوزها التي عثروا عليها، بل اجتهدوا في توسيع دوائرها وفتحوا طرقا جديدة لتأمل العقول في عجائبها.
ثم استشهد بقول إسكندر همبلط أن العرب خلقهم الله ليكونوا واسطة بين الأمم المنتشرة من شواطئ نهر الفرات إلى الوادي الكبير بإسبانيا، وبين العلوم وأسباب التمدن، فتناولتها تلك الأمم على أيديهم؛ لأن لهم بمقتضى طبيعتهم حركة تخصهم أثرت في الدنيا تأثيرا لا يشتبه بغيره، فكانوا في طبيعتهم مخالفين لبني إسرائيل الذين لا يطيقون خلطة أحد من الناس، يخالطون غيرهم من غير أن يختلطوا به، ولا يتبدل طبعهم بكثرة المخالطة ولا ينسون أصلهم الذي خرجوا منه. وما أخذت أمم ألمانيا في التمدن إلا بعد مدة طويلة من فتوحاتهم بخلاف العرب، فإنهم كانوا يحملون التمدن معهم، فحيثما حلوا حل معهم، فيبثون في الناس دينهم وعلومهم ولغتهم الشريفة وتهذيباتهم وأشعارهم الشهيرة التي هي أساس بنى عليه المنسنفر والتربدور أشعارهم. ثم قال بعد ذلك: ونعود الآن فنقول: إنه ثبت عندنا بما صنفه العرب واخترعوه رجحان عقولهم الغريب في ذلك الوقت الذي وصل صيته إلى أوروبا النصرانية، وهذا حجة على أنهم كما قال غيرنا، ونحن نعترف به، أساتيذنا ومعلمونا. انتهى المقصود منه.
ثم إن الدولة الإسلامية أخذت في التراجع لما انقسمت إلى دول ثلاث: الدولة العباسية ببغداد والمشرق، ودولة الفاطميين بمصر وأفريقية، ودولة الأمويين بالأندلس، ثم تكاثرت الحروب الداخلية وانقسمت تلك الدول، خصوصا الأندلسية، فإنها صارت ملوك طوائف، وتحقق فيهم قول القائل:
ألقاب سلطنة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
وموجب ذلك التفرق تعارض الأغراض والشهوات من الأمراء والثوار الذين لم يعتبروا ما في الانقسام من المضار على الجميع، حتى نشأ عن ذلك خروج الأندلس من يد الإسلام.
ووقع من الخلل في بقية الممالك ما تفاقم ضرره، لولا أن تلافى الأمر بتأييد الله سلاطين آل عثمان الكرام، فجمعوا غالب الممالك الإسلامية تحت رعاية سلطنتهم العادلة التي تأسست سنة ستمائة وتسع وتسعين من الهجرة النبوية، فتراجع للأمة عزها بحسن تدبيرهم واحترامهم للشريعة المصونة بحفظ حقوق الرعية وبفتوحاتهم الجليلة المذكرة لفتوحات الخلفاء الراشدين، وارتقائهم في سلم التمدن خصوصا في مدن السلطان سليمان ابن السلطان سليم في أوائل المائة العاشرة، حيث بادر لقطع الذرائع التي يتوقع بسببها وقوع الخلل في الممالك بما رتبه من قانونه النافع الذي استعان فيه بالعلماء العاملين وعقلاء رجال دولته، وجعل مداره على إناطة تدبير الملك بعهدة العلماء والوزراء، وتمكينهم من تعقب الأمراء والسلاطين إن حادوا، وذلك أن ملك الإسلام مؤسس على الشرع الذي من أصوله المشار إليها سابقا وجوب المشورة وتغيير المنكر، والعلماء أعرف الناس به، كما أن الوزراء أعرف بالسياسة ومقتضيات الأحوال، فإذا اطلع العلماء والوزراء على شيء يخالف الشريعة والقانون الخادم لها فعلوا ما تقتضيه الديانة من تغيير المنكر بالقول أولا، فإن أفاد حصل المقصود وإلا أخبروا أعيان الجند بأن وعظهم لم ينفع. وبين في القانون المذكور ما يئول إليه الأمر إذا صمم السلطان على أن ينفذ مراده وإن خالف المصلحة، وهو أنه يخلع ويولى غيره من البيت الملكي، وأخذ على ذلك العهود والمواثيق من العلماء ورجال الدولة، واستمر العمل على ذلك، فكانت منزلة العلماء والوزراء بالدولة بمقتضى هذا القانون في الاحتساب على سيرة السلاطين كمنزلة وكلاء العامة في أوروبا الآتي بيانهم، بل هي أعظم باعتبار أن الوازع الدنيوي الداعي إلى الاحتساب متأيد بالوازع الديني عندنا، فبذلك القانون المشار إليه استديم نجاح الدولة وحسن سيرتها.
ثم إنها أخذت في التأخر والنقص لما قصرت في إجراء المصالح الملكية على مقتضى الشرع والقوانين السياسية، وعدمت التحري في انتخاب أرباب الخطط المعتبرة، فتصرف بعضهم بحسب الفوائد الشخصية لا باعتبار مصلحة الدولة والرعية، إلى أن دخل في عسكر الانكشارية من أفسد حسن نظامهم وخلخل طاعتهم، حتى تداخلوا فيما ليس لهم من أحوال الملك، وحيروا راحة السكان بظلمهم المتنوع بعد أن كان يضرب المثل بطاعتهم كما يضرب بشجاعتهم في ميادين الحرب؛ فنشأ من مجموع هاته الأمور وأمثالها الاضطراب في المملكة، واغتنم ولاة الممالك البعيدة الفرصة في الامتناع من الانقياد لأوامر الدولة، وأطلقوا أعنة الأغراض والشهوات، والتجأ الكثير من أهل الذمة إلى الاحتماء بالأجانب؛ لأن الإنسان إذا انقطع أمله من حماية شريعة الوطن لنفسه وعرضه وماله يسهل عليه الاحتماء بمن يراه قادرا على حمايته، وربما يسعى في الأسباب التي يمكن بها تسلط حامية على المملكة، خصوصا من لم يكن بينه وبين الدولة اتحاد في الجنس والديانة. وبمثل هاته المضار الناشئة عن تصرف الولاة بدون قيد شرعي أو سياسي تيسر للأجانب التداخل في أحوال المملكة، وإفساد سياستها بما يناسب أغراضهم، حتى نشأت حروب أهلية في عدة جهات من المملكة دامت مدة طويلة، وأفنت نفوسا وأموالا كثيرة، وتسبب عنها خروج ممالك معتبرة من يد الدولة، ووقع من الخلل في باقيها ما عظم ضرره، لولا تدارك المرحوم السلطان محمود وولديه المرحوم السلطان عبد المجيد والمؤيد السلطان عبد العزيز - دام عزه - بتعويض الأول عساكر الانكشارية بالعسكر النظامي، وقطع دابر أمراء الإيالات المسماة عندهم بالداربى، فانقطعت بذلك المظالم الناشئة من ذينك الفريقين؛ وضبط الثاني للسياسات الشرعية بالتنظيمات الخيرية التي هي أساس تصرفات الدولة في الحال بإعانة من رجال الدولة وعلمائها العاملين سنة ألف ومائتين وخمس وخمسين؛ ثم باجتهاد الثالث - أيده الله - في تمشيتها وتهذيبها وإضافة ما تظهر لياقته بالأحوال بمقتضى تجريبها، كالقانون الذي رتبه أخيرا في إدارة مصالح الإيالات الذي يؤمل منه مصالح جمة.
وقد كانت العامة في مبدأ الأمر أنكرت تلك التنظيمات إنكارا كليا حتى ظهر في بعض جهات المملكة مبادئ الاضطراب؛ وسبب ذلك أن عمال تلك الجهات وغيرهم، ممن له فائدة في التصرف بلا قيد ولا احتساب، لما تيقنوا أن إجراء الإدارة والأحكام على مقتضى التنظيمات، مما يخل بفوائدهم الشخصية، دسوا للعامة من قول الزور والغش ما ينفرهم منها، مثل قولهم هذا شرع جديد مخالف لشريعة الإسلام، وأعانهم على ذلك من كان له من الدول الأوروباوية فائدة في عدم نجاح سعي الدولة في تحسين أحوال ممالكها، فالدولة العلية عوض أن تغتنم تلك الفرصة وترجع إلى استبدادها، كما وقع في بعض الممالك أكذبت تلك الظنون الفاسدة بإرسال فخر علماء ذلك العصر وأتقاهم، أعني شيخ الإسلام المقدس عارفا بك إلى جهات الاضطراب لوعظ الناس وأمرهم بالطاعة والامتثال، فخطب بذلك على المنابر وبين للناس أن تلك التنظيمات ليست خارجة عن المنهج الشرعي، وما هي إلا ضبط للسياسات الشرعية التي كانت أهملت، وأن الداعي إليها ليس إلا تحسين إدارة المملكة وحفظ حقوق الأمة في النفس والعرض والمال وكف الأيدي الجائرة من الولاة ونحو ذلك من المصالح، فانقادت الرعية عند ذلك وسكنت، واستمر العمل بالتنظيمات في سائر الجهات بقدر الإمكان. وأنت خبير بأن مثل هذا الحبر الذي سارت بمآثره الركبان وشهد له بالعلم والعمل جهابذة أرباب العرفان، خصوصا فخر القطر الأفريقي وفجر الرشاد الحقيقي من بلغ صوت صيته مسامع سائر النواحي، الأستاذ العلامة سيدي إبراهيم الرياحي لو لم ير مساغا لهذه التنظيمات ما خطب بها على المنابر، ولا كان على تقريرها أحزم مثابر، ومن تأملها بعين الإنصاف لم يجد في حسنها ولياقتها مثار خلاف، بل جزم بأنها قوام الاستقامة والوسيلة التي يستعاد بها ما كان للدولة من العز والفخامة.
وهذا الصنع الجميل الذي صدر من هؤلاء السلاطين العظام مع ما حصل به من تحسين حال الدولة والرعايا مما لا يسع المنصف إنكاره بالنسبة لما كان قبل لم يقنع حزبا من المسلمين مع الرعايا من غيرهم، بل لم يزالوا يطلبون من الدولة إطلاق الحرية بمقتضى قوانين يكون تأسيسها وحمايتها من مجلس مركب من أعضاء تنتخبهم الأهالي، وفي هذه المدة الأخيرة اشتد إلحاحهم في طلب ذلك، حسبما تضمنته صحف الأخبار.
ونحن وإن لم نطلع على أحوال إدارة المملكة العثمانية في الحال، لا سيما في كيفية إجراء تلك التنظيمات اطلاعا يمكننا معه معرفة صحة الأسباب التي يتظلم منها الفريق المذكور أو عدم صحتها، فإنا نسلم أن هذا المطلب الذي طلبوه هو من أعظم الوسائل في حفظ نظام الدول وقوة شوكتها ونمو عمران ممالكها ورفاهية رعاياها، خصوصا في هذه الأزمان. كما نسلم أيضا أن مقصد المسلمين من أهل الحزب المذكور بطلبهم لما ذكر إنما هو إصلاح حال الدولة والرعية، لكن لنا أن نسألهم: هل ثبت عندهم أن مقصد غيرهم ممن معهم موافق لمقصدهم حتى تحصل لهم الثقة بهم، ويصدر منهم ما ذكر؟ فإنا نرى خلاف ذلك منهم بما دلت عليه القرائن من أن مراد أكثرهم إنما هو التفصي عن سلطة الدولة العثمانية، حيث لم يظهر منهم بعد نيل الحرية الموجودة الآن شيء من أمارات النصح للدولة، بل ربما أظهروا حب النزوع إلى بني جنسهم بالتظلم من تصرفاتها واستثارة مبادئ الحيرة معها؛ وذلك لاستمرار إفساد الأجنبي لهم وزرعه بذر الحمية في صدروهم لأغراض له لا تخفى. فربما كان تأسيس الحرية على الوجه المطلوب آنفا قبل التبصر في العواقب مما يسهل غرضهم المذكور؛ إذ من لوازم هذه الحرية تساوي الرعايا في سائر الحقوق السياسية التي منها الخطط السامية، مع أن من الشروط المعتبرة في إعطاء تلك الحرية تواطؤ جميع الرعايا على مصلحة المملكة وتقوية شوكة دولتها، ولأقل من هذا السبب امتنع بعض الدول الأوروباوية من إطلاق الحرية المشار إليها تحاشيا من تحزب بعض الرعايا على تبديل العائلة الملكية كما سيأتي بيانه عند الكلام على حرية أوروبا. فإذا ساغ الامتناع مع كون البدل المتوقع من جنس المبدل منه فلأن يسوغ هنا مع كونه من غير الجنس أحرى وأولى، وأيضا فإن رعايا الدولة ينقسمون إلى عدة أجناس مختلفة الأديان واللغات والعادات، وغالبهم يجهل اللغة التركية التي هي لغة الدولة، بل يجهلون لغة بعضهم بحيث تعسر المفاوضة بينهم لو ركب مجلس من جميع طوائفهم، ولا يتيسر إعطاء الحرية للبعض دون البعض لما ينشأ عن ذلك من الهرج، فيجب أن تعتبر حالة هؤلاء الرعايا من أعظم العوائق عن تأسيس الحرية على الوجه المطلوب بالدولة العثمانية، فمن اعتبر ما أشرنا إليه لا يسوغ له أن يوجه اللوم على الدولة في توقفها إلى الآن عن إعطاء الحرية المطلقة وتأسيس المجلس المذكور، وإن كان ما ذكرناه لا يرفع عنها وجوب الاجتهاد في قطع تلك العوائق التي يكون حسمها بعون الله تعالى من مآثر خليفة العصر الذي رفع من أعلام العدل ما انتكس، وأحيا من رسوم الاستقامة ما اندرس، فإنا بمقتضى ما خوله الله من الحزم الناجح والرأي الراجح نؤمل أن نرى منه، لا سيما بعد اطلاعه على أحوال أوروبا بالعيان، وتطبيقها على ما كان معلوما لديه بالبيان مزيد العناية بكل ما يتيسر به إطلاق الحرية على الوجه الأكمل بإعانة رجال دولته وعلمائها المتعاضدين على إنجاح مصالح الدين والوطن، والعارفين بأسباب التقدم ما ظهر منها وما بطن.
ثم إن من عوائق نجاح التنظيمات في سائر الممالك الإسلامية تقاعس الدول الأوروباوية عن إدخال رعاياهم المستوطنين بها تحت أحكامها؛ استنادا للشروط القديمة التي لا تليق بهذا الوقت، بل لا ينبغي أن تسمى شروطا لانبنائها على ما يخل بالشرط، وعلى فرض تسليم بعض الشروط وتسليم ما يوجب دوامها، فإنهم لا يقفون عند نصها، بل يستخرجون منها ما ليس فيها مما هو مناف لحقوق المساواة بين الأمم ولحقوق سلطنة الأرض على كل وارد لها، بمعنى أن من دخل مملكة من الممالك فلا بد أن تجري عليه أحكامها؛ وادعاء بأن معارف حكام الإسلام غير كافية لحفظ حقوق رعاياهم، وأن كراهيتهم للنصارى تحملهم على الحيف عليهم. والجواب عن الدعوى الأولى أن مدعيها لا يمكن أن يظن به تعميمها في حكام المسلمين مطلقا، أعني سواء كانوا حكام شريعة أو سياسة، لما هو معلوم عند كل عاقل، خصوصا من هو منصف، أن علماء شريعة الإسلام في غاية المعرفة بأحكامها أصولا وفروعا، فلم يبق إلا أن يريد هذا المدعي حكام السياسة منهم، وهذا غير مسلم لما هو ظاهر من بطلان دعوى من يدعي جهل جميع أهل مملكة من الممالك، بحيث لا يوجد بها من يقوم بأعباء أحكام تنظيماتها، نعم هناك شيء واحد وهو أن جميع الأمور في ابتدائها قبل التمرن عليها والاعتياد بها يقع فيها نوع اضطراب وارتباك حتى يحصل الاستئناس بها وتأخذ مأخذها، وهذا أمر طبيعي لا يقدح به في التنظيمات، فإنا نرى دول أوروبا لم تكن من أول الأمر حاصلة على هذا النجاح في تنظيماتها والمشاهد لها اليوم، وإنما حصلت على ذلك بواسطة إعانة السكان لها على إجرائها بعدم المخالفة والشقاق؛ إذ بدون ذلك لا يطمع في الحصول على شيء من نتائجها، بل لم نزل نرى إلى الآن تفاوت الدول المذكورة في تهذيب تنظيماتها ومعارف حكامها وعفتهم، ولم يمنع هذا التفاوت دخول المتقدم منهم فيها تحت أحكام المتأخر، فلم يبق حينئذ إلا أن نقول: إن هذه الدعوى مجرد توهم، وليست مستندة إلى شيء من الأدلة والتجارب؛ لأنه لم يدخل أحد من رعاياهم تحت أحكام تنظيماتنا حتى يلحقه الضرر منها، بل لنا أن نقول: إنها مجرد مكابرة!
وأما دعوى الكراهية فلا يخفى أنها بعد تسليمها مشتركة الإلزام؛ إذ للمسلمين أن يظنوا أن النصارى أيضا تحملهم العداوة على الحيف عليهم وقت حلولهم ببلدانهم، لكن الحق أن العداوة الدينية لا تستميل الحاكم عن الإنصاف المؤسسة عليه الشريعة، وعن الوقوف مع الحق حيث يجب، حتى لو وجب على الحاكم نفسه لأنصف طالبه منه كائنا من كان، عملا بما هو من قواعد الدين الذي هو أعظم وازع، حتى لم يبق معه لإيثار النفس أثر، فقد ورد أن زيد بن سعنة جاء قبل إسلامه يتقاضى من النبي
صلى الله عليه وسلم
دينا له، فجذبه من ردائه حتى أثر في عاتقه الشريف، ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل. فانتهره عمر وشدد عليه في القول، حيث لم يتوخ الرفق في الطلب، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر؛ تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي.» ثم قال: «لقد بقي من أجله ثلاث.» وأمر عمر أن يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعا لما روعه، فكان سبب إسلامه رضي الله عنه. وورد أيضا أن يهوديا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب عليا كرم الله وجهه في حق، وكان علي عنده، فقال له عمر: قم يا أبا الحسن واجلس مع خصمك. فريء في وجه علي الغضب، فلما انفصلت النازلة قال له عمر ما معناه: تغضب لطلب أن تساوي خصمك. فقال له علي: ما غضبت لذلك، وإنما كرهت تكنيتك لي بمحضر خصمي. فالحاكم إذا كانت ديانته تلزمه الاتباع للشريعة بمقتضى الوازع الديني والاقتداء بمن سلف من الخلفاء الراشدين الذين هم نجوم الاهتداء، كيف يتوهم منه ترجيح جانب المسلم على غيره؟! وبعد هذا لم يبق لمن له إنصاف من الأوروباويين أن لا يرى فيما ذكرناه ضمانة كافية لحفظ الحقوق، كما أنه لا يتأتى له أن يرى إمكان إجراء القوانين على وجه يثمر النتائج المقصودة منها مع امتناع بعض السكان من المساواة فيها، لا سيما والممتنع بيده غالب الصناعات والمتاجر، ثم إنهم لم يكتفوا في التعطيل بذلك الامتناع حتى صار بعضهم ينفر رعايا بعض الممالك الإسلامية من قبول التنظيمات التي رام ملوكها تأسيسها، بأن يلقوا لهم أن هذه التنظيمات لا تليق بحالكم فرجوعكم إلى ما كنتم عليه أولى بكم، مع أن ذلك مخالف لقواعد سياسة بلدانهم، وبعضهم يقول لهم: إن الحرية التي منحتموها من دولتكم لا تفي بحفظ حقوقكم! مع أنها في الواقع أكثر مما منحتها رعايا بلدانهم. فلذلك نضطر أن نعتقد أن لا داعي لذلك إلا قصد دوام التحيير في الممالك الإسلامية؛ لتعطيل نجاحها. وبالجملة فسياسة الدول الأوروباوية في ممالكنا متناقضة، فإن منهم من ينصح بعض الممالك بالإعانة على التراتيب المناسبة، ومنهم من يعطل ذلك بتلك المملكة، ويبذل النصيحة المذكورة لغيرها على حسب اختلاف أغراضهم.
هذا، وإن سياسة غالب الدول الأوروباوية لو كانت كما ذكرنا، لكن من الحق أن نقول في خصوص مبحث الشروط أنا رأينا عند المحادثة مع رجال بعض الدول الغربية منها أنهم يسلمون عدم لياقة تلك الشروط بهذا الوقت، ولا يمتنعون من تبديلها بما يناسب، لكنهم يطلبون منا قبل ذلك إعطاء الضمانة الكافية في حفظ حقوق رعاياهم، بترتيب مجالس للحكم وتمشيتها مدة من الزمان حتى يثبت عندهم بالتجارب حسن إجراء الأحكام، بحيث يتيسر لهم تسليم رعاياهم على التدريج بحسب ما يرونه من نجاح التراتيب حتى يتم دخولهم تحت أحكامنا. ونحن نقول: لما كان بقاء الأجانب على ما هو مشاهد اليوم مضرا بالممالك الإسلامية، والدول الأوروباوية لا تساعف على تبديل الشروط إلا بما ذكرناه، وجب على الدول الإسلامية السعي في إزالة هذا الضرر بإعطاء تلك الضمانة وإبرازها للخارج. ومن العوائق للتنظيمات، وهو أعظمها، تعرض بعض المتوظفين في تأسيسها وإجرائها لما لهم في تعطيلها من المصالح الخصوصية، التي منها دوام تصرفاتهم في الخطط بلا قيد ولا احتساب. هذا، وإن الأمة الإسلامية لما كانت مقيدة في أفعالها الدينية والدنيوية بالشرع السماوي والحدود الإلهية الواردة على الميزان الأعدل، المتكفلة بمصالح الدارين، وكانت ثمة مصالح تمس الحاجة إليها، بل تتنزل منزلة الضرورة، يحصل بها استقامة أمورهم وانتظام شئونهم، لا يشهد لها من الشرع أصل خاص، كما لا يشهد بردها، بل أصول الشريعة تقتضيها إجمالا وتلاحظها بعين الاعتبار، فالجري على مقتضيات مصالح الأمة والعمل بها حتى تحسن أحوالهم، ويحرزون قصب السبق في مضمار التقدم، متوقف على الاجتماع وانتظام طائفة من الأمة ملتئمة من حملة الشريعة ورجال عارفين بالسياسات ومصالح الأمة، متبصرين في الأحوال الداخلية والخارجية ومناشئ الضرر والنفع، يتعاون مجموع هؤلاء على نفع الأمة بجلب مصالحها ودرء مفاسدها، بحيث يكون الجميع كالشخص الواحد، كما قال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.» وكما قال
صلى الله عليه وسلم : المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.
فرجال السياسة يدركون المصالح ومناشئ الضرر، والعلماء يطبقون العمل بمقتضاها على أصول الشريعة، وأنت إذا أحطت خبرا بما قررناه علمت أن مخالطة العلماء لرجال السياسة بقصد التعاضد على المقصد المذكور من أهم الواجبات شرعا لعموم المصلحة، وشدة مدخلية الخلطة المذكورة في اطلاع العلماء على الحوادث التي تتوقف إدارة الشريعة على معرفتها. ومعلوم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبيان ذلك أن إدارة أحكام الشريعة كما تتوقف على العلم بالنصوص تتوقف على معرفة الأحوال التي تعتبر في تنزيل تلك النصوص، فالعالم إذا اختار العزلة والبعد عن أرباب السياسة، فقد سد عن نفسه أبواب معرفة الأحوال المشار إليها، وفتح أبواب الجور للولاة؛ لأنهم إذا استعانوا به فامتنع صاروا يتصرفون بلا قيد. نعم يعاب على العالم شرعا وعقلا التكلف في الدين والتمحل في النصوص الظاهرة في خلاف ما أراد منها، وارتكاب الأقوال الضعيفة؛ ليوافق الأهوية والأغراض، لا لأجل مصالح تتنزل منزلة الحاجة والضرورة حتى ينقلب ذلك الضعيف قويا. وحيث كانت إدارة المصالح السياسية مما لا يتيسر لغالب الولاة إجراؤها على الأصول الشرعية لأسباب شتى يطول شرحها، وتقدمت الأدلة على ما يترتب على إبقاء تصرفاتهم بلا قيد من المضار الفادحة؛ رأينا أن العلماء الهداة جديرون بالتبصر في سياسة أوطانهم واعتبار الخلل الواقع في أحوالها الداخلية والخارجية، وإعانة أرباب السياسة بترتيب تنظيمات منسوجة على منوال الشريعة، معتبرين فيها من المصالح أخفها، ومن المضار اللازمة أخفها، ملاحظين فيما يبنونه على الأصول الشرعية أو يلحقونه بفروعها المرعية، ذلك المقال الوجيز المنسوب لعمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوه من الفجور، وما في معناه من أدلة أن الشريعة لا تنسخها تقلبات الدهور.
ومن تصفح رسالة أستاذ المشايخ الحنفية ومحط رحال الاستفتاء بالديار التونسية، من لم يزل على نقوله وأفهامه، المعول الشيخ سيدي محمد بيوم الأول وجد بها من الأدلة ما يشهد لما ذكرناه، فإنه عرف السياسة الشرعية بأنها: ما يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به الوحي. ثم أشار إلى ذم ما كان من التصرفات السياسية في أحد طرفي التفريط والإفراط بقوله: «إن من قطع النظر عنها إلا فيما قل فقد ضيع الحقوق وعطل الحدود وأعان أهل الفساد، ومن توسع فيها فقد خرج عن قانون الشرع إلى أنواع من الظلم.» ثم قال: «ونقل ابن قيم الجوزية عن ابن عقيل مخاطبا لمن قال لا سياسة إلا ما وافق الشرع: إن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع؛ أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة رضي الله عنهم.» وسرد أمثلة من سياساتهم. ولابن قيم الجوزية هنا كلام حاصله أن أمارات العدل إذا ظهرت بأي طريق كان فهناك شرع الله ودينه، والله تعالى أحكم من أن يخص طرق العدل بشيء ثم ينفي ما هو أظهر منه وأبين. وسئل القرافي عن الأحكام المرتبة على العوائد إذا تغيرت تلك العوائد هل تتغير الأحكام لتغيرها، أو يقال نحن مقلدون وليس لنا إحداث شرع جديد لعدم أهليتنا للاجتهاد؟ فأجاب بأن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل الحكم التابع للعادة يتغير بتغيرها، وليس هذا بتجديد اجتهاد من المقلدين، بل هي قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها. انتهى. وعد ابن القيم من الجهل والغلط الفاحش توهم أن الشريعة المطهرة قاصرة عن سياسة الأمة ومصالحها، قال: ولأجل هذا الغلط تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، فخرجوا عن حدود الله إلى أنواع من الظلم والبدع في السياسة، يعني وسبب ذلك تمسكهم أو تمسك العلماء الذين يفتونهم بظواهر النصوص فيضيقون ما وسعه الله عليهم، فيضطرون إلى خلع القيود وهتك الحرمات والحدود.
وبناء على ما تقرر يظهر أن اللائق بأولئك الهداة أن يتوسطوا بين التفريط والإفراط، بحيث لا يبعدون من رجال السياسة بعدا يتسبب عنه تبعيد تصرف الولاة عن الشريعة، وما لا يدرك كله لا يترك قله، ولا يقربون منهم قربا ينشأ عنه تقريب شهواتهم بتسهيل طرقها لهم.
وحيث تقدم بيان الأدلة الكافية لوجوب التنظيمات السياسية التي لو لم يكن إلا تنفير الأجنبي والمتوظفين منها لكان كافيا في الدلالة على حسنها ولياقتها بمصالح المملكة، كان من أهم الواجبات على أمراء الإسلام ووزرائهم وعلماء الشريعة الاتحاد في ترتيب تنظيمات مؤسسة على دعائم العدل والمشورة، كافلة بتهذيب الرعايا وتحسين أحوالهم على وجه يزرع حب الوطن في صدورهم ، ويعرفهم مقدار المصالح العائدة على مفردهم وجمهورهم، غير معتبرين مقال بعض المجازفين أن تلك التنظيمات لا تناسب حال الأمة الإسلامية، مستندا في ذلك إلى أربع شبه؛ الأولى: أن الشريعة منافية لها. الثانية: أنها من وضع الشيء في غير محله لعدم قابلية الأمة لتمدناتها. الثالثة: أنها تقضي غالبا إلى إضاعة الحقوق بما تقتضيه من التطويل في فصل النوازل، كما يشاهد ذلك في سائر الخطط القانونية. الرابعة: أنها تستدعي مزيد الضرائب على المملكة بما تستلزمه من كثرة الوظائف لإداراتها المتنوعة.
ولا يخفى على المتبصر أن جميع ما استند إليه مردود؛ أما الشبهة الأولى: فيكفي في ردها ما أسلفناه مما يدل على أن الشريعة تقتضي التنظيمات، لا سيما بعد اعتبار أحوال ولاة الوقت، وعلى فرض أن يوجد في التنظيمات بعد تأسيسها وتهذيبها من رجال العلم والسياسة شيء لا مسوغ له، فلا مانع من تبديله ولا يكون توقعه سببا في ترك تأسيس التنظيمات من أصله. وأما بقية الشبه فلو أردنا الاكتفاء في ردها بما تقدم لكفى أيضا، لكن رأينا أن نزيده إيضاحا وبيانا، فنقول: أما الشبهة الثانية فجوابها أن عامة غيرنا الذين بلغوا بالتنظيمات غاية التمدن كانوا في مبدأ الأمر أسوأ حالا من عامتنا، وإن كنا نسلم أن معارفنا الدنيوية الآن أقل مما أنتجته التنظيمات لبعض الأمم الأوروباوية، لكن عند التأمل يثبت عندنا أن الأمة الإسلامية بمقتضى ما شهد به المنصفون من رجحان عقول أواسط عامتها على عقول غيرها من الأمم تقتدر أن تكتسب بما بقي لها من تمدنها الأصلي، وبعاداتها التي لم تزل مأثورة لها عن أسلافها، ما يستقيم به حالها ويتسع به في التمدن بحالها، ويكون سيرها في ذلك المجال أسرع من غيرها كائنا من كان إذا أذكيت حريتها الكامنة بتنظيمات مضبوطة تسهل لها التداخل في أمور السياسة. وذلك أن الحرية والهمة الإنسانية اللتين هما منشأ كل صنع غريب غريزتان في أهل الإسلام مستندتان مما تكسبه شريعتهم من فنون التهذيب، بخلاف غيرهم ممن لم تحصل لهم الغريزتان المذكورتان إلا بإجراء التنظيمات في بلدانهم. نعم، من الواجب على مؤسس أصول الحرية السياسية اعتبار حال السكان ومقدار تقدمهم في المعارف؛ ليعلم بذلك متى يسوغ إعطاء الحرية التامة ومتى لا يسوغ، ومتى يعمم المقدار المعطى في سائر السكان ومتى يخص بمن قامت به شروط معتبرة، ثم توسيع دائرتها بحسب نمو أسباب التمدن شيئا فشيئا، ثم لو سلم عدم القابلية للتنظيمات وأن الأمة كما يزعمه أولئك القادحون بمثابة الصبي غير الرشيد الذي يلزم التقديم عليه، فهل ينهض لهم دليل على جواز أن تكون تصرفات المقدم خالية عن مراعاة مصلحة المقدم عليه، وهل تتيسر تلك المراعاة بدون توقع احتساب مؤسس على الشرع؟ وأما الشبهة الثالثة فجوابها أن التطويل الذي يمكن عروضه في فصل النوازل يرجع إلى قسمين؛ لأنه إما أن يكون ناشئا عن صعوبة تصور النازلة وتعيين ما ينطبق عليها من النصوص المتجاذبة لها، أو يكون ناشئا عن قصور المتوظفين أو تقصيرهم. أما القسم الأول فلا يتشكى منه إلا الجاهل أو المتجاهل، وذلك أن إعطاء النوازل حقها من التأمل حتى يتضح عند الحاكم وجه الحكم يستدعي فسحة ضرورية لفهمها على الوجه المطلوب، وتلك الفسحة المتفاوتة بتفاوت النوازل في التشعب من لوازم البشرية في حق كل من الحاكم والمحكوم عليه، إذ الحكم - سواء كان مبنيا على القواعد الشرعية أو القوانين العقلية - لا يكون حكما معتدا به إلا إذا كان مسبوقا بأخذ المحكوم عليه مهلة لتحرير حججه التي يدافع بها عن نفسه، وأخذ الحاكم مثلها لإمعان النظر فيها وتعيين ما ينطبق من الأصول عليها، فالحاكم إذا نقص من إحدى المهلتين شيئا فقد ظلم المحكوم عليه ونفسه.
وحيث كان التطويل المشار إليه طبيعيا للنوازل، ومما تعاضد على لزومه الشرع والعقل؛ يسوغ لنا أن نقول إنه لا منشأ للقدح به في التنظيمات إلا إرادة تنفير الأهالي منها، بتحسين ما تعودوه من حكامهم السياسية الذين كثيرا ما ينشر لديهم من النوازل ما لو نشر لدى أحذق القضاة لاحتاج في تصوره إلى عدة أيام، فيبادرون إلى فصلها في عدة دقائق بحكم لا يتعقب ، بل لو فرض الترخيص منهم في تعقبه لما أمكن ذلك، حيث لم يكن الحكم مسجلا بظهير؛ لأن التعقب يستدعي استناد الحكم المتعقب إلى شيء من الأدلة يمكن اطلاع المتعقب عليه، بحيث يجد محلا للتخطئة في تنزيل الحكم أو نحو ذلك إذا كان الحكم مسجلا. وما يصدر من هؤلاء حكم شفاهي غير معلل باستناده إلى شيء في الخارج، فهو لا يخلو إما أن يكون أمرا اتفاقيا بحسب ما يسنح لأحدهم في ذلك الوقت؛ ولذلك ترى كثيرا من النوازل متفقة في المعنى وأحكامها مختلفة، أو مستندا إلى دليل لا يتجاوز صدر ذلك الحاكم، فلا يمكن الاطلاع عليه، وفي الحالتين لا يمكن التعقب.
ثم إنا لا ننكر أن يقع في ابتداء العمل بالتنظيمات شيء من التطويل زائد على المقدار الطبيعي ناشئ عن عدم التعود بها والتمرن عليها، لكن نرى الخطب في ذلك سهلا؛ لأنه مما يزول بإعانة الله في أقرب وقت عند حصول ملكة التجريب، وتخفيف أعمال الحكام في الأحكام الخفيفة ارتكابا لأخف الضررين، وتحريض الدولة سائر متوظفي السياسة على المبادرة بإتمام مأموريتهم بجلب المدعى عليه، ونحو ذلك مما تتوقف عليه الأحكام، حتى لا يبقى من أسباب التطويل إلا ما يستدعيه حال النازلة. على أنا نقول تنازلا مع هؤلاء المنفرين أن الغرض من التنظيمات ليس محصورا في فصل النوازل الشخصية على وجه الإنصاف المأمول منها، بل هناك مصالح أخرى، من أهمها ضبط كليات السياسة القابض لأيدي الولاة عن الجور، فأين مضرة التطويل في النوازل الجزئية من مضرة إطلاق أيدي أولئك الولاة في التصرف في الأبدان والأعراض والأموال؟! فهذه الشبهة على فرض نهوضها لا تنتج إلا تعطيل مجالس النوازل الشخصية. أما ضبط أصول السياسة الذي هو أساس خير المملكة فلا نظن دليلا ينهض على تعطيله بوجه من الوجوه. وأما القسم الثاني: فظاهر أنه لا يقدح به في حسن التنظيمات في نفسها، وإنما يتوجه التشكي من مضرته على الدول، حيث لم تمعن النظر في أحوال المتوظفين وتمتحنهم بمزيد المراقبة والتجربة.
وبيان ذلك أنا نرى المتوظفين في الممالك الإسلامية على ثلاث فرق؛ الفرقة الأولى: يستحسنون ترتيب التنظيمات استحسانا صادقا، ويؤثرون ما تنتجه من الهمة والحرية، وتوفير مصالح الرعية على ما عسى أن يكتسبوه بالاستبداد من المنح الخصوصية، الفرقة الثانية: يجهلون مصالح التنظيمات، بحيث لا يرون كبير فرق بينها وبين السيرة الاستبدادية، بل يعدونها من بدع آخر الزمان ويؤثرون عليها البقاء على ما كان، ولا منشأ لذلك إلا القصور وعدم الاطلاع على نتائج التنظيمات في غالب المعمور، الفرقة الثالثة: لا يجهلون مصالح التنظيمات وتوفيرها لخير البلاد والدولة، ولكنهم يؤثرون على ذلك فوائدهم الشخصية التي تتوفر لهم بالاستبداد، ولا منشأ لذلك إلا نقص الديانة والهمة الإنسانية وعدم ملاحظة العواقب الدنيوية والأخروية. إذا تمهد هذا فنقول: إن التنظيمات وإن بلغت بحسن الترتيب والتهذيب غاية المطابقة لمقتضى الحال لا تظهر فائدتها المقصودة من تأسيسها إلا إذا كان المكلفون بإجرائها من الفرقة الأولى، فهم الذين توكل مصالح العباد إلى أمانتهم، ويعتمد في تأسيسها وتمشيتها على إعانتهم، وأما الفرقتان الأخيرتان فلا يحصل من تكليفهما إلا خلاف المقصود، لا سيما الفرقة الثالثة لمزيد انبعاث همتها إلى تعطيل التنظيمات. فعلى الدولة التي عزمت على تأسيسها إذا علمت ما ذكر من أحوال الفرقتين المذكورتين أن لا تنيط بأمانتهما حفظها ولا إدارتها حتى يثبت عندها بالتجارب صدق رجوع الأولى إلى استحسانها بالقلب والقالب، وإيثار الأخيرة المصالح العمومية على الحظوظ الشخصية واكتسابها المروءة الإنسانية المانعة من قبول الإنسان خطة لا يباشرها بصدق نية. بالجملة فإسناد الشيء إلى عهدة متمني زواله من أقوى موجبات اختلاله واضمحلاله. وأما الشبهة الرابعة: وهي اقتضاء التنظيمات لمزيد الضرائب على المملكة فجوابها أن هذا القائل المسكين لو علم ما ينشأ عن حالة الاستبداد وحالة التقيد بالتنظيمات لما صدرت منه هذه القولة الوهمية المبنية على عكس القضية، فإن حالة الاستبداد هي التي تقتضي كثرة الضرائب؛ إذ يؤخذ فيها اللازم وغير اللازم ليصرف فيما هو في الغالب غير لازم، بخلاف حالة التقيد، فإنها بضبط الدخل وصرفه في خصوص الأمور اللازمة لا تكلف فيها أهل المملكة إلا بضرائب تسمح بها نفوسهم، حيث يرون لزومها وصرفها في مصالح وطنهم. فإذا قابلنا ما يلزم صرفه على إجراء التنظيمات بما ينقص بها من المصاريف والخطط غير اللازمة التي لم تكن محدودة قبل التنظيمات بعدد ولا ضابط، مع ما يرتفع بها من المظالم التي لا تقف بدونها عند حد، لم يبق للمنصف شك في أن التنظيمات على فرض كثرة خططها من أقوى أسباب الاقتصاد والتوفير، لا سيما والمباشرون لاستخلاص المجابي متقيدون بالقوانين أيضا، فشتان بين حالة المستبد الذي يأخذ ويعطي بمقتضى الشهوة والاختيار وحالة المتقيد بالقوانين الذي يفعل ما ذكر بمقتضاها، متوقعا تعقب آراء كثيرة يخجل من تنزيلها إياه منزلة القاصر في تصرفه، فضلا عن الخائن فيه، فبان بهذا أن المصاريف البالغة التي تكلف المملكة ما لا طاقة لها به إنما تكون حالة الاستبداد، وأن الاقتصاد الذي هو منشأ خيرها إنما يحصل بضبط سائر التصرفات بقيود التنظيمات.
وفي هذا المقدار كفاية لمن تبصر في الفرق بين الحالتين، ولو أطلقنا عنان القلم في بيان حال بعض الدول في مصاريفها وفي سيرة المباشرين لها قبل تأسيس التنظيمات ومعها وبعدها، حين تيسر تعطيلها لأهل الأغراض والشهوات من أرباب الخطط، ورجعوا للتصرف بلا قيد ولا احتساب بإعانة أمثال هذا القادح؛ لتبين له أن قلة معرفته بنتائج التنظيمات هي التي غرته وأغرته على القدح فيها بمثل ما أسلفناه، وعلى إعانة الساعين في تعطيلها لفوائدهم الخصوصية المضرة بالدولة والمملكة، لكن سعة مجال الكلام في ذلك تخرجنا عن المقصود.
هذا وإذا كانت الدولة العثمانية التي هي مركز الخلافة الإسلامية مع ما أشرنا إليه سابقا من العوائق الخاصة بها لم تزل مجتهدة في رفع تلك العوائق اجتهادا يرجى منه تمام نجاحها بتأسيس ما يتم به خير ممالكها وحفظ حقوق رعاياها، فغيرها أحرى وأولى لانتفاء تلك العوائق عنها، فلا يظهر لملوكها سبب قوي في الامتناع إلا حب الاستبداد الموصل للشهوات، ثم نقول: كما كان ترتيب التنظيمات واجبا على من تقدم بمراعاة حال الوقت، فمن اللائق أيضا بمن يدعي من الدول الأوروباوية المتمدنة حب الخير للنوع الإنساني أن يعينوا في هذا الشأن ولو بالكف عن التعطيل، خصوصا من له فائدة في دوام استقلال الأمة الإسلامية.
هذا ما دعت الحاجة إلى تحريره من أسباب التقدم والتأخر للأمة الإسلامية ملخصا جله من الكتب الإسلامية والإفرنجية، وبه يعلم من لا خبرة له بأحوال الإسلام من الأوروباويين وغيرهم ما كان للأمة من التقدم في المعارف وغيرها وقت نفوذ الشريعة في أحوالها ودخول الولاة تحت قيودها، وأن الشريعة لا تنافي تأسيس التنظيمات السياسية المقوية لأسباب التمدن ونمو العمران كما يعتقده الكثير ممن ذكرنا، حتى صاروا يدرجون ذلك في صحف أخبارهم ومستحدثات تآليفهم، ولا سبب لذلك يمكن اعتذارهم به عن سريان ذلك لاعتقادهم إلا ما يشاهدونه في ممالك الإسلام من اختلال التصرفات والأحكام وما نشأ عنه من سوء حال الرعايا. وهذا ونحوه من مضار تقصير الأمراء في حماية الشريعة واستبدادهم بالتصرف بمقتضى شهواتهم مع إغفال العلماء القيام بما أهلهم الله له بإعراضهم عن مقتضيات أحوال الوقت كما أشير إليه سابقا، ولا يخفى أن البقاء على هذه الحالة مما يعظم خطره وتخشى عواقبه. سمعت من بعض أعيان أوروبا ما معناه أن التمدن الأوروباوي تدفق سيله في الأرض، فلا يعارضه شيء إلا استأصلته قوة تياره المتتابع، فيخشى على الممالك المجاورة لأوروبا من ذلك التيار إلا إذا حذوه وجروا مجراه في التنظيمات الدنيوية، فيمكن نجاتهم من الغرق. وهذا التمثيل المحزن لمحب الوطن مما يصدقه العيان والتجربة، فإن المجاورة لها من التأثير بالطبع ما يشتد بكثرة المخالطة الناشئة عن كثرة نتائج الصناعات، بحيث تلجئ لإخراجها والانتفاع بأثمانها، وهو سبب ثروتهم كما تقدم.
ولنقتصر على هذا المقدار من الإشارة إلى أسباب التقدم والتأخر في الأمة الإسلامية، ونرجع إلى ذكر أطوار التمدن الأوروباوي من أيام الإمبراطور شارلمان إلى هذا التاريخ على وجه إجمالي يقتدر به على الإحاطة بأنواع التمدن المكتسب بالمعارف، ويستفيد منه من يريد معرفة الأشخاص الذين اشتهروا بكشف كنوز الطبيعة وأسرار التهذيب ورسوم معالم السياسة. (1) التمدن الأوروباوي
اعلم أن الإمبراطور شارلمان الذي أسس دعائم السياسة والأحكام كان أشهر ملك ظهر بأوروبا من وقت سقوط الدولة الرومانية إلى سقوط دولة الإغريق التي كان تحت مملكتها القسطنطينية العظمى، وهو الذي أدخل العلوم والأعمال لممالكه، وكان يفني غالب أوقاته في قراءة العلوم وكان مجلسه محفوفا بالعلماء، وأسس بباريس مدرسة جامعة لسائر المعارف، وبمثل هاته المآثر حصل له من السمعة في أقطار الأرض ما استمال الخليفة هارون الرشيد إلى صحبته ومهاداته بتحف، منها منقالة لم تزل إلى الآن في أحد قصور فرنسا. ثم بعد وفاة الإمبراطور المذكور وفقدان تدبيره تعطلت تلك المصالح وتنازلت أوروبا وبقيت مغمورة في دجى الجهل مدة ستمائة سنة، وفي هاته المدة كانت موطئا لأقدام البرابرة الذين كانت دولهم تتداول عليها. ومع ذلك الفشل التام فإن أهل الكنيسة منهم كانوا محافظين على كتب المعارف وعلى اللسانين اللذين لولاهما ما انتفع بتلك الكتب، وهما اليوناني واللاتيني، فالناس ممنونون لهم بذلك.
ثم في القرن الحادي عشر، الذي هو خامس قرون الهجرة النبوية، ظهرت مبادئ علوم وصناعات وهندسة في الأبنية، فأنشئت بها هياكل في الناحية الغربية من أوروبا وأخذ علم الفلسفة في النمو بين محاورات كلامية ومنازعات جدلية، وظهر حزب الفرسان الذين اشتهروا باسم الكوليير، وهم جماعة من وجوه الناس تحالفوا على أن يحاربوا في الله للمدافعة عن حرية النسوة والمستضعفين من سائر الأهالي، وأن لا يلاحظوا في أفعالهم لا سيما المحاربة إلا مقتضيات الشرف الإنساني وعلو الهمة ولو مع أعدى الأعادي؛ مثلا: يرحمون من يسترحمهم ولا يجهزون على جريحهم ولا يبتزون سلب قتيلهم.
ومن أواخر هذا القرن إلى أواسط القرن الثالث عشر كانت حروب الصليبيين مع المسلمين لافتكاك بيت المقدس وقطع استيلائهم على الأمم في زعمهم، وإنما أشرنا لهاته الحروب والفرسان لبيان ما لها من الدخل في التمدن الأوروباوي، فإن مؤرخيهم يقولون إن تلك الحروب وإن هلكت فيها نفوس عديدة وأموال غزيرة بدون الحصول على المقصود بالذات فإنها أعقبت نتائج نافعة لهم، منها أنهم من ذلك الوقت شرعوا في ترتيب العساكر وتعلموا بمواصلتهم لأهل المشرق صناعة التجارة والزراعة ونحو ذلك، وتخلقوا بأخلاق الحضر وتعودوا بالأسفار لاستكشاف أحوال الأقطار، فاطلعوا على أحوال آسيا المتوسطة وأحوال الصين، كما ذلك مبين بتآليف ماركوبولو. وبالجملة فبالسبب المذكور وهو مخالطة الأوروباويين للأمة الإسلامية المتقدمة عليهم في التمدن والحضارة كان ابتداء التمدن عندهم، لا سيما في القرن الثالث عشر، ثم تهذب حتى وصل إلى ما هو مشاهد اليوم، وانتهت إذ ذاك رئاسة العلوم والآداب والفلسفة إلى صان برنار بفرنسا وصان توماس بإيطاليا وألبرت الكبير بألمانيا وريموندولولو بإسبانيا وجن دونسكوت بإنكلترة، وظهرت الشعراء والمهندسون والكنائس الأصولية والهياكل الفخيمة المنسوبة للقرون المتوسطة.
وفي القرن الرابع عشر نالت تلك الأمور شرفها، خصوصا في إيطاليا فإن دانتي حرر اللسان الطلياني وقرره في شبه أراجيز يتخلد ذكرها، وجيوتو وتشيمابوي أحييا صناعة الدهن، وبتراركا وبكاتشو سلكا طريقة دانتي في النظم والنثر. ثم في أواسط القرن الخامس عشر، وهو الوقت الذي لا ينسى لغرابة حوادثه، اخترع غتمبرغ من أهل ميانس بألمانيا طبع الكتب الذي حصل به من تنمية مواد العلوم وسرعة انتشارها في أقطار الأرض ما يغني فيه العيان عن البيان، وأول ما طبع منها كتاب في أشعار اللغة اللاتينية التي عاد إلى استعمالها أهل إيطاليا وتكاثرت بها أشعارهم بعد أن تناسوها، وهي وإن لم تأخذ مأخذها في التوصل بها إلى المعاني الدقيقة واللطائف البديعة فقد رجعت إلى ما كانت عليه من الطلاوة وحسن السبك.
ثم أخذ التمدن في الترقي بمدارج العلوم والأعمال، وكانت المزية في ذلك لجماعة الميدشي الذين كانوا رؤساء الدولة الجمهورية بفلورنسة، ثم صاروا أمراءها، فهم الذين مهدوا سبلها للناس، وكان اشتهارهم بذلك في القرن السادس عشر المعبر عنه بالقرن الكبير الذي كانت أيامه تضاهي بأولئك الرؤساء أيام أغسطوس أول قياصرة الرومان في الأشعار وحسن هندسة البناء وبديع أشكاله، اقتداء بالرومانيين الذين اقتدوا في ذلك باليونان. ومن حوادث القرن الخامس عشر أن جماعة الميدشي المشار إليهم والبابا ليون العاشر الذي هو منهم بحثوا في الخزائن عن الكتب القديمة وطبعوها لاستكثار نسخها، وجعلوا عليها تعليقات نافعة وملاحظات غريبة؛ وبذلك ارتفع عن محاسن الأقدمين القناع الذي تكاثف بتطاول السنين، وفي تلك المدة ظهر الشاعران أريوستو وتاسو اللذان أشهرا اللسان الطلياني المستعمل الآن، وهما في الطبقة الأولى من مشاهير تلك اللغة. فأولهما خلد ذكره باختراع معان لم يسبق إليها في ألفاظ مهذبة مستعذبة. والثاني نال شهرة أميرس الشاعر اليوناني وفرجيل الشاعر اللاتيني. وبالجملة فاللسان الطلياني أخذ في ذلك الوقت مأخذه من السلاسة وحسن السبك، وألفت به تآليف عديدة في فنون شتى. ومن مشاهير القرن المذكور مكيافلي الذي كان أول من بين القواعد السياسية بعد سقوط الدولة الرومانية، وغويتشرديني الذي بلغ بجودة الفكر وحسن التعبير إلى إتقان التصنيف في التاريخ، وفرا باولو الذي اشتهر بالمدافعة عن حرية الوطن بقلم غيور منصف في ضد سياسة البابوات الدائرة رحاها على إيثار الشهوات.
وفي ذلك الوقت ظهر بمملكة إسبانيا التي كانت اكتسبت من المسلمين أنواعا من الظرف كالفروسية واللعب بالرماح وتعاطي المعاني الغريبة من الأشعار الناظمان المجيدان لوبس دفيغا وكالدرون، اللذان أظهرا من التراكيب الشعرية ما حسن إلقاؤه في المجامع المعدة لتهذيب الأخلاق المسماة عندهم بالتياطرات. كما ظهر في ذلك الوقت عند الإنكليز الناظم الشهير شكسبير، وهو وإن لم يخل كلامه عن الهفوات فله النفيس من جوهره، ويتوصل بفصاحته إلى الكشف عن كنه ما يروم وصفه والإحاطة بكيفيته الحسية والمعنوية، لا سيما في وصف الحروب بحيث إن سامع كلامه يكون كالمشاهد لما يصفه.
وأما أهل شمال أوروبا فلم يشتهروا إلى ذلك الوقت بشيء من أعمال الفكر، غير أن منهم من لا تنكر منته على العرفان، مثل كبرنيك من أهل بولونيا المولود سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة وألف، وهو الذي حرر القول بأن الشمس في مركز العالم وأن الأرض والكواكب تدور حولها. قيل: وليس هو أول قائل بذلك، وإنما الأول فيلولاوس أحد تلامذة فيثاغورس، وذلك قبل وجود كبرنيك المذكور بألفي عام، لكن وقع الانفصال على أن كبرنيك هو الذي ينبغي أن ينسب إليه مزية الابتكار لهذا القول وإن انتفع في الاهتداء إليه بقول فيلولاوس المذكور. وممن حرر الدليل على تلك الدعوى بما يقرب من المشاهدة غليلاو الطلياني وأعانه على ذلك ما اخترعه مسيوس من أهل هولاند من آلة البلور التي تكبر الأشياء، فكانت مرآته تكبر الشيء مائة وستين مرة زيادة على مقدار جرمه، ثم تهذبت تلك الآلة حتى صارت تكبره من ألفين إلى ثلاثة آلاف وأكثر، ولم تزل تلك الدعوى تترجح عند أهل أوروبا إلى أن صارت مسلمة لديهم، وبواسطة تلك الآلة اطلع غليلاو المذكور على كواكب لم تكن معهودة، وهو وتلميذه توريشلي أول من عرف وزن الهواء، وأن طلوع الماء في الطلنبة مسبب عن ضغط الهواء لسطح الماء، وأن نهاية صعوده اثنان وثلاثون قدما، حيث إن قوة عمود الهواء النازل على سطح الماء لا تتجاوز المقدار المذكور، فلا ينجذب بها الماء إلى أكثر من ذلك، والحاصل أن أهل إيطاليا اغتنموا في ذلك الوقت شهرة بالآداب والصناعات المستظرفة المسماة عندهم بوزار، وهي صناعة الدهن والنقش وهندسة البناء والموسيقى، وحصلوا على ما أمكنهم تحصيله من العلوم والفلسفة، وأما ألمانيا فقد اشتهر فيها تيخوبراهي وكوبلر؛ فالأول أفنى عمره وماله في طلب العلم واقتناص شوارده حتى سمي بالمحسن إلى العلم، والثاني صرف المهجة إلى علم الفلك حتى قيل له صاحب الأحكام. وأما إنكلترة فإنها صارت بقرب ذلك العهد ذات يد في العلوم الرياضية والحكمة الكلامية، وممن اشتهر فيها فرنسس باكن ذو الفكر الوقاد والجد والاجتهاد، وقد صحت تسمية تآليفه بحالة العلوم الجديدة، واستند في دعاويه فيه إلى التجارب المفرغة في قالب الأسلوب الفلسفي، حتى قيل إن فن الطبيعيات صار بقواعد الكتاب المذكور كما ينبغي أن يكون.
وفي القرن السادس عشر امتاز أهل فرنسا بعلم الأحكام الآتي بيانه، واشتهر منهم بذلك عدد كثير مثل: كوجا ودوملان وميشال دولبيتال الذين عمروا مكاتب الأحكام، والماهر الفصيح فرنل المتسلطن في علم الطب، وأمبرواز بري أعرف أهل وقته بأحوال الجراحات، وفيات الذي اختصر كتب الجبر بوضع حروف نائبة عن الأعداد وصيره لعلم المساحة كالمنطق لسائر العلوم، وبيارلسكو الذي هندس بناء اللوفر، وفلبار دلورم الذي هندس قصر مودون وقصر التويلري، والأول والثالث بباريس يسكن بهما ملوكها، والثاني بقربها. ثم إن فرنسا وإن بلغت في هذا الوقت ما بلغته من التمدن والتهذيب وفاقت أمما كثيرة ممن تقدمها إلا أنها لم تضاه نظائرها، حيث لم يكن لسانها في ذلك الوقت خالصا من الشوائب. ومن مشاهيرها في تلك المدة: أميو ومارو، فالأول في الإنشاء والثاني في النظم، تميزا بسلامة السليقة وقلة التعقيد. ومنهم ربلي متقن صياغة مثالب الهجو، ومونتان الفيلسوف الذي سهل طرق المعاني وأداءها بألفاظ راشقة، وشرح ماهية الإنسان غير محمول بعين الرضا على تحسين معائبه ولا بعين السخط على تقبيح محاسنه. وفي هذا القرن اشتهر بإيطاليا بين أرباب الصناعات رفايل وميكلانج وليوناردو دا وينشي وأشخاص آخرون في صناعة الدهن والنقش والبناء، فبهم وبتلامذتهم تجدد البوزار في سائر نواحي أوروبا.
وفي القرن السابع عشر بلغت العلوم الرياضية والأدبية في أوروبا إلى الغاية القصوى، وذلك بكثرة العلماء الذين نمت بهم المعارف، حتى صار من كان يعد من مشاهير العلماء في القرون الماضية يعد من عامتهم في هذا القرن، خصوصا أهل فرنسا الذين ترقوا في سائر المعارف وتقدموا من عداهم من أهل أوروبا في الفصاحة نظما ونثرا، وفي صناعة البوزار المتقدم بيانها. فمن مشاهير هذا القرن باسكال المشتهر بفن الحساب والطبيعيات والإنشاء، ألف كتابا سماه بما ترجمته «مكاتيب أهل القرى»، وهو من أشهر ما ألف في الإرسال، وتعرض فيه للقدح في سيرة الجزويت حزب يعرف ب «اليسوعية»، دأبهم جلب الناس بكل وجه ممكن إلى الديانة النصرانية والمدافعة عن السياسة البابوية، ومنهم دكارت المعدود في الطبقة الأولى من مخترعي العلوم الرياضية باستعمال قواعد الجبر في المساحة وإتقان التصرف في علم الفلسفة، وهو من أشهر العلماء الذين هذبوا أخلاق البشر. ثم بوردلو وماسليون اللذان أظهرا فصاحة لم تكن لأحد قبلهما من خطباء ديانتهم، ثم بوسوي الذي بلغ في حسن التأبين وفي خطبته على التاريخ العام السائرة مسير المثل عند أهل أوروبا درجة لم يبلغها أحد بعده. ثم بوالو الذي بين قواعد الشعر عندهم، ثم لابرويار المعدود من السابقين في علم التهذيب، ثم فنلون صاحب التأليف المشهور المسمى «تلماك» الجامع لأسباب التهذيب البشري، ثم كرنيل وراسين اللذان لا يقاسان في التراجيديا إلا بمشاهير اليونان، وهي محاكاة الحروب والوقائع، والكوميديا وهي محاكاة أمور في قالب الهزل، ثم موليير في الكوميديات ولافونتين في الأمثال تقدما من كان قبلهما. وفي القرن المذكور ظهر بألمانيا الحكيم ليبنتس، وكان له شهرة في علم التاريخ والطبيعيات، لا سيما الرياضيات والفلسفة، فقد كان له فيهما اليد الطولى.
وفي هذا القرن تميز علماء الإنكليز عن غيرهم بإتقان علم الهيئة والفلك، فمنهم هالي الذي شرح خواص الهواء وأسرار مد البحر وجزره وأسرار المغناطيس وحركات ذوات الأذناب، وارتكب المشاق والأخطار في تطلب العلم من نوازح الأقطار، حتى بلغ جزيرة صانت آلان في البحر المحيط، ورسم على صخورها خريطة نجوم القسم الجنوبي من الهيئة، وبذلك ارتفع شأن رصد غرينتش في إنكلترة. ثم المنجم فلامستيد الذي بين ملاحظات عديدة في علم الفلك تلقاها الناس بالقبول، ثم نيوطن المشتهر اشتهارا أنسى به ذكر سابقيه، وله تأليف كبير أحدث به في الفلسفة تغييرا غريبا وقع من الناس موقع الإعجاب، وفي ذلك الوقت ظهر من شعراء الإنكليز درايدن وبوب، ومن كتبة الإنشاء إدسون، وفي القرن الثامن عشر حازت فرنسا خمسة أشخاص من مشاهير الكتبة بذلوا الجهد في إيضاح طرق الفلسفة وتشييد مبانيها، وهم فونتنيل الذي انسجمت مكاتيبه فيها، ثم بوفون مشفع أفلاطون، وبلين الذي كسا علم الفلسفة رقة التعبير في كتابه الذي خلد ذكره وأعرب عن رقة طبعه ودماثة أخلاقه. ثم مونتسكيو الذي صرف همته إلى كتب السياسة، وأبانت تصانيفه عن غاية معرفته بها، وكفى شاهدا على ذلك ما كتبه في السبب الذي كبرت به الدولة الرومانية وتعاظمت، والذي سقطت به وانقرضت، وهو كتاب عجيب يحتوي على تعليقات صادقة وعبارات محررة راشقة، وكتابه الآخر المسمى «بحكمة القوانين» الذي بين فيه الحقوق الإنسانية وقسمها إلى ثلاثة أقسام؛ أولها: الحقوق المعتبرة بين الأمم في خلطتها السياسية والمتجرية. وثانيها: حقوق الدول على رعاياها، وبالعكس. وثالثها: حقوق الأهالي فيما بينهم. ثم قسم حالة الدول إلى ثلاثة أقسام أيضا؛ الأول: الدولة الوراثية خلفا عن سلف المطلقة التصرف بلا قيد. الثاني: الدولة الوراثية كذلك المقيدة بالقوانين. الثالث: الدولة الجمهورية المقيدة بالقوانين أيضا. والجمهورية عندهم كناية عن انتخاب الأمة رئيسا لدولتهم يتصرف في إدارتها بمقتضى القوانين مدة حياته أو لمدة معلومة، ثم ينتخب غيره، وبين ما ينشأ من الخير والشر عن الأحوال الثلاثة وهو معدود عند أهل أوروبا قانونا صحيحا في الأحكام. ومن تمثيلاته البديعة تشبيه المستبد في تصرفاته بمن يتوصل لاجتناء الثمرة بقطع الشجرة من أصلها، وله في غير ذلك تآليف عديدة تلقاها الناس بالقبول. ورابعهم دلمبير صاحب التأليف المحلى بقلائد القواعد الحاوي بأوضح بيان ما كاد يأتي على سائر الفوائد. وخامسهم كندلياك الذي بسط أشعة التحقيق على تأليف لوك الإنكليزي في علم الفلسفة.
ومن مشاهير القرن الثامن عشر ولتير، وهو ممن أخذ راية الكتابة باليمين والشمال، واشتهر في سائر فنونها اشتهار الدجال في الأجيال، ولو لم يحمله انحلال العقيدة على عدم احترام الشرائع والديانات لكانت شهرته أتم والنفع بمعارفه أعم، ومنهم جانجاك روصو وهو نظير ولتير في الشهرة وله من حسن التعبير ما لا تستقر معه الأوهام، وهذان الكاتبان المجيدان هما اللذان أنشآ ثورة أهل فرنسا سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف، الموافقة لسنة مائتين وألف هجرية، هيآ أسبابها واستعجلا وقوعها، ومنهم جان باتيست روصو صاحب الأشعار والمعاني الرائقة. ومنهم لوساج مؤلف «جلبلاس»، الكتاب المحتوي على المقامة الفلسفية الذي هو من أحسن ما ألف في بابه.
ومن مشاهير هذا القرن لناوس من أهل السويد اشتهر في الطبيعيات، وفيه ظهر بألمانيا الشاعران غوتي وشلر، فالأول فاق أقرانه في محاسن الآداب، والثاني استحق اسم المجدد لتياطرات الألمان، فإنه ركب ألعابا معتبرة ينشد فيها مستظرفات الأشعار، وله تآليف في التاريخ شاهدة بتقدمه في ميدان الأفكار. كما ظهر فيه بإنكلترة المؤرخون الثلاثة الذين تشرف بهم وطنهم، وهم غيبون وهيوم وروبرتسون. ثم ظهر بها أيضا آدم سميث الذي فاق أقرانه في علم الرياضيات والاقتصاد السياسي، والمعلم الطبيعي بانكس، والجراحيان وليم هنتر وأخوه جن وكاوندش الذي حلل أجزاء الماء، والفلكيون: برادلي وهرشل وبنجمن فرانكلن الذي خلد اسمه ببيان الأمور المتعلقة بالجاذب المغناطيسي.
ومن مشاهير إنكلترة في القرن المذكور أركرايت الذي اخترع آلة غزل القطن، ثم خرج عن صف العامة ثلاثة أشخاص استنبطوا لهذه الآلة ما أكسبها قوة غير محصورة، وهم سميطن وفلطن وجامس وات، وهذا الأخير هو الذي اخترع الكيفية العجيبة في الانتفاع بالآلة البخارية التي اخترعها أولا نيوكمن، كما ظهر بهذا القرن الخدمات العجيبة الهائلة على يد المهندس برادلي، فتضاعفت طرق المواصلة بإنكلترة وفتحت الخلج العديدة في الأماكن التي كانت معطلة؛ وبذلك نمت نتائج الأيدي واتسعت دوائر متجر الإنكليز وثروتهم وارتفع شأن السياسة. فمن النتائج كثرة استخراج معادن الأرض بسهولة المناولة والمواصلة، وكذا جلب القطن والكتان وغيرهما واصطناع الأقمشة منها في أسرع وقت، كل ذلك بمعونة الآلات المذكورة، وقد كبرت بلدانها الصغيرة لاتساع نطاق المتجر فيها حتى صارت من البلدان المعتبرة. وهاك مثالا جزئيا تعلم به التبديلات الخطيرة الواقعة في أحوال المتجر، وهو أن قيمة ما كان يخرج من سائر بلدان إنكلترة من القطن المصنوع لم تكن في أوائل القرن الثامن عشر تتجاوز خمسمائة ألف فرنك في السنة. وفي أواسط هذا القرن بلغت قيمة ما يخرج من ذلك في السنة خمسمائة مليون فرنك. ولنمسك عنان القلم هنا حيث بلغنا إلى القرن التاسع عشر الذي صار فيه المشاهير بالعلوم والصناعات أكثر من أن يحصوا، والساعون فيما يزيد نوع البشر تحسينا أجل من أن يضبطوا. ولم يزل الملوك يرغبون الناس في أسباب التمدن وينشطونهم بالجوائز وعلامات العناية، وبوضع صور مشاهيرهم بمجامع العامة لتوفير دواعي البحث عما يمكن أن ينفع جنسهم ويخلد ذكرهم. (2) تلخيص المكتشفات والمخترعات
في أوائل القرن الرابع عشر استعمل أهل أوروبا في سفنهم البوصلة المنقولة عن العرب كما تقدم، وكشف أهل البرتغال عدة جهات من شطوط أفريقية الغربية وأحاطوا بالجهة الجنوبية من رأس الزعزعة المسمى من ذلك الوقت ب «رأس الرجاء الصالح»، ووجدوا بذلك طريق الهند في البحر وأحدثوا فيها عدة مستعمرات. وفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة وألف اخترع المطبع بألمانيا. وفي سنة ست وستين وأربعمائة وألف وجدت فبريكة الحرير بمدينة ليون من فرنسا. وفي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وألف كشف كريستوف كولومب أميركا. وفي القرن السابع عشر حدثت فبريكة القطن بإنكلترة وفرنسا وظهرت المرآة التي تكبر الأشياء المتقدم ذكرها، وظهرت البوسطة؛ أي بيت المكاتيب، وتحرر ميزان الهواء بالوجه المتقدم. وفي سنة ثمان وأربعين وستمائة وألف ظهر استعمال الكينا بأوروبا. وفي سنة سبع وستين وستمائة وألف استعملت فبريكة نسج البسط الرفيعة بباريس. وفي سنة أربعين وسبعمائة وألف أنشئت فبريكة الذكير المذاب بإنكلترة. وفي سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وألف اخترع فرنكلن جواذب الصاعقة التي تجذب القوة الكهربائية من السحاب وتدخل بها في الأرض. وفي سنة ستين وسبعمائة وألف تأسس بباريس محل لتعليم الصم البكم والعمي القراءة والكتابة والرياضات، ثم اقتدى بذلك بقية ممالك أوروبا، حتى إنه يوجد اليوم بها من الأماكن المخصوصة بتعليمهم نحو مائة وخمسين. وكيفية ذلك في الأصم الأبكم أن يروه صور الحروف ويصطلحوا معه على تخصيص كل حرف منها بإشارة مخصوصة في الأصابع، ثم يحضروا له الشيء المراد تعريفه إياه ويكتبوا اسمه له على مقتضى تلك الحروف الإشارية؛ فبهذه الواسطة يصير قابلا للتعليم لتيسير الكلام معه بسهولة، وفي الأعمى بجعل حروف له ذات أجرام؛ فبذلك يقبل تعلم القراءة والكتابة، وإذا أريد تعليمه الجغرافيا ترسم له الخريطة أجراما ممسوسة فيسهل تعلمه إياها جدا حتى يصير بحيث متى طلب منه تعيين محل من الأرض أو بلد من البلدان وضع يده عليه بدون مشقة.
وفي سنة ست وسبعين وسبعمائة وألف اخترع الطبيب جنر الإنكليزي من مدينة بركلي كيفية تلقيح الجدري. وقد تنازع مؤرخو الإنكليز والفرنسيس وأميركا في اختراع الآلة البخارية، فكل يدعي ذلك لأهل مملكته. والذي حرره أراغو الفلكي الفرنساوي هو أن الماكينجي هيرون الإسكندراني فكر في قوة البخار والمنافع التي يمكن تحصيلها به، وكان ذلك قبل الميلاد المسيحي بمائة وعشرين سنة، لكن بقي هذا الرأي عقيما عدة قرون. ثم في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وألف من الميلاد المذكور كتب بلاسكودي غراي الإسبنيولي الأصول التي يمكن حصولها عن تلك القوة، وفكر في استعمالها، وكتب مثل ذلك سلمون دوكوس الفرنساوي في سنة خمس عشرة وستمائة وألف، ثم في سنة ثلاث وستين وستمائة وألف استقل بهذا الشأن ورشستر الإنكليزي إلا أن ما أنتجته فكرته لم يكن كافيا في حصول الانتفاع بتلك القوة. ثم في سنة تسعين وستمائة وألف فكر في شأنها المهندس دنيس بابين الفرنساوي إلى أن ركب في سنة خمس وتسعين وستمائة وألف الآلة البخارية بالبستون، وهو شيء يشبه مدق المكحلة، وهو أول من ظهر له جعل القوة القابلة للبسط في آلة نارية، حيث إن البخار ينبسط عند شدة الحرارة وينقبض عند البرودة. ثم اعتنى بذلك الماكينجي الإنكليزي جامس وات المتقدم الذكر الذي ظهرت أعماله في النصف الثاني من القرن الثامن عشر بتوجيهه العناية إلى هذه المأثرة وبحثه عن سائر أجزاء الآلة البخارية، حتى ارتقى في ذلك درجة تنيله منصب الاختراع لها.
وقد كان دنيس بابين المذكور أشار إلى أماكن السفر بها في البحر، وبين كيفية ذلك بغاية الإيضاح. وفي سنة ست وثلاثين وسبعمائة وألف أخذ جونتان هلس الإنكليزي السراح من الدولة في استعمال الآلة المذكورة بسفينة، لكن لم تتم له الموجبات، فكانت جدوى فعله قليلة. وفي سنة خمس وسبعين وسبعمائة وألف صنع الماكينجي بريا الفرنساوي السفينة الأولى البخارية، وبعد ثلاث سنين اخترع جوفروي الفرنساوي الآلة المذكورة وألقاها على وادي دوب بفرنسا، وفي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وألف ألقى على وادي صون بفرنسا أيضا سفينة كبيرة من ذلك النوع، وسارت. ثم استقل بالمأثرة المشار إليها جماعة في إنكلترة نجح سعيهم فيها، وهم ميلر في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وألف، ثم لورد ستنهوب في سنة خمس وتسعين وسبعمائة وألف، ثم سيمنغطن سنة إحدى وثمانمائة وألف. وفي السنة الثالثة من القرن التاسع عشر جرب الأميركاني فلطن بباريس عمله بتلك الآلة، فرأى مخائل النجاح، وكان معه من أهل وطنه ليونسطن فوضعا على وادي سون أول فابور تام بالعجلات، وذلك في تاسع أغشت من السنة المذكورة، لكن لم يتفق إنجاز المأثرة المذكورة بفرنسا؛ لعدم اعتناء الدولة بها في ذلك الوقت، فلما أيس فلطن من نجاح سعيه هناك حمل مخترعه إلى وطنه أميركا وأشهره بها. ويقول أهل فرنسا: أن من سوء البخت عدم انجذاب بال الدولة في ذلك الوقت لهذه النتيجة الباهرة. وفي السنة السادسة من القرن المذكور سافرت السفينة البخارية المسماة «كلرمونت» من نيويورك إلى فيلادلفيا في الممالك المتحدة بأميركا. وفي سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف شرع المذكور في اصطناع الفرقاطة البخارية الأولى، فمات قبل إتمامها، وفي حياته صنع بتلك المملكة عدة فابورات صغار، منها المسمى «فلطن» الذي التقى بالسفينة الحاملة لنابوليون الأول إلى جزيرة صانت الآن التي بقي فيها بعد سقوطه، فلما رأى الفابور المذكور وذنب دخانه شائل في الجو ندم على إعراضه عن تلك المأثرة التي تم ظهورها في غير بلاده. وجميع التحريرات البخارية مستنبطة من قواعد فلطن المذكور؛ لأنه كان مهندسا حاذقا لبيبا، ثم انتشر هذا المخترع بسائر جهات أوروبا على التعاقب شيئا فشيئا، وأما استعمال آلة الذنب المسماة آليس بدلا من العجلات، فأول من فكر فيها دوكي الفرنساوي سنة سبع وعشرين وسبعمائة وألف، وبوكتون سنة ثمان وستين وسبعمائة وألف.
وفي سنة ثلاث وثمانمائة وألف أخذ شارل دلري الرخصة في عمل الآلة المذكورة إلا أن سعيه إذ ذاك لم ينجح لعدم وجود المبالغ اللازمة من المال، فاغتنم التفرغ لهذا العمل المهندس أريكصون الشهير من أهل السويد في الممالك المتحدة بأميركا من سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف إلى سنة أربع وأربعين وثمانمائة وألف إلى أن تم، واستعمل في سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف، وقد شاع العمل به الآن. وفي سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وألف ارتفع في الهواء بالبالون مونغولفيي الفرنساوي، والبالون قبة من الحرير مصنوعة بكيفية لا ينفذ بها من مسامها الغاز الذي هو ألطف من الهواء فتملأ القبة بتلك المادة فتصعد في الجو لصيرورتها أخف من الهواء. وفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة وألف اخترع ولتا البيل الذي يستعمل للتذويب وللتلغراف الكهربائي، وفي سنة إحدى وثمانمائة وألف اخترع جكار الحائك آلة النسج التي تنسج بدون واسطة اليد، وهذه الآلة أورثت تبدلا كبيرا في أمر النسج وارتفع بها شأن فبريكات ليون بفرانسة التي تصنع الأقمشة الحريرية وغيرها؛ ولذلك رفع أهلها صورة المخترع المذكور ببطحاء المدينة إظهارا لممنونيتهم له. وفي سنة ست عشرة وثمانمائة وألف ظهر بلندرة حادث إسراج الغاز، كما ظهر بها في السنة المذكورة الستينوغرافي، وهي كيفية تسهل استيعاب الكاتب جميع ما ينطق به اللسان السريع باصطلاح مخصوص، والواضع لها رامزي من أهل سكوتلاند. وفي سنة تسع وعشرين وثمانمائة وألف ظهرت أول كروسة تامة تجري على طريق من الحديد، وهي من مخترعات المهندس ستيونصن الإنكليزي، واخترع ويتصطون الإنكليزي أيضا الكيفية المستعملة في التلغراف المذكور، واخترع نيبس وداغير الفوتغرافي؛ أي ارتسام الصورة بواسطة المرآة وبقاءها، ولهذه الصناعة فوائد جمة في الطبيعيات والفلك.
ولما كان تقدم أهل أوروبا في ميدان التمدن الذي من نتائجه الاختراعات المشار إليها، إنما كان بتمهيد طرق العلوم والفنون وتسهيل أسباب استحصالها، وكان للمملكة الفرنساوية مزيد شهرة بحسن التنظيم في أطوار التعلم والتعليم؛ رأينا أن نبين تراتيبها الناجحة ليقاس عليها بقية الممالك لاقتداء بعضهم ببعض في مثل ذلك، فنقول: اعلم أن طبقات المتعلمين عندهم ثلاث؛ لأن المتعلم إما مبتدئ أو متوسط أو منته، وانقسام الفنون على هذه الطبقات باعتبار سهولة الفن وصعوبته، فالفنون الأولية مثل: علم الأخلاق وأصول الديانة والقراءة والكتابة والمفردات اللغوية وأصول الحساب والوزن والكيل، وأصول التاريخ والجغرافيا ومبادئ سر الطبيعة والاستدلال بالموجودات الأرضية، ومبادئ الفلاحة والصناعات، وقانون حفظ الصحة وأصول المساحة ورسم الأرض والتصوير الخطي والألحان، وكيفية تقوية الأعصاب بالحركات الرياضية، فهذه الفنون الأولية تدرس في المكاتب العمومية المقامة من الدولة أو الإيالة أو البلدة أو القرية، وفي المكاتب المطلقة ومحال المرحمة المقامة من خصوص أشخاص من الناس وجمعيات من المحسنين.
أما فنون الطبقة المتوسطة التي ينتقل إليها بعد تحصيل ما يجب تحصيله من المعارف الأولية فهي: علم اللغات القديمة والحادثة، وعلم البيان والمنطق والفلسفة والعلوم الرياضية والطبيعية والتاريخ، وجميع هذه العلوم تدرس في مكاتب للدولة ومكاتب لأهل البلدان، وأماكن خصوصية ومحال صغيرة لتعليم الرهبان.
وأما الطبقة المنتهية فمنهم من يتعلم بالمكاتب العالية ومنهم من يحضر مجامع مدرسي العلوم والإنشاء الذين يجيزون الطلبة بعد امتحانهم بحضرتهم. والمجامع المشار إليها مشتغلة بدراسة العلم الإلهي وأحكام النوازل وصناعة الإنشاء ونحو ذلك، وتتنوع إلى خمسة أصناف: أحدها يحتوي على ثمانية مجامع وظيفتها تعليم العلم الإلهي، ستة منها على مقتضى العقيدة الكاثوليكية، واثنان على مقتضى العقيدة البروتستانية، ومن شعب هذا العلم عندهم فروض الديانة وعلم الأخلاق ونظام الكنيسة والكتاب الموصوف عندهم بالمقدس واللسان العبراني. والصنف الثاني: يحتوي على تسعة مجامع وظيفتها تدريس علم النوازل المنقسم عندهم إلى القواعد العمومية وأحكام الرومان، والقانون المدني وأحكام الجنايات وأعمال المجالس وقياس العقوبات بأحكام البلدان والقانون المتجري وأحكام الإدارة العمومية وأحكام ما يقع بين الأمم والأحكام الفرنساوية. والصنف الثالث: يحتوي على ثلاثة مجامع وظيفتها دراسة علم الطب المتناول للتشريح وتركيب الحيوان وتاريخ الطبيعة المتعلق بالطب، وقانون الصحة ومعرفة الأمراض الظاهرية والباطنية وكيفية المعالجة ومواد الأدوية وعلاج الجراحات وأحوال الولادة، وهناك مكاتب كبار لتعليم كيفية تركيب الأدوية، ومكاتب أخرى للاستعداد لتعاطي فن الطب. والصنف الرابع: يحتوي على مجامع وظيفتها دراسة علوم مختلفة كعلم الهيئة والفلك وعلم الجبر والمساحة وعلم المكنيك؛ أي التصرف بالآلات كجر الأثقال، وعلم استعمال الآثار الطبيعية كالتصوير بالمرآة، وعلم الكيمياء وعلم طبيعة الأرض والنبات وتركيبه، وعلم طبائع الحيوانات. والصنف الخامس: يحتوي على مجامع وظيفتها تعليم الإنشاء وسائر العلوم الأدبية وعلم الفلسفة وتاريخها وآداب اليونان والشعر اللاتيني والفرنساوي وآداب الأجانب والنحو والتاريخ قديمه وحديثه والجغرافيا. وهناك مكاتب للاستعداد للفنون المذكورة ويقرأ فيها تاريخ فرنسا كالجغرافيا الطبيعية والسياسية وعلم الرسم. ومن عوائدهم أن يختموا كتبهم في المكتب العالي المشتهر بمكتب فرنسا، وهناك مكتب لتعليم الألسنة المشرقية، ومحل مخصوص بتعليم أخذ الأطوال ، ومحل الرصد السلطاني بباريس، والمحل المعد لوضع الحيوانات المصبرة على اختلاف أنواعها وأنواع الأحجار، والمكتب السلطاني المعد للخريطات الجغرافية ومكتب البوزار؛ أي الصناعات المستظرفة ومكاتب أعمال اليد ومكتب التصوير السلطاني ومحل تعليم قواعد الموسيقى ومكتب تعليم مخاطبات التياطرات، وجميع المكاتب المشار إليها تحت رعاية وزير المعارف، وما عداها من المكاتب الخصوصية فإنها وإن كانت خارجة عن دائرة الإدارة العمومية إلا أنها لا تخرج عن دائرة المراقبة، حيث يجب تفقدها فيما يتعلق بتهذيب الأخلاق وحفظ الصحة وموافقة التعليم لمقتضى قوانين البلد.
ثم إن هناك خمس جمعيات من كبار علمائهم يسمى كل منها ب «الأكدمية»، وتسمى الجمعية الأولى أكدمية فرنسا والثانية أكدمية الخطوط القديمة والثالثة أكدمية العلوم والرابعة أكدمية البوزار والخامسة أكدمية السياسة وتهذيب الأخلاق. فوظيفة الجمعية الأولى: الاعتناء بتصفية اللغة وتحرير أوضاعها. ووظيفة الثانية: تحرير الأقلام القديمة واستخلاص الألسنة العلمية والنظر في الهياكل القديمة والتواريخ. ووظيفة الثالثة: نشر رسائل في سائر أنواع العلوم، وهذه الجمعية بمثابة مجلس لتحرير سائر العلوم. ووظيفة الرابعة: النظر في أحوال الأبنية والأدهان والنقش والتصوير والموسيقى، وهذه الجمعية هي التي تعين من يستحق الدخول في مكتب البوزار. ووظيفة الخامسة: النظر في أحوال علوم الفلسفة والأحكام والحقوق العامة والإكونومي بوليتيك؛ أي الاقتصاد السياسي، والاستاتستيك وتاريخ الفلسفة العمومي والإدارة السياسية والمالية. ولكل من هذه الجمعيات تعيين جوائز المؤلفين من مقدار مال أو نيشان من الصنف المعروف عندهم بالمداليا، والجوائز تارة تكون من الدولة وأخرى من بعض أعيان البلد ترغيبا في الاختراع.
وهناك مكاتب أخرى لتعليم سائر العلوم والفنون الحربية البرية والبحرية، وجمعيات أخرى وظيفتها الإعانة في أسباب التقدم في المعارف والفلاحة وسار الصنائع، منها: جمعية الطب وإدارة الموزيات السلطانية وجمعية الترغيب في الصناعات الأهلية والجمعية السلطانية المركزية في الخضر والنباتات المتكفلة بجلب غير الموجود منها من سائر الأقطار وتدبيره بما يكون سببا في بقائه عندهم، حتى صار بهذه الواسطة يوجد عندهم غالب ما يوجد في سائر المعمور، وجمعية في الجغرافيا وأخرى في بنية الكرة الأرضية، وأخرى في حوادث الجو والآثار القديمة وأحوال الأمم، وأخرى في خصوص أحوال آسيا، وأخرى في الاقتصاد السياسي، وأخرى في مبادئ العلوم، وأخرى في الجراحات، وأخرى في تركيب الأسنان، وأخرى في تواريخ فرنسا، كما أن بإيالات فرنسا كثيرا من هذه الجمعيات. ويوجد كثير من المدارس لتعليم كيفيات التصوير وأعمال اليد، وهناك مكاتب تتعلق بالمعادن، ومكتب كبير لأصول التجارة وأماكن خصوصية لذلك تحت رعاية الدولة، وثلاثة مكاتب سلطانية لتعليم البيطرة ومثلها لتعليم فنون الفلاحة، واثنان وخمسون جريبا لامتحان قواعد الفلاحة. والعارفون بقواعد الفلاحة متوزعون في بلدان المملكة، ومن مكاتب الفلاحة ما هو دائم التعليم، ومنها ما لا يفتح إلا في أوقات مخصوصة، ومن تاقت نفسه إلى تفاصيل العلوم والفنون المشار إليها فعليه بمطالعة الفصل الثالث عشر من المقالة الثالثة من رحلة العالم البارع الشيخ رفاعة أحد علماء مصر المسماة ب «تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز»، فقد كشف فيها الغطاء عن تدبير الأمة الفرنساوية التي رفعت راية التمدن وأجاد في ذلك وأفاد.
ومن آثار اعتنائهم بتوسيع دوائر العرفان الذي هو أساس التمدن والتهذيب لنوع الإنسان كثرة خزائن الكتب الجامعة لسائر الفنون، وتسهيل طرق الانتفاع بها بحسن الإدارة والترتيب الحاسم لمواد العوائق، كما يتضح ذلك بالتفصيل الآتي، ولنقتصر في بيان كثرة الكتب بالبلدان الأوروباوية المعتبرة على ما حرره نتالي وزير المعارف العمومية بإيطاليا بعد تمام بحثه عن ذلك سنة سبع وستين وثمانمائة وألف، فذكر أن الموجود بخزائن إيطاليا من الكتب المجلدة أربعة ملايين ومائة وأربعون ألفا ومائتان وواحد وثمانون مجلدا غالبها من الكتب القديمة المتعلقة بالديانة، وبخزائن بريطانية العظمى مليون وسبعمائة وواحد وسبعون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون مجلدا، فيكون لكل مائة نفس من الأهالي ستة مجلدات، وعلى قياس هذه النسبة يكون لكل مائة نفس من أهالي إيطاليا أحد عشر مجلدا وسبعة أعشار المجلد. ويوجد ببلاد النمسة مليونان وأربعمائة وثمانية وثمانون مجلدا، وبالنسبة للأهالي يكون لكل مائة نفس ستة مجلدات وتسعة أعشار المجلد. ويوجد بالبروسية مليونان وأربعون ألفا وأربعمائة وخمسون مجلدا، فيكون لكل مائة نفس من أهاليها أحد عشر مجلدا. وفي الروسية ثمانمائة ألف واثنان وخمسون ألف مجلد، فيكون لكل مائة من أهاليها مجلد واحد وثلاثة أعشار المجلد. وفي البلجيك خمسمائة ألف وتسعة آلاف ومائة مجلد، فيكون لكل مائة من الأهالي عشرة مجلدات وأربعة أعشار المجلد. وفي باواريا مليون ومائتان وثمانية وستون ألفا وخمسمائة مجلد، فيكون لكل مائة من أهليها ستة وعشرون مجلدا وخمسا المجلد. كما يوجد بفرنسا أربعة ملايين وثمانمائة وتسعون ألف مجلد، فيكون لكل مائة من أهاليها أحد عشر مجلدا وسبعة أعشار المجلد (فهي مثل إيطاليا، قال): وبهذه النسب يظهر أن مملكة باواريا أكثر كتبا من غيرها بالنسبة إلى عدد الأهالي، وإن كان الموجود بفرنسا لا يوجد بغيرها من الممالك. وفي مدينة باريس وحدها ثلث العدد الموجود بمملكة فرنسا كلها، ففي «قاموس العلوم» المؤلف في هذه السنين الأخيرة أن الخزانة السلطانية بباريس بها من الكتب على ما تحرر في سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف مليون كتاب مطبوع وثمانون ألفا بخط اليد، وغاية ما كان بها وقت تأسيسها في سنة ثمانين وثلاثمائة وألف تسعمائة وعشرة مجلدات، وصار بها في سنة سبع وأربعين وخمسمائة وألف ألف وثمانمائة وتسعون مجلدا، ثم في سنة أربعين وستمائة وألف صار مقدار ما بها ستة عشر ألفا وسبعمائة وستة وأربعين مجلدا، وفي سنة أربع وثمانين وستمائة وألف صار قدر ما بها خمسين ألفا وخمسمائة واثنين وأربعين مجلدا، وفي سنة خمس وسبعين وسبعمائة وألف صار بها مائة وخمسون ألف مجلد، وفي سنة تسعين وسبعمائة وألف صار بها مائتا ألف مجلد، واليوم بها مليون من الكتب المطبوعة وثمانون ألفا بخط اليد كما تقدم، كما بها أربعون ألف خريطة في فن الجغرافيا وعدد كثير من الرسائل ونحوها مما لا يطلق عليه اسم المجلد.
وبهذا التفاوت الكبير الواقع في مواد المعارف يعلم مقدار تأثير الحرية في الممالك، فإنا نرى الخزانة المذكورة في مدة أربعمائة وعشرة أعوام من مبتدأ تأسيسها الذي هو سنة ثمانين وثلاثمائة وألف إلى سنة تسعين وسبعمائة وألف لم يتحصل بها إلا مائتا ألف مجلد، ومن ذلك التاريخ الذي هو مبدأ الحرية بفرنسا إلى سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف التي هي تمام أربع وسبعين سنة، من ذلك الوقت ازداد في الخزانة المذكورة ثمانمائة وثمانون ألف مجلد دون ما لم يمكن حصره من الرسائل المشار إليها، وعلى هذا يقاس سائر أسباب التمدن. ويوجد بباريس ثلاثون خزانة سوى الخزانة المذكورة متفاوتة في الكبر، كما توجد خزائن معتبرة في سائر تخوت الممالك.
وأما بيان حسن إدارتها المسبب لغاية سهولة الانتفاع بها فهو أن أماكن الخزائن المشار إليها تفتح كل يوم قدر خمس أو ست ساعات، ومنها ما يفتح بالليل أيضا قدر ثلاث ساعات، وذلك فيما عدا يوم الأحد وأيام الأعياد التي لا تتجاوز مدتها شهرا في السنة وأيام التسريح للاستراحة، وإنما تفتح في سائر الأيام للطلبة الراغبين في الاستفادة، وأما الذين يأتون بقصد مجرد الاطلاع فلا يسوغ لهم ذلك إلا في يومين من الأسبوع. وللخزائن المشار إليها نظار وخدمة بقدر الكفاية، وحولها بيوت للتعلم تسخن في الشتاء، وهي محتوية على آلات الكتابة عدا الكاغد فيأتي به مريد الاستنساخ، ويطلب من المكلف الكتاب الذي يريده ببطاقة يدفعها إليه، وإذا احتاج إلى أكثر من كتاب يبين السبب فيها فيدفعها المكلف للخدمة فيحضر له في الحين ما طلب، وحين خروجه من ذلك المحل يسلم للمكلف ما أخذه من الكتب. وهذه المنحة مبذولة لكل راغب سواء كان من الأهالي أو الأجانب، أما من كان من المؤلفين المشهورين فيسوغ له نقل الكتب للانتفاع بها في مهلة أقصاها عام إذا طلب ذلك بالكتابة وبين السبب الداعي لأخذ الكتاب، وعند مضي المدة إما أن يرجع ما أخذ أو يطلب تجديد التسويغ مدة أخرى.
ومما يناسب سوقه هنا اعتناؤهم بأسباب تهذيب أبناء العائلة الملكية وتوسيع دائرة معارفهم، ولا شك أن ذلك من الأصول المعتبرة النافعة في إدارة المملكة غاية النفع، فنقول: من عادتهم أن من يبلغ من أبناء العائلة سن التربية ينتخب له رئيس تلك العائلة معلمين مهرة يعلمونه من فنون العلم ما يناسب حاله، والمراد منه من كل ما يهذب أخلاقه ويوسع في المعارف نطاقه، فإذا بلغ من التعلم أشده يوجه إلى الممالك الأجنبية لمشاهدة أحوالها ومطالعة سياستها وأحكامها وما لها من التقدم في العمران وغيره؛ ليتحقق بالمشاهدة ما بينها وبين بلاده من التفاوت ليعتبر أسباب ذلك وقت مباشرته لسياسة المملكة، فيتجنب ما تأخرت به بلاده إن رأى غيرها خيرا منها، ويعتني بما تقدمت به إن رآه دونها، فإذا بلغ من العمر نحو ثمان عشرة سنة يصير من أعضاء المجلس الأعلى يحضره ولا يكون له كلام فيه إلا إذا بلغ من العمر خمسا وعشرين سنة، وفائدة ذلك التدرب على الأمور السياسية ومثافنتها حتى يستكمل الملكة فيها مع ما يحصل له بذلك من الخبرة بطبقات رجال السياسة المتأكد معرفتها على من يترشح للرئاسة التي هي أعظم الخطط البشرية وأصعبها، فيجب على متقلدها من الاستعداد والمعرفة بمقتضيات الأحوال المختلفة ما لا يجب على غيره، لا سيما معرفة أهل الخبرة والمروءة والنجدة من رجال المملكة لينتخبهم للخطط المعتبرة مع التفطن لدسائس الحساد والمفسدين، فإن المطلوب من الملوك ليس هو مجرد فصل النوازل الشخصية كما هو مشاهد في بعض الممالك الإسلامية، ولا مباشرة جزئيات الإدارة التي يمكن إجراؤها بغيرهم من المتوظفين، وإنما المطلوب منهم النظر في كليات الأمور من معرفة الرجال اللائقين بالخطط وامتحانهم وتعقبهم بالمراقبة لإرشاد جاهلهم وزجر متجاهلهم، وتفقد أحوال الرعايا والإعانة على تكثير الصنائع والعلوم الموصلة إلى تهذيب الأخلاق ونمو الأرزاق، والعناية بتنظيم العساكر البرية والبحرية وتحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة لحفظ الدين والوطن، وإصلاح أحوال الخلطة السياسية والمتجرية مع الدول الأجنبية بما ينمو به عز المملكة وثروتها، إلى غير ذلك من الكليات، فإن سعادة الممالك وشقاوتها في أمورها الدنيوية إنما تكون بقدر ما تيسر لملوكها من ذلك، وبقدر ما لها من التنظيمات السياسية المؤسسة على العدل ومعرفتها واحترامها من رجالها المباشرين لها.
نقل عن المؤرخ بوليبيوس اليوناني - الذي تكلم على سياسة الأمة الرومانية وما وقع بينها وبين أهل قرطاجنة من الحروب - أنه قال في معرض الاستدلال على أن المباشر للأمر يلزمه أن يكون عارفا بأصوله ما معناه، إذا كان المريض لا يرتجى له حصول العافية على يد طبيب يجهل نوع المرض والدواء المناسب له، فكذلك المملكة لا يرجى خيرها واستقامتها إذا كان وزراؤها المباشرون يجهلون أصول سياستها وقوانين شرائعها وعاداتها. ولا يخفى أن حصول خير المملكة إذا كان يمتنع بسبب الجهل بأصول السياسة، فامتناعه - إذا انضم لذلك عدم وجود تلك الأصول بالكلية - أحرى وأولى؛ لأن السبب في الحالة الأولى دائر بين الجهل والتجاهل وكلاهما أمر عارض تمكن إزالته بتبديل المباشرين أو إرشاد جاهلهم وإلزام متجاهلهم بالجريان على الأصول المحفوظة، أما إذا لم يوجد من تلك الأصول شيء يرجع إليه وسند مضبوط يقع التعويل عند الاشتباه عليه، فإن هاته الحالة يتسع فيها مجال الأغراض والشهوات من الآمر والمأمور، وربما يئول أمر الدولة إلى الاضمحلال والدثور، ولله عاقبة الأمور.
هذا، ولما تضمن ما أوردناه في هذا المجال الإشارة إلى أن الحرية هي منشأ سعة نطاق العرفان والتمدن بالممالك الأوروباوية رأينا من المتأكد بيان معنى الحرية عرفا لدفع ما عسى أن يقع من الالتباس فيها.
فنقول: إن لفظ الحرية يطلق في عرفهم بإزاء معنيين؛ أحدهما: يسمى الحرية الشخصية، وهو إطلاق تصرف الإنسان في ذاته وكسبه مع أمنه على نفسه وعرضه وماله ومساواته لأبناء جنسه لدى الحكم، بحيث إن الإنسان لا يخشى هضيمة في ذاته ولا في سائر حقوقه ولا يحكم عليه بشيء لا تقتضيه قوانين البلاد المتقررة لدى المجالس، وبالجملة فالقوانين تقيد الرعاة كما تقيد الرعية. والحرية بهذا المعنى موجودة في جميع الدول الأوروباوية إلا في الدولة البابوية والدولة المسكوبية؛ لأنهما مستبدتان، وهما وإن كانتا ذواتي أحكام مقررة إلا أنها غير كافية لحفظ حقوق الأمة؛ لأن نفوذها موقوف على إرادة الملك. المعنى الثاني الحرية السياسية: وهي تطلب الرعايا التداخل في السياسات الملكية والمباحثة فيما هو الأصلح للمملكة على نحو ما أشير إليه بقول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه؛ يعني انحرافا في سياسته للأمة وسيرته معها. ولما كان إعطاء الحرية بهذا المعنى لسائر الأهالي مظنة لتشتيت الآراء وحصول الهرج عدل عنه إلى كون الأهالي ينتخبون طائفة من أهل المعرفة والمروءة تسمى عند الأوروباويين ب «مجلس نواب العامة» وعندنا بأهل الحل والعقد، وإن لم يكونوا منتخبين من الأهالي، وذلك أن تغيير المنكر في شريعتنا من فروض الكفاية، وفرض الكفاية إذا قام به البعض سقط الطلب به عن الباقين، وإذا تعينت للقيام به جماعة صار فرض عين عليهم بالخصوص. ومجلس النواب المشار إليهم موجود في سائر الممالك الأوروباوية ما عدا المملكتين المتقدم ذكرهما، وله أن يتكلم بمحضر الوزراء وغيرهم من رجال الدولة بما يظهر له في سيرة الدولة من استحسان وضده وغير ذلك من المصالح العمومية كما يأتي:
وبقي وراء ذلك للعامة شيء آخر يسمى «حرية المطبعة»، وهو أن لا يمنع أحد منهم أن يكتب ما يظهر له من المصالح في الكتب والجرنالات التي تطلع عليها العامة أو يعرض ذلك على الدولة والمجالس، ولو تضمن الاعتراض على سيرتها. وفي هذا المقدار افترقت الممالك الأوروباوية، فمنهم من ناله مع الأول فتمت له الحرية المطلقة، ومنهم من ناله بشروط معتبرة عند الملوك التي لم ترخص لرعاياها ما تيسر لغيرها إعطاؤه من الحقوق؛ وذلك أن أحوال الممالك متفاوتة بتفاوت مقاصد رعاياها، فمنهم من لا ينازع الملوك إلا لقصد الحصول على ما يسوغ لهم معارضة الدولة إن حادت عن سواء السبيل واستجلابها لما فيه صلاح المملكة، وحينئذ تيسر للملوك إعطاء تمام الحرية لتوارد مقصد الراعي والرعية على المصلحة. ومنهم من يظن به أن الباعث له على المناضلة فرط التعصب والحمية، حيث تفترق الرعايا أحزابا كل حزب يروم السياسة التي يراها أصلح للمملكة في نظره، كأن يرى البعض أن تكون الدولة جمهورية والبعض يختار أن يكون الملك في عائلة غير التي يختارها الآخر، فينشأ عن ذلك ظن الدولة أن معارضة الأحزاب لها وإن كانت بحسب الظاهر لإلجائها إلى طرق المصلحة، لكن الغرض منها وراء ذلك. وبذلك الظن الناشئ عما ذكر استباح الملوك الامتناع من إعطاء تمام الحرية الموصل لما أشير إليه.
هذا وإن من واجبات الممالك التي تنال الحرية ولو خصوص الشخصية أن يقابلوا تلك النعمة بإظهار آثارها واستجناء ثمارها بتعاطي المعارف وأنواع الصناعات الراجعة إلى الأصول الأربعة؛ الفلاحة والتجارة والأعمال البدنية والفكرية، وبهذه الأصول قوام السعادة الدنيوية المربية للهمة الإنسانية وكمال الحرية المؤسسة على العدل وحسن نظام الجماعة، حتى يكون المحترف مثلا آمنا من اغتصاب شيء من نتائج حرفته أو تعطيله في بعض أحوال خدمته، فما ينفع الناس كون أرضهم خصبة كريمة المنابت، إذا كان الباذر فيها لا يتحقق حصاد ما زرع ومن الذي يقدم حينئذ على ازدراعها، ولضعف أمل الناس في كثير من أراضي آسيا وأفريقية تجد أخصب مزارعها بورا معطلة، ولا شك أن العدوان على الأموال يقطع الآمال، وبقدر انقطاع الآمال تنقطع الأعمال إلى أن يعم الاختلال المفضي إلى الاضمحلال.
ومن أهم ما اجتناه الأورباويون من دوحة الحرية تسهيل المواصلة بالطرق الحديدية، وتعاضد الجمعيات المتجرية، والإقبال على تعلم الحرف والصنائع، فبالطرق تستجلب نتائج البلدان القاصية قبل فوات إبان الانتفاع بها بعد أن كان جلبها متعذرا لطروء الفساد عليها في الطريق أو لزيادة كرائها على أضعاف قيمتها، وبالجمعيات تتسع دوائر رءوس الأموال، فتأتي الأرباح على قدرها وتتداول على المال الأيدي المحسنة لتنميته، وبتعلم الحرف تكتسب الأموال الذريعة عن غير رأس مال. وقد رأينا بالمشاهدة أن البلدان التي ارتقت إلى أعلى درجات العمران هي التي تأسست بها عروق الحرية والكونستيتوسيون المرادف للتنظيمات السياسية، فاجتنى أهلها ثمارها بصرف الهمم إلى مصالح دنياهم المشار إلى بعضها. ومن ثمرات الحرية تمام القدرة على الإدارة المتجرية، فإن الناس إذا فقدوا الأمان على أموالهم يضطرون إلى إخفائها فيتعذر عليهم تحريكها. وبالجملة فالحرية إذا فقدت من المملكة تنعدم منها الراحة والغنى ويستولي على أهلها الفقر والغلاء ويضعف إدراكهم وهمتهم كما يشهد بذلك العقل والتجربة.
وما أشرنا إليه من أن الشركات الجمعية من أسباب نمو النتائج المتجرية معقول مجرب، فإن قوة الاجتماع معهودة في سائر الأمور العادية وغيرها، وكلما تمكن حب الاشتراك من قلوب أهل المملكة يشاهد نمو المكاسب فيها بالعيان، ولذلك كثرت الجمعيات بأوروبا في سائر المعاملات المدنية والمتجرية وغيرها، وتكاثرت الخدمات برا وبحرا، وكثرت مجامع العلوم وجمعيات المحسنين للضعفاء والمساكين، وتكرر التعاون على استخراج المعادن واصطناع الخلج ومجاري المياه التي تصعد بها السفن إلى الجبال ثم تنزل، وطرق الحديد ... إلى غير ذلك من المهمات التي لم تكن تحدث لولا وجود تلك الجمعيات، فمن الذي كان يقدر وحده على اصطناع طريق حديد أو يخاطر بجميع ماله على فرض قدرته في إحداث ما لم يتيسر لهم إلا باشتراك مائتي أو ثلاثمائة ألف نفس بخلاف مخاطرة الواحد منهم بنزر يسير من ماله، فإنها غير مجحفة ولا مستبعدة. ثم إن الجمعية إذا كانت كبيرة وكان فيها فائدة عمومية فإن الدولة قد تضمن لها ربحا معلوما في المائة وإدارة الجمعية تكون بيد أناس ينتخبون من أرباب الحصص لهم مزيد شهرة ومعرفة بإجراء قانون الشركة وحفظ فوائدها، وعند تمام السنة يقدمون حساب ذلك مع سائر متعلقات الإدارة، ويعينون الفوائد لأرباب الحصص المشار إليهم.
ومن أعظم مآثر المشاركة شق خليج السويس وطريق الحديد الجامع بين طرفي البحر المحيط بأميركا، وثقب جبل ألب الكائن بين إيطاليا وفرنسا، وقطع جبل البريني بين فرنسا وإسبانيا لمرور طريق الحديد بهما وإحداث السرداب تحت وادي تامس بلندرة، وعقد الجمعية المسماة ب «مسجري أمبريال» التي لها من السفن الجليلة ما هو مشاهد في سائر البحور، ووضع سلك التلغراف تحت البحر المحيط من إنكلترة إلى أميركا، ونحو ذلك من الإعانات التي وجدها في المشاركة رجال الدول وأرباب الاختراع وحذاق المحترفين.
ومعلوم أن قوة المجموع أشد بكثير من قوى الجميع، والناس إذا تعاضدوا على شيء توصلوا إلى المقصود منه ولو كان من أصعب الأمور، وكفى حجة لذلك الحادثان الهائلان؛ وهما: بنك فرنسا المشهور ومستعمرات الإنكليز بالهند؛ فإن دولة إنكلترة تملكت بجمعية من تجارها تسمى كومبانية الهند مسافة ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف متر مربع، بها من السكان مائة وخمسة وثمانون مليون نفس. وأما بنك فرنسا فإنه كان في سنة ثمانمائة وألف رأس ماله ثلاثون مليون فرنك متجمعة من ثلاثين ألف سهم، وفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف بلغ ما به من النقود واحدا وتسعين مليون فرنك، وبلغت كواغده المالية الرائجة بين الناس وفي المعاملة رواج المسكوك مقدار اثنين وخمسين وأربعمائة مليون فرنك في أواخر سنة تسع وأربعين وثمانمائة وألف، رخص من الدولة للبنك المذكور أن يزيد في كواغده الرائجة إلى أن تبلغ مقدار خمسة وعشرين وخمسمائة مليون فرنك، وفي سنة سبع وخمسين وثمانمائة وألف طلب البنك من الدولة تجديد المدة إلى تمام أربعين سنة مستقبلة، فأذنت له بشرط تضعيف ما به من النقود حتى يصير تقريبا مائتي مليون فرنك، فضاعف ذلك وتممت له الدولة مطلوبه.
ثم إن من تصرفات البنك عندهم صرف كواغد الحوالات التي تكون مصححة بخط ثلاثة أشخاص يعرف مجموعهم بالملأ الذي يناسب المعاملة بذلك المبلغ الذي تضمنته وقبض ما كلف البنك بقبضه من الحوالات لأربابها بأجر معلوم، إلا إذا كانت في البلد الذي هو به، فإنه يفعل ذلك بلا عوض، وقبول ودائع الناس لمجرد حفظها، ومراسلة من يضع فيه مالا وتتميم المحاسبة معه، وإقراض المال لمن يريده إذا دفع رهنا ثقة غير الربع والعقار من كل ما يصير عينا بسهولة كسهام طرق الحديد والكواغد التي تباع من اقتراض الدول والسبائك ونحوها، وإعطاء كواغد الحوالات على نوابه كما يحيل عليه النواب أيضا، وله خمسة وخمسون نائبا في بلدان متفرقة، وإذا أردت أن تعرف كيفية تدرجه إلى هذه الحالة الراهنة وكيف اتسعت دائرة المعاملات بأوروبا في هذه المدة الأخيرة منذ ثلاثين سنة، فاعلم أن البنك المذكور لم يكن به من الكواغد في سنة ثلاثين وثمانمائة وألف إلا مقدار ثلاثمائة وخمسين مليون فرنك، واليوم به من النقود ما تقدم آنفا، وهو ما يقرب من مائتي مليون فرنك، ومن الكواغد الرائجة مع ما في الصندوق من الحوالات وغيرها مقدار ألف وستمائة مليون فرنك، هذا مع أن البنك كان في الزمن السابق مستقلا بمعاملة الناس، وأما الآن فقد زاحمه كثير من الجمعيات كجمعية معاملة الصناع والتجار والكريدي المعينة لمعاملة أرباب الأراضي والكريدي المعينة لمعاملة أرباب المنقولات والجمعية العامة وصندوق الودائع، ونحوها من الجمعيات. وبالجملة فإذا قال قائل: إن الملايين التي كانت الناس تتعامل بها سابقا صارت اليوم ألوف ملايين، فلا يكون قوله بعيدا عن الصدق.
ومن أسباب تقدمهم العناية بمن اخترع شيئا لم يسبق إليه أو أجاد في عمل مفيد، فمن ذلك أن بتخوت الممالك المشار إليها مواضع معتبرة تعرض فيها نتائج المملكة من نباتات وحيوانات ومصنوعات مستغربة ونحوها بعد كل خمسة أعوام أو أقل أو أكثر بحسب مقتضى حال المملكة، وينعقد لذلك مجمع مركب من العارفين بحقائق الأشياء ليتأملوا فيها، فإن وجدوا شيئا منها مستبدعا أعطي مخترعه قطعة من نحاس أو فضة أو ذهب تسمى «المداليا» على شكل المسكوك مرسوما في أحد وجهيها صورة الملك وفي الآخر مكان العرض وتاريخه، وقد يستحق متقن صناعته نشان الافتخار. فإن قيل: ما فائدة هاته القطع التي أعلاها قطعة ذهب وهي لا تفي ببذل الجهد والمكابدة في الاختراع؟ فالجواب: إن آخذ تلك القطع زيادة على الشهادة له بالكمال والتقدم فيما هو بصدده من الأعمال يتوصل بذلك إلى ما يؤمله من الرغبة في سلعته المثمرة لنمو مكاسبه؛ لأن سائر ما يقع في ذلك المجمع يطبع في صحف الأخبار ليشيع في الناس، وربما أعطي المخترع مبلغا من المال، وقد كان نابوليون الأول أصدر أمرا بإعطاء مليون فرنك لمن يحدث آلة تغزل الكتان وحدها. ومن عناية ملوكهم بهذا المجمع أن الملك يحضره بنفسه مع رجال دولته حضورا رسميا عند فتح المعرض وعند انتهائه، ويعلن للحاضرين بخطبة تتضمن مدح من أتى بشيء مستبدع لتتوفر الدواعي ويتنافس الناس فيما ينمي منافع الوطن. وإذا طلب أحد المخترعين من الدولة ولو خارج المعرض قبل إشهاره مخترعه الرخصة في الاستبداد باصطناعه مدة لا يصطنعه غيره فيها إلا بإذن تعطى له الرخصة في ذلك بشرط أن لا تتجاوز المدة خمسة عشرة سنة، وأن يدفع للدولة شيئا معلوما في مقابلة الاختصاص.
وأما المؤلفات فإنها تبقى ملكا لصاحبها مدة حياته ويختص بها ورثته بعد موته سبع سنين، وفي بعض الممالك ثلاثين سنة ثم يرتفع التحجير المشار إليه، ولولا هذا التخصيص ما انبعثت رغبات الناس إلى الاختراع والتأليف؛ لأن المخترع يلزمه ما لا يلزم المقتدي من اقتحام شاق الأعمال والمخاطرة بمصاريف التجريب وإضاعة غالب الأوقات في التدبير، فإذا لم يعط هذا الاختصاص كانت أعماله المذكورة بلا عوض حيث شركه غيره في فائدتها.
ومن وجوه الترغيب عندهم أن من اخترع أمرا مهما تجعل صورته من رخام أو نحاس وتوضع في الأماكن المعدة لاجتماع الناس أو يسمى باسمه ما يتفق حدوثه في تلك المدة من قنطرة أو طريق جديد أو نحو ذلك؛ ليبقى بذلك ذكره. وحاصل سياستهم في هذا الشأن اعتبار ما حقه أن لا ينسى بأي نوع يقتضيه حاله من وجوه الاعتبار، كما اعتبرت ذلك الدولة العلية عند تأسيسها سوقا بدار الخلافة لعرض نتائج المملكة، وقد وقع العرض المذكور في سنة ثمانين ومائتين وألف هجرية. وفي سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وألف وقع بإنكلترة للمعرض المشار إليه ترتيب عجيب، وهو أنهم أسسوا محلا في غاية الاتساع والضخامة وأعدوه لعرض نتائج الممالك من سائر المعمور، ثم وقع مثله في فرنسا سنة خمس وخمسين وثمانمائة وألف، ثم تكرر بإنكلترة، ثم أعيد في فرنسا بمزيد اعتناء سنة سبع وستين وثمانمائة وألف، كل ذلك ليقتدي المتأخر بالمتقدم في الصناعات ونحوها، مع ما يحصل لتجار تلك المملكة من الأموال الغزيرة الناشئة عن معاملة ملايين من النفوس الأجانب الوافدين عليها لذلك، وإدارة هذه المجامع وتعيين المنازل لأرباب الصنائع والبضائع، وتعيين من يستحق الجزاء ونحو ذلك موكولة لنظر مجلس مرءوس بأمير من البيت الملكي إظهارا لمزيد الاعتبار.
وقد آن أن نبين أصول تنظيماتهم السياسية التي هي أساس التمدن والثروة المشار إلى بعض آثارهما آنفا، فنقول: اعلم أن الأمم الأوروباوية لما ثبت عندهم بالتجارب أن إطلاق أيدي الملوك ورجال دولهم بالتصرف في سياسة المملكة دون قيد مجلبة للظلم الناشئ عند خراب الممالك، حسبما تحققوا ذلك بالاطلاع على أسباب التقدم والتأخر في الأمم الماضية، جزموا بلزوم مشاركة أهل الحل والعقد الآتي بيانهم في كليات السياسة مع جعل المسئولية في إدارة المملكة على الوزراء المباشرين، وبلزوم تأسيس القوانين المتنوعة عندهم إلى نوعين؛ أحدهما: قوانين الحقوق المرعية بين الدولة والرعية، والثاني: قوانين حقوق الأهالي فيما بينهم. فمرجع الأول إلى معرفة ما لصاحب الدولة وما عليه، ويندرج تحته أمور منها حرية العامة الكافلة بضمانة حقوقهم، ومنها تعيين أصول تصرفات الدولة جمهورية كانت أو وراثية، كتنفيذ القوانين الحكمية وإدارة السياسة الداخلية والخارجية كعمل الحرب وعقد شروط الصلح والتجارة وتعيين الوظائف ونصب المتوظفين من الوزراء وغيرهم، وتأخير من لم تكن وظيفته مؤبدة (وإنما عبرنا بالتأخير لأن عزل المتوظف عن الخطة التي أفنى أطيب عمره في خدمة المملكة لنيلها عزلا يقتضي طرحه من خدمتها بالمرة لا يكون إلا بذنب يثبت لدى مجالس الحكم بمقتضى القوانين)، وكذا صرف المجابي لما عينت له، إلى غير ذلك من إدارة المملكة بما لا يخرج عن مقاصد قوانينها، كل ذلك من حقوق صاحب الدولة بإعانة وزرائه وتأسيس أصول هذا النوع يكون في دولة فرنسا بموافقة غالب رشداء أهل المملكة المتصرفين في حقوقهم الخصوصية والسياسية، وفي غيرها يزاد على الشرط المذكور إما العلم أو ملك عليه مبلغ محدود من الأداء أو الوجاهة المسماة عندهم ب «النوبليس»، وموافقتهم إما بأنفسهم أو بواسطة وكلاء ينتخبونهم لذلك. والنوع الثاني القوانين المحررة لفصل نوازل السكان والتسوية بينهم في المجابي والمنح بحسب المكاسب والاستحقاق، إلى غير ذلك من أحوالهم الداخلية، وتأسيس هذا النوع أو تبديله بما هو أليق بالحال يكون بموافقة المجلسين؛ أعني المجلس الأعلى المركب من أمراء العائلة الملكية وممن ينتخبه الملك من أعيان المملكة مؤبدا وظيفته، ومجلس الوكلاء المركب ممن ينتخبهم الأهالي للمناضلة عن حقوقهم والاحتساب على الدولة، فأهل هذين المجلسين هم أهل الحل والعقد عندهم، فكل ما وافقوا عليه مما لا يخالف تلك الأصول اللازم فيها مشاركة العامة يصير من شرائع المملكة.
وأما مسئولية الوزراء فمعناها: أن يكونوا تحت احتساب مجلس الوكلاء مباشرة كما هو موجود في سائر الممالك الكونستيتوسيونية ما عدا الدولة الفرنساوية اليوم، فإن وزراءها مسئولون للملك وهو مسئول للمجلس. ومن آثار المسئولية المذكورة أن أمور الإدارة المتقدم أنها من حقوق صاحب الدولة يتوقف إنجازها على إجازة الوزراء، بحيث لا يبرم أمرا منها حتى يستشيرهم، وأنهم لا يمكنهم البقاء في الخدمة إلا إذا كان غالب أعضاء مجلس الوكلاء موافقا في سياستهم، فعلم أن المجلسين المذكورين لا يتداخلان في تفاصيل الإدارة، وإنما دأبهما وضع القوانين وحفظها بالاحتساب على الدولة. ومن أعمالهما عند الاجتماع النظر وإعطاء الرأي فيما يعرض على كل منهما من النوازل المهمة الداخلية والخارجية، وسؤال الوزراء عما يظهر لهما متى شاءا، والقدح في سيرتهم خصوصا مجلس الوكلاء، وعلى الوزراء الجواب عن جميع ذلك. وتقع المجادلة بالمجلس علنا بين القادح والمدافع ليتضح الحال ويظهر المصيب من المخطئ. فإذا اتفق غالب مجلس الوكلاء على تصويب سياسة الوزراء بعد التأمل في أدلة القادح والمدافع؛ تيسر للوزراء البقاء في الخدمة، وتحصل حينئذ فائدة الدولة والمملكة، أما الدولة فبكون المجلس لا يتوقف بعد ذلك في أن يسوغ لها أخذ ما تقتضيه المصلحة من المال والرجال؛ لأن من وافق على المصلحة وعلى حسن سيرة مباشرها لا يمتنع من إعطاء ما يلزم لإنجازها، وأما فائدة المملكة فبثبوت استقامة سيرة المباشرين لمصالحها، فيهون عليها صرف أموالها ودماء أبنائها حيث كان فيما يعود بالنفع عليها، وبمثل هذا يستقيم حال الدولة والمملكة، ولو كان الملك أسير الشهوات أو ضعيف الرأي كما تقدم. وأما إذا اتفق غالب المجلس على عدم استحسان سياسة الوزراء فيجب على الملك عند ذلك أحد أمرين؛ إما تبديل الوزراء المشار إليهم أو حل مجلس الوكلاء، على أن يعيد الأهالي الانتخاب في مدة معلومة، فإذا انتخبوا من يكون أشهر باللين والمساعدة للدولة دل ذلك على رضاهم بسياستها، فيبقى الوزراء على خططهم، وأما إذا انتخبوا الأولين أو من يكون مثلهم في الشدة فيستدل بذلك على عدم رضاهم بها، ويجب حينئذ خروج الوزراء من الخدمة، وتعويضهم بمن سياسته ترضي المجلس. وللمجلس المذكور أن يدعي الخيانة على أحد الوزراء أو مجموعهم إذا رأى أدلة ذلك، وتكون نازلة تفصل بالمجلس الأعلى. وظاهر أن الوزراء المشار إليهم كما تشدد عليهم القوانين المسئولية عن تصرفاتهم تمنع التعدي عليهم في النفس والعرض والمال، فيتيسر للنجيب الأمين منهم إجراء الأمور على مواقع المصلحة والفوز بما يستعقبه ذلك من جميل الثناء، ولمن اتصف بالأمانة دون النجابة الخروج بالسلامة لا له ولا عليه. وبما تقدم يعلم أن سلطة المجلسين تتحد تارة وتفترق أخرى؛ إذ لكل منهما أعمال تخصه وأعمال يشارك فيها الآخر.
غير أن المعتبر في تأسيس القوانين، سيما المتعلقة بالمجابي والقوة العسكرية وفي الاحتساب على الدولة واستحسان سياسة الوزراء، وضده اللذين ينبني عليهما خروجهم أو بقاؤهم في الخطة؛ هو ما يتفق عليه غالب مجلس الوكلاء حسبما أشير إليه قريبا، كما أن إجراء القوانين المذكورة يتوقف على موافقة المجلس الأعلى على كونها غير مخالفة لأصول الكونستيتوسيون.
قلت: فبتقرير ما ذكر يعلم أيضا أن صاحب الدولة عندهم مضطر إلى موافقة إرادة المجلس التي هي في الحقيقة إرادة أهل المملكة، ولا يخفى ما يتبادر فيه من التشديدات التي تأباها نفوس غير المنصفين من الأمراء والوزراء، لكن من بخت الأمم الأوروباوية ونجاح مساعيها الدنيوية أن عرف ملوكها ووزراؤها ما ينشأ عن ذلك من الفوائد الجمة التي منها كف أيدي المأمورين عن التعدي على الرعية، ومنها سهولة اعتبار المكاسب في توزيع الأداء على الأهالي بحيث لا ينقص من رءوس أموالهم؛ إذ لا يتم مع ذلك نمو العمران، ومنها أن الرعايا إذا وافق وكلاؤها على أصل المصلحة فإنها لا تشح بإعطاء ما يلزم لإنجازها كما تقدم، ومنها أن المفسد لا يجد مساغا للقدح في تصرفات الدولة بقصد التنفير منها وتغيير القلوب عليها، ومنها أن الوالي المستبد ولو كان عادلا لا يمكنه الاطلاع على أحوال مملكته إلا بواسطة الوزراء وغيرهم من المتوظفين، الذين أثبتت التجارب أن أكثرهم لا يعرفون الولاة إلا بما تقتضيه فوائدهم فيتوصلون بالنصائح العمومية إلى أغراضهم الشخصية، خصوصا من يشير منهم على الملوك بالاستبداد لما له في ذلك من المعونة على حصول استبداده هو أيضا في مأموريته. على أنه يمكن لنا أن نقول: إن المأمورين في دولة الاستبداد كل واحد منهم مستبد على قدر حال مأموريته. فلهذه الفوائد ونحوها تجشم الملوك والوزراء ما في التقييد في مبدأ الأمر من المرارة نظرا لما يستعقبه من لذة السطوة والحضارة، وقد صح حدسهم في ذلك بما لم نزل نشاهده من تقدمهم في العلوم والصناعات واستخراج كنوز الأرض بالزراعة والبحث عن المعادن، وحصولهم من أمثال هذه المذكورات الناتجة من اتحاد الراعي والرعية على ما قوى حاميتهم في البر والبحر، حتى هابتهم الأمم واستولوا على ممالك كثيرة خارجة عن قسم أوروبا، ونالوا من نفوذ الكلمة في غير ممالكهم ما هو مشاهد، وصاروا في التصرفات الدنيوية قدوة لغيرهم، وما ذاك إلا بإجراء القوانين السياسية التي مدارها على ما تقتضيه الحرية المشروحة سابقا من حفظ حقوق الإنسان في نفسه وعرضه وماله، والاتحاد في جلب المصالح ودرء المفاسد بمراعاة العادات والأمكنة والأزمنة التي تعتبر شريعتنا اختلاف أحكامها اعتبارا كليا. ولتلك القوانين في الممالك الأوروباوية من الاحترام واستمرار النفوذ برعاية أهل الحل والعقد ما يحمي حقوق الرعية وحريتها، ويؤمن الضعيف من بطش القوي ويدفع عن المظلوم سلطة الظالم، مثل ما كان لأمة الفرس التي طال ملكها ودام حديث عدلها إلى الآن، وشهد لبعض ملوكها بالعدل سيدنا الصادق
صلى الله عليه وسلم ، ومثل ما كان لأمة الرومان التي استولت على غالب جهات المعمور، حتى كان يقال لها في ذلك الوقت كرسي ممالك الأرض، ومثل ما كان لأمة اليونان التي لما استولى العدو على بعض بلدانهم ولزمهم الخروج منها سألوا حكيما لهم: أين تصلح السكنى؟ فقال لهم: في بلد تكون الشريعة فيه أقوى من السلطان ... إلى غير ذلك من الأمم التي ما بلغت غاية الاستقامة إلا باحترام قوانين أحكامها المؤسسة على العدل السياسي، كما أن عدم احترامها كان منشأ رجوعهم القهقرى، ولا يتوهم أن ذلك بسبب بركة في شرائع الأمم المذكورة؛ إذ الواقع أنها قوانين عقلية مبنية على مراعاة الوازع الدنيوي، فإذا انضم إلى ذلك وجود البركة والحرمة الإلهية كما هو حال شريعتنا المطهرة كانت المخالفة مع ما تستعقبه من النكال الأخروي أجلب للانحطاط الدنيوي، ومن تتبع تواريخ الأمم المشار إليها وتواريخ الأمة الإسلامية رأى ذلك عيانا.
هذا، وإن الضرورة قد تدعو إلى تفويض إدارة المملكة لشخص واحد مستبد، لكن لغاية محدودة وبشروط عندهم معهودة، وذلك أن من أصول السياسة المأثورة عن الأمة الرومانية أن المملكة إذا اشتد الخطر عليها إما بكثرة الإفساد الداخلي أو بظهور مخائل التغلب عليها من الخارج، وصعب حسم مواد ذلك بالأعمال القانونية لمكان تعدد الأنظار المتساوية، وما عسى يقتضي الترجيح بينها من طول المفاوضة المفضي إلى عدم قمع المفسدين ومدافعة المتسلط الأجنبي، أو إلى تأخير ذلك عن وقت الحاجة، فعند ذلك يطلب مجلس السناتو من أحد رئيسي الدولة الجمهورية أن يختار من أعيان رجال المملكة من يسميه باسم «دكتتوراي مطلق التصرف»، تفوض إليه إدارة المملكة بما يظهر له بمقتضى اجتهاده، كعمل الحرب والصلح ونفي أو قتل من يراه من أهل الفساد والخيانة أو عقابه بأخذ المال أو غير ذلك مما يقتضيه الحال. ولا يتوقف نفوذ حكمه على موافقة أحد إلا في أمر المجابي، فإن أعماله فيها موقوفة على موافقة مجلس السناتو وكل من له مأمورية عسكرية أو سياسية فهو ملزم بتنفيذ أوامره، وكذلك سائر الأهالي. ولا يتجاوز التفويض المذكور ستة أشهر ولو كان السبب باقيا إلا بتفويض جديد، كما أنه إذا ارتفع السبب قبل انتهاء المدة فإن التفويض ينتهي وترجع الإدارة إلى قوانينها. وعند خروج المفوض له تتوجه إليه المسئولية اللازمة لكل من يخرج من خطة معتبرة عندهم، فيطلب منه بيان السبب الداعي إلى ما تصرف به من قتل وحرب وصلح وأخذ مال ونحو ذلك بمحضر أهل رومية المجتمعين لذلك، فإن صوبوا تعليله استوجب شكرهم وثناءهم على سيرته في موكب مخصوص، وإن كانت الأخرى يحكم عليه بما يناسب سوء تصرفه، وأكثر ما يكون ذلك بالنفي من التخت أو أداء المال.
ثم إن الأوروباويين صاروا في المدة الأخيرة يطلقون اسم «الدكتتور» على كل وال مطلق التصرف، سواء كان محدودا بمدة أم لا، كالجنرال كرونول بإنكلترة ونابوليون الأول بفرنسا وغيرهما ممن كان استبداده من آثار حيرة تثور بالمملكة يشتهر فيها المشار إليه بمزيد الدراية والحزم، فينصب نفسه منصب الدكتتور وتتعرف به العامة بقصد إخماد الحيرة وتخليص المملكة من مواقع الخطر واستصلاح حالها بتهذيب جفاة الأهالي وتقويم اعوجاجهم، لكنهم لا يحصلون غالبا على هذا المقصود، بل يتوصل المنتصب بذلك إلى اغتنام الفرصة لاستمرار استبداده، إما لاستمرار أسباب الحيرة وضعفه عن إزالتها، وإما لكون المنتصب أزالها بحسن تدبير وقع من الأهالي موقع الإعجاب حتى اكتسب بذلك مزيد احترام عندهم أسس عليه سلطته وإيثار نفوذ إرادته على إجراء قوانين المملكة، مرجحا بذلك حظ نفسه على المصالح العامة. لكن ذلك مع ما يفضي إليه من المضار الاستبدادية لا ينكر أن المصير إليه واجب عند قيام سببه لاستبقاء راحة المملكة كما يشير إليه قول الحكيم مونتسكيو الفرنساوي: «إنا بمقتضى ما نسمعه من أعمال الأمم التي كانت حاصلة على الحرية التامة نرى أن الحال قد يقتضي إرخاء الستر على الحرية إرخاء وقتيا.» قلت: وحيث كان التفويض المشار إليه إنما ساغ للضرورة، وما أبيح للضرورة يتقدر بقدرها، فلا جرم يجب الرجوع إلى كشف حجب الحرية بعد زوال السبب، هذا وقد قررنا في هذه المقدمة من الأدلة الناهضة الواضحة على ما في التصرفات السياسية المضبوطة بالتنظيمات من المصالح العامة والخاصة التي يشهد العيان بتأثرها الناجحة في الممالك، وما في التصرفات السياسية الغير المضبوطة بها من المضار الفادحة ما تقر به عين النصوح المحب لخير الوطن، وإني لا أزال أقول: إن ترتيب التنظيمات المشار إليها من لوازم وقتنا هذا، كما أقول صدعا بالحق: إن كل متوظف لا يرى الاحتساب عليه في وظيفته فهو عديم الأمانة والنصيحة لدولته ووطنه، ولو كان معتمدا في ذلك على ما قد يجده في نفسه من حب الإنصاف؛ لأنه تسبب فيما يستعقب الخراب بامتناعه من المراقبة والاحتساب، حيث إن أكثر المتوظفين إنما يباشر خطته على مقتضى شهواته ومصالحه الخصوصية مؤثرا لها على المصالح الوطنية العمومية، فهب أنه كان مجبولا على حب الإنصاف فإن غيره لا يفعل مثله إلا بمراقبة الاحتساب؛ ولأنه لو كان منصفا في الواقع ما ضره الاحتساب حتى يمتنع منه، بل اللائق بحاله مزيد الحث عليه؛ إذ به تظهر براءته ظهورا لا يحصل بدون ذلك. وفيما أودعناه في غضون هاته المقدمة للمستبصرين كفاية، والتوفيق بيد الله المحمود في كل بداءة ونهاية.
الجزء الأول
في الكلام على ممالك أوروبا
الباب الأول
في الكلام على الدولة العلية العثمانية
(1) في تاريخها
اعلم أن السلطنة العثمانية كان مبدأ تأسيسها في أيام السلطان غياث الدين السلجوقي، وانتقلت إليها الخلافة في سنة تسع وتسعين وستمائة هجرية على صاحبها أزكى الصلاة والتحية، وأول من تقلدها السلطان عثمان الذي كان قبل ذلك التاريخ أميرا على إيالات بأرض أناطولي، افتتحها بسيفه الباتر بعد أخذه الرخصة في ذلك من السلطان السلجوقي عند مجاورته لأرضه بارتحال أسلافه مما وراء النهر، ثم امتدت السلطنة العثمانية واتسع بالفتوحات نطاق ممالكها إلى أن انتشرت رايات صيتها في الآفاق، وامتلأت بمآثرها الباهرة بطون الأوراق. ولاشتهار ذلك في التواريخ الإسلامية والتحاقه بالمعلومات الضرورية رأينا أن نقتصر على ذكر أسماء سلاطين الدولة المذكورة وتاريخ ولادتهم وجلوسهم على سرير الملك وانتقالهم إلى الدار الباقية، ومدة سلطنتهم وأعمارهم الشريفة، ثم نثني عنان القلم لبيان المهم من أحوال تلك المملكة الوقتية كأصولها السياسية وإدارتها وعدد رعاياها ونحو ذلك مما ينساق إليه الكلام، فهاك برنامجا في بيان أسماء الخلفاء من آل عثمان وما ذكر بعدها:
أسماء السلاطين العظام
ولادتهم
ولايتهم
وفاتهم
مدتهم
أعمارهم
السلطان الغازي عثمان خان
656
699
726
27
70
السلطان الغازي أورخان خان
680
726
761
35
81
السلطان الغازي مراد خان
726
761
791
30
65
السلطان الغازي يلدرم با يزيد خان
761
791
805
14
44
السلطان محمد خان
781
816
824
8
43
السلطان الغازي مراد خان الثاني
806
824
855
31
49
السلطان الفاتح محمد خان الثاني
835
855
886
31
51
السلطان الغازي با يزيد خان
856
886
918
32
62
السلطان الغازي سليم خان
874
918
926
8
52
السلطان الغازي سليمان خان
901
926
974
47
74
السلطان الغازي سليم خان الثاني
929
974
982
8
53
السلطان الغازي مراد خان الثالث
953
982
1003
21
50
السلطان الغازي محمد خان الثالث
974
1003
1012
9
38
السلطان الغازي أحمد خان
998
1012
1026
14
28
السلطان مصطفى خان ابن محمد خان
1001
1026 ...
3
ش ...
السلطان عثمان خان الثاني
1012
1027
1031
4
19
ولاية السلطان مصطفى خان الثانية ...
1031
1032
4
ش
1
31
السلطان الغازي مراد خان الرابع
1021
1032
1049
17
6
ش
28
السلطان إبراهيم خان
1024
1049
1058
9
34
السلطان الغازي محمد خان الرابع
1051
1058
1104
6
ش
40
53
السلطان سليمان خان الثاني
1052
1099
1102
6
ش
3
6
ش
51
السلطان أحمد خان الثاني
1052
1102
1106
6
ش
4
54
السلطان مصطفى خان الثاني
1074
1106
1115
9
41
السلطان الغازي أحمد خان الثالث
1083
1115
1143
28
60
السلطان الغازي محمود خان
1108
1143
1168
25
60
السلطان عثمان خان الثالث
1110
1168
1171
3
6
ش
60
السلطان مصطفى خان الثالث
1129
1171
1187
16
6
ش
58
السلطان الغازي عبد الحميد خان
1137
1187
1203
16
66
السلطان الغازي سليم خان الثالث
1175
1203
1223
19
48
السلطان مصطفى خان الرابع
1193
1222
1223
1
30
السلطان الغازي محمود خان الثاني
1199
1223
1255
32
6
ش
55
السلطان الغازي عبد المجيد خان
1238
1255
1277
6
ش
22
39 (2) في أصول قوانين الدولة العلية
قد سلف في المقدمة أن المرحوم المنعم السلطان الغازي عبد المجيد خان استدرك الخلل الواقع في سياسة الدولة بضبطه للسياسات الشرعية بالتنظيمات الخيرية سنة خمس وخمسين ومائتين وألف هجرية، وأصدر المنشور الموشح بالخط السلطاني المبين به أصول التنظيمات المشار إليها التي صارت أساسا لتصرفات الدولة وضمانا لحقوق الرعية، وخلاصة ترجمة المنشور المذكور:
من المعلوم عند الجميع أن دولتنا العلية لم تزل من مبدأ ظهور أمرها معتنية بكمال الرعاية للأحكام القرآنية الشريفة والقوانين الشرعية المنيفة، وأن سلطتننا السنية قد وصلت بذلك إلى الدرجة القصوى من القوة والمكانة ورفاهية الرعايا وعمارة المدن والقرى. إلا أنها منذ مائة وخمسين سنة تناقصت قوتها ومعمورية ممالكها وأخذت في التأخر والضعف؛ وذلك لغوائل متعاقبة وأسباب متنوعة نشأ منها تجاوز الحدود الشرعية والقوانين المرعية. ولا يخفى أن الممالك التي لا تنسج إدارتها على منوال القوانين الشرعية لا تدوم استقامتها؛ فلذلك لم تزل أفكارنا منذ جلوسنا على سرير الملك مصروفة إلى تدبير وسائل عمارة الممالك ورفاهية الأهالي؛ مما يحصل به المطلوب في مدة يسيرة بعون الله تعالى، نظرا إلى حسن الموقع الجغرافي المحتوي على ممالك دولتنا العلية ذات الأراضي الخصبة والأهالي ذوي الاستعداد وتمام القابلية، إلى أن رأينا من المهم وضع قوانين جديدة مؤسسة على القواعد الشرعية المشيدة، واعتمادنا في وضع ذلك على العناية الربانية متوسلين بحرمة سيد البرية
صلى الله عليه وسلم .
ومدار القوانين المشار إليها على وجوب حفظ النفس والعرض والمال، وعلى بيان المرجع في تعيين الأداء وجلب العساكر اللازمة. أما وجوب حفظ النفس والعرض فلكونهما أعز الأمور الدنيوية، فإذا خشي الإنسان عليهما اضطر إلى التشبث بمن يرجو به وقايتهما كائنا من كان، وإن لم يكن في أصل فطرته مجبولا على الخيانة. ولا يخفى أن ذلك مما يضر بالدولة والمملكة، بخلاف ما إذا كان آمنا على نفسه وعرضه، فإنه لا يحيد عن طريق الصدق والاستقامة وصرف الهمة إلى حسن الخدمة لدولته وملته. وأما المال فإن من فقد الأمن عليه لا يتأتى له القيام بحقوق دولته؛ إذ لا يخلو دائما من شغل بال واضطراب حال، بخلاف ما إذا كان آمنا على ماله فإنه يشغل نفسه بما يعنيه في دينه ودنياه وينظر في توسيع دائرة معارفه وعيشه، وبذلك يتمكن من قلبه حب الوطن، وتشتد غيرته عليه وعلى دولته ويكون سعيه على حسب ذلك. وأما تعيين الأداء فالمرجع فيه أن كل دولة تحتاج في حفظ ممالكها إلى القوة العسكرية، كما تحتاج في ضبط تصرفاتها إلى مصاريف لازمة، فلا بد لها من مبلغ وافر من المال بحسب احتياجها، وإنما يتحصل ذلك بما يضرب على أتباع تلك الدولة، فلزم أن يوضع للأداء المشار إليه طريقة مستحسنة؛ وذلك أن الاستبداد وإن بقيت معه ممالكنا المحروسة سالمة والحمد لله على ذلك، لكن ظهرت آثاره من الاختلال والخراب، وذلك لأن جعل زمام مصالح المملكة السياسية وأمورها المالية بيد شخص واحد موكولة إلى اختياره، بل لا مانع أن يقال موكولة إلى قهره وجبره، يتسبب عنه ما ذكر، خصوصا إذا لم يكن ذلك الشخص من أهل الخير، فإنه يؤثر منفعته على منفعة الغير وتكون تصرفاته مبنية على الظلم والضير، فوجب لذلك أن نبادر بترتيب معيار مضبوط يعتبر في توزيع الأداء على الأهالي ، مراعى فيه قدر المكاسب واليسار، بحيث لا يؤخذ من أحد ما فوق مقدوره بعد أن يجعل لمصاريف الدولة اللازمة للعساكر وغيرها حد محدود بقوانين لا تتعداها، وأما جلب العساكر فهو من أهم ما يتوقف عليه حفظ الدين والوطن والذب عنهما، فيلزم الأهالي أن يقدموا أشخاصا منهم للخدمة العسكرية، لكن الطريقة الجارية في ذلك إلى الآن مع ما فيها من عدم الانتظام تؤدي إلى اختلال أصول الزراعة والتجارة وإلى قلة التناسل (فيقع النقص في الأموال والأنفس والثمرات).
ومنشأ ذلك عدم اعتبار عدد النفوس الموجودة ببلدان المملكة، فيؤخذ من بعضها أكثر من المقدور ومن بعضها أقل من الميسور، واستمرار الجندي في الخدمة العسكرية مدة حياته، وبذلك يقل النسل ويحصل الضجر المخل بفوائد الخدمة المذكورة، فبناء على ذلك نرى من اللازم إذا مست الحاجة لأخذ العسكر من الممالك أن يوضع لذلك أصول مناسبة جارية على منهج المساواة المطلوبة، ثم يسلك في الاستخدام العسكري طريقة المناوبة، بحيث لا يبقى الشخص في الخدمة المذكورة أكثر من خمسة أعوام مثلا، فبهذه الأصول التي عليها مدار القوانين والتنظيمات يحصل بمعونة الله نمو العمران والقوة والأمن والراحة. فلذلك نقول: يلزم من الآن فصاعدا أن لا يعامل أحد من أرباب الجرائم والجنايات بما يفضي إلى إتلاف نفسه من سم ونحوه بدون مبالاة، بل لا يحكم عليهم إلا بما تقتضيه القوانين الشرعية، وأن لا يسلط أحد على الوقوع في عرض آخر وهتك حرمته، وأن يتصرف كل إنسان في أمواله وأملاكه بغاية الحرية وعدم المعارضة، وإن من جنى جناية لا يحرم ورثته من حق وراثته بالاستيلاء على أمواله للجناية التي هم برآء منها. وهذه المساعدة منا جارية في حق المسلمين وغيرهم من أهل الملل التابعين لسلطتنا بدون استثناء أحد منهم، ولإتمام الأمان وتعميم الاطمئنان يزاد في أعضاء مجلس الأحكام العدلية قدر ما يلزم للنظر في سائر النوازل وفصلها بما يتفق عليه الأكثر، وعلى وكلاء دولتنا العلية أن يحضروا المجلس المذكور في بعض الأيام ويبدي كل واحد ما يستصوبه دون تحاش ولا مداراة.
وأما المفاوضة في شأن التنظيمات العسكرية فإنها تكون بدار الشورى الكائنة بمحل السر عسكر، وكل ما يستقر عليه الرأي من القوانين يعرض علينا لنوشحه بالخط الميمون ويكون دستور العمل إلى ما شاء الله، وحيث كان وضع القوانين الشرعية المشار إليها إنما هو لإحياء الدين والدولة والملك والملة، أكدنا ذلك بالعهد والميثاق من طرفنا الملكي، على أن لا يصدر منا شيء يخالفها، وأقسمنا على ذلك في بيت الخرقة الشريفة بمحضر جميع العلماء والوكلاء، وسيحلف كل منهم على ذلك، فإذا صدر بعد ذلك من أحد الوزراء أو العلماء ما يخالف تلك القوانين الشرعية فإنه يجازى بالتأديب المناسب لجريمته الثابتة بدون التفات لرتبته ولا مراعاة لذاته، وحيث إن مأموري الدولة لهم مرتبات كافية، ومن ليس له ذلك الآن سيرتب له ما يكفيه، وجب أن نشدد في قطع مواد الرشوة المستبشعة طبعا وشرعا بوضع قانون يخص عقوبتها، ولاستبقاء التنظيمات المشار إليها والأصول المبنية هي عليها المغيرة للعوائد الجورية القديمة وجب أن ننشر هذه الأوراق السلطانية إلى سفراء الدول المتحابة المقيمين بالأستانة العلية؛ ليكونوا شاهدين على إمضائها، كما ننشرها إلى أهالي الأستانة وسائر ممالكنا المحمية، فمن سعى في حل عرى هاته القوانين الموضوعة على أساس شرعي متين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا ينال فلاحا إلى يوم الدين. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لإجراء هذا الخير العميم، آمين.
ثم أصدر المنشور الثاني المؤرخ بجمادى الثانية سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف هجرية مخاطبا به الصدر الأعظم في بيان حقوق غير المسلمين من رعايا الدولة العلية، ملخصه: إن أصناف الرعية كلهم وديعة الله في يد الملك، فالواجب أن يكونوا كلهم حاصلين على الحالة الحسنة من العدل والإحسان، وإذا اتحدت وتآلفت قلوب بني الوطن قويت شوكة الدولة وعزة المملكة. ومن أسباب تأليف قلوب السكان من سائر أتباع الدولة أمن غير المسلم منهم على نفسه وماله كما أمن المسلمون؛ فلذلك نجعل لهم مجالس تحت نظر الباب العالي للنظر في أمورهم الدينية. ثم بين كيفية تصرف رؤساء ديانتهم في ذلك، ثم ذكر أن القانون مانع لسائر الناس من ارتكاب ما يزري بشرف الإنسان من أوصاف الشين والعار، وأن كل امرئ له الحرية التامة في دينه ومذهبه، فلا يمنع أحد من رعايا السلطنة عن عبادته، ولا يجبر على تبديل دينه أو مذهبه. ثم ذكر أن الدعاوي التي تحدث بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل تفصل في مجالس يكون أعضاؤها من المسلمين وغيرهم، وإذا تنازع اثنان من غير المسلمين في مثل الميراث وتراضيا على التحاكم لدى رؤساء ديانتهما أو مجلس ينعقد لخصوص النازلة، فلهما ذلك. ثم قال: ولتضبط قوانين الجزاء والتجارة ويصلح حال السجون ويعامل المساجين بمقتضى تنظيماتها، بحيث لا يرام أحد بما يؤلم بدنه أو نحو ذلك. ثم قال: ويستوي سائر الرعايا في ضرائب الأداء والمطالبة بالخدمة العسكرية، وقد يعافى غير المسلم من مباشرة الخدمة المذكورة إذا أقام عوضا عنه أو أعطى دراهم نقدا معروفة المقدار.
ثم أشار إلى تنظيم الإدارة وأحوال البلاد ... إلى أن قال: ولمراعاة النفع العام سيتعين من لدن دولتنا مبلغ من المال لتمهيد الطرقات. ثم تكلم على كيفية استخلاص المجابي، وبين أن المجلس الذي ينظر في مصالح السلطنة تتولى اختيار أعضائه الذات الشاهانية، ومدة بقائهم في العضوية عام واحد، ويستوثق منهم باليمين عند دخولهم، وعليهم أن يذكروا ما يظهر لهم من غير تخوف من شيء غير ربهم ... إلى أن قال: فلتفتح الطرق والجداول لنقل محاصيل المملكة، وليمنع كل ما يحول دون الزراعة والتجارة، وليكن تمام الاعتناء بتعليم المعارف والفنون، وبالتفتيش كلما أمكنت فرصة عن أسباب وضع الشيء بمحله في جميع الأمور. ثم ختمه بقوله: إليك يا صدر دولتنا الأعظم عنوان أمرنا الجليل الملكي، وأنت المشار عليه بتكميل ما نبا عنه البيان بالشرح الشافي، وإشاعته بدار خلافتنا وجميع بلدان سلطنتنا الجليلة ليعلمه الناس قاطبة من الآن، فعليك ببذل الجهد واستفراغ الهمة لإنفاذه والقيام بحقوقه، وعلى علامتنا الشريفة اعتمادك. هذا ما أمكن تلخيصه من ترجمة المنشورين المذكورين، ولا يعزب عمن كابد تهذيب المعاني المنقولة من لغة إلى لغة عذر محررها في قلق العبارة، وما يقتضيه ضيقها في بعض التراكيب من الإخلال ببعض مقاصد الأصل. (3) في أحوال وزراء الدولة العلية ومجالسها السياسية والعسكرية
فأولها الصدارة العظمى، وهو وزير التفويض المطلق النائب عن الحضرة السلطانية والحافظ لطابع السلطنة العلية، وله رئاسة سائر الإدارات الداخلية والخارجية وجميع الوزراء عيال عليه، لا سيما وزير الخارجية ووزير المال، ولا يعرض شيء لإمضاء السلطان على غير طريقه، ولا يمضى شيء بغير واسطته، يرأس المجلس الخاص ويجمع أعضاءه للمفاوضة متى شاء، وبواسطته تكون ولاية سائر المتوظفين وعزلهم. ومقره الباب العالي، وهو قصر ضخم بالتخت يقال له بلسان الترك باشا قبوسي، وبه يجتمع المجلس الخاص ومجلس الأحكام العدلية والوزارة الخارجية. وبالجملة فالباب العالي هو مركز سياسة الدولة، إليه تنتهي الأمور ومنه تصدر الأوامر الملكية، وقد تحل به الحضرة السلطانية أحيانا، إما لتكون مفاوضة المجلس بمحضره أو لتعرض عليه مهمات السياسة غير التي تعرض عليه بقصره الخاص، على أنه يحضر به مرة في السنة حضورا رسميا لتعرض على حضرته كليات الأمور التي وقعت في السنة الماضية، وهو يخاطبهم بما يقتضي استحسان ما وقع منهم أو بتحريضهم وتنبيه هممهم إلى ما يكون أحسن.
وللصدر الأعظم مستشار في الباب العالي معدود من ذوي المراتب الرفيعة، ومن وظيفته تلخيص جميع النوازل قبل عرضها على الصدر. ثم إن تصرفات الصدر على ثلاثة أقسام؛ قسم يأمر فيه الصدر بما يراه من غير عرض على أحد، وقسم يعرضه على إمضاء السلطان، وقسم يعرضه على المجلس الخاص أو مجلس الأحكام العدلية، وما يستقر عليه الرأي يعرضه على الإمضاء السلطاني إن كان مما يتوقف على الإمضاء، وإلا فيمضيه وحده بمقتضى قوانين الدولة، وبقية الوزارات كل منها مركب من وزير ومستشار وكتاب ووزعة بقدر الحاجة. وبكل وزارة ما عدا الخارجية مجلس مركب من رئيس وأعضاء وكتبة للتأمل وإعطاء الرأي في النوازل التي تعرض عليهم من الوزير، وما يستقر عليه الرأي يصحح عليه المجلس والوزير ثم يرسل إلى الصدارة العظمى، فإن كانت النازلة حسابية مثلا يرسلها الصدر إلى مجلس المحاسبات، فإن ثبتت عنده صحتها وموافقتها لقوانين الدولة يرسلها إلى وزارة المال لتبقى هناك، وإن وجدت فيها مخالفة عمدية فإن النازلة تنقل إلى مجلس الأحكام العدلية، ويحضر نواب من الوزارة التي وجد الخلل في حسابها للمدافعة عنها، ونواب من مجلس المحاسبات للمدافعة عن حقوق الدولة والقانون. (4) في بيان مجالس الدولة
فأولها:
المجلس الخاص، وهو مركب من شيخ الإسلام وسائر الوزراء وبعض أعيان المتوظفين تحت رئاسة الصدر الأعظم، ويسمى مجلس الباب العالي، ومجلس الوكلاء ويكون انعقاده مرتين في الأسبوع، إلا إذا عرضت نازلة مهمة فللصدر عقده متى شاء. وعلى هذا المجلس تعرض جميع النوازل السياسية المهمة، وما يستقر عليه الرأي فيه يعرض على موافقة السلطان إن كان مما يتوقف على موافقته، وإلا يأمر الصدر بإمضائه. ومما يعرض على المجلس المذكور أمر المجابي دخلا وخرجا في كل سنة للمفاوضة وتعيين أصول المصاريف.
الثاني:
مجلس الأحكام العدلية، وهو مركب من أكابر المتوظفين وأعيان أهل المملكة، يرأسه أحد أعضاء المجلس الخاص ممن له رتبة وزير. وينقسم ثلاثة أقسام بكل قسم منها رئيس ثان تحت إشراف الرئيس الأول. فمأمورية القسم الأول النظر في الأمور الملكية السياسية، ومأمورية القسم الثاني تهذيب القوانين الجديدة وشرح مشكلاتها، حيث يقع الخلاف في الفهم، والقسم الثالث مأموريته التأمل والحكم فيما يصدر من المتوظفين من الجنايات ونحوها وتحقيق الأحكام الصادرة من سائر المجالس في سائر جهات المملكة بالعقوبة الثقيلة المتوقفة على إمضاء السلطان كالقتل والسجن بالخدمات الشاقة ونحو ذلك، بحيث لا يصدر إمضاء السلطان فيه إلا بعد حكم غالب هذا القسم. وفي المهمات تجتمع الأقسام الثلاثة تحت رئاسة الرئيس الكبير.
الثالث:
مجلس مركب من عشرة علماء تحت رئاسة قاض لتدقيق الأحكام الشرعية.
الرابع:
مجلس مركب من ثمانية علماء تحت رئاسة مفت لانتخاب الحكام الشرعية بعد امتحانهم.
الخامس:
مجلس المعارف العمومية، وهو مركب من اثني عشر عضوا تحت رئاسة مشير، ومأمورية هذا المجلس إدارة المكاتب والمدارس من الرتبة الأولى والثانية والثالثة عدا مكاتب العسكر بتقديم المدرسين بعد الامتحان وإجرائهم ، وإجراء التلاميذ في الدروس على ما تقتضيه القوانين المرتبة لذلك، والتعريف بالمجتهد من المدرسين وعرض حاله على الدولة ليعتنى به ولو بالإحسان إليه؛ للترغيب في طلب العلم والجد فيه، ومن مأموريته امتحان التلاميذ والتأمل فيما يؤلف من الكتب والرسائل والمنع من إشهار ما اشتمل على شيء ينافي الديانة ومكارم الأخلاق.
السادس:
مجلس وزارة الحرب، وهو مركب من خمسة عشر عضوا تحت رئاسة أمير أمراء، ومأموريته إدارة المصالح العسكرية كتعيين من وجب تقديمه للولاية من الضباط على اختلاف مراتبهم والنظارة على الأطعمة واللباس والأسلحة وتحرير حسابات الوزارة وغيرها من المهمات العسكرية.
السابع:
مجلس الطوبخانة، وهو مركب من سبعة أعضاء تحت رئاسة أمير أمراء ومأموريته إدارة مهمات الطوبجية وفبريكات السلاح والبارود وخزائنهما وحراسة الحصون وتحرير الحسابات.
الثامن:
مجلس وزارة البحر، وهو مركب من أحد عشر عضوا ومأموريته النظر في متعلقات أحوال البحر بمثل ما ذكر بمجلس وزارة الحرب نصا سواء.
التاسع:
مجلس المحاسبات، وهو مركب من اثني عشر عضوا تحت رئاسة أحد المتوظفين السياسية من الرتبة الأولى، ومأموريته تحقيق حسابات سائر المتوظفين في الدولة من الوزارات وغيرها وتطبيقها على القوانين المرتبة في ذلك.
العاشر:
مجلس التحقيق، وهو مركب من عشرة أعضاء تحت رئاسة أحد المتوظفين من الرتبة الأولى، ومن أعضائه ثلاثة أشخاص من رعايا الدولة غير المسلمين.
الحادي عشر:
مجلس الضابطية، وهو مركب من أحد عشر عضوا تحت رئاسة أحد المتوظفين من الرتبة الأولى، ومن أعضائه إغريقي وكاثوليكي ويهودي من رعايا الدولة، ومأموريته فصل النوازل الخفيفة من الجنايات.
الثاني عشر:
المجلس البلدي ويسمى مجلس إدارة الضابطية، وهو مركب من ثمانية أعضاء تحت رئاسة أحد المتوظفين السياسية من الرتبة المتمايزة، ومأموريته إدارة مصالح البلد، وتحته خمسة مجالس صغار، كل منها مركب من أربعة أعضاء ورئيس، ثم ديوان استئناف مركب من خمسة أعضاء منهم مفت يرأسه وزير المتجر لتحقيق الأحكام الصادرة من بقية مجالس المتجر بين الأهالي، ثم مجلس أول لفصل النوازل المتجرية مركب من خمسة أعضاء تحت رئاسة أحد متوظفي الرتبة المتمايزة. ومجلس ثان لذلك مركب من أربعة أعضاء تحت رئاسة أحد متوظفي الرتبة الثانية من المتمايزة، ومجلس ثالث لذلك أيضا مركب من ثلاثة أعضاء تحت رئاسة مثل رئيس المجلس الثاني، ووظيفتهم فصل سائر نوازل المتجر بين رعايا الدولة، وإن كان في النازلة أجنبي يضاف للمجلس أشخاص من الأجانب على مقتضى الترتيب المتفق عليه مع دولهم. ثم مجلس المعادن، وهو مركب من أربعة أعضاء تحت رئاسة أمير أمراء، ومأموريته إدارة المعادن المعلومة والبحث عما لم يعلم بعد منها. ثم مجلس المرسومات؛ أي المجابي، وهو مركب من ستة أعضاء تحت رئاسة أحد المتوظفين من الرتبة الأولى. ثم مجلس المعابر، وهو مركب من سبعة أعضاء تحت رئاسة أمير أمراء، وكلفته عمل الطرقات والقناطر ونحوها من الأبنية العمومية. ثم مجلس مكلف بتدبير صرف المبلغ المعين للحضرة السلطانية، وهو مركب من ستة أعضاء تحت رئاسة أحد المتوظفين من الرتبة المتمايزة، ومقر المجالس المذكورة كلها دار الخلافة. (5) في مقدار سعة ممالك الدولة العلية وعدد سكانها
اعلم أن سكان الممالك العثمانية على مقتضى كتب الجغرافيا يبلغ عددهم سبعة وثلاثين مليونا إلى أربعين، منها في قسم أوروبا ستة عشر مليونا وسبعمائة وثلاثون ألفا، وفي قسمي آسيا وأفريقية أحد وعشرون مليونا. فمن سكان قسم أوروبا أربعة ملايين وتسعمائة وخمسون ألفا من المسلمين وأحد عشر مليونا وسبعون ألفا من الإغريق والأرمن، وستمائة وأربعون ألفا من النصارى الكاثوليك وسبعون ألفا من اليهود. ومن سكان قسمي آسيا وأفريقية ستة عشر مليونا ومائة وسبعون ألفا من الإسلام، وأربعة ملايين وثمانمائة وثلاثون ألفا من الإغريق والأرمن واليهود وغيرهم. فجملة الرعايا من الإسلام واحد وعشرون مليون نفس ومائة وعشرون ألفا، وجملة الرعايا من غيرهم ستة عشر مليونا وستمائة وعشرة آلاف. وإذا نسبنا مبلغ الصنف الثاني إلى الأول واعتبرنا أنه وإن نقص عن الأول في الكمية فعنده من أسباب التمدن ما يجبر به ذلك النقص، مع وجود العلاقة الجنسية بينه وبين الدول الأوروباوية ومساعفتها له على الإلحاح في طلب المساواة في سائر المنح من الدولة العلية؛ لكونه من جملة رعاياها وأبناء وطنها لم يبق لنا توقف في تصويب ما تضمنه المنشور الثاني المتقدم آنفا، والجزم بأن سريان خلاف ذلك إلى بعض العقول القاصرة منشؤه عدم الاطلاع على ما في الخارج الملجئ إلى وجوب ارتكاب أخف الضررين.
وأما المساحة فقدر سطح أرض تلك الممالك أربعة ملايين وخمسمائة وسبعة وثلاثون ألفا وثلاثمائة كيلومتر، منها في قسم أوروبا خمسمائة واثنان وأربعون ألفا وثلاثمائة كيلومتر، والباقي في قسمي آسيا وأفريقية وهو ثلاثة ملايين وتسعمائة وخمسة وتسعون ألف كيلومتر، والكيلومتر عبارة عن ألف متر، والمتر ذراع ونصف تركيان. ثم إن الممالك العثمانية تنقسم إلى إيالات، والإيالات تنقسم إلى أعمال ألوية، وكل من أعمال الألوية ينقسم إلى أوطان قضاة، والأوطان يحتوي كل منها على بلدان وقرى، وفي مركز كل إيالة وال مكلف بإمضاء القوانين وأوامر الدولة بمثل الإعانة على استخلاص المجابي وتنزيل العسكر وغير ذلك من مصالح الدولة، وهو المكلف بحفظ راحة السكان والسعي في تنمية الفلاحة وتسهيل طرق المتجر ورفع العوائق عن سائر الصناعات وتمهيد الطرقات وبناء القناطر ونحو ذلك بمشاركة مجلس الإيالة، وهو المسئول عن سيرة متوظفي إيالته، حيث إن من مأموريته منعهم من ارتكاب ما يخالف واجباتهم وإعلام الدولة بذلك حالا، كما أن من واجباته إعانة الحكام الشرعية والمجالس العرفية. ومع هذا الوالي مجلس تحت رئاسته لفصل النوازل التي تقع بين السكان والنظر في سائر مصالح الإيالة من أعضائه الدفتر دار المكلف من الدولة بأحوال المجابي، وقاضي الإيالة مع خمسة وعشرين عضوا منتخبين من الأهالي، وقد شهد المنصفون من أهل أوروبا بحسن هذا الترتيب ولياقته بمصالح الإيالات. ثم في كل مركز عمل لواء قائم مقام تحت رئاسته مجلس تنتخب أعضاؤه من الأهالي، وتصرف هذا القائم مقام ومجلسه في العمل كتصرف الوالي ومجلسه في الإيالة، إلا أنه تحت نظر والي الإيالة. وفي كل وطن من أوطان القضاة مدير تحت رئاسته مجلس تنتخب أعضاؤه من الأهالي، وتصرف المدير ومجلسه في الوطن كتصرف القائم مقام ومجلسه في عمل اللواء، إلا أنه تحت إذنه. ثم في كل بلد أو قرية قوجه باشي أو مختار ينتخبه أهل البلد مكلف بإدارة البلد. وفي كل بلد من بلدان المملكة يوجد مجلس جنايات لفصل سائر نوازل الجنايات الواقعة بين السكان عدا ما يلزم إنهاؤها لمجلس الأحكام العدلية بالتخت، فإن عمل مجلس الجنايات المذكور فيها سماع الدعوى وتحرير الحجج، ثم إرسال جميع ذلك لمجلس الأحكام العدلية بواسطة الوالي.
كما يوجد بكل بلدة كبيرة مجلس متجري مركب من رئيس وأعضاء من الأهالي لفصل النوازل المتجرية بين رعايا الدولة، وإن كان في النازلة أجنبي يضاف لذلك المجلس أعضاء من الأجانب، وقد بلغ عدد المجالس المتجرية اثنين وخمسين مجلسا. أما المجالس العسكرية فاعلم أن الجيوش البرية بالممالك العثمانية مقسومة إلى ستة أقسام، يسمى كل منها عرضيا تحت إمارة مشير وبه مجلس لفصل نوازل العسكر وتدبير مصالح الجيش، وللدولة رجال تنتخبهم من أعيانها الموسومين بالمعرفة والنجابة والمروءة، والديانة تكلفهم بالبحث عن كيفية إجراء القوانين وسائر الإدارات الملكية والمدنية إجمالا وتفصيلا، وتفوض لهم عزل من يستوجب العزل أو سجنه أو توبيخه أو توجيهه إلى تخت المملكة، وقد نتج من هذه الخدمة مصالح مهمة من تحسين الإدارة واستقامة تصرفات الولاة والقضاة والمجالس؛ إذ المكلفون بالتفقد في الحالة الراهنة ممن لا تأخذهم فيما وكل لأمانتهم لومة لائم، وبالجملة فخدمة هاته الطائفة المكلفة بالبحث والتفقد من أهم الخدمات النافعة للإيالات خصوصا البعيدة عن دار الخلافة. (6) في بيان ما للدولة من الاعتناء بتهذيب أخلاق رعاياها من الإسلام وغيرهم بتوسيع دوائر المعارف وتسهيل طرق اكتسابها
فمن ذلك اعتناؤها بمكاتب العلوم، لا سيما الرياضية التي كادت تنقطع من أرض الإسلام مع شدة الاحتياج إليها في هذا الوقت، فقد نفق الآن سوقها بممالك الدولة العلية حتى صار مدرسوها من ضباط العساكر السلطانية وأعز أبناء الوطن، وبذلك يرتجى عود الدر لمعدنه لما أشرنا إليه في المقدمة من أن الإسلام كان منبع غالب تلك العلوم، ومن ذلك اعتناؤها بمطابع الجرنالات اليومية وغيرها المطلعة على حوادث الأيام في سائر المعمور. ولا شك أن ذلك من أقوى أسباب التهذيب والتمدن، كما يقتضيه العقل والتجربة؛ أما العقل فلأن القادر على الاختراع قليل، فشأن الأمم السالكين سبيل الحضارة اقتداء بعضهم ببعض في الأعمال الحميدة حتى يكونوا من الذين يرعون الحسن من الأحوال ولا يتركونه في زوايا الإهمال، وأما التجربة فبمشاهدة تقدم الإفرنج في المعارف الذي من أعظم أسبابه انكبابهم على مطالعة الجرنالات في كل آن. وليس بعد العيان بيان فمن الجرنالات التي تطبع بدار الخلافة الجرنال المسمى تقويم الوقائع الملكية، ثم جريدة الحوادث، ثم ترجمان الأحوال، وهذه الثلاثة باللغة التركية، ومنها الجوائب الذي هو عربي العبارة، ثم المسمى تصوير الأفكار والمسمى بمجموع الفنون، ثم جريدة عسكر وفروعها التي تصدر في كل شهر مجموعة تشتمل على فنون عسكرية تطبع بالمكتب الحربي. ويوجد بالقسطنطينية جرنالات غير ما ذكر بلغات عديدة كلغة الأرمن والبلغر والإغريق، واللغة الفرنساوية والإنكليزية وغيرها.
ولنرجع إلى بيان المكاتب وعدد تلامذتها إجمالا، فأولها المكتب الحربي السلطاني بالقسطنطينية يحتوي على أربعمائة وثمانية وخمسين من التلاميذ، يتعلم به الجبر الأعلى من العلوم الرياضية واستخراج سطوح المثلثات البسيطة المستوية وزواياها والكزموغرافيا؛ أي فن الهيئة وفن الاستحكامات والتوبوغرافيا؛ أي رسم البلدان والأسوار، وفن الحكمة والطبيعيات والبيطرة واللسان الفرنساوي والهندسة الرسمية واستعمال السيف وعلم المناظر والأظلال وفنون الطوبجية والبناء العسكري والرماية والفروسية وسرعة المشي ونحو ذلك من الفنون الحربية على اختلاف أنواعها. كما يوجد بها سبعة عشر مكتبا يدرس في جميعها علوم العربية كالنحو والبيان والرسم والإنشاء وعلم التاريخ والجغرافيا والمنطق والحساب والهندسة والعلوم الشرعية، كما يدرس بها علم الإدارة المالية والقوانين واللسان الفارسي والفرنساوي والفنون الرياضية. ومبلغ ما بها من التلاميذ ألف وثمانمائة وستة وعشرون تلميذا، كما يوجد بها مكتب لترشيح الطلبة للتدريس بالمكاتب الرشدية عدد تلامذته اثنان وعشرون. وهناك مكاتب أخرى لترشيح الطلبة للخدمات الملكية.
وبالجملة فمكاتب الدولة العثمانية آخذة في التقدم، وهي منقسمة إلى ثلاث مراتب؛ المرتبة الأولى للمبتدئين من التلاميذ، والثانية للمتوسطين، والثالثة للمنتهين، وقد بلغ عدد مكاتب المرتبة الأولى في العام المنصرم وهو سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف هجرية خمسة عشر ألفا وأربعين مكتبا في سائر جهات المملكة، بها من التلامذة خمسمائة ألف وستة آلاف وثلاثمائة وستة عشر، فمن تلك المكاتب اثنا عشر ألفا وأربعمائة وثمانية وسبعون مكتبا للإسلام بها من التلاميذ ثلاثمائة وثمانية وستون ألفا، وباقي المكاتب والتلاميذ لرعايا الدولة من غير الإسلام، وغالب معلمي تلك المكاتب من المسلمين وأبناء الوطن، كما أن غالب أطبائهم كذلك، وقد فتحت في العام الفارط مدرسة تعرف بدار الفنون يقرأ بها فن الكيمياء والطبيعة الحكمية، وكان المباشر للتدريس بها أحد أعيان الباشوات، ومن مزايا الدولة العلية ترتيب الجمعيات العلمية التي منها الجمعية الكائنة بمقر خزائن الكتب الجامعة للتآليف الإسلامية والإفرنجية، ويؤخذ عن علمائها فنون مختلفة بلغات عديدة، وبمحل هاته الجمعية مكان مخصوص بمطالعة الجرنالات، ثم جمعية المدرسين من علماء الإسلام المنقسمة إلى قسمين؛ قسم يكون اجتماعهم بمكتب معين لهم تؤخذ به عنهم علوم العقائد وفن الرياضيات وعلم الحساب والهندسة والجغرافيا وفن التاريخ، والقسم الثاني موقوف أمره الآن على إنجاز خصوصيات وستتهيأ إن شاء الله قريبا، ومن مزاياها الاعتناء بالطرق الحديدية وسلك التلغراف، ففي سنة أربع وثمانين ومائتين وألف الحالة بلغ طول المنجز من الطرق المذكورة أربعمائة وأربعة وعشرين كيلومترا، ومن سلك التلغراف أربعة عشر ألفا ومائة وخمسة وعشرين كيلومترا. (7) في القوة المالية والعسكرية بالمملكة العثمانية
اعلم أن قيمة جميع السلع الداخلة إلى ممالك الدولة والخارجة منها على ما حرره صاحب قاموس السياسة بلغت منذ سبع عشرة سنة، وهي مدة رسوخ التنظيمات، اثنتي عشرة مائة مليون فرنك في السنة بعد أن كانت لا تتجاوز أربعمائة وخمسين مليونا، وهذا أوضح دليل على لياقة التنظيمات بالمملكة، حيث ازداد بتأسيسها في نتائج المملكة ورفاهية أهاليها ما يقرب من ضعفي الأصل، وقد تحقق بذلك ما ترجاه السلطان عبد المجيد نعمه الله من إجراء القوانين لممالكه ذات الأراضي الخصبة والأهالي الذين هم في غاية القابلية، كما أشار لذلك بطالعة منشور تأسيس القوانين المتقدم ذكره، كما أن سفن المتجر الداخلة في مراسي المملكة لم تزل تتضاعف، وفي سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف بلغ قدر ما دخل منها بخصوص مرسى القسطنطينية ما يأتي بيانه:
جدول في بيان عدد السفن التي دخلت بمرسى القسطنطينية سنة 1863.
طونلاتة
مراكب
أصناف المراكب
858034
19328
مراكب براية الترك
62158
824
مراكب براية الممالك التابعة للدولة المستقلة في إدارتها الداخلية بأداء سنوي
920192
20152
الجملة
5346037
20670
مراكب أجنبية
6266229
40822
الجملة
بيان دخل الدولة السنوي وخرجها بمقتضى المضبطة الرسمية المنشورة في عام 1281.
فرنك
405091875
جملة الدخل
400507500
جملة الخرج
جدول في بيان القوة العسكرية البرية سنة 1861.
وقت الحرب
وقت الصلح
أصناف العساكر
117360
100800
عسكر تريس
22416
17280
خيالة
7800
7800
طوبجية الأمحال
5200
5200
طوبجية الحصون
1600
1600
مهندسون
8000
8000
عساكر في كريد
4000
4000
عساكر في طرابلس الغرب
148680
عسكر رديف
100000
عساكر الممالك التابعة للدولة التي لها استقلال في إدارتها الداخلية
عسكر غير مرتب
502056
144680
الجملة
جدول في بيان القوة العسكرية البحرية سنة 1866.
جملة المدافع
جملة المراكب
مراكب قلاع
فابورات
فابورات حديد
بحرية
أصناف البحرية
5
أمراء البحر
11
أمراء ألوية
10900
جملة القبطانات والفسيالات والبحرية
22100
الرديف
أصناف السفن
470
5
5
بوارج أي أجفان
216
6
6
فراقط مدرعة بالحديد منها ثلاث مشرفة على التمام
474
10
10
فراقط
155
9
9
قرابط
36
6
6
شالوب أي قوارب
80
80
أبركة وسكاين ونحوها
12
12
مراكب لحمل الأثقال عدا الفابورات لما ذكر؛ إذ لم يتيسر لنا معرفة عددها الآن
1351
128
92
30
6
33016
الجملة
وبما بيناه من تنظيمات الدولة العلية السياسية والعرفانية حصل لها من قوة الشوكة وظهور النمو في عمران ممالكها بالنسبة لما كان قبل التنظيمات ما لم يكن يظن حصوله في هذه المدة القليلة، ولا يستطيع المنصف جحده ولا يجد المكابر سبيلا لإنكاره، وقد كان يمكنها الحصول على أكثر من ذلك لولا العوائق التي أعظمها إغراء بعض الدول الأجنبية لبعض رعايا الدولة من غير الإسلام بالامتناع وعدم الرضا ونحو ذلك مما أوضحنا أسبابه في المقدمة. هذا ما أمكن تحريره من تراتيب الدولة العلية على ما فيه من إجمال؛ لأن الكتب التي لخصنا منها هذا المختصر أكثرها إفرنجية، فلم نجد بها مزيد إيضاح لأحوال الممالك الإسلامية، خصوصا ما يتعلق بالمجابي والخرج والقوة العسكرية ولم نعثر الآن من الكتب الإسلامية على ما يفيدنا إفادة شافية.
هذا وقد اشتهر في هذه الأيام بميادين السياسة أن عزيز مصر إسماعيل باشا الأفخم رتب مجلسا شوريا يحتوي على خمسة وسبعين عضوا تنتخبهم الأهالي للنظر في أحوالهم الداخلية دون الخارجية لتكفل الدولة العلية بها، وتفويض الأمور الداخلية لنظر ولاة مصر من آل محمد علي باشا، بشرط أن لا يحيدوا في تصرفهم عن مقاصد الشريعة الإسلامية، ثم التنظيمات السياسية المؤسسة عليها من تلقاء الدولة العلية، وذلك بمقتضى المنشور الصادر لمحمد علي باشا الممنوح بالمنشور المذكور تخليد ولاية مصر في نسله، وجعلها وراثة في ذريته على شروط مقررة به كأداء مقدار معلوم من دخل مصر للدولة العلية في كل سنة، وتوجه الوالي لدار الخلافة عند ولايته، وأن لا يعطي شيئا من أراضي المملكة لأجنبي إلا بترخيص من الدولة، وأن تكون ولاية المتوظفين في المراتب العالية عن إذن السلطان، إلى غير ذلك. وقد وقع أول اجتماع للمجلس المصري المشار إليه في نوفمبر سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف هجرية، ولا يمترى أن ذلك مما يحصل به إن شاء الله الفوائد الجمة لسكان تلك البلاد إذا قام أهله بواجباتهم وعرف أهل المملكة مواقع الانتخاب من أهل الفضل والمروءة والتجربة والفطنة والغيرة على الوطن؛ كي لا يغتروا بزخارف أرباب الأغراض ويعرضوا عن دسائسهم كل الإعراض، واستمر أميرهم الداعي إلى هذا التعاضد من تلقاء نفسه على التزام العمل بما يتفق عليه أهل المشورة، إلى غير ذلك مما يجب اعتباره في إنجاح هذا السعي الحميد العواقب.
الباب الثاني
في الكلام على مملكة فرنسا
(1) في تاريخها
اعلم أن ابتداء تاريخ فرنسا في الحقيقة إنما كان من سلطنة كلويس حفيدة ميروي، وهو الذي أسس ملك العائلة الميرونجيانية، وما يحكى عن سلطنة فرامون وكلوديون وميروي وشلدريك إنما هو مجرد أخبار بتسلطن أولئك الملوك مع عدم وجود ما يفيد القطع بصحة أخبارهم وحوادث أيامهم. وعند ولاية كلويس المذكور في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة مسيحية كانت أمم الويزيغوت والبورغوند والألمان والرومان تتنازع في أرض الغول (ويقال لها الغاليا أيضا)، وبهذا الملك انتصر الفرنكس أي الإفرنج، وهم فرقة من سكان تلك الأرض فكسروا جيش الرومان في صواصون سنة ست وثمانين وأربعمائة، وطوعوا الألمان بعد حرب تولبياك في سنة ست وتسعين وأربعمائة، وقصروا جماعة الويزيغوت على ملك السبتيمانيا، وهو قسم كبير من جنوب فرنسا، وأخرجوا ما عداه من أيديهم، وذلك بعد الانتصار عليهم في حرب وليي سنة سبع وخمسمائة وكسروا شوكة البورغوند حتى انمحت رسوم ملكهم بالتمام في أيام أبناء الملك المذكور، وذلك في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
هذا، وبعد وفاة الملك كلويس المذكور اقتسم أبناؤه الأراضي التي كان افتتحها، وذلك في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، فمن هذا الاقتسام تكونت أربع ممالك متفرقة: فكانت مدينة باريس تختا للمملكة الأولى وماتس للثانية وصواصون للثالثة وأورليان للرابعة. ثم في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة جمع كلوتير الأول سائر ممالك فرنسا تحت حكمه، لكنها انقسمت بعده ثانيا وذلك من سنة إحدى وستين وخمسمائة إلى سنة ثلاث عشرة وستمائة، وأعقب الانقسام حروبا أهلية أجلت عن اجتماع في مدة قليلة، ثم عن افتراق انقسمت به فرنسا إلى أربع ممالك وهي أوسترازيا ونوستريا وبورغونيا وأكويتانيا، فكانت أوسترازيا ونوستريا متميزتين من بين الممالك الأربع بالسطوة ونفوذ الكلمة، وكانتا متكافئتين مدة من الزمن. ثم في سنة سبع وثمانين وستمائة ارتفع شأن أوسترازيا التي كانت محافظة على عاداتها القديمة التي كانت عليها قبل فتوحاتها، وذلك بعدم مخالطتها لحضارة الرومانيين، وعلا أمرها على النوستريا وكانت إذ ذاك لا تلقب بلفظة المملكة لانقطاع العائلة الملكية منها وصيرورتها ربوبليك فاودال؛ أي جمهورية مقودة بالهرستال بلقب دوك، وهم أشرافهم. وهؤلاء الدوكات حكام أوسترازيا لم يزالوا حتى تسلطوا بوظيفة ماردوبالي (بمعنى ناظر القصر) على ملوك نوستريا، وذلك لما انقطعت العائلة الملكية من أوسترازيا كما أشرنا إليه وصارت المملكة جمهورية مرءوسة بأشرافها الذين كانوا مذعنين لأمراء نوستريا بمجرد تلقي اللقب منهم؛ إذ كانوا هم الأمراء المتأصلين في الملك من العائلة الميرونجيانية، ثم دخلت بورغونيا تحت طاعتهم والأكويتانيا التي هي القسم الرابع بعد أن استخلصها شارل مارتل من أيدي العرب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بانتصاره في حروب شديدة وقعت بينه وبين عساكر الأندلس في إمارة عبد الرحمن الداخل.
ثم بعد مدة وجيزة من إمارة أحد أولئك المار؛ أي نظار القصر، وهو ببان لبراف، انتقل التاج إليهم واستولى المذكور ملكا في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بعد أن عزل شلدريك الثالث آخر ملوك العائلة الميرونجيانية، ومن هذا كان ابتداء العائلة الثانية من ملوك فرنسا، وهي العائلة الكارلونجيانية، وهذا الملك تغلب أيضا على أكويتانيا وعلى سبتيمانيا، وهو أول من جمع فرنسا كلها عدا البرطانيا تحت رئاسة واحدة، وامتد سلطانه ونفوذ كلمته إلى إيطاليا، وألجأ اصطلف ملك لومبارديا إلى احترام البابا إستيفنو وملك الكنيسة عدة أراض.
وأما ابنه شارلمان المذكور في مقدمة هذا الكتاب فقد تغلب بعده على إسبانيا الشمالية وعلى إيطاليا وعلى الساكسونيا وعلى باواريا وعلى الأوار أهل بنونيا، وذلك من سنة ثمان وستين وسبعمائة إلى سنة أربع عشرة وثمانمائة، واستجمع الممالك المذكورة في مملكة كبيرة سماها السلطنة الغربية المتجددة، وأشار بالمتجددة إلى إحياء السلطنة الرومانية الغربية بعد اندراسها. غير أن هذه السلطنة لم تتجاوز سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة حتى انقسمت إلى ثلاث ممالك مستقلة، وهي: فرنسا وإيطاليا وجرمانيا، وصار تاج السلطنة يتداوله بعض الذرية بإيطاليا مرة وأقاربهم من أمراء العائلة الكارلونجيانية أخرى، حتى انتقل إلى طائفة من الأعيان ليسوا من تلك العائلة، ثم انتهى الأمر إلى بقائه بيد الألمان. وكان ابتداء سقوط العائلة الكارلونجيانية من سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة حين صارت عصبية أعيانها تتعاظم وتغتنم فرصة التسلط على السلطة الملكية، حتى إنه في سنة سبع وثمانين وثمانمائة كان واحد من أولئك الأعيان المقدمين للخطة من صاحب التاج يسمى أودون، وهو جد عائلة الكابيت افتك الملك من يد العائلة الكارلونجيانية الذين آل أمرهم في ذلك الوقت إلى وجود مجرد ألقاب السلطنة فيهم بدون قوة ولا مملكة، ثم رجعت العائلة إلى تخت السلطنة، ثم افتك منهم ورجع إليهم بعد ذلك، ثم آل أمرهم إلى فقد جميع ما كان بأيديهم وسقطوا بالكلية، وكان ذلك سنة سبع وثمانين وتسعمائة على يد هوغ كابيت، وهو أول العائلة الثالثة من ملوك فرنسا وهي العائلة الكابنيسيانية وجعل مركز السلطنة الدوكاتو الكبرى التي كانت في قبضته من فرنسا. وبحسن تدبير هذا الملك وسيايته تزايدت القوة الملكية في فرنسا وحسن حالها وأعانه على ذلك شدة حزمه وطول مدة ولايته والمجالس البلدية التي أجاد تأسيسها في الإيالات وما حدث في ذلك الوقت من الحروب بين المسلمين والصليبيين، وذلك من سنة سبع وثمانين وتسعمائة إلى سنة ثمان ومائة وألف. ومن هذه السنة إلى سنة ست وعشرين ومائتين وألف ازدادت السلطة الملكية نموا وقوة شوكة، وافتك من أيدي الإنكليز عمالة النورمانديا والأنجو والألمان والبواتو من سنة أربع ومائتين وألف إلى سنة خمس ومائتين وألف، وأشرفت أيالتا غيان وغسكونيا على عود التاج إليهما لولا مفارقة لويز لوجون زوجه ليونورة داكويتانيا في سنة اثنتين وخمسين ومائة وألف.
ثم إن لويز التاسع الملقب بصان لوي بمعنى الصالح، وهو الذي مات بتونس مهد مصالح المملكة وساسها أحسن سياسة من سنة ست وعشرين ومائتين وألف إلى سنة سبعين ومائتين وألف، فإنه وإن لم يزد في أرض المملكة زيادة معتبرة إلا أنه أعطى التاج ما يستحقه من السلطة والاعتبار، وأقام دعائم الملك على أمتن أساس. ثم في مدة فليب الثالث من سنة سبعين ومائتين وألف إلى سنة أربع وثمانين ومائتين وألف أضاف المذكور اللنغدوك إلى فرنسا وتداخل في جميع المنازعات التي كانت واقعة في ممالك إسبانيا النصرانية، وامتد نفوذ كلمته إلى مملكة نابلي من إيطاليا، ثم شرع فليب الرابع من سنة أربع وثمانين ومائتين وألف في استرجاع الأملاك التي كانت سلمت إلى لوتير ونجحت مدافعته في ذلك ضد سلطة البابا الدنيوية، وأقام بين البباصين والأعيان وسلطتهم حاجزا، وهو مجلس المشورة العمومية (بمعنى أنه عطل تصرفاتهم وأحالها إلى الشورى، فكانت أحزاب الناس تجتمع لعرض المطالب)، وهذا الملك هو أول من جمع دواوين المدن بفرنسا، ويقال لها مجالس البارلمان، ثم بعد وفاته مال أولاده إلى الأعيان وقووا سلطتهم بدون تبصر في عاقبة الأمر، وكان دأب أولئك الأعيان البحث عما يتيسر به تخلصهم من القيود المنافية لأغراضهم واغتنام الفرصة في ذلك حتى تمكنوا من السلطة ثانيا بإعانة أولئك الأبناء الذين كانوا يجهلون مصالح الملك، وكان ذلك من سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف، ووقع مثل هذه الإعانة للأعيان من الفرع الثاني الملكي، وهو الملقب بالوالوي اقتداء بأولاد فليب الرابع، فبتلك السيرة المتهورة أشرفت فرنسا على الاضمحلال، فاغتنم ملوك الإنكلترة الفرصة وشرعوا في الحروب المسماة بحروب المائة سنة، وانضم إليهم الفلمنك والبروتون، وكان مبدأ تلك الحروب من سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف إلى سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة وألف، وبعد أن غلبت فرنسا في مقاتلة كريسي وذلك في دولة فليب دووالوي سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، وفي محاربة بواتيي، وكانت في دولة جان الثاني سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف شرعت في النهوض في دولة شارل الخامس من سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف إلى سنة ثمانين وثلاثمائة وألف، لكنها رجعت بعد ذلك القهقرى في دولة شارل السادس حين كان صغيرا تحت قيد الحجز، ثم حين اختل عقله وذلك من سنة ثمانين وثلاثمائة وألف إلى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وألف حتى أشرفت على الانقراض ثانيا بسبب تجاذب أمراء العائلة المتكثرين عددا وثروة وتداخلهم في سياسة الممالك طمعا في التاج ورغبة في نفوذ الكلمة، مع ما آل إليه أمر العائلة الثانية من أمراء بورغونيا من القوة والسلطان في سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف حتى صارت مضاهية للعائلة الملكية.
ومما زاد الأمة الفرنساوية وهنا على وهنهم المصادمات التي جرت فيها الدماء بين شيعة البورغوند وشيعة أرمنياك. وفي سنة خمس عشرة وأربعمائة وألف تغلبت الأمة الإنكليزية في أزنكور وحازت غالب الإيالات البحرية من فرنسا. ثم في سنة تسع وعشرين وأربعمائة وألف بزغ طالع سعد فرنسا بظهور البنت جان دارك بنت أحد الفلاحين المولودة بقرية دومرمي التي زعمت أن الله أمرها باستخلاص فرنسا من أيدي الإنكليز، فتوجهت إلى الملك شارل السابع بمدينة بورج فانقاد إلى قولها، وكانت السبب في رفع حصار الإنكليز لمدينة أورليان بقودها لجيوش الملك المشار إليه بأزمة النصر، إلى أن أوصلتهم إلى مدينة رامس، وبعد ذلك أخذت أسيرة في محاصرة مدينة كومبيان فأحرقت بالنار بدعوى أنها ساحرة.
وفي سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وألف طرد الإنكليز من أرض فرنسا بعد محاربات شديدة، وتغلب لويز الحادي عشر من سنة إحدى وستين وأربعمائة وألف إلى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وألف على عصبة الأعيان المتقدم ذكرهم، وأضاف إلى حكم التاج إحدى عشرة إيالة كبيرة كانت كل واحدة منها مستقلة بالتصرف، وإن كانت ولاية حكامها بيد الملك. وشرع شارل الثامن في حروب إيطاليا سنة أربع وتسعين وأربعمائة وألف ودام الحال إلى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وألف، ثم تمادى على ذلك لويز الثاني عشر الملقب بأبي العامة حتى أفنى فيها ماله ورجاله. ومما يحكى من محاسن هذا الملك أنه كان من الفرع الثاني من العائلة الكابيسيانية، وكان الملك لابن عم له من الفرع الأول منها، فلما مات الملك خلفه ابن له صغير السن تحت حجر أحد الأعيان، فرأى الملك المشار إليه عدم استقامة الحال واضطراب أمر المملكة بسبب صغر سن الوارث، فتحرك عليه لذلك وتحزب بجماعة لافتكاك الملك لنفسه حتى آل الأمر بعد حروب بينه وبين مقدم الصبي إلى القبض عليه وسجنه بسجن حصين، وكان يشدد مع ذلك عليه وينزله في مطمورة بالسجن لئلا يتمكن من الفرار، وبقي هكذا مسجونا حتى انقرض الفرع الأول ولحقته الدولة، ولما ولي الأمر طلب منه أحزابه أن ينتقم من ذلك المقدم الذي نكل به وعذبه، ولما ألحوا عليه في ذلك أجابهم بقوله: لا يليق بشرف سلطان فرنسا أن يتنازل لأخذ الثأر على ما وقع لدوك دواورليان. فليتأمل من هذا الجواب الحسن ومن همة هذا الرجل العالية المنبئة عن كمال المروة والمعرفة بمواقع السياسة، وكيف فرق بين المرتبتين قبل الولاية وبعدها في ذات نفسه، فمن علم منه مثل هذا رآه جديرا بأن يلقب بأبي العامة.
ثم في سنة خمس عشرة وخمسمائة وألف انتصر الملك فرنسوا الأول على السويسرة في حرب مرينيان، ثم انكسر في بيكوك سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وألف عند محاربته لجيش إمبراطور ألمانيا شارل الخامس، وكذلك في باويا سنة خمس وعشرين وخمسمائة وألف انتصر عليه وأخذ أسيرا ولم يتيسر للملك المذكورة مدة ملكه إلا المدافعة بقدر الإمكان لقوة الإمبراطور شارل المذكور. وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وألف أضاف الملك هنري الثاني إلى المملكة ثلاث عمالات كان كل منها مرءوسا بمطران. وبقرب ذلك العهد نشأت الحروب الأهلية الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت التي بها خربت فرنسا، وفيها هلكت عائلة الوالوي التي كان آخرها الملك هنري الثالث، وذلك من سنة اثنتين وستين وخمسمائة وألف إلى سنة تسع وثمانين وخمسمائة وألف، وبالملك هنري الرابع ابتدئ فرع آخر من العائلة الملكية يسمى بالبربون، وفي أيامه انتهت الحروب الأهلية وذلك من سنة تسع وثمانين وخمسمائة وألف إلى سنة أربع وتسعين وخمسمائة وألف، وبه اندملت جراح فرنسا وتيسرت لها أسباب رفعة الشأن من سنة أربع وتسعين وخمسمائة وألف إلى سنة عشر وستمائة وألف.
وفي دولة لويز الثالث عشر من سنة عشر وستمائة وألف إلى سنة ثلاث وأربعين وستمائة وألف أسس الوزير الكردينال ريشليو الملك الاستبدادي، ومهد طرقه للويز الرابع عشر بعد أن كسر شيعة البروتستانت ومحا آثار تصرفات الأعيان. وهذا الوزير المشار إليه هو الذي رفع أمر فرنسا إلى الأوج في الحروب المسماة بحروب الثلاثين سنة من عام ثمانية عشر وستمائة وألف إلى عام ثمانية وأربعين وستمائة وألف، ونقل إليها الرجحان الذي كان قبل ذلك لدولة النمسة. وبالجملة فقد صارت فرنسا بموجب شروط وستفاليا سنة ثمان وأربعين وستمائة وألف، وشروط بيريني سنة تسع وخمسين وستمائة وألف، أعظم ممالك أوروبا سطوة وطمعت في التسلط عليها في دولة لويز الرابع عشر، فتعصب عليها جميع أهل أوروبا ودافعت عن نفسها ثلاث مرات، وازدادت قوتها في صلح نيم سنة ثمان وسبعين وستمائة وألف. ثم في صلح ريزويك سنة سبع وتسعين وستمائة وألف كان الأمر لا لها ولا عليها، وتأخرت بعد ذلك قليلا في صلح أوترخت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وألف حين ضعفت من طول الحروب مع إسبانيا الملقبة بحروب وراثة إسبانيا. وفي مدة لويز الخامس عشر من سنة خمس عشرة وسبعمائة وألف إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف حازت فرنسا اللوران والكورسكة، لكن لم يكن لها في ذلك الوقت منهج سياسي تسير عليه؛ أي لم تكن سياستها محصورة يقتدي الخلف فيها بالسلف، فإنها حاربت في فائدة النمسة من سنة ست وخمسين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وألف، وتركت التعرض في انقسام بولونيا من سنة ثمان وستين وسبعمائة وألف إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف، وفوتت الفرصة التي سنحت لها في أخذ الهند من سنة أربعين وسبعمائة وألف إلى سنة ست وخمسين وسبعمائة وألف، وبعد ذلك ضيعت مستعمراتها الخارجية. غير أن أهلها كانوا في ذلك الوقت في مقدمة الأمم بالعلوم والمعارف، وكان لسانهم مستعملا في سائر نواحي أوروبا ومرغوبا في تعلمه.
ثم في مدة لويز السادس عشر انتقمت فرنسا من إنكلترة بإعانة أهل أميركا حرصا على استقلالهم بحكمهم، وذلك من سنة خمس وسبعين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وألف. ثم في سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف وقعت الثورة الفرنساوية التي ساقت الملك لويز السادس عشر إلى مقتله وعوضت الملك بالربوبليك (أي الجمهورية) في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وألف، وأعطت الأمة الكونستيتوسيون مؤسسا على الحقوق الإنسانية. وقد وضع هذا الانقلاب الفرنساوي مبدأ تاريخ جديد للاجتماع الإنساني، حيث غير حال الناس إلى طور جديد بالانتقال من ربقة العبودية إلى تمام الحرية، كما كانت ثورة إنكلترة مبدأ تاريخ لدولة منظمة.
هذا، وينبغي أن نذكر هنا بعض أسباب هذه الواقعة التي تولدت منها حرية أوروبا، وكيف كان حال الأمة الفرنساوية قبلها، وإلام آلت بعد. فاعلم أن فرنسا لم يكن لها قبل ذلك التاريخ كونستيتوسيون ولا إدارة منظمة، وكانت حالها في السياسة والاقتصاد سيئة جدا بحيث لا يمكن تحملها بوجه، وكانت أرضها منقسمة إلى إيالات بعضها عدو لبعض، والناس متوزعون على طبقات متضادة، وكل الأمور كانت تعتبر جزئياتها لاعتبار شخصيات أفراد الناس، بمعنى أنهم كانوا لا ينظرون في الأمور بما تقتضيه كليات الأحوال، بل يقتصرون على الشخصيات التابعة للأغراض الخصوصية، فمن كانت له حظوة عند الملك أو بعض حاشيته أو حماية ممن لاذ بهم نال بغيته، ومن لا فلا. وكانت الصناعات وقابليات المعارف محجوزة بقيود لا انفكاك لها، والخطط الدينية والمدنية والعسكرية كانت دائما مقصورة على طائفة من الناس، ولم يكن يسوغ للإنسان أن يتعاطى صناعة من الصناعات إلا في حالة مخصوصة وبشروط معتبرة، كدفع المال ونحوه. وبعض المدن كانت لها مزايا خصوصية في التراتيب الداخلية وفي توزيع الأداء ونحوه، وسائر الوظائف كانت مؤبدة تحت يد أفراد من الناس في جميع جهات المملكة، وكان العدد القليل من ذوي الثروة والجاه يقاوم جما غفيرا من الفقراء والمساكين، وثقل الأداء ونحوه كان كله يحمل على طبقة واحدة من الناس وهم الضعفاء منهم، أما الأعيان وأهل الكنيسة فكانوا يملكون ما يقرب من ثلثي أرض فرنسا ولا يؤدون عليه شيئا، والثلث الذي بيد العامة يوظف عليه الأداء للدولة أولا ثم عوائد كثيرة للأعيان ثم العشر للكنيسة، مع ما كانت تتحمله آراضهم من إفساد زروعها من مرور الأعيان بها عند الاصطياد، ومن الصيد نفسه؛ حيث إن الاصطياد كان محجرا على العامة ولو في آراضهم؛ إذ هو من خصائص الأعيان، والأداء على الأقوات إنما كان على العامة، واستخلاص المجابي كان بالقهر من دون أدنى ترتيب، والأعيان إذا امتنعوا من أداء ما يوظف على كسبهم لا يلزمهم بالامتناع شيء بخلاف العامة، فإنهم كانوا يعاملون في أموالهم وأبدانهم معاملة سيئة، فمن لم يعجل بدفع ما يطلب منه فقد عرض ماله للتلف وبدنه للسجن، وما كانوا يرتزقونه بعرق الجبين يدفعونه في مصالح الطبقة العليا من الأعيان، ثم يدافعون عنهم بأنفسهم. وأقل شقاوة من هؤلاء أهل الصناعات، فإنهم لعدم الملك عندهم لا يلزمهم من الأداء ما يلزم غيرهم من أرباب الأملاك، لكنهم لا يحصلون على شيء من المنح التي يستحقونها بتزيينهم للمملكة بنتائج أفكارهم وتحصيلهم لها بذلك ثروة وشهرة بين الممالك.
وكانت الأعيان تتولى الأحكام في بعض إيالات المملكة الراجعة لهم، وأما الإيالات التي لم يكن بينها وبين الخطة الملكية واسطة فكانت الخطط بها تباع وتشترى. وكان فصل الأحكام في الكل بطيئا، وفي الغالب يترجح في الحكم جانب من وفر العطية، وكثيرا ما يتراضى الخصمان على ترك المخاصمة بالمرة أخذا بالأصلح لهما لكثرة المصاريف، وفي نوازل الجنايات كانت العامة تعامل بالغلظة والفظاظة بخلاف غيرهم، حيث كانت رسوم الحرية الشخصية عند حكامهم منهوكة، بحيث لا يراقبون في الإنسان إلا ولا ذمة، ثم المطابع كانت تحت نظر رقباء من جانب الدولة بحيث لا يرخصون لأحد في طبع ما لا يستحسن عندهم. وبالجملة لم يكن للعامة حق عندهم ولا حرمة، كما لم يكن للسلطة الملكية حد تقف عنده ولا نهاية، فأحوال فرنسا في ذلك الوقت كانت مرتبكة بدون تقييد ولا تنظيم، ولم تكن المملكة محمية من الأجانب كما ينبغي، ودخلتها الخيانة بواسطة صاحبات لويز الخامس عشر، وأشرف نظامها على الاختلال من ضعف وزراء لويز السادس عشر، وبعد ذلك ضيعت شرفها بترك إعانة هولاند وبولاند، حيث كانت حليفة لتينك الدولتين ولم تدافع الأجانب عند استيلائهم عليهما. ولمثل هذه الأسباب قامت الأمة الفرنساوية على الدولة ورجالها، وكانت ثورة أبدلت الكيفية القديمة المختلة الإدارة بكيفية منظمة لائقة بالشرف الإنساني، وعوضت الاستبداد بالقوانين القابضة لأيدي الحكام عن تجاوز الحدود والتفضيل بين الناس بالتسوية بينهم في الحقوق، فتسرحت الصناعات مما كان يعوقها وحميت الفلاحة من تسلط الأعيان ومن أداء العشر للكنائس، وكفت عن الأملاك موانع التحبيس واتحدت أحوال المملكة وتصرفاتها، وهذه الثورة كانت علامة للحرية وأيقظت لها جفون سائر الأمم وأنتجت مصالح جمة مظنة للدوام والاستمرار، واستبدلت إفراط القتل الواقع فيها بمنافع لا تحصى.
وقد استقر حكم الدولة الجمهورية بفرنسا في الحادي والعشرين من أشتمبر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة وألف، واستمر ذلك إلى الثامن عشر من ماية سنة أربع وثمانمائة وألف، ففيها ارتقى نابوليون الأول على تخت السلطنة من وظيفة قنصل أول للربوبليك، وهو الذي طوع أوروبا الغربية لفرنسا مدة سنين، لكنه ضيع خيار عسكره في حروب إسبانيا والروسية سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وألف، ثم أزيل عن كرسيه في سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف، وحينئذ رجعت عائلة البوربون إلى الملك ورجعت فرنسا إلى حدودها القديمة قبل الثورة، فأعطى الملك لويز الثامن عشر الكونستيتوسيون للأمة وجعل لهم نوابا يناضلون عنهم، وهم أهل القمرة.
وفي سنة خمس عشرة وثمانمائة وألف ظهر نابوليون مرة أخرى لكن بحرب واترلو تعين زوال الإمبراطورية الأولى بالكلية، ورجع لويز الثامن عشر إلى فرنسا ثانيا، ودام الملك في عقب الفرع الأول من عائلة البوربون إلى سنة ثلاثين وثمانمائة وألف، ثم سقط هذا الفرع في أثناء ثورة لعدم ميل قلوبهم للدولة القانونية، وعوض عنه في الملك الفرع الثاني من تلك العائلة وهو عائلة أورليان. وفي الرابع والعشرين من فراير سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف وقعت ثورة على حين غفلة رجعت بها الدولة الجمهورية، ثم في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وألف رجعت الإمبراطورية وارتقى على تخت السلطنة لويز نابوليون باختيار سبعة ملايين وثمانمائة وأربعة وعشرين ألفا ومائة وتسعة وثمانين من العامة ضد مائتين وثلاثة وخمسين ألفا ومائة وخمسة وأربعين منهم، ولقب نفسه بالثالث؛ لأن نابوليون الأول كان تنازل عن الملك لابنه الصغير الملقب بنابوليون الثاني بعد حرب واترلو وقبله أهل القمرتين إلا أنه لم يتم له أمر كما تقدم. (2) في ذكر أسماء ملوك فرنسا وتاريخ ولايتهم وانتهائها
من سنة
إلى سنة
أسماء الملوك ونسبهم
العائلة الأولى الميرونجيانية
420
427
فاراموند
427
448
كلوديون
448
458
ميروي
458
481
شيلدريك الأول
481
511
كلويس الأول
511
524
كلودومير في أورليان
511
534
تييري الأول في ماتس أي أوسترازيا
534
548
تيودوبرت الأول فيها أيضا
548
555
تيودوبالد فيما ذكر
511
558
شيلدبرت الأول في باريس
558
561
كلوتير الأول في صواصون 511-558 ثم في فرنسا كلها
561
575
سيجبرت الأول في أوسترازيا
575
596
شيلدبرت الثاني فيها أولا ثم فيها وفي بورغونيا من سنة 593 بعد وفاة غونتران الآتي ذكره
596
612
تيودوبرت الثاني في أوسترازيا
561
567
كاريبرت الأول في باريس
561
593
غونتران في أورليان وبورغونيا
596
613
تييري الثاني في أورليان وبورغونيا أولا، ثم فيهما وفي أوسترازيا من 612 بعد تيودوبرت الثاني المار ذكره
567
584
شيلبريك الأول في صواصون أولا 561 ثم فيها وفي باريس
584
628
كلوتير الثاني في صواصون إلى 613 ثم في فرنسا كلها
628
631
كاريبرت الثاني في أكويتانيا
628
638
داغوبرت الأول في أوسترازيا 622 إلى 628 ثم في فرنسا كلها
638
656
سيجبرت الثاني في أوسترازيا
638
656
كلويس الثاني في نوستريا وبورغونيا
656
670
كلوتير الثالث فيهما أيضا
670
673
شيلدريك الثاني في أوسترازيا إلى 670 ثم في فرنسا كلها
674
679
داغوبرت الثاني في أوسترازيا
679
691
تييري الثالث في نوستريا 673 إلى 679 ثم في فرنسا كلها
691
695
كلويس الثالث
695
711
شيلدبرت الثالث
711
715
داغوبرت الثالث
717
719
كلوتير الرابع في أوسترازيا أولا إلى 717 ثم في فرنسا كلها
715
720
شيلبريك الثاني في نوستريا وبورغونيا
720
737
تييري الرابع فيهما أيضا
737
742
فترة خمس سنين
742
752
شيلدريك الثالث
العائلة الثانية الكارلونجيانية
687
714
بابن دوهريستال استولى دوكا في أوسترازيا
714
715
تيود والد
715
741
شارل مارتل
741
747
كارلومان ثم انخلع
752
768
بابن لبراف مع كارلومان 741 إلى 747 ثم ملك فرنسا
768
771
كارلومان ثم انخلع
768
814
شارلمان أي شارل الكبير مع كارلومان إلى 771 ثم على فرنسا كلها
814
840
لويز الأول الملقب باللين
840
877
شارل الملقب بالأصلع
877
879
لويز الثاني الملقب بالتمتام
879
882
لويز الثالث وكارلومان
882
884
كارلومان وحده
884
887
شارل الملقب بالغليظ، وكان إمبراطور ألمانيا أيضا
887
898
أود أو أودون أول ملك من الكاباسيان
898
923
شارل الثالث الملقب بالساذج بويع ملكا في 893 بمدينة رامس فطرد منها ثم استولى على فرنسا كلها بعد أودون
922
923
روبرت الأول أخو أودون بويع في صواصون
923
936
راءول من أقارب الكاباسيان
936
954
لويز الرابع الملقب دوترمار أي القادم من وراء البحر إشارة إلى كونه تربى في إنكلترة
954
986
لوتار
986
987
لويز الخامس الملقب بالكسلان
العائلة الثالثة الكاباسيانية
987
996
هوغ كابات
996
1031
روبرت الثاني
1031
1060
هنري الأول
1060
1108
فليب الأول
1108
1137
لويز السادس الملقب بالغليظ
1137
1180
لويز السابع الملقب بالصغير
1180
1223
فليب الثاني أوغست
1223
1226
لويز الثامن الملقب بالأسد
1226
1270
لويز التاسع المشهور بصان لوي
الفرع البكري المعروف بالفرع الفليبي
1270
1285
فليب الثالث الملقب بالجسور
1285
1314
فليب الرابع الملقب بالجميل
1314
1316
لويز العاشر الملقب بمعجب نفسه
1316
جان الأول المولود بعد أبيه وهو ابن لويز العاشر
1316
1322
فليب الخامس الملقب بالطويل وهو عم جان
1322
1328
شارل الرابع الملقب بالجميل عم جان أيضا
صنو ثان من الفرع الفليبي ويقال له الوالوي وهم من بني فليب الثالث من عقب أخ لفليب الرابع وهو شارل دو والوي
1328
1350
فليب السادس دو والوي ابن شارل المذكور
1350
1364
جان الثاني الملقب بالمليح، مات رهينا ببلاد الإنكليز
1364
1380
شارل الخامس الملقب بالعاقل
أول فرعي دوحة شارل الخامس
1380
1422
شارل السادس الملقب بالحبيب
1422
1461
شارل السابع الملقب بالمنصور
1461
1483
لويز الحادي عشر
1483
1498
شارل الثامن
ثاني فرعي الدوحة المذكورة ويقال له والوي أورليان وهم ولد شارل الخامس من ابنه الثاني لويز دوك أورليان، نسل البكر من ذلك، ويقال لهم أورليان أورليان، وهم من بني شارل دوك أورليان بكر لويز المذكور
1498
1515
لويز الثاني عشر الملقب بأبي العامة
نسل صنو البكر مما ذكر ويقال لهم أورليان أنغولام من عقب جان كونت دانغولام ثاني أولاد لويز دوك أورليان المذكور وحفيد شارل الخامس
1515
1547
فرنسوي الأول الملقب بأبي الآداب أي علوم الأدب
1547
1559
هنري الثاني
1559
1560
فرنسوي الثاني
1560
1574
شارل التاسع
1574
1589
هنري الثالث مات قتيلا
الفرع الثاني من العائلة الكاباسيانية صنو الفرع الفليبي، ويقال له الفرع الروبرتي أو بيت بوربون، وهم من بني روبرت دوكلارمون سادس أولاد صان لوي وأخي فليب الثالث
1589
1610
هنري الرابع دو بوربون
1610
1643
لويز الثالث عشر الملقب بالمنصف
نسل البكر من بيت بوربون المذكور
1643
1715
لويز الرابع عشر الملقب بلويز الكبير
1715
1774
لويز الخامس عشر الملقب بالمحبوب
1774
1792
لويز السادس عشر عزل في أغشت سنة 1792 وقطع رأسه في يناير سنة 1793 بحكم مجلس النواب
لويز السابع عشر ابن لويز السادس عشر لم يتول الأمر
1792
1804
الدولة الجمهورية من اشتنبر
1792
1795
الاتفاق
1795
1799
الديركتوار
1799
1804
القنصلية أقيم فيها ثلاثة قناصل منهم نابوليون بونابارت بخطة قنصل أول وكامباسارس ثان ولوبرون ثالث الإمبراطورية
1804
1814
نابوليون بونابارت جلس على كرسي فرنسا بلقب نابوليون الأول إمبراطور الفرنسيس في الثامن عشر من ماية
العودة الأولى
1814
1815
لويز الثامن عشر أخو لويز السادس عشر
رجوع الإمبراطورية
1815
نابوليون الأول في المرة الثانية ثلاثة أشهر وثلث وتعرف هذه المدة في التاريخ بمدة المائة يوم
نابوليون الثاني تنازل له أبوه في 22 يونية بعد واقعة واترلو وقبله السناتو ومجلس النواب، لكنه لم يتول
العودة الثانية
1815
1824
لويز الثامن عشر المذكور
1824
1830
شارل العاشر أخو لويز ثم خلع في آخر يولية
نسل صنو البكر من بيت البوربون ويقال لهم بوربون أورليان، وهم من بني فليب أخي لويز الرابع عشر
1830
1848
لويز فليب الأول ملك الفرنسيس خلع في فراير واستوطن سراية كلارمونت بإنكلترة ومات فيها في 26 أغشت سنة 1850 ولقب بملك الفرنسيس؛ لأنه لم يكن من أولياء العهد لوجود وريث الكرسي من بيت البوربون إذ ذاك في قيد الحياة، وهو الكونت دو شامبور حفيد شارل العاشر من ثاني ولديه، لقب نفسه بهنري الخامس
1848
1852
الدولة الجمهورية الثانية نشأت في 24 من فراير
1848
1852
لويز نابوليون بونابارت صار رئيس الدولة الجمهورية في العاشر من دجمبر 1848
الإمبراطورية الثانية
1852
لويز نابوليون بونابارت ترقى إلى الإمبراطورية في الثاني من دجمبر بلقب نابوليون الثالث إمبراطور الفرنسيس (3) في وصف فرنسا
اعلم أن فرنسا إحدى الممالك الأوروباوية الغربية، موقعها بين سبع درجات وتسع دقائق من الطول الغربي وخمس درجات وست وخمسين دقيقة من الطول الشرقي، وبين اثنتين وأربعين درجة وعشرين دقيقة وإحدى وخمسين درجة وخمس دقائق من العرض الشمالي، ويحدها في ناحية الشمال بحر المانش وبوغاز كالي، الفاصل بينها وبين إنكلترة، ثم البلجيك وألوكسنبورغ وإيالات بروسية وباواريا التي على شاطئ وادي الرين، وشرقا الدوكاتو الكبرى من بادن والسويسرة وإيطاليا وقبلة البحر المتوسط أي بحرنا هذا وإسبانيا، وغربا البحر المحيط الأطلانتي. وقدر امتدادها مما بين الشمال والغرب إلى ما بين القبلة والشرق ألف كيلومتر وأربعة وستون كيلومترا، ومما بين القبلة والغرب إلى ما بين الشرق والشمال تسعمائة وأربعة وعشرون كيلومترا، وقدر مساحتها بالتكسير خمسمائة واثنان وأربعون ألفا وثلاثمائة وستة وتسعون كيلومترا مربعا، وعدد سكانها بلغ في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف سبعة وثلاثين مليونا وثلاثمائة وستة وثمانين ألفا ومائة وإحدى وستين نفسا، منها بمدينة باريس وهي تختها مليون وستمائة وستة وتسعون ألفا ومائة وواحد وأربعون. ومن سكان فرنسا خمسة وثلاثون مليونا وسبعمائة وأربعة وثلاثون ألفا وستمائة وسبعة وستون متمذهبون بالمذهب الكاثوليكي الذي رئيسه البابا، ومليون وخمسمائة وواحد وستون ألفا ومائتان وخمسون بروتستانت ومائة ألف وستة آلاف من اليهود، والباقي على عقائد مختلفة.
وبشطوط فرنسا عدة جزر راجعة إليها، مثل: جزيرة كورسكة وجزر يارس في البحر المتوسط، وجزر ري وأوليرون وويسان في البحر المحيط، ويرجع إلى فرنسا زيادة على ما ذكر مستعمرات في جهات مختلفة، ففي قسم أفريقية الجزائر في الناحية الشمالية منها، وسنيغال وجزيرة غوري في الجهة الغربية وجزيرة صانت ماري وجزيرة بوربون في الجهة الشرقية منها، وعدد سكان جميعها ثلاثة ملايين ومائتان وثمانية عشر ألفا وأربعمائة وخمس وعشرون نفسا، منهم للجزائر مليونان وتسعمائة وتسعون ألفا ومائة وأربع وعشرون نفسا، والمسلمون منهم مليونان وسبعمائة وثمانية وسبعون ألفا ومائتان وواحد وثمانون، والباقي منهم مائة وخمسة وثمانون ألفا ومائة من الكاثوليك، وستة آلاف وسبعمائة وستة وثلاثون من البروتستانت، وتسعة وعشرون ألفا وسبعة من اليهود، وتربيع مساحة أرض الجزائر ثلاثمائة وتسعون ألف كيلومتر، وفي قسم آسيا أراضي بونديشري وكاريكال وماهي ويناون وشاندرنغور في الهند وسايغون في الكوشنشين، وعدد سكان جميعها ثلاثمائة ألف وتسعة عشر ألفا وثمانمائة وثمان وستون نفسا. وفي قسم أميركا جزيرة صان بيير وجزيرة ميكلون وجزيرة مارتينيك وجزيرة غوادلوب والغيان الفرنساوية، وعدد سكان جميعها ثلاثمائة ألف وثلاثة عشر ألفا وخمسمائة وثمان وستون نفسا. وفي قسم الأوقيانوس جزر مركيز وتاييتي، وعدد سكان جميعها مائة وثمانية وسبعون ألفا وتسعمائة وعشرون نفسا، فجملة رعايا فرنسا في الأقسام الخمسة أحد وأربعون مليونا وأربعمائة وستة عشر ألفا وتسعمائة واثنتان وأربعون نفسا.
وكانت فرنسا في المدة السالفة ملكت من أميركا لويزيانة والكاندة وصان دومنيك وصانت لوسي وتاباغو، وملكت بآسيا مراكز عديدة كان أعظمها مركز سورات، لكنها ضيعت جميع ذلك فيما بعد خصوصا وقت حروب نابوليون الأول مع الإنكليز. وأما حدودها باعتبار الطبيعة الأرضية فيحيط بفرنسا من ناحية الشرق والقبلة سلسلة جبال بعضها شامخ جدا كالجورا وجبال الألب في الناحية الشرقية، وجبال الووزج بين الشمال والغرب، ويوجد مع النزول من القبلة إلى الشرق ربا الشمبانيا الشرقية وبورغونيا وجبال فوريز وجبال أوارن وساوان، وفي الناحية القبلية جبال بيريني الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، وبها من الأودية الكبار ستة، وهي: الرين والموز ومأخذهما من أرض فرنسا قليل، والرون والغارون واللوار والسان. وبها أنهار وأودية كثيرة غير ما ذكر، والأنهار تصب في الأودية الكبيرة فتسقي الأراضي وتجري بها السفن. وبها خلج؛ أي قنوات مستحسنة الكيفية متقنة الصنعة؛ كخليج جنوب فرنسا وخليج وسطها والخليج الكائن بين وادي رون ورين وخليج بورغونيا والخليج المحاذي لوادي لوار وخليج سانتر والخليج المار من نانت إلى براست، والقناة المارة من نيورت إلى روشال، وقناة لوانغ وبريار.
ويوجد بفرنسا طرق عديدة عمومية تتصل بها الطرق المعتادة، وست طرق كبيرة حديدية، وهي أمهات الطرق كالتي بين باريس ومرسيليا، والطرق الحديدية الفرعية كثيرة، وطول جملة الذي تم منها في سنة أربع وستين وثمانمائة وألف ثلاثة عشر ألفا وسبعة وخمسون كيلومترا، والذي فيه العمل ثلاثة آلاف وثمانمائة واثنا عشر كيلومترا، وبها كثير من مقاطع الفحم الحجري الكثيرة الفائدة والقطران الأرضي، ومقاطع الحديد والرصاص كثيرة بها، ومقاطع النحاس قليلة والفضة أقل والذهب، بحيث لا يستخرج لعدم قيامه بالمصاريف، وبها عدة مقاطع من الرخام المتشفف والمرمر والكذان والرخام الجيد وحجر الطبع وغير ذلك من أنواع الحجر المنتفع به وأنواع الجص والتراب الكبريتي والزاجي ونحوها والمياه المعدنية والعيون الملحة والسباخ الشهيرة. وغالب أراضيها خصب وبها سهول تنبت الحبوب، ومن مروجها ما هو طبيعي ومنها ما هو مزدرع، وبها بساتين كروم جيدة، ومع هذا يوجد بها أراض معطلة كائنة بين القبلة والغرب على شاطئ البحر المحيط. ومن نباتات أرضها غير القمح والشعير وغيرهما من الحبوب الدخان والقنب، إلا أنهم ينتفعون بخيوطه فقط، وحبوب الزيوت على اختلاف أنواعها والفول والجلبان والغرفالة واللوبيا والقسطل والبطاطة وسائر الثمار على اختلاف أنواعها. ويزرع بها اللفت الأحمر والعنب بكثرة، يستخرج من الأول السكر ومن الثاني المقطرات. ويربى بها دود القز بكثرة والنحل وأنواع الطير والحيوانات المستخدمة والأنعام، ومنذ سنين ربي بها الغنم المرينوس المجلوب من إسبانيا ومعز التبت وهو صقع بآسيا الوسطى اللذان شعرهما يشبه الحرير لينا. وأعمال اليد بها في غاية الإتقان، لا يسلمون جودة الصنائع وأعمال اليد لأمة من الأمم إلا للأمة الإنكليزية في عمل المكينات وبعض الأقمشة القطنية وغيرها في الكثرة ورخص أسعارها، وفيما عدا ذلك فإنهم متميزون عمن عداهم بإتقان الجوخ وجميع أقمشة الصوف والحرير والكتان والقطن وما يستعمل من الجلود، وكذا الصيني والفخار المطلي والبلور وما شاكل ذلك، وكذا صناعة الصياغة والآلات التي يستعان بها على سائر الصنائع وعمل الكراريس وغير ذلك، كما أن دائرة المتجر بها في غاية الاتساع داخل البلاد وخارجها، وأصول السلع التي تخرج من فرنسا راجعة على سبيل الإجمال إلى الأقمشة من حرير وقطن وكتان وصوف، والأشربة من سائر المقطرات والزيوت والموبيلية؛ أي أثاث البيوت، وأنواع اللباس والأسلحة والكتب والجلود. وأصول ما يدخل إليها إجمالا مثل القطن والدخان والسكر والقهوة والنيلج والكاكاو والكشنيلية وخيوط الكتاب والزيوت بأنواعها والقطران والأقمشة والذهب والفضة والقصدير والحديد والنحاس، ودخل أهل مملكة فرنسا من جميع ما ذكر في السنة كثير جدا كما يأتي تفصيل بعضه.
والأمة الفرنساوية أقل الأمم اختلاطا بمعنى أنهم أقرب الناس إلى اتحاد الجنس، ومع ذلك فإن أهل الجنوب منهم لا يشبهون أهل الشمال، لا سيما خارج المدن الكبيرة، ولم تزل سيماء الألمان ظاهرة في وجوه الألزاس وفي بعض جهات لوران، وصور الغال بادية في البريطانية السفلى، وصور الباسك في سكان جبال بيريني. والأمة في الأصل متكونة من أخلاط الغال، وهم فرع من السالت والكيمريس أو البالج والأيبار أو الباسك، ثم من الفينيقيين، ثم من الإغريق والرومان، ثم من الفرنكس المتقدم ذكرهم، ومن الألان والغوت والبورغوند والسواف. واللسان الفرنساوي مشهور بحسن التنظيم والإيضاح حتى كاد يستعمل في سائر جهات أوروبا. وأما الديانات بجميع أنواعها فغض عنها الطرف بفرنسا، فلا يمنع أحد من التدين بما شاء، إلا أن غالب الفرنسيس متمذهبون بالمذهب الكاثوليكي. (4) في نظام الإدارة السياسية
اعلم أن نظام الإدارة السياسية بفرنسا ناشئ عن موافقة جمهور الأمة في الحادي والعشرين والثاني والعشرين من دجمبر سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وألف، ومؤسس على قواعد المعاهدة المسماة عندهم بالكونستيتوسيون المعطاة لهم في الرابع عشر من يناير سنة اثنتين وخمسين، وعلى عدة شروط صدرت بعد ذلك التاريخ. وهذا الكونستيتوسيون منشؤه أن رئيس الربوبليك - أي الدولة الجمهورية - استشار العامة، وبمساعفتهم أسسه على الأصول الآتية التي أولها: أن يبقى الرئيس مدة عشر سنين ثم يطالب في تصرفاته. الثاني: الوزراء يطالبون لرئيس الدولة فقط. الثالث: مجلس الدولة المركب من الأعيان المنتخبين مكلف بإحضار القوانين والمدافعة عنها أمام أهل القمرة. الرابع: أهل القمرة؛ أي مجلس نواب العامة، يتحاورون في القانون المراد تحريره ويقترعون عليه، وأعضاء هذا المجلس يختارهم العامة. الخامس: مجلس السناتو يتركب من الأعيان الذين لهم مزيد شهرة في المملكة، وعليهم حراسة أصول القوانين والحرية العامة. فبرز الكونستيتوسيون مؤسسا على هذه الأصول في الرابع عشر من يناير سنة اثنتين وخمسين المتقدم ذكرها، وتعينت السلطة الحكمية بأن يتصرف رئيس الربوبليك بواسطة الوزراء ومجلس الدولة ومجلس السناتو وأهل القمرة، والسلطة التأسيسية بأن تكون باتفاق الرئيس مع أهل القمرتين؛ أعني السناتو ومجلس النواب.
وما أشير إليه في مقدمة هذا الكتاب من أن وضع أصول القوانين لا يكون إلا بموافقة غالب الرشداء من أهل المملكة ... إلخ، فهو في مثل الأصول المذكورة، تأمل! ثم بمقتضى المرسوم الذي صدر من مجلس السناتو في نومبر من تلك السنة استتبت المنزلة السلطانية، وصار لويز بونابارت رئيس الدولة الجمهورية إمبراطور الفرنسيس؛ أي سلطان الفرنسيس، وتسمى بنابوليون الثالث، وهذه طالعة أوامره الرسمية: السلام من نابوليون إمبراطور الفرنسيس بنعمة الله وإرادة الأمة. وسوغ له أن يجعل وراثة الملك في ذريته الشرعيين من الذكر إلى الذكر، وإذا لم يكن له عقب فإن له أن يتبنى أحد الذكور من سلالة إخوة نابوليون الأول، وهذا التبني يقرر في مرسوم من السناتو، والتغيير المذكور المتعلق بالكونستيتوسيون عرض على العامة وقبلوه، ومن ذلك الوقت صدر ترتيبه على ما يأتي ذكره، وهو أن الإمبراطور هو رئيس المملكة وبيده العقد والحل في القوة البحرية والبرية، يشهر الحرب ويعقد شروط الصلح والمعاهدة والتجارة، ويسمي سائر المتوظفين ويعمل التراتيب اللازمة لإمضاء القوانين، وتصدر الأحكام باسمه ويعرض على القمرة ما يروم إحداثه من القوانين، وله أن يعفو عن الجناة ولو في الحق الخاص، ويقبل سائر القوانين التي يوافق عليها مجلس السناتو ويمضيها، وله أن يوقف الحرية حال المحاصرة عن وطن أو قسم من المملكة إن اقتضى الحال ذلك لوقوع هرج ونحوه بشرط أن يعرف بذلك السناتو في أسرع وقت ممكن. هذا وإن الشروط المتجرية التي يحررها الإمبراطور مع الدول الأجانب تكون قانونا للعامة فيما يتعلق بتبديل الأسعار، وجميع الخدم والمشروعات المتعلقة بالمصالح العمومية تصدر بأمر أو بترخيص منه، وكل وزير يطالب بخدمته للدولة ولا يطالب مجموعهم؛ أعني مجلس الوزراء، حيث كان مرجع المطالبة في السياسة العمومية إلى ذات الإمبراطور، ومجلس الدولة المسمى كونسيل ديتا مكلف بإعطاء الرأي في التصرفات بدون أن يعطلها عن مرادها، وأعضاء هذا المجلس يسميهم الإمبراطور الذي هو رئيسهم الطبيعي، وله تبديلهم متى شاء.
وتنقسم خدمة هذا المجلس إلى ستة أقسام تحت رئاسة رؤساء ينصبهم الإمبراطور: قسم لتهذيب القوانين الجديدة والأحكام والأمور الخارجية، وقسم لفصل النزاع الواقع بين المتوظفين فيما يخص الإدارة، وقسم للنظر في المصالح الداخلية كالتعاليم العامة وترتيب إجراء المناسك الدينية ونحوها، وقسم للأعمال في المصالح العمومية من الزراعة والتجارة ونحوهما، وقسم للمصالح العسكرية برا وبحرا، وقسم لترتيب المجابي والمصاريف. وتجتمع الأقسام المذكورة تحت رئاسة الملك أو نائبه للتأمل في الأمور المهمة مما ذكر وغيره، وللوزراء الحضور في هذا المجلس، ولهم آراء يعتد بها، ومجلس السناتو هو المحافظ على الكونستيتوسيون والحرية العمومية كما سلف، وله التداخل في فصل كل نازلة تحدث في غيبة مجلس وكلاء العامة وشرح مقاصد القانون وإبطال حكم مستبد أو مخالف للقانون، كما أن له أن لا يمضي ما اتفق عليه مجلس وكلاء العامة من القوانين إذا رآه مخالفا لأساس الكونستيتوسيون، وأن يتصرف في الكونستيتوسيون بما فيه صلاح إذا كان ذلك بطلب من الملك وكان غير مضر بالأصول.
وهذا المجلس هو الذي يقبل عرض أحوال السكان وتشكيهم من سائر الأمور، وله عرض تقرير في ذلك على الملك إن ظهر له، كما أن له التداخل في إيجاد قانون جديد بدون أن يطلب ذلك منه؛ بمعنى أنه يستأذن الإمبراطور في التقرير الذي يعرضه عليه في إحداث ما تعم مصلحته. ثم إن هذا المجلس يتركب من مائة وخمسين عضوا في الأكثر منهم كل من بلغ من أمراء العائلة الملكية من العمر ثمان عشرة سنة وكبراء الدين أي الكردينالات والماريشالات الذين حازوا نهاية المراتب العسكرية، وأمراء البحر الذين لهم رتبة ماريشال. وولاية المذكورين في المجلس تكون بمجرد وصولهم إلى تلك الدرجة من غير ولاية خاصة؛ لأنه قد جعل من حقوق وظيفتهم أن يكونوا أعضاء في المجلس المذكور، وبقية الأعضاء ينتخبهم الإمبراطور من الأعيان بوظيفة عمرية، كما ينتخب الرؤساء الأول والثواني لهذا المجلس، ولمجلس النواب أيضا.
وأما أهل هذا المجلس الأخير فإنهم يتأملون في صورة سائر القوانين التي يرام صدورها ويقترعون عليها، وكذلك أمور الأداء، وتعيين أصول مصاريف الدولة وأعضاؤه تسميهم العامة، فكل خمسة وثلاثين ألف نفس ممن لهم حق الانتخاب ينتخبون واحدا، ثم إذا تجاوز عدد المنتخبين في عمالة المقدار المذكور بأكثر من تسعة عشر ألفا يختارون نائبا آخر وهكذا، والدولة تقسم البلاد إلى دوائر للانتخاب لكل دائرة ما تحتاجه من النواب، وما يفضل عن العدد المطلوب يضاف لدائرة أخرى، وتجدد النظر في التقسيم بعد كل خمس سنين لتطلع على ما يحدث من زيادة أو نقصان في الأهالي المستحقين للانتخاب، وتدوم نيابة أولئك المختارين مدة ست سنين.
وفي قوة الإمبراطور أن يعطل مجلس وكلاء العامة لسبب من الأسباب السياسية على شرط أن يطلب من الأهالي إعادة الانتخاب، وأن لا يتجاوز تعطيلهم ستة أشهر. والمتوظف في الدولة لا يكون نائبا عن العامة، وكل من بلغ سنه من الأهالي إحدى وعشرين سنة يكون له حق الانتخاب بدون اعتبار كسب، إلا أن يكون قد حكم عليه بجناية تشين العرض أو يكون ممن لا يحسن التصرف في نفسه. وكل من بلغ سنه خمسا وعشرين سنة يمكن انتخابه لمجلس وكلاء العامة. وينبغي أن تكون أسماء الأهالي الذين لهم حق الانتخاب مقيدة بجريدة، وأما المنتخب فلا يشترط أن يكون اسمه معلوما قبل الاقتراع.
ولهذين المجلسين - أي مجلس السناتو ومجلس وكلاء العامة - تراتيب لتحسين إدارة خدمتهم كتقسيم الأعضاء إلى عدة أقسام تجتمع اجتماعات سرية للتأمل في النوازل قبل عرضها على الاجتماع العام ونحو ذلك. واعلم أن أهل القمرتين - أعني مجلس السناتو ومجلس النواب - يقترعون في كل سنة عند ابتداء الخدمة على المعروض الذي يكون جوابا عن خطبة الإمبراطور التي يلقيها عليهم بعد ندبه إياهم للاجتماع. وعند المفاوضة في المعروض المذكور يحضر نواب من الدولة في القمرتين ليشرحوا لهم سياستها ويناضلوهم عنها، وذلك المعروض هو المسمى عندهم بالادريس، وقد يتضمن تلميحات وإشارات تنبئ عن مقاصدهم من غير أن يخرجوا عن حدود الحقوق القانونية. ومباحثهم تتناول سائر متعلقات السياسة الداخلية والخارجية؛ لأن الدولة تعرض على ذينك المجلسين سياساتها على العموم، وترسل إليهما المكاتيب السياسية الواردة إليها والصادرة عنها، كما أن خطبة رئيس الدولة التي تفتتح بها الخدمة في المجلسين تتضمن الإشارة إلى السياسة الداخلية والخارجية المفصلة في حججها المعروضة.
وكل من المجلسين المذكورين يكلف كومسيونا - أي جماعة منتخبة منه - لتحرير الجواب عن الخطبة المذكورة، وقد تقع المجادلة أولا ويحضر غالبا مكلف من الدولة لإيضاح ما يشكل عليهم من مقاصدها. والكومسيون المشار إليه يجيب عن سائر المقاصد التي أشار إليها رئيس الدولة، إما بالقبول والثناء أو بعدم الإقناع والارتضاء، ثم توزع نسخ جواب الكومسيون على سائر أعضاء المجلس وتقع المفاوضة فيه بعد ذلك علنا، وهناك يلتمس كل عضو ما يراه من التبديل والتغيير. وقد كان التبديل في المدة الأولى محجرا على مجلس وكلاء العامة، وإنما يلقى إليهم صورة الجواب فيقبلونه على ما هو عليه أو يمتنعون من قبوله، ثم أبيح لهم التصرف فيه. ووزير الدولة وهو غير وزير الداخلية هو المكلف بمتعلقات خدمة الملك مع القمرتين، ولا يتعاطى غير ما ذكر من الإدارات، ويعينه في المناضلة المذكورة رئيس مجلس الدولة ونائبه وأعضاء منه في أمور خصوصية.
واعلم أن المباحثة في الأمور السياسية بمقتضى القوانين التي قررناها لم تكن متيسرة لمجلس وكلاء العامة ومجلس السناتو إلا في وقتين؛ وقت جوابهم عن خطبة الإمبراطور، ووقت تأملهم في مصاريف الدولة، ثم رخص لأعضاء كل من المجلسين بمقتضى المنشور الذي صدر في ثامن عشر يناير سنة سبع وستين وثمانمائة وألف في سؤال الوزراء عما يظهر لهم مدة انعقاد المجلس، بشرط أن يجتمع رأي خمسة أعضاء فأكثر على الأمر الذي أريد البحث فيه، وأن يعرضوه في مكتوب مبين فيه جهة البحث على رئيس المجلس، وهو يعرضه على جميع أقسام المجلس المنقسم إليها، ويعطي منه نسخة لوزير الدولة المناضل عنها، فإذا اتفق على قبوله أربعة أقسام من الأقسام التسعة المنقسم إليها مجلس وكلاء العامة أو قسمان من الأقسام الخمسة المنقسم إليها مجلس السناتو صار نازلة عمومية تعرض على المجلس وقت اجتماعه العام لتقع المجادلة فيها علنا بين القادح والمدافع. وبعد تمام النزاع بين الخصمين ينظر، فإن كان رأي غالب المجلس بمقتضى القرعة مع القادح وجب عرض ذلك على الدولة لتعتبر ما يلزم وتعمل بمقتضاه، وإن كان العكس انتهت النازلة حينئذ وأفاضوا في غيرها، وفي كل من الوجهين تحصل فوائد جمة. وقبل صدور هذا المنشور كان المدافع عن حقوق الملك وزير الدولة ورئيس مجلس الدولة وأعضاء منه، وبمقتضى هذا المنشور صار ممكنا لكل من الوزراء أن يتولى الدفاع عن القدح في سيرته أو سيرة غيره بإعانة من كان مستقلا بذلك من وزير الدولة ومن معه بمقتضى أمر يصدر في ذلك من الملك.
وللمملكة مجلس مركب من أعضاء ورئيس أول ورؤساء ثوان جميعهم بولاية من الإمبراطور بوظيفة عمرية لتحرير حساب الدخل والخرج ومطابقته بما تقتضيه القوانين. وحكم هذا المجلس في ذلك كله ماض، وبه تبرأ ذمة المأمورين. ثم إنه بمقتضى الكونستيتوسيون المتقدم ذكره تكون مجلس عال لفصل نوازل البغاة الثائرين على الحكام أو الدولة، انفرد الثائر أو تعدد، ولجنايات المحيرين لراحة السكان. ولا يتعقب أحد حكم هذا المجلس ولو مجلس الكاساسيون. وينقسم هذا المجلس إلى قسمين كل منهما مركب من سبعة أعضاء مأخوذين من مجلس الكاساسيون المذكور؛ قسم للتأمل في الدعوى وحججها وسؤال الشهود وغير ذلك مما يقتضي قبولها أو ردها، وقسم للحكم في النازلة بمحضر الجوري الذي عدده تسعة وثمانون عضوا مأخوذة من أعضاء مجالس الإيالات، إلا أنه لا يحضر منهم في المجلس وقت الحكم إلا ستة وثلاثون عضوا ينتخبون بالقرعة من التسعة والثمانين المذكورين، ولا يكون في هذا الجوري أحد من الوزراء، وأعضاء مجلس السناتو ومجلس وكلاء العامة ومجلس الدولة، ولو كان من أعضاء مجالس الإيالات المذكورة، والسبب في ذلك واضح؛ لأن النوازل المعروضة على هذا المجلس هي من النوازل السياسية فيحينئذ هم الخصماء فلا يسوغ وجودهم في المجلس الحاكم في النازلة.
والكونستيتوسيون يضمن في الأصول التي تقررت سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف، وهي أساس حقوق العامة بفرنسا، وهذا ملخصها: التسوية أمام الحكم وقبول كل واحد من الناس لأي خطة كانت بدون اشتراط شيء زائد على الأهلية والحرية الشخصية، وتمام الأمن على النفس والعرض والمال، والحق في مدافعة الظلم، والحرية في المطابع والاجتماعات العامة، وكون إرادة العامة أساس كل سلطة، وجواز مشاركة سائر السكان في أعمال الدولة بواسطة نوابهم الذين يسمونهم، وتعيين الأداء وتحرير أصول المصاريف ومطالبة كل متوظف في تصرفاته، وكون سلطة التشريع منفصلة عن سلطة التنفيذ، بمعنى أن لا يكون مخترع القانون هو المنفذ له، وأن أعضاء مجالس الحكم لا يعزلون، وحضور الجوري عند فصل نوازل الجنايات وإشهار المفاوضة السياسية ونوازل الجنايات في الجريدة الرسمية، وعدم التعذيب للتقرير بالذنب، وعدم التحجير في الصناعات وتأسيس المكاتب للفقراء. (5) في الوزارات
اعلم أن إدارة المملكة تحت نظر عشرة وزراء كل منهم يتصرف فيما وكل إلى أمانته عن أمر الإمبراطور؛ لأنهم مسئولون له عن تصرفاتهم، ويجتمعون للنظر في المصالح تحت رئاسته أو رئاسة من ينوبه كل أسبوع مرتين في الأقل:
فأولهم:
وزير الدولة وهو الذي يكون واسطة بن الملك والمجالس، بحيث يعرض عليه ما يرد منهم ويبلغ إليهم ما يصدر منه، وهو الذي يناضل عن تصرفات الدولة لدى مجلسي السناتو ونواب العامة مع رئيس مجلس الدولة ومن يعينه الملك من الأعضاء، وهو الذي يمضي مع الملك على أوامر ولاية الوزراء ورؤساء المجالس المذكورة وأعضاء مجلس السناتو ومجلس الدولة، والأوامر الصادرة في فتح المجالس وإغلاقها، وغير ذلك مما لا يتعلق بخدمة وزارة من الوزارات. والحاصل أن العادة في الممالك الأوروباوية المؤسسة على القوانين هو وجوب إمضاء الوزير مع الملك في جميع الأوامر الرسمية، سواء تعلقت بالسياسة الخارجية أو الداخلية، كعقد الشروط مع الدول الأجانب وتولية المتوظفين وتأخيرهم وإمضاء القوانين والتراتيب والأحكام وغير ذلك، ليدل إمضاء الوزير على علمه بها المقتضي لموافقتها للقانون، خصوصا فيما تكون المسئولية فيه على الوزراء. ومن أعمال هذا الوزير تحرير تقرير فيما يقع بمجلس الوزراء وحفظه، وتقديم من وجب تقديمه للولاية من متوظفي وزارته لموافقة الملك. وتنقسم خدمة هذه الوزارة إلى ثلاثة أقسام، كل قسم مركب من المقدار اللازم من الكتاب وغيرهم تحت رئاسة مستشار.
الثاني:
وزير الأحكام والديانة، وهو مكلف بحفظ طابع الدولة الذي يختم به على القوانين والشروط وغيرها من الأوامر الرسمية، وهو الذي يقدم لموافقة الملك من وجب تقديمه من أعضاء مجالس الحكم وأهل الحسبة وغيرهم من المكلفين بالأحكام، ويوزعهم على الخدمات، وعليه إدمان المراسلة مع مجالس الحكم وأهل الحسبة فيما يتعلق بتحسين الإدارة في الأحكام وأمرهم بالوقوف عند الحدود، وله النظر في سيرة الشهود وغيرهم ممن له مساس بالأحكام، ومن واجباته إعلان القوانين الجديدة للعامة والنظر على مطابع الدولة، وهو الذي تعرض عليه مطالب التخفيف أو العفو من الملك عمن حكم عليه بعقوبة، ومطلب من أراد الدخول في العصبة الفرنساوية، ومطلب الترخيص للفرنساويين في خدمة دولة أجنبية؛ لأن القاعدة في أوروبا أن كل من يخدم منهم عند الدول الأجانب بدون رخصة فقد ضيع جنسيته وحماية دولته له. وأما خدمة الوزير المذكور في الديانة فبالمراسلة مع دولة البابا فيما يتعلق بأمور الدين ومع كبراء الديانة بفرنسا، وحفظ الكنائس وغيرها، وهو الذي يمضي مع الملك في الأوامر الصادرة منه في هذا الشأن. وتنقسم الوزارة المذكورة إلى ستة أقسام تحت رئاسة ستة مستشارين.
الثالث:
وزير الأمور الخارجية، ومن أعماله تهذيب شروط المعاهدة والتجارة مع الدول الأجانب بما يوافق عز الأمة وفوائدها، وتقديم من استحق الولاية لموافقة الملك من السفراء من الرتبة الأولى والثانية والثالثة والقناصل وغيرهم من النواب في الدول الأجانب والمتوظفين من الوزارة سواء كانوا داخل المملكة أو خارجها، وهو الذي يصحح مع الملك على شروط الصلح والمعاهدة والتجارة وأوامر المتوظفين وغير ذلك من الصحائف الرسمية، وهو الآمر لنواب الدولة بالوقوف عند حدود مأموريتهم بمقتضى سياسة الدولة والحافظ لشروط الدولة مع غيرها، وللخريطات المرسوم بها حدود المملكة. وأقسام هذه الوزارة خمسة تحت نظر خمسة مستشارين.
الرابع:
وزير العمالة؛ أي الداخلية، ومن مأموريته إجراء القوانين المتعلقة بالضبطية العامة الحافظة لراحة المملكة، وهو الناظر على عموم سياستها الداخلية وعلى إدارة الإيالات، وهو الذي يقدم لموافقة الملك عمال الإيالات والأوطان والبلدان التي يسكنها أكثر من ثلاثة آلاف نفس وسائر متوظفي وزارته، وله النظر في انتخاب وكلاء العامة وإجراؤه على مقتضى القوانين، وفي إدارة التلغراف والسجون والمارستانات والديار المعدة لمصالح الفقراء وترتيب الحراسة البلدية وإحصاء عدد سكان المملكة في كل خمسة أعوام، وإدارة المطابع العمومية خصوصا مطابع الجرنالات الرسمية. وهو الذي يمضي مع الملك في جميع الأوامر الرسمية من الولايات وغيرها، مما له تعلق بوزارته. وتنقسم الوزارة المذكورة إلى أحد عشر قسما تحت نظارة أحد عشر مستشارا.
الخامس:
وزير المال، وهو المكلف بعرض القوانين المتعلقة بالمال وحصر دخل الدولة وخرجها في كل سنة، وإدارة ما عليها من الدين بمثل إعطاء الفائدة أو اشتراء شيء من الدين المؤجل، وتوزيع مرتبات المتقاعدين من العسكر وأهل السياسة ومن صدرت منه خدمة مهمة؛ إذ من العوائد الأوروباوية أن من خدم الدولة ثلاثين سنة بوظيفة سياسية أو عسكرية يرتب له مرتب مدة حياته بحسب ما بلغه من المراتب، وكذا من صدرت منه خدمة نافعة للوطن يعين له مرتب عمري بحسبها، وقد يورث عنه إذا طلب ذلك الملك في الوجهين ووافق عليه مجلس وكلاء العامة. ومن أعمال وزير المال النظر على البانكات المرتبة بإذن الدولة؛ أي ديار الصيارفة، وعلى الاتفاقات التي تقع بين الدول في شأن البريد وغيره مما له تعلق بوزارة المال، وهو الذي يقدم لموافقة الملك متوظفي وزارته والقباض والجباة ونحوهم، ويمضي مع الملك على جميع الأوامر المتعلقة بالوزارة المذكورة، وتنقسم خدمتها إلى سبعة عشر قسما كل منها تحت رئاسة مستشار.
السادس:
وزير الحرب، ومن أعماله حصر عدد العساكر البرية وإدارة المهمات الحربية من المؤنة واللباس والأسلحة وفبريكاتها والحصون والمكاتب والمارستانات العسكرية ومجالس أحكام العسكر وسجونهم، وهو الآمر على حركات الجيش في وقت الصلح والحرب، والمكلف بإدامة الطاعة منهم وتعيين المبلغ الذي يدفعه من أراد إعفاء نفسه والخروج من الخدمة العسكرية، ويقدم لموافقة الملك ولاية من وجب تقديمه من ضباط العسكر على اختلاف مراتبهم ومتوظفي وزارته والمكلفين بخدمة مهمات الجيش ممن له تعلق بالوزارة، ويمضي مع الملك في جميع الأوامر المتعلقة بهذه الوزارة. وتنقسم خدمتها إلى تسعة أقسام كل منها تحت رئاسة مستشار.
ولما كان الجيش الفرنساوي من أشهر الجيوش في وقتنا ناسب أن نبين هنا الأسباب التي اقتضت شهرته، وذلك أن الخدمة العسكرية بمقتضى قانون فرنسا تجب على أبناء الأمة الفرنساوية من غير فرق في ذلك بين الأهالي، بحيث يجب على من بلغ السن المحدود في القانون أن يحضر وقت أخذ العسكر ليدخل القرعة مع أبناء جنسه من سكان بلده، إلا إذا كان له عذر معتبر في القانون. والخدمة العسكرية لها مدة معلومة تنتهي إليها. ومن تراتيبهم أنه لا يمكن لأحد أن يصير ضابطا في العسكر إلا بالاستحقاق، وذلك بأحد أمرين؛ أولهما: تعلم الأمور العسكرية في المكتب العسكري، فإذا شهد بنجابة المتعلم أهل المعرفة خرج من المكتب فسيالا صغيرا ملازما فما دونه، ثم يترقى بحسب أهليته. والثاني: أن يخدم في الجندية ستة أشهر في الأقل فيترقى إلى ما فوق بالشروط المقررة عندهم، وهي أن الأنباشي لا يترقى إلى رتبة شاوش إلا بعد خدمته ستة أشهر أيضا، والشاوش لا يترقى إلى رتبة ملازم إلا إذا خدم عامين، ولا يترقى من هذه الرتبة إلى ملازم أول إلا إذا خدم مثل ما ذكر، وكذا المذكور لا يترقى إلى رتبة يوزباشي إلا إذا خدم مثل الذي قبله، وكذا اليوزباشي لا يترقى إلى رتبة بينباشي إلا بعد خدمته أربعة أعوام، والبينباشي لا يترقى إلى رتبة قائم مقام إلا بعد ثلاثة أعوام، والقائم مقام لا يترقى إلى رتبة أمير ألاي إلا بعد عامين، والأمير ألاي لا يترقى إلى رتبة أمير لواء إلا بعد ثلاثة أعوام، وأمير اللواء لا يترقى إلى رتبة أمير أمراء إلا بعد ثلاثة أعوام أيضا، وأمير الأمراء لا يصير ماريشالا - أي مشيرا في العسكر - إلا إذا تأمر على قطعة من الجيش في وقت الحرب. والمدة المذكورة في الانتقال من رتبة إلى رتبة هي المدة اللازمة في غير وقت الحرب وغير جيش المستعمرات، أما في وقت الحرب فيكفي نصف المدة المذكورة، وكذا الجيش المقيم بالمستعمرات الخارجة عن المملكة كالجزائر وغيرها، فإن من خدم فيها عاما يحسب له عامان، وقد تعطى الرتبة العليا لمن ظهرت نجابته في ميدان الحرب بدون اعتبار المدة المشار إليها، ولم نذكر في المراتب المتقدمة بلوك أمين وباش شاوش وصاغ قول أغاسي وألاي أمين؛ لأن الأول عندهم بمثابة الأنباشي والثاني مثل الشاوش والثالث كاليوزباشي والرابع كالبينباشي، ولا يتيسر الانتقال من رتبة إلى ما فوقها إلا بالتدريج مثل البينباشي لا يتولى أمير ألاي إلا بعد أن يكون قائم مقام، ولو كان في ميدان الحرب، وصدرت منه أهم الخدم.
وأما معيار الاستحقاق للمراتب العسكرية فقبل رتبة البينباشي يكون ثلثا المراتب بالسبقية والثلث بالانتخاب؛ أي بالتقدم على أقرانه في معرفة الفنون العسكرية، وأما رتبة البينباشي فالنصف بالمعرفة والنصف بالسبقية، وفي مدة الحرب يعتبر التنصيف في المراتب المذكورة كلها، والترقي من قائم مقام فما فوق المعتبر فيه المعرفة لا غير. ومن تراتيبهم أن وزارة الحرب ترسل في كل عام عدة أمراء إلى مراكز الجيوش؛ لتفقد أحوالها في التعليم وسيرة الضباط والمؤنة والكسوة وأحوال السلاح إلى غير ذلك من الأمور التي يجب البحث عنها، وهؤلاء الأمراء يحررون تقارير لوزير الحرب تتضمن بيان ما يشاهدونه من تلك الأحوال، ويقيدون أسماء الضباط الذين يستحقون الترقي. وينعقد مجلس بوزارة الحرب من الأمراء المذكورين عند رجوعهم ليتأملوا التقارير المذكورة، خصوصا في ترقية الضباط، حيث يوجد في كل من جرائد الأمراء أول وثوان وثوالث باعتبار الاستحقاق، فلا بد من جمع ما في الجرائد كلها في جريدة واحدة لبيان تلك المراتب من المجموع، وتقدم هاته الجريدة لوزير الحرب، ولا يمكن لأحد كائنا من كان ممن هو في رتبة المذكورين ولم يذكر في الجريدة أن يترقى قبل المذكورين بها إلا إذا صدرت منه خدمة مهمة معتبرة قانونا.
ومن تراتيبهم أن من خدم في العسكر مدة معلومة أو عجز قبل تمام المدة بسبب الخدمة، فإنه يعطى مرتب التقاعد على كيفية مبينة في قوانينهم، وقد يعطى لزوجته بعد موته ثلث ذلك. وللدولة اعتبار تام بتربية أيتام من مات في خدمتها، خصوصا الخدمة العسكرية، ذكورا أو إناثا، ولهم مكان معد لتربية البنات تحت نظر الإمبراطورة، ولهم دار ضخمة البناء معدة لسكنى من يعطب في الخدمة العسكرية، وبها إدارة عجيبة في تدبير المساكن والمآكل والمشارب، وبها القدر اللازم من الخدمة ذكورا وإناثا، حتى إن مقطوع اليدين مثلا يوكل به نسوة يطعمنه ويسقينه ولا يفارقنه، وبها بستان عظيم يحتوي على أنواع شتى من الشجر لنزهة أولئك العاجزين، وبها كراريس صغار لركوب من لا يقدر على المشي ليستنشق الهواء بالدوران في ذلك البستان، ولهم خدمة يجرون تلك الكراريس. فبهذه الأسباب يعلم القارئ مقدار شهرة الجيش الفرنساوي الذي صار قدوة لغالب الممالك.
السابع:
وزير البحر، ومن أعماله إدارة المراسي والترسخانات وحصر عدد العساكر البحرية، وكذا البرية المعدة للبحر، وبحرية السفن المتجرية الحاملة لراية الفرنسيس، والنظر في إدارة العمالات التابعة لفرنسا غير الجزائر، وإدارة المهمات البحرية كالمؤنة واللباس والأسلحة وفبريكاتها والكرستة والحديد لإنشاء السفن وغير ذلك مما له تعلق بالقوة البحرية، وإدارة دار السواقط والمارستانات وسجون المحكوم عليهم بالكراكة. وعن إذنه تسير الدوننمة في وقت الحرب والصلح، ويقدم لموافقة الملك ولاية جميع الضباط البحرية ومتوظفي وزارته والترسخانات وسائر ما له تعلق بخدمة الوزارة، ويمضي مع الملك على سائر الأوامر المتعلقة بخدمتها، ولعساكر البحر من تراتيب الترقي والتفقد مثل ما ذكر لعساكر البر. وتنقسم خدمة هذه الوزارة إلى اثني عشر قسما كل قسم منها تحت نظر مستشار.
الثامن:
وزير المعارف، ومن أعماله إدارة جميع المكاتب العمومية غير المكاتب الحربية وترتيب كيفية الدروس، ويقدم لموافقة الملك ولاية المكلفين بإدارة المكاتب ومتوظفي وزارته، ويمضي مع الملك على جميع الأوامر المتعلقة بالوزارة، وتنقسم خدمتها إلى ثمانية أقسام تحت ثمانية مستشارين.
التاسع:
وزير الفلاحة والمتجر وسائر الأشغال العمومية، وهو المكلف بالإعانة على نمو الفلاحة والتجارة وسائر الصناعات بتراتيب حسنة ترفع عنها العوائق، وله النظر في إدارة المكاتب المعدة لعلوم الفلاحة وإدارة المجالس المركبة من العارفين بالصنائع لإعطاء الرأي فيما يلزم فعله لتنمية ما ذكر، وترتيب قوانين الكمارك وإعلام العامة بأحوال الفلاحة والمتجر في كل سنة؛ لتحصل لهم ملكة التجريب بما يقع فيها من النقص والزيادة، وله النظر على مكاتب البيطرة وعمل الطرقات وبناء القناطر ونظافة الأودية والترع لتيسير سير السفن فيها، وإدارة نزح السباخ ومنع فيض الأودية، والنظر على سائر طرق الحديد سواء كانت للدولة أو للجمعيات؛ لتكون على حالة مستحسنة، ويقدم لموافقة الملك جميع المتوظفين بالوزارة وسائر المأمورين بالخدم المتعلقة بها، ويمضي مع الملك في الأوامر الصادرة فيما يتعلق بوزارته، وتنقسم خدمتها بين خمسة عشر مستشارا.
العاشر:
وزير دار الملك، ومن أعماله إدارة صرف المبلغ المعين للملك في كل سنة وغير ذلك مما له تعلق بخاصة الملك وداره، وإدارة التياطرات وهي مجالس الملاهي وما أولاها أن تسمى مجالس تهذيب الأخلاق؛ لأن الإنسان يشاهد فيها ما تضمنته القرون الماضية عيانا لمزيد اعتنائهم بمحاكاة الوقائع ولغات الأمم وأشكال لباسهم المختلفة باختلاف الأعصار والأمصار، فغالب لعبهم في تلك المجالس جد في صورة هزل؛ ولذلك يحضرها الملوك والأعيان. ومن أنظار الوزير المذكور إدارة الأماكن المعدة لتوليد الحيوانات، فإن كل إيالة من إيالات فرنسا بها محل معد لتوليد الحيوانات يجلب إليه جياد الخيل وأحسن سائر الحيوانات من جميع جهات الأرض لتوليدها وبيعها للعامة، وليس مراد الدولة بذلك التجارة والربح، وإنما المراد تكثير الحيوانات لتنمية عمارة المملكة. وفي كل وزارة مجلس مركب من أعضاء ورئيس ينتخبهم الإمبراطور من الأعيان للتأمل وإعطاء الرأي للوزير في الأمور المهمة. (6) في ولاة إيالات المملكة
اعلم أن مملكة فرنسا تنقسم إلى تسع وثمانين إيالة تسمى ديبرتمان، وتلك الإيالات تنقسم إلى ثلاثمائة وسبعين أرونديسمان؛ أي وطنا كبيرا، وتلك الأوطان تنقسم إلى ألفين وتسعمائة وثمانية وثلاثين كانتونا؛ أي وطنا صغيرا، والأوطان الصغار تنقسم إلى سبعة وثلاثين ألفا وخمسمائة وعشرة كومونات مثل البلدان والقرى، وقد يوجد في البلدة الواحدة عدة كومونات، ومحصل الكومون أنه عبارة عما يتصرف فيه أحد المشايخ. إذا تمهد هذا فنقول: إن في كل مركز من الإيالات واليا عموميا من طرف الدولة مكلفا بإجراء القوانين وأوامر الدولة والنظر في مصالحها، كالإعانة على استخلاص المجابي وأخذ العسكر والنظر في الاجتماعات العامة لانتخاب أعضاء مجلس وكلاء العامة وحفظ راحة السكان وغير ذلك من كليات الأعمال، وله النظر على نمو الفلاحة والتجارة وسائر الصناعات والعلوم ورفع العوائق عنها وإدارة عمل الطرقات وبناء القناطر والمارستانات وحفظ جميعها عن إذن وزير العمالة؛ إذ عموم خدمة الولاة المذكورين تحت أمر الوزير المذكور، وإن كان لبقية الوزراء مراسلات معهم فيما يتعلق بوزاراتهم. ثم مع كل من الولاة مجلس تحت رئاسته مركب من أعضاء ينصبهم الملك، وهذه المجالس تسمى مجالس ولاة الإيالات، ومن أعمال هذه المجالس التأمل في فصل النوازل التي تتعلق بالإدارة كشكاية بعض الناس من ثقل الأداء المرتب عليهم، غير شكايات الأوطان والبلدان؛ لأن مرجع ذلك لغير هذه المجالس، وكالنزاع الذي يقع بين المأمورين بتنفيذ المصالح العامة وبين من أخذ شيئا منها بقدر معلوم من أرباب الاتفاقات على مقتضى الشروط الواقعة بينهم، وكالتأمل في الخسارة والفائدة التي يطلبها أشخاص من أهل الإيالة من أرباب الاتفاقات المذكورة لما يحصل بأعمالهم من الضرر، إلى غير ذلك من النوازل المتعلقة بالإدارة لا النوازل الشخصية التي تقع بين أفراد الناس ، فإن مرجعها إلى مجالس الحكم.
وأما الأوطان الكبار ففي كل مركز منها نائب عن الوالي ينصبه الملك، ومأموريتهم في الأوطان كمأمورية الولاة في الإيالات، وتصرفهم عن إذن الولاة المذكورين. وفي كل مركز إيالة مجلس عدد أعضائه بعدد الأوطان، تنتخبهم الأهالي لمدة تسعة أعوام، وينتخب الملك رئيس المجلس ونائبه من الأعضاء، وتسمى هذه المجالس مجالس الإيالات، ويتبدل ثلثهم في كل ثلاثة أعوام، ومن أعمالهم توزيع الأداء المرتب من مجلس وكلاء العامة بين أوطان الإيالة باعتبار المكاسب وتعيين المدة المطلوبة من كل واحد من سكانها لخدمة مصالحها العامة عدا العسكرية، والمقدار اللازم دفعه للمجلس البلدي ممن أراد إعفاء نفسه من تلك الخدمة، وما يلزم إحداثه من مصالح الإيالة كتمهيد الطرقات وبناء القناطر والمارستانات ونحوها، والمبالغ اللازم صرفها في ذلك؛ لأن العادة في فرنسا أن أحداث الطرقات السلطانية المارة من تخت المملكة إلى حدودها وما يتبعها من القناطر وحفظها على الدولة، والطرق الموصلة من بعض بلدان الإيالات لبعضها أو منها للطرق السلطانية على أهل الإيالات، والمبالغ ومدة الخدمة اللازمة لذلك ونحوها من المصالح تعينها هذه المجالس. وكذلك من مأموريتهم إعطاء الرأي فيما تجب إزالته من مضار الإيالة، وتحقيق حساب الوالي وغيره من المكلفين بصرف المبالغ المعينة لإجراء مصالحها، وهم الذين يعينون الأمناء الذين يرجع إليهم في النظر في تقويم ما يؤخذ من الأملاك للمصلحة العامة، ولهم أن يعرضوا على وزير العمالة ما يرونه من المصالح، ويجب اجتماع هذا المجلس كل سنة في وقت يعينه الملك، وللولاة حضوره عند اجتماعه للخدمة، وتسمع آراؤهم إلا إذا كان تأمل المجلس في تحقيق الحساب المتعلق بمصالح الإيالة. ثم في كل من مراكز الأوطان الكبار مجلس أيضا تنتخب الأهالي أعضاءه لستة أعوام تحت رئاسة رئيس ونائبه، ينتخبهما الملك من أعضائه، ويتبدل نصفه في كل ثلاثة أعوام، ويجتمع هذا المجلس مرتين في السنة في وقتين تعينهما الدولة، ومن أعماله توزيع الأداء المعين من مجلس الإيالة على الوطن بين بلدانه باعتبار المكاسب، والتأمل في شكايات البلدان من ثقل الأداء المرتب عليهم، وله إعطاء الرأي في مصالح الوطن مثل مجلس الإيالة في مصالحها، ولنواب الولاة في الأوطان حضور هاته المجالس عند اجتماعها غير أنهم لا كلام لهم وقت ترجيح الرأي. وأما البلدان والقرى ففي كل منها شيخ ينصبه الملك إذا بلغ عدد سكانها ثلاثة آلاف فأكثر، وأما إذا كان سكانها أقل من ذلك فولاية مشايخها من والي الإيالة، ومن مأمورية المشايخ المذكورين النظر في مصالح البلد من إدارة الأملاك المعينة لذلك، وحفظ راحة السكان وحصر عدد من يموت ومن يزداد، وأمر التزويج وانتخاب وكلاء العامة ليكون الانتخاب على مقتضى القانون، ولهم أحكام تخص الضبطية، وهم نواب الدولة في إعلان القوانين وإجرائها في البلدان سواء كانت عامة أو خاصة، ومن حقوقهم تولية سائر المتوظفين بالبلد ممن لم تعين القوانين ولايته ككتاب الإدارة والمكلفين بحفظ خزائن الكتب والبنائين والحراس ونحوهم.
ثم إن في كل بلد من بلدان فرنسا مجلسا بلديا تحت رئاسة شيخ البلد أو نائبه مركبا من أعضاء تنتخبهم الأهالي لخمسة أعوام، ومن أعمال هذا المجلس ترتيب إدارة الأملاك المعدة لمصالح البلد التي تباشر إدارتها المشايخ، وتنقسم المراعي بين أهل البلد وتعيين مقدار الحطب الواجب دفعه لكل من سكان البلد في السنة، والمكان الذي يؤخذ منه من غابة البلد، وإعطاء الرأي فيما يتعلق بحدود البلدان لمعرفة ما يجب على كل منها من تمهيد الطرقات. وله تعيين ما يجب إحداثه من مصالح البلد وترتيب إدارة ما يعين لديار الصدقات، وإعطاء الرأي فيما يعرض عليهم من والي الإيالة، وبالجملة فلهم النظر في جميع مصالح البلد. ثم لوالي الإيالة في حالة معروفة في القانون أن يعطل خدمة هذا المجلس لمدة شهرين، ولوزير العمالة تعطيله لمدة عام، وللملك تعطيله لتمام خمسة أعوام، وفي كل من الأحوال الثلاثة تعين جمعية لإدارة خدمة المجلس المذكور، ففي البلدان المسكونة بأقل من ثلاثة آلاف نفس يكون التعيين من والي الإيالة، وفي البلدان التي سكانها أكثر من ذلك يكون من الملك، وعند تمام مدة التعطيل يجب إعادة الانتخاب من الأهالي. ويتسبب التعطيل عن أمور سياسية كتداخلهم فيما ليس لهم ونحو ذلك، ولم يرجعوا عنه بعد النهي. هذا وفي كل مركز من مراكز الإيالات قابض عمومي يقبض مجابي الدولة تحت أمر وزير المال، وفي كل من مراكز الأوطان قابض أيضا تحت إذن القابض العمومي، وفي كل بلد أو قرية جاب تحت إذن القابض، وليس للوالي أو نائبه مدخل في خلاص المجابي إلا إعانة المذكورين، وما أحسن هذا الترتيب في منع ولاة الإيالات والأوطان من التعاطي في قبض المجابي؛ لأنه بذلك يتيسر لهم الاحتساب على سيرة القباض والجباة في حفظ حقوق الدولة والرعية؛ إذ هو أهم المقاصد من ولايتهم. (7) في الكلام على تقسيم الجيش
اعلم أن الجيش الفرنساوي ينقسم إلى سبعة أقسام كل منها تحت رئاسة ماريشال، ستة منها بفرنسا والسابع بالجزائر. فالستة التي بفرنسا تنقسم إلى أحد وعشرين مركزا كل منها تحت رئاسة أمير أمراء، ثم تنقسم هذه المراكز إلى تسعة وثمانين كل منها تحت رئاسة أمير لواء، والقسم الذي بالجزائر مقسوم إلى ثلاثة مراكز كل منها تحت رئاسة أمير أمراء، ثم تنقسم هذه المراكز إلى خمسة عشر كل منها تحت رئاسة أمير لواء. وللملكة المذكورة خمس مراس حربية؛ أربع منها في شطوطها على البحر المحيط، وهي شربورغ وبرست ولوريان وروشفور، والخامسة على البحر الرومي تسمى طولون. (8) في الكلام على مجالس الحكم بفرنسا
اعلم أن سائر النوازل التي يمكن وقوعها بين السكان قسموها إلى تسعة أقسام:
أولها:
الجنايات السياسية، وهي كمن يتحزب على الدولة أو يقصد ذات الملك بسوء أو يخون المملكة، ونحو ذلك مما يعم ضرره، وقد تقدم الكلام على ترتيب المجلس الذي يفصل هاته النوازل بمحضر الجوري.
ثانيها:
النوازل الصادرة من المتوظفين في خدمة الدولة مما له تعلق بمأموريتهم؛ أي النوازل التي ترتكب بقوة الخطة وبسببها دون نوازلهم الشخصية، وفصل تلك النوازل يكون من كبراء المأمورين كالوزراء وغيرهم من رؤساء الإدارة، كولاة الإيالات، إلى أن تنتهي النازلة إلى مجلس الدولة، وهذا الحكم الصادر سواء كان من الرؤساء أو من مجلس الدولة هو حكم سياسي من باب نظر أمر في فعل مأموره بترجيع الحق لربه أو رفع الضرر الناشئ من سيرة المأمورين، إلا إذا ثبت في النازلة مخالفة عمدية توجب عقوبة بدنية فإنها تنقل لمجلس الجنايات.
ثالثها:
النوازل الشخصية التي تصدر من المتوظفين مما لا تعلق له بالمأمورية، وهذه يكون الفصل لها بمجالس الحكم، إلا أنه ليس للمجالس المذكورة جلب المدعى عليه إلا بعد أخذ الرخصة في ذلك من مجلس الدولة.
رابعها:
النوازل العسكرية التي تفصلها المجالس الحربية.
خامسها:
الجنايات التي تقع بين الأهالي مما عقوبته شديدة كالقتل والسجن بالكراكة والسجن الطويل والنفي إلى مكان بعيد ونحو ذلك. وفصل هذه النوازل بمجلس الجنايات بمحضر الجوري الآتي بيانه.
سادسها:
الجنايات الخفيفة الواقعة بين الأهالي مما عقوبته السجن مدة خمسة أعوام فأقل، وهذه النوازل تفصل بمجالس الضبطية.
سابعها:
النوازل المالية إذا كانت في مائتي فرنك فأقل، ويفصلها حكام الصلح.
ثامنها:
النوازل المالية التي تزيد على مائتي فرنك، ونوازل الربع والعقار والإرث والزوجية وغيرها من سائر النوازل المالية غير المتجرية، وهذه كلها تفصل بالمجالس العرفية.
تاسعها:
النوازل المتجرية برا وبحرا، وهذه يكون فصلها بمجالس المتجر. وسيأتي في الفصل بعد هذا تفصيل ترتيب المجالس المذكورة.
واعلم أن وظيفة أعضاء ورؤساء مجالس الجنايات والمجالس العرفية عمرية، للملك توليتهم وليس له عزلهم إلا بحكم يصدر من المجالس. (9) في الكلام على ترتيب مجالس الحكم
اعلم أن في كل كومون أي محل ولاية لشيخ حاكما يسمى حاكم الصلح، وله نائبان للقيام بمأموريته في مغيبه بالتناوب، والجميع بولاية من الملك، وليست وظيفتهم عمرية، بل يمكن تأخيرهم عن المباشرة. وكلفة هذا الحاكم فصل النوازل الخفيفة المالية الواقعة بين السكان على وجه الصلح، وأحكامه على قسمين:
أحدهما:
الحكم القاطع في الحال، بحيث لا يتوقف تنفيذه على نظر مجلس التحقيق، وهو ما تعلق بمقدار مائة فرنك فأقل.
والثاني:
ما يتوقف تنفيذه على التحقيق، وهو ما تعلق بأكثر من مائة إلى نهاية المائتين. وكذلك له فصل النوازل التي تكون في مقدار ألف فأقل إذا كانت فيما يفوت بفوات الوقت، وترفع إليه نوازل الجنايات الواقعة بين سكان عمله لعمل التقارير وتحرير الحجج اللازمة، وقد تطلبهم كبار العائلات بالتوجه إلى محل سكناهم لمعاينة ما يقع من الجنايات فيها، ولهم النظر مع الضبطية في النزاع الخفيف الواقع بين السكان كالتعدي على الزروع والبساتين وقطع ما لا يسوغ قطعه من شجر الغابة ونحو ذلك. قلت: وما أنفع هذا الترتيب؛ إذ النوازل الخفيفة لا تقبل التطويل إلا أنه يشترط في الحاكم الصلحي من المعرفة وتمام المروة أكثر مما يشترط في غيره؛ لانفراده بالحكم وعدم تعقبه في غالب النوازل، وفي كل من الأوطان الكبار مجلس لفصل النوازل العرفية من الماليات ما عدا النوازل المتجرية، إلا إذا لم يكن في الوطن مجلس متجري، وكل من المجالس المذكورة مركب من رئيس أول ورؤساء ثوان، ومن سبعة أعضاء إلى اثني عشر، ومن أربعة معينين إلى ستة، فالمجالس المركبة من سبعة أعضاء وأربعة معينين تنقسم إلى قسمين، والمركبة من اثني عشر عضوا وستة معينين تنقسم على ثلاثة، بحيث لا يكون القسم أقل من ثلاثة أعضاء، ولكل قسم نوازل معروفة، وفي النوازل المهمة تجتمع الأقسام كلها، ولا تحقيق على المجالس المشار إليها في الأحكام المتعلقة بمبلغ ألف وخمسمائة فرنك، وفيما دخله ستون فرنكا في السنة من الريع والعقار. وفيما عدا الفصلين المذكورين للمحكوم عليه أن يرفع نازلته لمجلس التحقيق. ثم إن المجالس العرفية المذكورة لها تحقيق الأحكام الصادرة من حكام الصلح في القدر الذي فيه التحقيق، ولها الحكم في الجنايات الخفيفة التي تقع في أوطانها وسجن الجاني مدة معلومة أقلها خمسة أيام وعقوبته بأداء مال أكثره خمسة عشر فرنكا، وفي كل من مراكز الإيالات مجلس جنايات يتركب من رئيس يرسله مجلس التحقيق الكائن في تلك الإيالة وثلاثة أعضاء تؤخذ أيضا من مجلس التحقيق أو من المجالس العرفية إن لم يوجد بتلك الإيالة مجلس تحقيق. وفي كل من مجالس الجنايات اثنا عشر عضوا في الأقل تنتخب من أعيان المملكة تسمى الجوري، وذلك أن مقتضى قوانينهم أن ينتخب في كل سنة عدة أشخاص من أهل المملكة ممن تتوفر فيهم شروط مقررة في القوانين، وهم المسمون بالجوري، فيحضر منهم بالمجلس اثنا عشر عضوا في الأقل، وصورة عملهم في ذلك أن الوكيل العمومي أي المحتسب إذا أدلى بدعواه على المدعى عليه؛ لأنه هو القائم بالدعوى في الجنايات، وناضل عنه وكيله واستوفى الرئيس أعماله من الاستفسار وجلب الشهود ونحو ذلك يلتفت الرئيس إلى الجوري ويطلب منهم بيان ما ظهر لهم في النازلة، فتنحاز جماعة الجوري إلى مكان لهم ليتفاوضوا فيها، وما يتفق عليه غالبهم يعرف به رئيسهم رئيس مجلس الجنايات؛ لأن الجوري لا مدخل له في تعيين مقدار العقوبة، وإنما نظره في طرق ثبوت الدعوى، وكون المدعى عليه معذورا عذرا يقتضي التخفيف أولا لتفاوت العقوبة عندهم باختلاف بواعث الجناية، فإن من صمم على القتل مثلا قبل صدوره منه بمدة ليس كمن تعدى عليه المجني عليه حتى حمله على الفتك به، إلى غير ذلك من الأعذار التي تخف بها العقوبة.
وحكمهم بالبراءة لا يتوقف تنفيذه على موافقة مجلس التحقيق، نعم قد ينظره المجلس الأعلى باعتبار فهم القانون ليعتبر ذلك فيما يستقبل، فلا يبقى لمجلس الجنايات بعد إعطاء الجوري رأيه إلا تنزيل العقوبة من القانون إن كان الحكم بالعقوبة، أو إطلاق المدعى عليه في الحين إن كان الحكم بالبراءة.
ولا يقبل هذا المجلس نوازل الجنايات السياسية كمن يهجم على ذات الملك بسوء أو يحير راحة المملكة أو نحو ذلك؛ لأن لتلك النوازل مجلسا يخصها كما تقدم. قلت: ومع كون وظيفة أعضاء مجالس الحكم ورؤسائها عمرية في ممالك أوروبا فإن الأهالي لم تر فيها ضمانة كافية لحفظ حقوقها إن قصد الأمراء ظلما؛ لأن تأبيد وظيفة الأعضاء لم تنتف به سلطة الأمراء عليهم؛ لأنه قد بقي بأيديهم ترقيتهم من مرتبة إلى ما فوقها من الخطط، وربما يتسبب عن ذلك ميل الأعضاء إلى إرضاء جانب الأمراء وقت الحكم، ولذلك جعل تعيين الحكم بالذنب أو البراءة إلى جماعة الجوري التي تنتخبها الأهالي سدا للذريعة، وجعل تنزيل العقوبة من القانون إذا كان الحكم بالذنب، وجلب الشهود واستفسارهم وغير ذلك من الأعمال لأعضاء المجالس ورؤسائها، وبالمملكة ثمانية وعشرون مجلسا تسمى كوردابل، بكل منها رئيس أول ورؤساء ثوان بقدر ما يوجد به من الأقسام التي هي في الغالب ثلاثة: قسم لتحقيق أحكام العقوبات الخفيفة التي لا يحضرها الجوري، وقسم لتحقيق سائر الأحكام الصادرة من المجالس العرفية ومجالس المتجر، وقسم للتأمل في حجج الدعوى هل تقتضي إرسال المدعى عليه لمجلس الجنايات أم لا؛ لأن دعوى الجناية تعرض أولا على المحتسب، وهو يعرضها على هذا القسم بعد إتمام أعمال له. وفي كل من المجالس محتسب عمومي ومعه محتسبان لإعانته من طرف الدولة للمناضلة عن حقوق القانون في سائر النوازل، لا سيما الجنايات. وبالبلدان الكبار مجالس متجرية مركبة من أعضاء ينتخبهم أهل المتجر لمدة عامين.
ولما كانت جميع المجالس تحكم باسم الملك؛ إذ هم نوابه، وجب عرض أسماء المنتخبين لها عليه؛ إذ له تولية سائر أعضاء مجالس الحكم ورؤسائها، ولا يتجاوز المجلس المتجري أربعة عشر عضوا غير الرئيس، ولا يكون أقل من عضوين، وفي كل مجلس معينون بقدر الحاجة، والنوازل التي تنشر في المجالس المتجرية هي ما يقع بين أهل المتجر من رسوم الاتفاقات وبيوع السلع بالآجال وعقد الشركات والسفاتج وغير ذلك مما له تعلق بالمتجر.
وبالمملكة مجلس أعلى مقره تختها تنتهي إليه جميع الأحكام الصادرة من المجالس، سواء كانت في الأمور العرفية أو الجنايات أو المتجر، وبحكمه تنتهي النوازل. وصورة نظره أنه لا يتأمل في أصل النازلة من جهة ثبوتها أو بطلانها، وإنما ينظر في أعمال المجالس أكانت على مقتضى القانون أم لا وهل يقتضي القانون ما حكموا به أم لا، ومهما عثر على خلل في الحكم يحكم ببطلانه ويرجع النازلة إلى من يعينه من مجالس التحقيق ليستأنف النظر فيها، فإن وافق المجلس الأول وردت النازلة إلى المجلس الأعلى فإنه يعيد التأمل فيها باجتماع غالب أعضائه، وبحكمه تنتهي النازلة، وهذا الحكم الأخير يجب على مجالس الحكم اعتباره كشرح للقانون في نظائر تلك النازلة، ولهذا المجلس السلطة والنظر على أعضاء سائر مجالس الحكم بالمملكة كإلزام طاعة أهل المناصب بعضهم لبعض واحترام مكارم الأخلاق واجتناب ما لا يسوغ للحاكم، وفي قوته تعطيل خدمة أحد أعضاء مجالس الحكم وإرساله إلى وزير الأحكام لاختبار حاله.
ويتركب المجلس الأعلى من رئيس أول وثلاثة رؤساء ثوان وخمسة وأربعين عضوا ينصبهم الملك بوظيفة عمرية، وتنقسم أعماله إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يسمع دعاوي المشتكين من أحكام المجالس لتمييز ما يقبل من ذلك وما يرد، وما يقبل ينقل إلى أحد القسمين الآتيين، وقسم يحقق الأحكام الصادرة من مجلس الجنايات، وقسم يحقق أحكام المجالس العرفية والمتجرية، وبهذا المجلس أيضا محتسب عمومي ومعه محتسبان للمناضلة عن القانون. (10) في الكلام على مجالس العسكر بفرنسا
هي على مرتبتين؛ الأولى: لفصل النوازل العسكرية وعددها سبعة وثلاثون مجلسا. والثانية: لتحقيق الأحكام الصادرة من المرتبة الأولى وعددها ثمانية مجالس، وكل من المجالس المذكورة مركب من رئيس وستة أعضاء تنصبهم أمراء مراكز الجيش، وذلك إذا كانت رتبة المدعى عليه قائم مقام فما دونه، وأما إذا كانت رتبته رتبة أمير ألاي فما فوق إلى رتبة الماريشال التي هي أعلى المراتب العسكرية، فإن نصب الأعضاء والرئيس يكون من وزير الحرب، وفي كل من المجالس المذكورة وكيل عمومي ومعه أعوان للمدافعة عن القانون وكتاب لتحرير الوقائع ينصب جميعهم وزير الحرب. (11) في تركيب المجالس المذكورة
إذا كانت رتبة المحكوم عليه من باش شاوش فما دونه يكون رئيس المجلس أمير ألاي أو قائم مقام، والأعضاء بينباشيا أو ألاي أمين ويوزباشيين وملازما أول وملازما ثانيا وشاوشا، وإذا كانت رتبته ملازما ثانيا فيكون الرئيس كما ذكر، والأعضاء بينباشيا أو ألاي أمين وثلاثة يوزباشية وملازما أول وملازمين ثانيين، وإذا كان ملازما أول فيكون الرئيس كما ذكر، والأعضاء بينباشيا أو ألاي أمين وثلاثة يوزباشية وملازمين، وإذا كان يوزباشيا فيكون الرئيس أمير ألاي والأعضاء قائم مقام وثلاثة بينباشية أو ثلاثة ألاي أمينية وثلاثة يوزباشية. وإذا كان بينباشيا أو ألاي أمين فيكون الرئيس أمير لواء والأعضاء أميري ألاي وقائمي مقام وبينباشيين. وإذا كان قائم مقام فيكون الرئيس أمير لواء والأعضاء أربعة أمراء ألاي وقائمي مقام. وإذا كان أمير ألاي فيكون الرئيس أمير أمراء والأعضاء أربعة أمراء لواء وأميري ألاي. وإذا كان أمير لواء فيكون الرئيس ماريشالا والأعضاء أربعة أمراء أمراء وأميري لواء. وإذا كان أمير أمراء فيكون الرئيس ماريشالا والأعضاء ماريشالين وأربعة أمراء أمراء. وإذا كان ماريشالا فيكون الرئيس ماريشالا والأعضاء ثلاثة ماريشالات وثلاثة أمراء أمراء، ويكون تركيب مجلس التحقيق في الرئيس والأعضاء مثل تركيب المجلس الذي وقع القدح في حكمه. (12) في دخل أهل فرنسا من نتائج الأرض كالنباتات والمعادن والحيوانات ومن المتاجر والصنائع وغيرها
فرنك
380047000
المتحصل في السنة من أكرية الربع والعقار
5000000000
قيمة أنواع السلع التي تصنع بفرنسا وعدد الأشخاص المشتغلين بها يبلغ ستة ملايين
دخل النباتات قبل طرح المصاريف.
فرنك
2160000000
ثمن حبوب على اختلاف أنواعها
300000000
ثمن بطاطة
12000000
ثمن قسطل
80000000
ثمن دخان
145000000
ثمن كتان وقنب
38000000
ثمن اللفت الأحمر
50000000
ثمن بزر الكتان وغيره من الحبوب الزيتية عدا الزيتون
10000000
ثمن أنواع ما يصبغ به
950000
ثمن بزر الهبلون وهو نبات تخمر به البيرة
750000000
المتحصل من المحاش كالفصة وغيرها مما يزرع أو يحمى
140000000
ثمن بيرة وهي الجعة (بكسر الجيم) أي نبيذ الشعير
550000000
ثمن عنب
125000000
ما يتحصل من ثمار البساتين المشجرة ومن المقاثي
60000000
ما يتحصل من ثمن ثمر شجر التوت وورقه
30000000
ثمن غلة الزيتون
2280000000
ثمن ما ينتج من الحيوانات
300000000
ما يتحصل من أثمان الكرستة والحطب
6000000
ما يتحصل من ثمن عسل النحل
98000000
ما يتحصل من ثمن الحرير
150000000
ما يتحصل من أثمان الطيور وبيضها من الدجاج وغيره
1000000
ما يتحصل من أثمان الصيد البري
30000000
ما يتحصل من أثمان الصيد البحري
7315950000
الجملة
ما يتحصل من نتائج المعادن.
فرنك
170000000
ثمن الحديد والذكير
17000000
ثمن الفضة والنحاس والرصاص وغيرها
46000000
ثمن الفحم الحجري
57000000
ثمن الرخام والمرمر وغيرهما من الحجارة
290000000
الجملة
فرنك
523260833
دخل طرق الحديد المنجزة سنة 1864 وعدد المسافرين بها 71874589 وما حمل بها من السلع 29793000 طونلاتة
دخل التلغراف.
فرنك
3305993
من داخل المملكة سنة 1864
2631911
من المكاتيب الواردة به من خارج المملكة والصادرة عنها
5937904
الجملة
عدد الحيوانات الموجودة في مملكة فرنسا.
رأسا
29839660
خيل
327720
بغال
398149
أحمرة
14197360
بقر
33281592
ضأن
7268081
معز
58456868
الجملة
فرنك
40500000
قيمة أنواع الطير الموجودة بفرنسا من دجاج وغيره
قيمة السلع التي دخلت فرنسا والتي خرجت منها سنة 1858.
الخارج
الداخل
أسماء الممالك
371400000
215600000
إنكلترة
37140000
87400000
العمالات الراجعة لإنكلترة
180000000
188800000
أميركا أي الدول المتحدة
157600000
123600000
البلجيك
82200000
190200000
سردانية ومونكو
125500000
71200000
زولوراين من ألمانيا
46400000
63600000
بر الترك
20800000
52200000
الروسية
111700000
46100000
إسبانيا
33600000
9600000
العمالات التابعة لها
95600000
34900000
السويسرة
35500000
30000000
نابلي وصقلية
24400000
24000000
هولاندة
1000000
8600000
العمالات التابعة لها
2000000
20800000
الشطوط الغربية من أفريقية
21200000
17200000
غرنة
15000000
16000000
دول بلاطة من أميركا
2700000
21500000
السويد والنورويج
45000000
12500000
برازيل
38000000
10100000
هاييتي
12500000
9100000
مصر
5500000
9100000
تونس وطرابلس والغرب الأقصى
400000
2100000
بلدان مختلفة من أفريقية
19200000
9100000
بيرو في أميركا
11500000
7100000
مكسيكو
10300000
7600000
فرانكفورت ولوبك وبريمن وسبور
11000000
6700000
النمسة
17700000
5900000
شيلي في أميركا
8900000
4800000
رومية
3500000
4200000
الصين والكوشنشين والسيام
9300000
3900000
أورغون في أميركا
10800000
3700000
البرتوغال
3700000
3600000
وينازويلة في أميركا
6900000
2500000
الإغريق
800000
2100000
غواتيمالة في أميركا
4500000
1600000
غرناطة الجديدة في أميركا
6000000
500000
دنيمرك
200000
300000
بوليفيا
900000
100000
أكواتور في أميركا
400000
هانوفر
126400000
43200000
الجزائر
100500000
118400000
العمالات التابعة لفرنسا
1597240000
1462500000
جملة المتاجر الداخلة والخارجة فرنكا
1462500000
يضاف الداخل إلى الخارج
3059740000
تكون قوة المتجر داخلا وخارجا
عدد المراكب التي دخلت فرنسا والتي خرجت منها.
مراكب دخلت
مراكب خرجت
أصحاب المراكب
طونلاتة
مراكب
طونلاتة
مراكب
1445872
8201
1907897
12374
مراكب فرنسيس
1560097
11004
2658776
16448
مراكب أجانب
3005969
19205
4566673
28822
4566673
28822
يضاف الداخل للخارج
7572642
48027
الجملة مما ذكر
تكاثر الخلق بمملكة فرنسا.
عدد أنفس
19669320
كان عدد الخلق في مملكة فرنسا سنة 1700
21000000
وصار في سنة 1772
24800000
وفي سنة 1785
27349000
وفي سنة 1801
30461875
وفي سنة 1821
34230000
وفي سنة 1841
37386161
وفي سنة 1861
وليعلم الناظر أن هذه الزيادة إنما هي من نمو العمران والثروة وممن يدخل في العصابة الفرنساوية من أفراد الأجانب ونحو ذلك من ثمرات العدل لا من إضافة ممالك جديدة؛ إذ لم يقع ذلك خصوصا من سنة 1821 إلى سنة 1861.
تقسيم أهالي فرنسا في الخدم الآتي ذكرها.
عدد أنفس
أصناف الخدم
20351628
خدمة أنواع الفلاحة
2094371
ملاكة مواد الصناعات
7810144
صناع
3991026
أهل العلم من المدرسين والكتاب وغيرهم
735505
خدمة
780954
أنواع أخر
35763628
الجملة (13) في دخل دولة فرنسا وخرجها والدين الذي عليها وقوتها البرية والبحرية
دخل دولة فرنسا سنة 1864 مأخوذا من الحساب الرسمي الذي وافق عليه مجلس وكلاء العامة.
فرنك
أنواع الدخل
504852633
الأداء الذي على الربع والعقار والأبواب والشبابيك
423760216
الأداء الذي على كتب العقود والطبع ودخل أملاك الدولة
39921500
دخل الغابات واصطياد الحوت
121642000
دخل الكمارك والملح
53951000
الأداء الذي على السلع والمأكولات وأمثال ذلك
69233000
دخل البوسطة
18800000
دخل الجزائر
14399000
ما نقص من مرتبات المتوظفين وغيرهم
81035515
ما تحصل من أنواع طارئة
134990000
الأداء الموظف على السكر
203709000
الأداء الموظف على المشروبات
220376000
الدخل الحاصل من الدخان
14183000
الدخل الحاصل من البارود
2846500
الدخل الحاصل من المكاتب
2700000
الأداء الموظف على الخيل والكراريس
176537981
المبلغ المعين لشراء كواغد من الدين المرتب على الدولة
3000000
الدخل الحاصل من سهام طرق الحديد
3500000
ثمن أراض
7000000
القسط الرابع من المبلغ المطلوب من دولة الصين
12000000
ما بيع من غابات الدون
2000000
ثمن حطب
2110437345
2105093124
يطرح منه المصروف الآتي بيانه
5344221
فاضل المقبوض بعد المصروف
خرج دولة فرنسا.
فرنك
26500000
مرتب الإمبراطور وعائلته من الذكور والإناث
9404000
مرتب ومصروف مجلسي الساتو ووكلاء العامة
9209280
زيادة في مرتب نيشان الافتخار
385937547
فائدة الدين المؤبد
118022745
لشراء كواغد من الدين
60308617
فائدة الدين المؤقت وغيره
76607931
المرتبات العمرية
25595900
لوزارة الدولة
33167610
لوزارة الأحكام
12534200
لوزارة الخارجية
179552006
لوزارة العمالة
26472522
لوزارة المال
377173040
لوزارة الحرب
19443533
للمأمورين وغيرهم في الجزائر
167242332
لوزارة البحر والعمالات الخارجية
75820257
لوزارة العلوم والديانة
135865153
لوزارة الفلاحة والمتجر والمصالح العامة
233451248
مصروف على إدارة الدخان والمعادن
132785203
لجباية المال وصرف كواغد الدولة وغير ذلك
2095093124
جملة الخرج
9840000000
جملة الدين الذي على دولة فرنسا
اعلم أن ما تراه من الديون الكثيرة على كل دولة من دول أوروبا لم يكن ناشئا عن عدم ضبط السبب الذي يتعين لأجله اقتراض الدين، ولا عن سوء التدبير بصرف شيء من المال قل أو كثر فيما لا يلزم سياسة في نظر المجلس، ولا عن خيانة من المباشرين، وإنما السبب فيه ما يأتي شرحه؛ وهو أن العادة الدارجة في الممالك المضبوطة بالقوانين أن الدولة تقدم لمجلس وكلاء العامة جملة المصاريف المعتادة اللازمة للسنة القابلة بأوضح بيان في جميع فصولها، وما يثبت عند المجلس من المقدار اللازم لها في نظره بعد المجادلة بينه وبين الوزراء في ذلك يترتب الأداء الواجب أخذه من الأهالي في تلك السنة على مقتضاه؛ ولهذا كان قانون الأداء والمصاريف يتجدد عندهم في كل سنة . وأما إذا لزمت مصاريف غير معتادة لعمل حرب للمدافعة عن المملكة أو للهجوم على الغير إن اقتضته مصلحة الأمة السياسية أو المتجرية كحرب القريم التي صرفت فيها الدولة الفرنساوية وحدها ما يقرب من ألفي مليون فرنك، أو لمصلحة عمومية كعمل الطرقات والخلج والمراسي وتعمير المراكب الحربية وتبديل أسلحة الجيوش بالمستحدثات منها، ونحو ذلك مما يلزم لتنجيزه مبالغ وافرة لا يتيسر أخذها من الأهالي لما ينشأ عنه من ضعفهم الموجب لخلل العمران في المملكة، فإن الدولة تطلب من مجلس الوكلاء الرخصة في اقتراض المبلغ اللازم لتلك المصلحة بفائدة معلومة في السنة، والمجلس يتفاوض في أصل السبب الداعي إليها بمحضر الوزراء المقدمين لذلك من طرف الدولة المناضلين عنها، فإذا رأى غالب المجلس لزومه رخص للدولة في الاقتراض بقدره، وحينئذ تعلن الدولة للعامة بالمبلغ المطلوب وفائدته وآجاله التي يدفع فيها مقسطا، فتبادر العامة إلى قبول ذلك لما هم عليه من الثروة واتساع الآمال بسبب تنظيماتهم العادلة الضابطة لتصرفات الدولة الملزمة لوفائها بالشرط، بحيث لا يسوغ لها أن تسلم شيئا من المال إلا لمن تحققت حسن تدبيره وحسن إدارته فضلا عن أمانته؛ لأن مجلس المحاسبات يتعقب جميع مصاريف الدولة بحساب مدقق، ولما لهم في الاقتراض من الفوائد العمومية والخصوصية؛ لكونه من أهل المملكة غالبا، فهو في الحقيقة كسب من مكاسبهم كسائر الأملاك، وحينئذ لا يزاد على الأداء السنوي إلا فائدة الدين المذكور في كل سنة مثلا إذا كانت جملة المبلغ المقترض مائة مليون فرنك بخمسة في المائة، فالذي تجب زيادته في الأداء السنوي خمسة ملايين، فتنتفع الدولة وأهل المملكة في أحوال السياسة والمتجر باقتراض المبلغ المذكور لسهولة مواد العمران لهم، ولا يثقل عليهم في الأداء إلا الملايين الخمسة.
وأما الفوائد المرتبة لأرباب الديون على المبالغ المقترضة فإنها تختلف في القلة والكثرة بحسب سياسة كل دولة وصحة معاملتها وحسن إدارتها ونحو ذلك مما تعتبره أرباب الديون، فما كان من الدول بتلك المثابة خفف عنه أرباب الدين فوائد أموالهم كدولة الإنكليز ودولة الفرنسيس، فإن الأولى تدفع من اثنين ونصف في المائة إلى ثلاثة ونصف، والثانية من أربعة ونصف إلى خمسة في المائة فائدة لمن تقترض منه سواء كان من الأهالي أو من الأجانب؛ لأن صحة معاملتهما وحسن إدارتهما كالكفيل بالدين. ومن الدول ما تكون فائدة ديونه ستة في المائة، ومنها ما تكون سبعة ومنها ما تكون عشرة ومنها ما لا طمع له في الاقتراض أصلا، حيث تكون معاملته في حيز السقوط وعدم الاعتبار في أنظار أرباب الديون، ففوائد دين كل دولة عنوان على حسن إدارتها ومعاملتها. وبهذا التقرير يعلم أسباب وفوائد الديون الكثيرة التي على دول أوروبا.
القوة العسكرية البرية بدولة فرنسا سنة 1861.
جملة الجيش
عسكر التريس
خيالة وطوبحية ومهندسون
أمراء وفسيالات
أصناف العسكر ... ... ...
11
ماريشالات ... ... ...
90
أمراء أمراء تحت السلاح ... ... ...
70
ممن ذكر في اليداك ... ... ...
180
أمراء ألوية تحت السلاح
523 ... ...
172
ممن ذكر في اليداك ... ... ...
610
فسيالات أتاماجور الجيش
967 ... ...
357
ممن ذكر في الحصون
365
365 ... ...
ممن ذكر شواش وأنباشية في الحصون ... ... ...
662
فسيالات في اليداك ... ... ...
3645
فسيالات في الإدارة وأطباء
8696 ... ...
4389
فسيالات بمجالس الحكم العسكري
515037
515037 ... ...
عسكر تريس
100221 ...
100221 ...
خيالة الجيش
66007 ...
66007 ...
طوبجية الجيش
15443 ...
15443 ...
مهندسون
24172 ...
24172 ...
جندرمرية وهم خيالة لحفظ البلد
24561
24561 ... ...
صناع العسكر
2961
2961 ... ...
تلاميذ مكتب العسكر
758953
542924
205843
10186
الجملة
وفي هذه المدة الأخيرة طلبت الدولة من مجلس وكلاء العامة إنشاء قانون جديد في صيرورة جملة الجيش وقت الحرب مليون نفس ومائتي ألف، ولم يزالوا يتفاوضون في شأن ذلك.
القوة البحرية بدولة فرنسا سنة 1866.
جملة البحرية
أمراء البحر وقبطانات
أصناف البحرية ...
2
أميرال في مقام ماريشال ...
17
ويس أميرال في مقام أمير أمراء تحت السلاح ...
14
ممن ذكر في اليداك ...
30
كنتر أميرال في مقام أمير لواء
20
ممن ذكر في اليداك
83 ...
130
قبطانات أجفان في مقام أمراء الإيالات
270
قبطانات فراقط في مقام قائمي مقامات
400
825 ...
يوزباشية
1200 ...
أنيس وسبيران وتلاميذ مكتب البحر
922 ...
مهندسون ومصورون وتلامذة مكتب الإدارة
642 ...
أطباء وأعضاء مجالس الحكم
3554 ...
مكينجية وصناع
33140 ...
بحرية
24797 ...
عسكر البر والعملة
65563
483
الجملة نقلت إلى [الجدول التالي]
تابع القوة البحرية بدولة فرنسا سنة 1866.
جملة المراكب وبها مدافع 6230
مراكب قلاع
فابورات بها قوة خيل 105267
جملة البحرية
أمراء البحر وقبطانات
أصناف البحرية والمراكب
بالذنب وبالعجلة
حديد
65563
483
نقلة جامعة [الجدول السابق]
39
1
36
2
أجفان
72
18
37
17
فراقط
40
8
24
8
قرابط
12
12 ... ...
أبركة
97 ...
97 ...
أفيزو
73
62
11 ...
مراكب خفاف
79
30
49 ...
مراكب لحمل الأثقال
27 ... ...
27
بطرية عوامة
52 ...
52 ...
شالوب كوتير أي قوارب
4 ... ...
4
مراكب صغار لحراسة الشطوط
495
131
306
58
65563
483
الجملة
عدد مراكب متجر الفرنسيس.
طونلاتة
عدد المراكب
أصناف المراكب
910729
14738
مراكب قلاع
73267
327
فابورات
983996
15065
جملة ذلك
دخل المجلس البلدي بباريس (ونعني بذلك المقادير المعينة لمصالح باريس ليرى القارئ كيف ينمو عندهم العمران).
فرنك
503818
كان دخل المجلس المذكور سنة 1798
12530740
وصار في سنة 1801
34336918
وفي سنة 1811
41654360
وفي سنة 1821
50084128
وفي سنة 1831
60494058
وفي سنة 1851
108251898
وفي سنة 1859
202554092
وفي سنة 1860 ودخل في هاته السنة مداخيل طارئة
151408942
وفي سنة 1864
218158905
وفي سنة 1866
فمن تأمل تدرج التفاوت بين هاته الأرقام يظهر له أن لخصوص مدينة باريس من الدخل السنوي ما ليس لكثير من الممالك، ولا يتوهم أن ذلك نتيجة تثقيل الأداء لما أن قاعدتهم في توزيعه على وجه لا يضر بالأصول المأخوذ منها تمنع ذلك كما تقدم، وإنما ذلك من تزايد العمران وثروة السكان والقليل من الكثير كثير.
ثم إن ما تقدم من الأرقام في بيان ما للأمة الفرنساوية من الثروة وما لدولتها من الدخل وكذا ما سيأتي من البيان لما ذكر في بقية ممالك أوروبا ربما يستكثره الناظر الذي لا خبرة له بما كان لمن تقدم من الأمم من الثروة، ولو تأمل ما حكاه المقريزي في كتابه «الخطط» عن مجابي مصر زمن الفراعنة وزمن الخلفاء الراشدين، وما حكاه أيضا في الكتاب المذكور، وحكى ابن بطوطة مثله عن سلطان الهند، وما حكاه ابن خلدون عن مجابي دولة بني العباس ببغداد ودولة الأمويين بالأندلس، وما حكاه غيرهم من جهابذة المؤرخين - مما أشرنا إلى بعضه في مقدمة هذا الكتاب - لظهر له صحة ما نسبناه إلى الأمم الأوروباوية. على أنه تيسر للأوروباويين من أسباب الثروة والغنى ما لم يتيسر لغيرهم ممن تقدم، كسهولة المواصلة بين الممالك برا وبحرا بواسطة الفابورات والطرق الحديدية وغيرها، وجودة الصنائع لجودة آلاتها، والجمعيات المتجرية والبانكات وغير ذلك من وجوه التمدن الذي تقدم شرحه.
ومحصل جوابنا للمنكر هو ما أجاب بمثله ابن خلدون لما بين مداخيل الدول الإسلامية، وخشي استكثار الناس لذلك فقال: «ولا تنكرن ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله، فتضيق حوصلتك عن ملتقط الممكنات، فكثير من الخواص إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار عن الدول السالفة بادروا بالإنكار، وليس ذلك من الصواب، فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة، ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصر المدارك كلها فيها، ونحن إذا اعتبرنا ما ينقل إلينا عن دولة بني العباس وبني أمية والعبيديين، وقابلنا الصحيح من ذلك والذي لا نشك فيه بالذي نشاهده من هذه الدول التي هي أقل بالنسبة إليها، وجدنا بينهما بونا وهو لما بينها من التفاوت في أصل قوتها وعمران ممالكها، فالآثار كلها جارية على نسبة الأصل في القوة كما قدمناه، ولا يسعنا إنكار ذلك عنها؛ إذ كثير من هذه الأحوال في غاية الشهرة والوضوح، بل فيها ما يلحق بالمستفيض والمتواتر، وفيها المعاين والمشاهد من آثار البناء وغيره، فخذ من الأحوال المنقولة مراتب الدول في قوتها أو ضعفها أو ضخامتها أو صغرها واعتبر ذك بما نقصه عليك من هذه الحكاية المستظرفة، وذلك أنه ورد للمغرب في عهد السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة، كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق، وتقلب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دلهي حاضرة ملك الهند وهو السلطان محمد شاه، واتصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه، وكان له منه مكان واستعمله في خطة القضاء بمذهب المالكية في عمله، ثم انقلب إلى المغرب واتصل بالسلطان أبي عنان.
وكان يحدث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض، وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون، فتناجى الناس بتكذيبه ولقيت وزير السلطان أبي عنان أبا منذر فارس ابن ودرار البعيد الصيت ففاوضته في هذا الشأن، وأريته إنكار أخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس تكذيبه، فقال لي الوزير فارس: إياك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدول بما أنك لم تره، فتكون كابن الوزير الناشئ في السجن، وذلك أن وزيرا اعتقله سلطانه ومكث في السجن سنين ربى فيها ابنه في ذلك المحبس، فلما أدرك وعقل سأل عن اللحمان التي كان يتغذى بها فقال له أبوه: هذا لحم الغنم. فقال: ما الغنم؟ فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها، فيقول: يا أبت تراها مثل الفأر؟ فينكر عليه ويقول: أين الغنم من الفأر؟ وكذا في لحم الإبل والبقر؛ إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفأر فيحسبها كلها أبناء جنس الفأر، وهذا كثيرا ما يعتري الناس في الأخبار، كما تعتريهم الوساوس في الزيادة عند قصد الإغراب كما قدمناه أول الكتاب، فليرجع الإنسان إلى أصوله وليكن مهيمنا على نفسه ومميزا بين طبيعة الممكن والممتنع بطريق عقله ومستقيم فكرته، فما دخل في نطاق الإمكان قبله وما خرج عنه رفضه، وليس مرادنا الإمكان العقلي المطلق، فإن نطاقه أوسع شيء فلا يفرض حدا بين الواقعات، وإنما مرادنا الإمكان بحسب المادة التي للشيء، فإنا إذا نظرنا أصل الشيء وجنسه وصنفه ومقدار عظمه وقوته أجرينا الحكم من نسبة ذلك على أحواله وحكمنا بالامتناع على ما خرج عن نطاقه.» انتهى المراد منه بلفظه.
الباب الثالث
في الكلام على مملكة إنكلترة
(1) في تاريخها
اعلم أنه لم يعلم شيء من الحوادث يستفاد منه تحقيق تاريخ إنكلترة قبل ظهور جول سيزار؛ أي يوليوس قيصر الذي نزل بجيشه مرتين في تلك الجزيرة حتى فتحها قبل ظهور المسيح عليه السلام بخمس وخمسين سنة، وبعد ثلاث وأربعين سنة من الميلاد المسيحي عاد الإمبراطور كلود إلى ما كان عليه سلفه قيصر من العناية بفتح الممالك، وتبعه في ذلك ورثته، فاجتاز جيش الرومان للجزيرة في سنة ثمان وسبعين. ثم في سنة خمس وثمانين مر ساباغريكلا إلى أن بلغ جبال غرامبيان التي تشق إسكوسيا، ولم تدخل تلك الجزيرة بتمامها تحت طاعتهم. وفي سنة إحدى عشرة وأربعمائة خرج الإمبراطور هونوريوس من البريتانيا وترك أهلها غير قادرين على مدافعة أمة البيكت، فاستغاثوا بأمة الساكسون الساكنة بشمال ألمانيا في ذلك الوقت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، فلبت دعوتهم سنة تسع وأربعين وأربعمائة فتأسس بتعاضد الأمتين أربع ممالك بإنكلترة وهي أسكس وسسكس ووسكس وكنت، وذلك من سنة خمس وخمسين وأربعمائة إلى سنة سبع وعشرين وخمسمائة. ثم جاءت بعدهم أمة الأنغل وأسسوا من سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة إلى سنة أربع وثمانين وخمسمائة ثلاث ممالك أخرى وهي استنغليا ومرسيا وديري مع برنيسيا، وهاته الممالك صارت متحدة تحت سلطة أغبرت صاحب أسكس سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
ثم في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة تصدت أمة الدنيمرك إلى محاربة إنكلترة حتى خربوها. ثم من سنة إحدى وسبعين وثمانمائة إلى تسعمائة انتصر على المذكورين ألفرد الكبير ملك إنكلترة وألزمهم الصلح. ثم في سنة إحدى وثمانين وتسعمائة تغلب الدنيمرك على إنكلترة ثانيا وأجلسوا ملكهم سوينون على تختها سنة ثلاث عشرة وألف، ولم ترجع العائلة الأصلية إلى التخت المذكور إلا في سنة إحدى وأربعين وألف.
ثم في سنة ست وستين وألف استولى على المملكة المذكورة وليم الأول دوك نورماندي وأسس الجنس الجديد الذي جاء عقبه في سنة أربع وخمسين ومائة وألف، وهم جماعة البلنتجنات التي كانت مسماة في فرنسا باسم كونت دانجو، وهم من ذرية وليم المذكور من جهة النسوة، وأولهم هنري الثاني، وهؤلاء تسلطوا إلى سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ومن أعظم الحوادث في تلك المدة اجتماع خمس إيالات كبيرة فرنساوية مع الإنكليز بجلوس هنري الثاني ومحاربته لتوماس بكت من سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى سنة سبعين، وفتح أرلاندة سنة إحدى وسبعين، وحروب رشاردكور دليون لفرنسا من سنة خمس وتسعين إلى سنة تسع وتسعين ومائة وألف، وظهور نظام الشرط الكبير المسمى مانيا كارتا أساس كونستيتوسيون الإنكليز سنة خمس عشرة ومائتين وألف، وقيام سيمون دو مونفور كونت ليستر على هنري الثالث سنة ثمان وخمسين، وفتح مملكة سكوتلاند وهي إسكوسيا من سنة ست وثمانين إلى سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف، ومحاربات فرنسا المتجاوزة مائة سنة من سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف إلى سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، ثم الحروب الأهلية الواقعة بين عائلتي يورك ولانكستر المسماة حروب الوردتين المجلية عن سقوط العائلة الملكية من سنة خمسين وأربعمائة إلى سنة خمس وثمانين.
وفي ذلك الوقت ارتقت على تخت السلطنة عائلة تودور التي تولدت من ثاني فروع بيت الملك، وفي أيامها بلغت السلطنة إلى أوجها وهي التي أبدلت المذهب الكاثوليكي بالمذهب البروتستانتي، وممن أعان على ذلك التبديل هنري الثامن وإدوارد السادس والملكة ألزبث وذلك من سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وألف إلى سنة ثلاث وستمائة وألف. ثم في السنة المذكورة خلف الملكة ألزبث جاك الأول الذي ابتدئت به عائلة الستوارد بإنكلترة، وهو أول من جمع الممالك الثلاث؛ إنكلترة وسكوسيا وأرلاندة في مملكة واحدة وسماها بريتانيا الكبرى، وأراد ابنه شارل الأول بعد ولايته بمدة تغيير القوانين والاستبداد بالتصرف فنشأ من ذلك حروب بينه وبين مجلس البارلمان وانتصر عليه المجلس بإعانة العامة وألقاه في السجن، ثم حكم عليه بالقتل كخائن للمملكة في سنة تسع وأربعين.
وفي ذلك الوقت تكونت الربوبليك؛ أي الجمهورية، فأخذ الجنرال كرومول زمام المملكة وبقي رئيسا عليها مدة حياته باسم الحامي إلى سنة ثمان وخمسين. ثم رجعت عائلة الستوارد إلى الملك سنة ستين وستمائة، لكن هفوات جاك الثاني أنشأت ثورة سنة ثمان وثمانين وستمائة التي بها سقطت تلك العائلة بالمرة. وارتقى وليم الثالث من عائلة أورانج - وكانت تحته بنت جاك الثاني - ملكا على تخت إنكلترة، وبهذه الثورة تأسست الدولة القانونية بإنكلترة التي سبقت سائر الممالك إلى الكونستيتوسيون بنحو قرن، فبها تأكد احترام الذوات والمكاسب وظهور العدل في الأحكام وعدم عزل الحكام وتحديد الأداء ومراقبة أحوال الدولة والتكلم في تصرفاتها لدى المجالس. وإنما قلنا تأكدت هاته الأمور؛ لأنها كانت موجودة عندهم قبل الثورة المذكورة منذ مدة مديدة يتوارثها الأبناء عن الآباء، فلم تزدها الثورة إلا تقوية وتقريرا، فالحاصل أن تأسيس القوانين الحامية لحقوق الرعية بإنكلترة كان في القرن الثالث عشر. ومن سعادة الأمة الإنكليزية في أمورها الدنيوية معرفتها بأمور السياسة وإدارة المملكة واقتدارها على معرفة ما ينبغي في حماية حريتها وحفظ حقوقها وإمضاء شروطها، حيث أوجدت في ذلك القرن مجلس البارلمان أي المفاوضة في مناضلات ملوكهم، والبارلمان الموجود اليوم باق على الكيفية المتأسس عليها في أثناء القرن المذكور. وقد قال فرتسكو الكنشليير في مدة هنري السادس بإنكلترة إن الملك على نوعين: استبدادي وقانوني. والفرق بينهما أن الملك في الأول يحكم على الأمة بنفسه ويوظف عليهم الأداء بحسب ما يظهر له من غير أن يبحث عن مقدرتهم ورضاهم، وفي الثاني لا يتصرف إلا بشريعة وقانون ترتضيه الأمة لنفسها. وقد يقال: إن الثورة الإنكليزية نشأت عروقها في القرون الماضية وأظهرت قوتها الأحوال والأوضاع القديمة التي كانت في سياسة المملكة، والتبديل الواقع من الثورة الدينية في القرن السادس عشر، كما أن ثورة سنة ثمان وثمانين وستمائة وألف كانت بدسائس وليم الثالث الذي جلس عقبها على تخت الملك، وأعانه عليها السيرة المستقبحة جدا التي كان عليها سلفه الملك جاك الثاني الذي لا بصيرة عنده ولا شفقة، مع أن المجلسين - أعني مجلس اللوردوات ومجلس نواب العامة - كانا متفقين على تلك الثورة والخروج عن طاعة الملك، والأمة بأسرها كذلك. ومن ذلك الوقت ظهر حسن التنظيمات السياسية التي استقامت بها أمور إنكلترة الداخلية ونمت قوتها البحرية حتى ملكت المستعمرات الكثيرة في سائر جهات المعمور.
ثم في سنة اثنتين وسبعمائة وألف استولت بعد وليم الثالث حنا بنت جاك المذكور، واستدعت الأمة بعد موتها عائلة هانوفر إلى الملك سنة أربع عشرة وسبعمائة وألف، وهذه العائلة هي الحاكمة اليوم بإنكلترة، وقد استولى منها خمسة ملوك، واسم الملكة المستولية الآن فكتوريا. وفي مدة هؤلاء الملوك الأخيرة فتحت كاندا بأميركا سنة ستين وسبعمائة وألف، وتم ذلك بعد حرب سنة ثلاث وستين وسبعمائة وألف، وضاعت من أيديهم الممالك المتحدة بأميركا من سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وألف، ودخل الهند تحت سلطتهم سنة سبع وخمسين وسبعمائة وألف، وتم ذلك بعد حروب انتهت إلى سنة ست عشرة وثمانمائة وألف، وحاربوا نابوليون الأول فرنسا من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وألف إلى سنة خمس عشرة وثمانمائة وألف. وفي مدة جورج الرابع ابتدئ تاريخ العصر الجديد؛ أي تبديل السياسة على الكيفية التي اختارها نواب الشعب، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وألف.
ولنذكر أسماء ملوك إنكلترة على ترتيبهم في الملك مرقوما بإزاء كل واحد منهم تاريخ ولايته:
أسماء ملوك إنكلترة وتواريخ ولاياتهم.
سنة
العائلة الأولى الساكسونية
827
أغبرت
836
أثلولف
858
أثلبلد
860
أثلبرت
866
أثلريد
871
ألفرد الكبير
900
إدوارد الأول القديم
925
أثلستان
941
أدموند الأول
946
إدرد
955
أدوي
957
إدغرد الملقب بالبسيفك أي السليم
975
صانت إدوارد الملقب بالمرتير أي الشهيد
978
إثلريد الثاني
العائلة الثانية الساكسونية والدنيمركية
1013
سوينون الدنيمركي
1014
أثلريد المذكور
1016
إدموند الثاني الملقب بالسكسوني
1017
كانوت الكبير دنيمركي
1036
هارولد الأول دنيمركي
1039
هاردي كانوت دنيمركي
1041
إدوارد الكونفسور ساكسوني
1066
هارولد الثاني ساكسوني
العائلة الثالثة من جنس النورماند
1066
وليم الأول الملقب بالفاتح
1087
وليم الثاني الملقب بالأشقر
1100
هنري الأول المسمى بوكليرك
1135
ستيفن دوبلوي
العائلة الرابعة من جنس أنجو البلنتجنات
1154
هنري الثاني
1189
ريشارد الأول الملقب كور دليون أي قلب الأسد، وهو الذي حارب صلاح الدين بن أيوب عند افتكاكه لبيت المقدس
1199
جان سانتير أي الذي هو بلا أرض؛ لأن أباه لم يملكه شيئا
1216
هنري الثالث
1272
إدوارد الأول
1307
إدوارد الثاني
1327
إدوارد الثالث
1377
ريشارد الثاني
1399
هنري الرابع
1413
هنري الخامس
1422
هنري السادس
1461
إدوارد الرابع
1483
إدوارد الخامس
1483
ريشارد الثالث
العائلة الخامسة من بيت تودور
1485
هنري السابع
1509
هنري الثامن
1547
إدوارد السادس
1553
جان غري
1553
ماريا
1558
ألزبث
العائلة السادسة من بيت ستوارت
1603
جاك الأول
1625
شارل الأول
فترة مدة سجن المذكور وقتله من 1649 إلى 1652
1652
أولور كرومول رئيس الجمهورية الملقب بالحافي
1658
ريشارد كرومول ابنه
رجوع عائلة ستوارت إلى الملك
1660
شارل الثاني
1685
جاك الثاني
العائلة السابعة من بيت أورانج وستوارت
1689
وليم الثالث من بيت أورانج وماريا زوجته من بيت ستوارت
1702
حنا
العائلة الثامنة من بيت هانوفر
1714
جورج الأول
1727
جورج الثاني
1760
جورج الثالث
1820
جورج الرابع
1830
وليم الرابع
1837
فيكتوريا وهي الملكة الآن (2) في وصف مملكة الإنكليز وتحديد مساحتها
اعلم أن المملكة الإنكليزية تشتمل على ثلاث ممالك متحدة، وهي إنكلترة وسكوسيا وأرلاندة، وسميت ببريتانيا العظمى عند إضافة مملكة سكوسيا إلى إنكلترة في عهد جاك الأول سنة ثلاث وستمائة وألف، وهما متصلتان في أكبر جزر بريتانيا التي يبلغ طولها الممتد مما بين الشمال والغرب إلى ما بين الجنوب والشرق ثمانمائة وثمانين كيلومترا، وعرضها في جهة الشمال خمسة وسبعون ومائتا كيلومتر، وفي الوسط أربعة وعشرون ومائة كيلومتر، وفي الجنوب ثمانية وثمانون وأربعمائة كيلومتر، وتكسير سطحها تسعة وسبعون وستمائة وثلاثون ألفا ومائتا ألف كيلومتر مربعا. ويحدها شمالا وشرقا بحر الشمال وجنوبا بحر المانش الفاصل بينها وبين فرنسا، وغربا بوغاز صان جورج وبحر أرلاندة. هذا وإن إنكلترة في حد ذاتها تنقسم إلى اثنين وخمسين كونتيا منها اثنا عشر لإمارة الغال. وأما عدد سكانها فإنه قد بلغ في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف عشرين مليونا وواحدا وستين ألفا وسبعمائة وخمسا وعشرين نفسا. والجبال بها قليلة إلا في إمارة الغال وفي الناحية الشمالية، ومع هذا فليست شامخة؛ إذ أعلاها سناودون وهو لا يتجاوز ألفا ومائتي متر. وأوديتها كثيرة لكن غالبها صغير وأكبرها التامس والسفرن والهومبر، وهو متكون من الترانت الأوز، ثم المدوى والمرسى ووادي آفون والتيس والدي والتين والدروانت. وهناك بحيرات قليلة في الناحية الشمالية، والخلج المصنوعة بها لتيسير التواصل كثيرة، ولهم فيها أربعة أصول ينسب كل واحد منها إلى بلدة، وهي ليفربول ومانشستر ولندرة وبرمنغهم.
ثم إن إقليم إنكلترة كثير الرطوبات بارد ذو ضباب، ينبت به كثير من الثمار والحبوب والخضر، ويوجد به الهبلون وهو حشيشة الدينار تخمر بها البيرة ونباتات يستخرج منها الدقيق وأخرى يستخرج منها الزيوت، وأما العنب فلا ينبت بأرضهم. ومراعيهم في غاية الجودة ولذلك حسنت خيلها وسائر مواشيها وكثر الصيد في غالب جهاتها. وبالناحية الغربية من الإقليم المذكور أجمة واسعة، ومزارعها كثيرة ومقاطع الفحم الحجري والحديد بها غنية جدا وكذا مقاطع النحاس والرصاص والقصدير. وأما الصناعات فقد اتسع عندهم نطاقها غاية الاتساع، لا سيما صناعة الجوخ والكتان وسائر الأقمشة ونسج الحرير والصوف والكتان وغزل القطن وصبغه، واستخراج المعادن واصطناع الأسلحة وآلات الحديد اللازمة للضروريات، واصطناع الساعات والمصوغ، ودبغ الجلود وغسل الثياب بالآلات. وبها طرق عظيمة اعتيادية وطرق كثيرة حديدية، وطول الذي تم منها سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف ثمانية عشر ألف كيلومتر وسبعمائة وثمانية وسبعون كليومترا. ويوجد سلك التلغراف في جميع جهات المملكة بكثرة، إلا أننا لم نقف على حساب طوله.
وأمر التجارة بها في غاية الرواج داخل المملكة وخارجها، بحيث إن تجارتهم تصل إلى سائر جهات المعمور، وأما مملكة سكوسيا فإنها تبدي للناظر منظرا بهيجا لا تشبه جهة منها الأخرى، وناحيتها الشمالية صعبة المسالك لكثرة الجبال التي بها، وفي الناحية الجنوبية منها مزارع منبسطة خصبة، والوسط منها تشقه سلسلة من جبال غرامبيان، والشاطئ الغربي كله متصل بمستجزرات عديدة، حيث كانت مياه البحر المحيط نافذة فيه وواصلة إلى أصول الجبال، ولذلك تكون في تلك الجهة عدد كثير من الغولف، ومن الباي المعبر عنهما عندنا بالجون والدخلة، وبهاته المملكة أودية وبحيرات كثيرة، وبها خليج كبير يسمى كليذونيان واصل بين بحر الشمال وبحر أرلاندة، وهذا الإقليم بارد ويوجد بجباله مقاطع الرصاص والحديد والفحم الحجري وأنواع الرخام وبلور الصخر والحجر اليماني وبقية المعادن.
وأمر الفلاحة بها في غاية الانتظام، والمراعي كثيرة خصبة؛ ولذلك كثرت أنعامها خصوصا الغنم ذا الصوف الجيد. وأهل سكوسيا متقدمون في سائر الصناعات لا سيما علم الفلاحة عند أهل الأرض البسيطة. ثم إن مملكتها منقسمة إلى ثلاثة وثلاثين كونتيا، وقد بلغ أهلها في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف ثلاثة ملايين وواحدا وستين ألفا ومائتين وخمسين نفسا. وأما مملكة أرلاندة فإن موقعها بغرب إنكلترة منفصلة عنها ببوغاز صان جورج وبحر أرلاندة، ومساحة طولها الممتد من الشمال إلى الجنوب أربعمائة وخمسون كيلومترا وعرضها مائتان وثمانون كيلومترا، وتكسير سطحها يبلغ أربعة وثمانين ألفا ومائتين وسبعة وثلاثين كيلومترا مربعا. وعدد أهلها في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف بلغ خمسة ملايين وسبعمائة وأربعة وستين ألفا وخمسمائة وثلاثا وأربعين نفسا. وهذه المملكة تنقسم إلى أربع إيالات وتنقسم تلك الإيالات إلى اثنين وثلاثين كونتيا، وأرضها في غالب الجهات منبسطة كثيرة الأودية، وبها ثلاثة خلج كبيرة يسمى أحدها بالخليج الكبير والثاني بالخليج الملكي والثالث بخليج نيوري . وبأرلاندة عدد وافر من البحيرات، وشطوطها في غاية التعريج المستحسن خصوصا في الناحية التي بين القبلة والغرب؛ ولذلك حصلت هذه المملكة على عدة مينات صالحة لإرساء السفن. وأما المراعي الجيدة ومستنقعات المياه فكثيرة بها، وإقليمها معتدل لكنه ندي سريع التغير، وأصول النباتات التي بها الشعير والفوان وهو نوع منه مختص بالدواب والكتان والبطاطة بكثرة والقمح بقلة، ويوجد بها كثير من الحيوانات، وخيلها الصغار مرغوب فيها، والمعز والخنزير يوجدان فيها بكثرة، وبها معدن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والفحم الحجري وحجر الزرنيخ ومقاطع الكذان. وأما الصناعات فإنها غير بالغة فيها مبلغها في غيرها، وبها من المواد قماش الكتان والقطن والأقمشة الرقيقة. وأما الجزر الموجودة بهذه الممالك فمنها الجزر المجاورة للبريتانيا وهي ويت ومان وأنكلسي، والجزر المتجمعة مثل جزر أبريد وجزر أوركاد وجزر شيتلاند ... إلخ، ويحتوي جميعها على ألف وستة وعشرين كيلومترا مربعا، وقد بلغ سكانها في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف مائة وثلاثة وأربعين ألفا وسبعمائة وتسعا وسبعين نفسا، وقدر سطح الممالك المذكورة بالتكسير ثلاثمائة ألف وخمسة عشر ألفا وتسعمائة واثنان وأربعون كيلومترا مربعا، وقد بلغ سكانها في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف تسعة وعشرين مليونا وواحدا وثلاثين ألفا ومائتين وثماني وتسعين نفسا، وتختها مدينة لندرة المحتوية بمقتضى ما تحرر في السنة المذكورة على مليونين وثمانمائة ألف وثلاثة آلاف وأربع وثلاثين نفسا.
ثم إن للدولة الإنكليزية زيادة على جزر البريتانيا جزرا عديدة ومستعمرات، منها في أوروبا جزيرة اليغولاند في بحر الشمال وجزر جرسي وغرنسي في بحر المانش وجبل طارق بأرض إسبانيا وجزيرة مالطة وغوزو ببحر الروم، وجملة سكان الأماكن المذكورة ثلاثمائة وسبعة وثمانون ألفا وخمسمائة وثلاث وعشرون نفسا. ولها في آسيا غالب أرض الهند من غربي الغانج وجزيرة سيلان، وفي شرقي الغانج مملكة أسام وأركان وممالك أخرى. ولها في الصين جزيرة هنكونغ وبلدتها، ولها في جزيرة العرب مدينة عدن وفي بوغاز باب المندب جزيرة بريم. وجملة سكان ما ذكر أي ممالك الإنكليز في آسيا مائة وسبعة وثمانون مليونا ومائة وسبعة وعشرون ألفا وثمانمائة وخمس وسبعون نفسا، فمن ذلك في الهند مائة وخمسة وثمانون مليونا وثلاثمائة وسبعة عشر ألفا وثمانمائة وخمس عشرة نفسا، والذين منهم تحت حكم الإنكليز مائة وخمسة وثلاثون مليونا وثلاثمائة وتسعة وستون ألفا وخمسمائة وثمان وستون نفسا، والباقي وقدره تسعة وأربعون مليونا وتسعمائة وثمانية وأربعون ألفا ومائتان وسبع عشرة نفسا مقسوم تحت ملوك طوائف لها نوع استقلال في إدارتها الداخلية، وتؤدي للإنكليز أداء سنويا من المال، وللدولة المذكورة في أفريقية مواضع في سنيغال وفي غني وجزر موريس صانت آلان وجزيرة أسانسيون ومستعمرات رأس الرجاء الصالح، ومراكز في جزيرة مدغسكار، وسكان جميعها أي ما بأفريقية تسعمائة ألف وأربعة عشر ألفا وثلاثمائة وأربع وستون نفسا، ولها بأميركا البريتانيا الجديدة المحتوية على كاندا وبرنزويك الجديد وسكوسيا الجديدة ولابرادور وجزيرة الأرض الجديدة وعدة بلدان أخرى كائنة غربي ما ذكر، ولها أراض وجزر في ناحية القطب الشمالي والجزر المسماة بالأنتيل الصغار وجزيرة جامايك وغيان الإنكليزية وجزر ماجلان. وجملة سكان جميعها أي ما بأميركا ثلاثة ملايين ومائتان وتسعة وتسعون ألفا وخمسمائة وثلاث وستون نفسا. ولها في الأوقيانية وهي جزر الأوقيانوس أي البحر المحيط الشطر الشرقي من أوستراليا وعدة جهات من الشاطئ الغربي وجزيرة تزمانيا وجزر نيوزيلاند - أي زيلاندة الجديدة - وجزر نورفولك، وجملة سكانها مليون وثلاثمائة وثمانية وخمسون ألفا وثلاثمائة وإحدى وثمانون نفسا. ولها ممالك جديدة بجنوب أفريقية كمدينة لاغوس تملكتها سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف، وويدا (بتشديد الدال) وعدة جزر أخرى صغيرة.
واعلم أن من هذه الممالك ما هو غير معتبر في حد ذاته لكنه بواسطة كونه مركزا حربيا ومأوى للسفن عند الحاجة معتبر جدا؛ حيث إن بوارج الإنكليز يمكنها بواسطة تلك الممالك أن تجول بجيشها في سائر أقطار الأرض بسهولة. فالحاصل أن جملة رعايا إنكلترة في أقسام الكرة الخمسة بلغت في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف مائتين وعشرين مليونا وثلاثمائة وثمانية آلاف وتسعمائة وأربعا وأربعين نفسا، وذلك أكثر من خمس سكان المعروف من الكرة الآن. (3) في بيان التنظيمات السياسية بإنكلترة
اعلم أن الكونستيتوسيون الإنكليزي كما أشار إليه لورد بروغم ليس بسيطا، بل هو مركب من ملاحظة أمور ناشئة عن تركب الدولة الإنكليزية من الأصول الثلاثة التي لا تخلو دولة ملكية عن واحد منها، وذلك أن الدولة إما أن تكون أوتوكراتيك؛ أي استبدادية، أو أريستوكراتيك؛ أي زمامها بيد الأعيان، أو ديموكراتيك؛ أي أمرها بيد العامة، ولا شك أن كل واحدة من هاته الصور في حد ذاتها لا تكفي لحفظ حقوق الأمة ولا لحسن الإدارة؛ فلذلك تأسس الكونستيتوسيون الإنكليزي على الأصلين المتقررين بين الدول الأوروباوية، وهما أن ينوب عن القوة السلطانية مجالس مستقلة في تصرفها، وأن لا تمضي أحكامها إلا بموافقة الملك لها، وأما ما يعرض للكونستيتوسيون المذكور من مزيد القوة والضعف فإنما ذلك من اختلاف عاداتهم وتبدل أوقاتهم؛ إذ لم يكن الكونستيتوسيون عندهم أمرا سياسيا متفقا عليه، ولم يكن صادرا في أصله عن إملاء وروية وإعمال للقواعد العلمية كما فعله الفرنساويون، بل هو نتيجة ملاحظة أحوال وعادات كما أشرنا إليه. وقال دوك ديان الذي كان إمبشدور فرنسا بلندرة: إن الكونستيتوسيون الإنكليزي مستجمع من القوانين القديمة والجديدة ولا يخلو من نوع ارتباك؛ إذ قد يوجد فيه حكمان متناقضان في نازلة واحدة، بأن يصدر حكم جديد فيها قبل إبطال الأول وتركه بمقتضى حب الأمة للتمدن مع احترامهم لعاداتهم القديمة. ثم إن مبدأ تاريخ الكونستيتوسيون الإنكليزي من وقت انعقاد الشرط الكبير الذي عرضه جماعة البارونات على الملك جان سانتير وألزموه بتصحيحه وإمضائه، وذلك في التاسع عشر من يونيو سنة خمس عشرة ومائتين وألف، ومنه قوله في الفصل الثاني: «سوغنا لسائر رعيانا في مملكتنا الإنكليزية علينا وعلى ورثتنا إلى الأبد جميع الحرية الآتي شرحها؛ ليملكوها هم وأعقابهم منا ومن أعقابنا.»
وفي الفصل الرابع عشر منه يقول: «ولتركيب المجلس العمومي بمملكتنا للمفاوضة في توظيف الأداء على الناس نجمع جماعة الأرشفاك والأفاك - أي رؤساء الأساقفة والأساقفة، وهم من أهل الخطط الدينية - والآبي - وهم رؤساء الأديرة التي بها الرهبان - والكونت والبارونات الكبار باستدعاء منا بمكاتبة كل شخص بانفراده وبواسطة رؤساء متوظفي الدولة نجمع المتوظفين الذين لنا عليهم الأمر.» وفي الفصل الخامس عشر منه يقول: «ونفعل مثل ذلك فيما إذا أردنا وضع الإعانة على مدينة لندرة مع بقاء الحرية القديمة للمدينة المذكورة وحرية عاداتها.» وفي الفصل الثاني والعشرين منه يقول: «مجلس الأحكام العمومية الكبير لا يلزم في المستقبل انتقاله إلى حيث ننتقل، بل يستقر بالمحل المعين له.» وفي الفصل الخامس والعشرين منه يقول: «المكتري لأرض أحد الأعيان الذين كانوا يملكون الأراضي بما عليها لا يغرم مالا لمجرد هفوة صغيرة ولا كبيرة إلا بحسب الجناية، وإذا لم يكن للجاني ما يزيد على مقدار المعيشة الضرورية فلا يسوغ إغرامه، وإذا تعلقت الجناية بالباعة السوقية فلا يسوغ أن تمس رءوس أموالهم ولا أن تعطل حركاتهم.» وفي الفصل السادس والعشرين يقول: «إن أرباب الفلاحة سواء كانوا تحت سلطتنا أو تحت سلطة أرباب الأملاك لا تضرب عليهم الغرامة عند صدور الذنب إلا بقدر طاقتهم، ولا يعطون عن خدمة آراضهم ولا تلزم الغرامة إلا بشهادة اثنتي عشرة نفسا من الجيران الذين ترضى شهادتهم ويمينهم.» وفي الفصل الثامن والثلاثين منه يقول: «ليس لأحد من جماعة الآبي والكونت ولا غيرهم من ضباطنا أن يأخذ على وجه الغصب خيلا أو كراريط لحمل أثقالنا إلا بدفع القيمة المعتادة.» وفي الفصل الثالث والأربعين منه يقول: «ويكون القيس والكيل والوزن في سائر بلدان المملكة بمعيار واحد، وهو الموجود بمدينة لندرة.» وفي الفصل الثامن والأربعين يقول: «لا يمسك أحد من الناس ولا يسجن أو يؤخذ منه شيء مما يملكه، ولا يعطل شيء من عاداته وحريته، ولا يخرج عن ذمة القوانين ولا ينفى من أرضه ولا يمس بما ينافي الحرية بأي وجه كان، ونحن لا نكون عليه ولا نأمر بسجنه إلا أن يصدر بذلك حكم بمقتضى قانون البلاد المتقرر لدى المجالس.» وفي الفصل التاسع والأربعين منه يقول: «لا نمنع أحدا حقا له ولا نبيع عليه شيئا ولا نعطل دونه حكما.» وفي الفصل الثاني والخمسين يقول: «كل أحد من مملكتنا يرخص له في السفر والخروج من المملكة متى شاء وفي الرجوع إليها ترخيصا مطلقا بدون أن يخشى منعا في ذلك من أحد، كان السفر في البر أو في البحر، وعليه أن لا يحيد عما يجب عليه من طاعتنا.»
وفي سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف تقرر الشرط الكبير بالقانون المسمى تقرير أوكسفورد، وهي بلدة بإنكلترة، الصادر عن إملاء أربعة وعشرين بارونا في أول اجتماج لهم بلندرة في مجلس المفاوضة الذي لقبوه بالبارلمان. ويحتوي التقرير المشار إليه على أشياء منها أن البارونات هم الذين يسمون حكام النوازل في كل سنة، كما يسمون ناظر الخزنة الشانسلر وهو رئيس الكتبة وشاهد الدولة وغيرهما من متوظفي المملكة، ومنها أن تكون تحت نظرهم حراسة قصور الملك، ومنها أن البارلمان يجتمع ثلاث مرات في السنة في فراير ويونيو وأكتوبر، ومنها أن يسمى كومسيونا مؤبدا مركبا من اثني عشر بارونا للحضور في البارلمان ليتفاوضوا مع مجلس الملك في سائر الأمور، ومنها أن يعين أربعة من الكفالييرية في كل كونتي لتلقي ما عسى أن يحدث من الشكايات بالأعيان ونحوهم من متوظفي الملك، ويعرضون ذلك على البارلمان أول جلسة له. ثم في سنة أربع وستين ومائتين وألف اجتمع البارلمان أول مرة، وكان فيها تاما؛ إذ لم يكن تركبه من الأعيان والقرناء فقط، بل كان معهم وكلاء الكونتي والبورغ أي وكلاء الإيالات والقرى، حتى إن ماكولي المؤرخ عبر عن هذا الاجتماع بوقت تمام تكوين الأمة الإنكليزية في الحقيقة وظهور أخلاقهم الخصوصية المحفوظة فيهم من ذلك العهد، ومن ثم عد آباؤهم سكان جزيرة حسا ومعنى؛ أي كما أنهم منقطعون عن غيرهم حسا فهم منقطعون عنهم أيضا في سياستهم وعاداتهم، وظهرت فيهم من ذلك الوقت مزايا الكونستيتوسيون، فإنه وقع فيه بعد ذلك تغيير كبير فهو أحسن ما عاشت عليه أمة كبيرة عدة قرون، ومما نشأ في ذلك الوقت اجتماع مجلس الكومون أي نواب الإيالات الذي نسج على منوالهم فيه سائر الأمم.
وفي مدة الملك إدوارد الثالث افترق المجلسان اللذان كانا مجتمعين قبل ذلك الوقت، ثم في مدة ريشارد الثاني رخص لنواب الأهالي أن ينظروا في أمر الدخل والخرج، وفي مدة هنري الرابع ظهر شرط سنة ست وأربعمائة وألف الذي حجر على الملك أن يتصرف بدون موافقة مجلس مؤبد يحلف أعضاؤه بالبارلمان على المحافظة على سائر قوانين الكونستيتوسيون، ثم في مدة حروب الوردتين من أيام ملك عائلة تودور المستبد ضعفت سلطة مجلس البارلمان حتى صار يقنع من الغنيمة بمجرد البقاء، ثم في مدة ستوارت ارتفع شأنه وخرج من ربقة العبودية التي بقي فيها مدة طويلة لتقدم سلطة الملك بعد منازعات شديدة أرسى الحال فيها على هدم تلك السلطة الاستبدادية، ثم بعد ذلك دخل أمر المملكة في قبضة كرونول الذي بدد شمل البارلمان في سنة ثلاث وخمسين وستمائة وألف، ثم تجدد احترامه في مدة شارل الثاني، ثم تجددت المحاربة بينه وبين السلطة الملكية في مدة جاك الثاني وأجلي الأمر فيها عن سقوط القوة الملكية أيضا سنة ثمان وثمانين وستمائة وألف، ثم إن البارلمان أعطى تاج الملك وليم دورانج.
وفي الرابع والعشرين من فراير سنة تسع وثمانين وستمائة وألف تجدد بمعاريض القوانين أساس الكونستيتوسيون الإنكليزي الموجود الآن بالتمام، وشروطه الأصلية هي أنه لا عبرة بالقوة الملكية التي يستند إليها في الإلزامات والتوقيفات بدون موافقة البارلمان، ولا ينسخ شيء من القوانين أو يوقف العمل به ولا يسوغ تعيين شيء من الأداء لخصوصية الملك أو لمصلحة المملكة بغير موافقة البارلمان أو بكيفية مغايرة لمقصده، وإن كل شخص من آحاد الناس له أن يعرض على الملك مطلبه بنفسه ولا يعوقه شيء من ذلك ولا يسوغ أخذ العسكر ولا بقاؤه في الخدمة بدون موافقة البارلمان، وأن انتخاب أعضائه يكون من الأهالي بمقتضى اجتهادهم بدون منافاة لحريتهم، ولا تعطل حرية المفاوضة بين العامة فيما يقع به، ولا يلزم أحد بوضع مال على جهة الضمان إلى تمام الخصومة، ولا يضرب عليه غرامة تشق عليه، ولا يعاقب بعقاب شديد أو غير معتاد. وينبغي أن يشهر للناس أسماء أمناء الحكم الذين يقع عليهم الاختيار، كما ينبغي أن يكون اختيارهم على أتم وجه ، والأمناء الذين يستفتون في مرتكب جناية كبيرة ينبغي أن يكونوا من أصحاب الأملاك، وينبغي المحافظة على اجتماع البارلمان لإصلاح جميع ما يتشكى منه وتغيير ما يلزم تغييره من القوانين وحفظ الباقي عن طروق الخلل، كما أن صك القوانين الذي يبين شروط وراثة التاج يشمل على الشروط الآتي بيانها، وهي: أن كل شخص يتحد بكنيسة رومية أو يتزوج بباباوي أو بباباوية؛ أي يكون على مذهب الكاثوليك، يسقط حقه من الملك ولا يمكن من أن يملك التاج أبدا أو يرثه، ولا تكون بيده إدارة الدولة، وإذا وقع ذلك ونزل فالأمة لا تكون مطالبة بطاعته، ويرجع التاج إلى أقرب وارث.
ثم إنهم بعد مدة قليلة اقترعوا في صك القوانين على المقدار الذي ترخص فيه القمرة للدولة من العسكر الذي يبقى تحت السلاح في كل سنة، ثم في دولة الملكة حتى اقترع البارلمان على معروض في قبول عائلة هانوفر للملك من فصوله: أن كل من يرث التاج الإنكليزي في المستقبل لا بد أن يدخل تحت قيود اعتقادات الكنيسة الإنكليزية طبق ما تقرر في القوانين، وإذا نقل التاج إلى أحد غير مولود بإنكلترة فلا تكون الأمة الإنكليزية مدافعة عن ملك أو أرض غير راجعين إلى التاج الإنكليزي بدون موافقة البارلمان، ولا يمكن لمن يملك التاج في المستقبل أن يتوجه خارج أرض إنكلترة وسكوسيا وأرلاندة إلا بإجازة من القمرة، وجميع نوازل الإدارة التي يجب عرضها على مجلس الملك المسمى بالمجلس الخاص يجعل تقرير فيما وقع فيها من الانفصال مصحح ممن حضر من الأعضاء، وكل من ولد خارج إنكلترة وسكوسيا وأرلاندة وخارج بلدان سلطة المملكة لا يمكن أن يكون عضوا في المجلس الخاص ولا في أحد المجلسين المشار إليهما ولو أخذ عقد الجنسية بالاستحقاق أو بتفضل الملك، إلا أن يكون أحد أبويه من الإنكليز، ولا يأخذ رتبة ما أو توكل لأمانته وظيفة مدنية أو عسكرية ولا يعطى شيئا من أرض التاج على وجه الهبة والعطية، ولا ينتفع أحد بكتب أمان ولو ختم بالطابع الكبير إذا كان صدور الشكاية منه من البارلمان؛ ومن أجل ما ذكر من الأمور ومعاريض التراتيب والقوانين التي سيأتي الكلام عليها انقسمت القوة الحكمية بين الملوك والبارلمان. (4) في قوة التنفيذ
اعلم أن قوة التنفيذ بيد الملك فهو الذي ينفذ القوانين بواسطة وزرائه، وأن تاج البريتانية العظمى ينتقل بالوراثة يرثه الأكبر فالأكبر من السلسلة الواحدة من العائلة على ترتيبهم في الولادة، بمعنى أنه ينقل من الأب إلى الابن البكر وهكذا، ويتقدم الذكر على الأنثى إذا كانا في درجة واحدة مثل الأخ الصغير يتقدم على أخته الكبيرة. ويلقب ملك إنكلترة باسم الري، وهذه طالعة أوامره: «فلان بنعمة الله ملك المملكة المتحدة من البريتانية الكبرى وأرلاندة محاميا عن العقيدة.» ومن حيث كونه رئيس الكنيسة يختار كبراء الديانة ويأمر بجمع ديوان الأساقفة، ومن حيث كونه رئيس المملكة ينصب الوزراء ويمنح سائر الوظائف العسكرية برا وبحرا وسائر ألقاب الشرف والمقامات والنياشين، وغير ذلك من أنواع الجزاء في الأمور المدنية والجندية، ويرخص في قبول علامات التمييز المعطاة من ملوك الأجانب ويرسل السفراء ويقبل سفراء الدول الأجنبية، ويستعين بكافة أهل المملكة على ما يهم الجميع، ويشهر الحرب ويعقد الصلح، ويضرب السكة ويعطي مكاتيب الجنسية الإنكليزية، ويعفو عن الجناة ونحوهم، وهذه الأمور وإن كانت كلها راجعة لسلطة الملك بأصل الاستحقاق فإنها متوقفة على إجازة الوزراء من حيث إنهم مطالبون بتصرفات الدولة عند البارلمان؛ ولذلك لا يبدي الملك أمرا حتى يستشير وزراءه، ثم الوزراء لا يمكن بقاؤهم في التصرف إذا لم يكن غالب أعضاء المجلس موافقا لسياستهم، وهو معنى مسئولية الوزراء. وصورة موافقة المجلس في ذلك أن تعرض على أعضائه سائر النوازل الداخلية والخارجية، وذلك من حقوقه، كما أن له أن يسأل الوزراء عما يظهر له متى شاء أو يقدح في سيرتهم، وعلى الوزراء الجواب، فينشأ عن ذلك مجادلة بالمجلس بين القادح والمدافع، فإذا اتفق غالب المجلس بعد تأملهم في النوازل وجواب الوزراء عما ورد على سيرتهم في إدارة المملكة من القدح لم يبق للملك والحالة ما ذكر إلا أحد أمرين؛ إما تبديل الوزراء أو إغلاق المجلس، على شرط أن يعيد الأهالي الانتخاب، فإذا انتخبوا غير الوكلاء الأول ممن يعرف باللين والمساعدة للدولة دل على رضاهم بسيرتها فيبقى الوزراء حينئذ على خططهم، وإذا اختاروا الوكلاء الأول أو من هو مثلهم في المعارضة دل ذلك على عدم رضاهم بها ووجب حينئذ خروج الوزراء من الخطة.
ومن حقوق المجلس أيضا أن يدعي على أحد الوزراء أو على جميعهم بالخيانة إذا رأى موجبا لذلك، فيكون فصل النازلة بالمجلس الأعلى أي مجلس اللوردوات، ومنها أن يمتنع من إعطاء المال والعسكر للحرب التي يراها الملك إذا لم ير فيها فائدة للأمة؛ لأن ترتيب الأداء والخدمة العسكرية أمر سنوي لا بد من تجديد القانون فيه كل سنة.
قلت: فبهذه القوانين حصل للأمة الإنكليزية من المعارف والعمران وأنواع التمدن ما صارت به جزيرتهم كأحسن البساتين بعد أن كانت صخرة في البحر لا عمران بها، وما استولوا به على خمس سكان الكرة كما هو مشاهد بالعيان لمن له اطلاع على الجغرافيا. ثم إن الوزراء ينتخبهم الملك من أعضاء المجلسين، ويقع الاختيار بالتعيين لرئيس العصبة التي تنحاز إليها أكثرية القمرة، وهذا الرئيس يتلقب بالوزير الأول، وهو الذي يعين بقية الوزراء من أعيان العصبة المذكورة ويعرض ذلك على موافقة الملك، فإن لم يوافقه عليهم امتنع من قبول الرئاسة؛ لأن المسئولية إذا وقعت في إدارة أحدهم تشمل جميعهم؛ إذ العهدة عليهم كلهم في حسن الإدارة، فبالضرورة يمتنع من قبول الخدمة مع من لا يثق بكفاءته.
هذا ويوجد في سياسة المملكة عصبتان وهما: هويغ وتوري، فالأولى حزب التقدم وتوسيع دائرة الحرية، والثانية حزب المحافظة على الأصول القديمة، فالوزراء وغيرهم من أهل الخطط المعتبرة يكونون من أحد الحزبين من غير مشاركة الحزب الآخر له. وإذا سقطت الوزارة أمام البارلمان لأجل نازلة سياسية أو كان أحد المجلسين ضدا لها وظهر بالقرعة عدم رضاهم بتصرفها فإن رئيس الوزراء يتأخر عن الخدمة، واستعفاؤه يستلزم استعفاء رفقائه. صورة تركيب الوزارة: لورد الخزانة وهو وزير المال يكون في الغالب هو الوزير الأكبر، ثم لورد رئاسة المجلس الخاص، ثم اللورد الشانسلر الكبير وشانسلر الأشيكيي وناظر الأمور الداخلية وناظر الأمور الخارجية وناظر المستعمرات الخارجية أيضا، وناظر الحرب وناظر أمور الهند، ويضاف إلى هؤلاء الأعضاء التسعة الذين هم وزراء عدة أشخاص من متوظفي الدولة. ثم إن جراية أعضاء الوزارة تختلف باختلاف خططهم من خمسين ألف فرنك إلى مائتين وخمسين ألفا في السنة، والوزارة تتصرف تحت أمر الملك في أمور المملكة الداخلية والخارجية المتعلقة بمواصلاتهم مع الدول الأجنبية بدون خروج عن حدود البارلمان كما تقدم. (5) في كيفية استنباط الأحكام القانونية
اعلم أن استنباط الأحكام ببلاد الإنكليز من تصرف الملك والبارلمان الذي هو عبارة عن مجلس اللوردوات ومجلس وكلاء العامة، واجتماعهم يكون في الوقت الذي يعينه الملك من أيام السنة، ولا يؤاخذ أعضاء البارلمان بما يصدر منهم من الأقوال في كلتا القمرتين، كما لا يؤاخذ صاحب المطبعة بما يشيعه من ذلك وغيره في الورقات اليومية، ولكل واحد من الأهالي أن يعرض على البارلمان ما يبدو له في أي أمر كان، وانتهاء جلساته يكون بإذن الملك، والجرنالات تطبع سائر المفاوضات بدون إخلال بشيء منها. وقمرة اللوردوات تتركب من الإكليروس وهم أهل الكنيسة والنوبليس وهم الأعيان، ومن هذا التركيب يتولد طائفتان من اللوردوات وهما القرناء الروحية والقرناء العالمية، فالطائفة الأولى مركبة من رئيسي أساقفة كنتوربري ويورك، وهما بلدتان، وأربعة وعشرين أسقفا من إنكلترة وأحد رؤساء أساقفة أرلاندة وثلاثة أساقفة منها، والطائفة الثانية هم أمراء العائلة الملكية المعدودون من جملة القرناء، ثم سائر قرناء إنكلترة الذين وجدوا قبل اتحاد سكوسيا بها وبعده، وقرناء البريتانية الكبرى الموجودون بعد اتحاد أرلاندة معها وعدة أشخاص من لوردوات سكوسيا وأرلاندة. فنواب سكوسيا بالقمرة ستة عشر لوردا ينتخبهم لوردوات البلاد لمدة حياتهم، ويسمى هؤلاء اللوردوات بالقرناء النواب. فرتبة اللورد تكون تارة بالوراثة وأخرى بتسمية الملك، فإن كانت بالوراثة استحقها الابن البكر، وأما القرناء الذين كان يسميهم الملك لمدة الحياة فقط فلا وجود لهم اليوم، والملك يمكنه أن يحدث متى شاء من شاء من قرناء إنكلترة دون حصر بعدد خاص، ولا يمكنه ذلك في قرناء سكوسيا كما لا يمكنه إحداث قرين من أرلاندة إلا بعد فقد ثلاثة منها.
والقرناء لا يجلسون مجلس اللوردوات إلا بعد أن يبلغ عمر الواحد منهم إحدى وعشرين سنة، ومن خصوصياتهم أن لا يحكم على من ارتكب منهم خيانة تتعلق بالدولة أو خرج من الطاعة إلا في قمرة اللوردوات، كما أن اللورد لا يحلف عند دفع الشهادة أمام الحكم وإنما يقول: «أشهد بما يقتضيه شرف ذاتي»، ولا يعزل عن مقامه إلا بحكم يصدر من البارلمان، وللقرين إعطاء الرأي بالمجلس إذا كان حاضرا ساعة الاقتراع، كما أن له إرسال رأيه مصححا منه إلى المجلس مع أحد القرناء أمثاله. ومن خصوصيات القرناء جواز التسجيل ضدا للقرعة المضروبة بدفتر القمرة؛ أي إن الذي يخالف فيما اتفق عليه رأي الغالب له أن يكتب في دفتر المجلس أدلته في المخالفة، وما أحسن هذا الترتيب؛ إذ بذلك يظهر من حصل برأيه ضرر للمملكة. ومن خصوصيات اللورد أنه لا يوقف لأجل دين وجب عليه، ومجلس النواب إذا ادعى على أحد المتوظفين بشيء فإن الحكم عليه يصدر من مجلس اللوردوات الذي هو منتهى الأحكام، وقد بلغ عدد أعضاء مجلس اللوردوات في جلسة سنة خمس وستين وثمانمائة وألف أربعمائة وستة وخمسين عضوا. وكان انقسامهم من إنكلترة وإيالة والس التي يقال لها بالفرنساوية الغال ومن سكوسيا ومن أرلاندة على الترتيب الآتي بيانه في الجدول محولة.
تفصيل أعضاء مجلس اللوردوات.
عدد
3
قرناء العائلة الملكية
20
دوك
111
كونت
24
أساقفة ويقال لهم أيضا مطارنة
16
قرناء سكوسيا
2
أرشفاك أي رؤساء الأساقفة
19
مركيز
22
فيكونت
207
بارونات
28
قرناء أرلاندة
4
رؤساء أساقفة منهم اثنان لأرلاندة واثنان لسكوسيا
456
الجملة
وأما قمرة وكلاء العامة المسماة بالقمرة الثانية فإنها تشتمل على أناس منتخبين من الشعوب ليقوموا بحقوقها مدة سبعة أعوام، وعند تمامها يبدلون بغيرهم أو يجدد لهم. وحسن كيفية هاته القمرة من آثار القانون المحرر في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وألف، وانتخاب الوكلاء في الكونتي والمدن والقرى من حقوق من بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة متصرفا في حقوقه المدنية، وله من الدخل السنوي مما لا ينقل من الأملاك مائتان وخمسون فرنكا، ولا يلزم اعتبار ذلك المبلغ فيمن كان من أهل المعارف. وفي الجميع تعتبر الوجاهة ويكون الانتخاب علنا، والقرعة لا مدخل فيها لقرناء المملكة؛ بمعنى أنهم لا ينتخبون غيرهم، كما أنه لا مدخل فيها لأجنبي ولا لمن لم يبلغ سن الرشد ولا لمن ثبت عليه أنه حلف يمينا كاذبة أمام الحكم أو استعان بصندوق الصدقة الخارجية من الكنيسة في تلك السنة، ولا للمكلفين بأخذ مداخيل الكمارك ونحوها ومداخيل الكومون، ولا للمكلفين بالتامبر؛ أي طبع الكواغد ولا لسائر متوظفي الدولة أو متوظفي البوسطة أو أعوان الضبطية، ولا لكل من ثبت عليه أنه تحيل أو رام التخيل في الانتخاب السابق عن ذلك الوقت. هذا ما يتعلق بالذين ينتخبون غيرهم، وأما الذين ينتخبون للنيابة عن الشعوب بالقمرة فيشترط فيهم بلوغ إحدى وعشرين سنة وأن يكونوا من الأهالي لا من الأجانب ولا من حكام المجالس العالية أو مجالس الكونتي أو مجالس البوليس، أو وكلاء الخصام الذين يخدمون بمجالس التحقيق، ولا من أهل كنيسة إنكلترة وسكوسيا الكاثوليكيين، ولا ممن صدر عليه حكم بالنفي أو ثبت عليه جناية أو خروج عن الطاعة. ولا ينتخب متوظفو الكونتي والمدن والقرى في البلاد التي يخدمون فيها، وكذلك المكلفون بقبض المجابي الموظفة بعد سنة اثنتين وخمسين وستمائة وألف، وكل من له خطة يأخذ عليها مرتبا من الدولة من الخطط المحدثة بعد سنة ثمان عشرة وسبعمائة وألف، أو تكون معيشته جارية من الدولة أو يكون من الوكلاء المكلفين بأمور الجيش أو ممن يلتزمون شيئا من الدولة أو من ضباط الشرف، ولفظ الشرف لقب في لغتهم لخطة معروفة.
ثم إن قمرة النواب هي التي تسمي رئيسها في أول اجتماع لها، وسائر معاريض القوانين يمكن عرضها على كل من القمرتين بدون تمييز، لكن جرت العادة بأن تعرض أولا على القمرة الثانية التي هي مجمع نواب العامة، وإذا عرض المعروض عليها يمكنها أن تقبله على حاله أو تتصرف فيه بالزيادة والنقصان أو ترده، ويستثنى من ذلك ما له تعلق بالأعيان فإنه يرفع إلى مجلس اللوردوات؛ لاقتضاء العادة أن وكلاء العامة لا يغيرون منه شيئا، وكذا ما له تعلق بالأداء السنوي فإنه يقترع عليه أولا في مجلس النواب ثم تتفاوض فيه قمرة اللوردوات، فإما أن تقبله أو ترده بدون تصرف فيه. وفي هذه القمرة للقرناء أن يعرضوا المعاريض متى شاءوا، وأما في قمرة النواب فلا بد من استيذانها وطلب الرخصة في العرض، وكل ما له تعلق بفائدة الجمهور يكون غالبا عرضه من الدولة. وصورة الاقتراع في القمرة الأولى أن يتلفظ القرناء بلفظ: راض أو غير راض، وكثير منهم يدفع القرعة بواسطة غيره من أمثاله بالكتابة كما قدمنا. وأما في القمرة الثانية فلا بد من الحضور بالذات ومن الجواب بلفظ: لا أو نعم، وبعد قبول المعروض في القمرتين يعرض على الملك فإما أن يتولى النظر فيه بنفسه أو ينيب له كومسيونا من اللوردوات، وبإمضاء الملك يصير المعروض قانونا يعمل به. وقد بلغ أعضاء قمرة النواب في سنة خمس وستين وثمانمائة وألف ستمائة وثمانية وخمسين عضوا، وكان تركبهم على التفصيل الآتي:
تركيب مجلس النواب.
الجملة
نواب البلدان والقرى
نواب الكونتي
أسماء الممالك
500
338
162
إنكلترة
53
23
30
أرلاندة
105
41
64
سكوسيا
658
402
256
الجملة (6) في الحرية العامة
لا ريب أن الأمة باختيارها للنواب المناضلين عنها بالقمرة وبما لأرباب الأملاك وغيرهم من متوظفي المملكة من نفوذ الكلمة، وبدوام نظر البارلمان في أمور العامة وبإعلان مباحثاتهم بدون منع، تستقر حريتها ويستتب نجاح سائر أمورها. وحسبك أن الطبقة العليا من الناس وأوساطهم يتداخلون في سائر الأمور، ولهم مزيد اعتناء وشدة مراقبة لأفعال متصرفي دولتهم ولآرائهم اعتبار تام في انتخاب متوظفي البلاد، مع ما لأرباب الحرف والصناعات من الرخصة في عرض ما أرادوا عرضه على البارلمان. ثم لا يصدر من الدولة فعل من الأفعال بدون أن يكون الوزير الذي أذن فيه ضامنا لما ينشأ عنه، وكذلك سائر المتوظفين ضامنون لما ينشأ من تصرفهم، بحيث إنهم من الأدنى إلى الأعلى يتوقعون الشكاية بهم من آحاد الناس للتريبونال، ويوقف المشتكي بإذن البارلمان، وهو من أحسن الضمانات في حفظ الحقوق.
ثم إن الناس لا يمنعون من الاجتماع في المجامع العمومية للنظر في أفعال الدولة، ولا تضيق هذه الرخصة عليهم كما أشار إليه اللورد بروغم، وقد يمكن اجتماع مئات من الألوف في مكان واحد للمكالمة فيما يظهر لهم من سيرة الدولة بإقامة الدليل على ذلك بلا مانع، وما يقع عليه الاتفاق يعرض عليها وعلى البارلمان، إلا إذا خرجوا عن الحدود المعقولة القانونية بأن اغتنموا فرصة تلك الرخصة وأرادوا تحيير راحة السكان، وبإشهار السلاح وتهديد من لم يوافق رأيهم ونحو ذلك، فيجب منعهم حينئذ بأن يقوم حاكم المحل خطيبا فيهم بقوله: «سيدنا وحاكمنا الملك يأمر كل فرد منكم أيها المجتمعون بالتفرق في الحين، وبأن تدخلوا مساكنكم أو أماكن خدمتكم تحت قيد الحكم الصادر في أول سنة من دولة الملك جورج في قطع الهرج والاجتماعات الغوغائية. والله يحرس الملك.» وإذا لم يفترق الجمع بعد الخطبة بقدر ساعة يمكن حينئذ إعمال القوة وتوقيف رؤساء العصبة، وقلما يحتاج إلى ما ذكر. ولهم أيضا الرخصة في طبع الآراء ونشرها في البلاد في أسرع وقت، ولا يتوقفون على استئذان في إنشاء جرنال أو تأليف كتاب في أي غرض شاءوا، والضمانة التي يلزم اعتبارها في ذلك أن يعرف مؤلف الكتاب أو الجرنال باسمه ولقبه ومسكنه؛ ليطالب إذا تجاوز الحدود الملحوظة في صناعة الكتابة إلى التشفي من الأغراض الشخصية أو التحريض على القيام والخروج عن الطاعة ونحو ذلك.
ثم إن تقرر الحرية الشخصية ليس لخصوص تمكين الموقوف بدون حق من التشكي من سائر المجالس، بل يعتبر مع ذلك إمكان وقوع الحكم الشديد على كل حاكم يمتنع من سراح الموقوف بعد إعطائه ضمانة كافية على الوجه الذي مر ذكره، وزيادة على ذلك فالقانون الإنكليزي أعطى ضمانة أخرى للناس عند الحاكم وهي إيقاع الحكم بواسطة الجوري؛ أي الأمناء الذين تقدم بيانهم في الكلام على مجالس فرنسا.
هذا إجمال الإدارة السياسية بمملكة الإنكليز، ولنختم هذا الفصل بما قاله اللورد بروغم من أن الكونستيتوسيون الإنكليزي يحتوي على النتائج النافعة للدولة الملكية الاستبدادية والدولة التي بيد الأعيان والدولة الجمهورية؛ حيث حصلت به قوة الأولى وثبات الثانية لتقرر عاداتها وقوانينها وحرية الثالثة، حيث إن جميع الأمة بواسطة وكلائهم يتداخلون في سائر تصرفات بلادهم بالاحتساب على سيرة الدولة، ولهم شأن عظيم عند مديري أمورهم، ولآرائهم مزيد اعتبار عند انتخاب متوظفي الدولة، ولوجوه الناس منهم نفوذ كلمة تمنع العامة من ارتكاب ما يحير راحة السكان، وكذا للملك نفوذ الكلمة في أحوال المملكة بما لا يعطل شيئا من أعمال المجالس المتقدم ذكرها.
ومن مزايا الأمة الإنكليزية تحسين الإدارة في فصل النوازل باستقلال مجالس الحكم ومنع أعضائها من الدخول في خدمة البارلمان وفي المنازعات السياسية التي تقع بين الأحزاب. ثم اعلم أن المملكة الإنكليزية منقسمة باعتبار إدارتها المدنية إلى إيالات تسمى كل واحدة منها بكونتي؛ أي عمل كونت، وباعتبار الإدارة الحكمية وإدارة الضبطية إلى أقسام أخرى. وكل من هذه الإدارات الثلاث منفصلة عن الأخريين، فمتوظف الكونتي اللورد النائب والشرف وحكام الصلح والكورنر وهم دون حكام الصلح في الرتبة والتصرف، فأما اللورد النائب فهو الوالي العسكري بالكونتي وتقديمه وتأخيره بيد الملك نفسه، وقد جرت العادة بانتخابه من أعضاء القمرة المعبر عنهم بالبير؛ أي القرناء، وهم اللوردوات من سكان ذلك الكونتي، وليس لهذا الوالي مرتب في مقابلة خدمته ويختار بنفسه شخصا أو شخصين يكونان في إعانته، ويعبر عن مجموع الوالي ومعينيه بنواب الكونتي، والوالي المذكور يأخذ الحراس الأهلية ويسمي ضباطهم، وعليه حماية راحة السكان وأمنهم، وهو الذي يعرض على اللورد الشانسلر الكبير من يستحق التقدم من الحكام والمحافظ على دفاتر مجالس الأحكام والتريبونالات.
وأما الشرف فهو لقب لأول متوظف مدني من الكونتي يختاره الحاكم من ثلاثة أشخاص يعينهم حكام المجالس الغالية وعظماء المملكة في كل سنة، بحيث لا يبقى هذا المتوظف في خطته أكثر من سنة، ولا يسوغ لمن وقع عليه الاختيار أن يمتنع من القبول، وإن كانت خدمته مجانا وكلفته استبقاء راحة السكان وإجراء القوانين، وهو الذي يوقف المدين ويجمع أمناء الحكم؛ أي الجوري الذين يشهدون على المدعى عليه بثبوت الذنب أو عدمه، كما أنه يرأس المجمع الذي يرام انتخاب النواب فيه للقمرة، وعليه حراسة السجون ويكون في إعانته معين ونائب وبالي؛ أي عون حكم وحرس سجون، وله أن يستعين بمن شاء من الناس ممن تجاوز سنه خمس عشرة سنة إذا اضطره الحال إلى ذلك، إلا جماعة البير - أي القرناء - فإنهم معافون من ذلك.
وأما حاكم الصلح ويعبر عنه بالمجسترات - أي القاضي - فولايته تكون بأمر اللورد الشانسلر الكبير بعرض نائب الكونتي، ويكون انتخابه من بين أصحاب الأملاك والعقارات ووجوه الناس وقد يختار من أهل الكنيسة بشرط أن يكون له من دخل أملاكة مائة ليرة سترلين أي ألفان وخمسمائة فرنك في السنة، وكلفته الحكم بين الناس وتحسين الإدارة، ولا يأخذ في مقابلة خدمته شيئا، ثم إن عدم عزلهم وتبديلهم بمجرد العادة؛ إذ ليس في القوانين ما يقتضي ذلك وليس لأحد عليهم يد ولا يتقيدون بعدد، ويجتمع بهم المتوظفون في أوقات من السنة لتلقى ما يستقر عليه الرأي من الإدارة. واجتماع هذه المجالس على نوعين؛ كبير وصغير، فالاجتماع الكبير لمدة ثلاثة أشهر فيقع أربع مرات في السنة ويكون به عدد كثير من حكام الصلح، ولا يتم نصابه إلا بوجود اثنين منهم، ويمضي الحكم باتفاقهما، ويختار حكام الصلح رئيسا عليهم تكون خدمته غالبا مجانا، وتحت أمرهم متوظف يسمى كلاردبي بمعنى ضابط الصلح لتنفيذ أوامرهم، ويوليه اللورد النائب ويكون انتخابه في الغالب من أعيان الأفوكاتية، ومن أعمالهم أن يكلفوا شخصا يقبض ويدفع المال المتعلق بالكونتي، ومن خدمتهم تعيين الأداء بوجه خصوصي وتسمية غالب متوظفي الإيالة.
واعلم أن إدارة الكونتي تحتوي على الخدم الآتية، وهي: إقامة سجون الجنايات الخفيفة وأمر الضبطية والمحافظة على لوازمها وبناء القناطر وتسوية الطرقات وحفظها وبناء مآوي الفقراء وحفظها وحفظ الموازين الرسمية. ومصاريف هذه المصالح كلها تخرج من الأداء الموظف على الكونتي، والمغارم المتحصلة عند الضبطية وما يعين لأماكن المجانين، وأما الكورنر وهو الحاكم المستنطق فخدمته جمع سائر الحجج اللازمة في النوازل والقيام بالحق العام. ولتسهيل الإدارة ينقسم إلى أقسام حكمية كما أشير إليه آنفا، وحكام الصلح يرأسون الجمعيات الأصلية والجمعيات الصغار مرة في الشهر أو أكثر إذا اقتضى الحال ذلك.
وتنقسم إنكلترة بالنسبة لأحكام الجنايات إلى سبع دوائر تعقد بها مجالس الجنايات في كل ستة أشهر وتسمى مجالس الدائرة، ثم ينقسم الكونتي بالنظر إلى أعمال الضبطية إلى أقسام أصولية تنتهي إلى حكام الصلح، وعلى رئاسة كل قسم ناظر من الضبطية له النظر على سائر ضباطها، ثم ينقسم كل كونتي إلى أقسام تسمى هندردس بمعنى أن المائة من العائلات يرأسهم كونستابل كبير أي رئيس شرطة يسميه حكام الصلح حين يجتمعون بالمجلس، وأعمال المذكور تدور بين ضابط الصلح ومنفذ أحكام القضاة ويكلف أيضا بجمع الأداء.
المدن والقرى
اسم البورو يطلق في إنكلترة على البلدة التي تقيم نائبا في البارلمان أو تكون ذات خصوصية في الإدارة بدون أن تكون تحت أحكام الكونتي، وبعض تلك البلدان التي يوجد بها المطران - أي كبير الكنيسة - بذلك القسم تسمى ستي؛ أي مدينة. ومن البورو والستي تحصل مجامع بلدية مركبة من الشيخ؛ وهو الرئيس، والدرمن؛ وهو النائب عن الشيخ، وأعضاء من وجوه الناس بالبلد ينتخبهم الأهالي لثلاثة أعوام ويتبدل ثلثهم كل سنة، ونواب الرئيس تسميهم الأعضاء، ومدة خدمتهم ست سنين ويتبدل نصفهم في كل ثلاث سنين يعينون الرئيس في خدمته. وهذا المجلس ينتخب رئيسه من الأعضاء أو من معيني الرئيس في كل سنة. ومن وظيفة الرئيس أنه يرأس الجمعية التي تختار النائب للقمرة إذا لم تكن البلدة من البلدان التي بها رئاسة الكونتي، كما يرأسها عند اختيار أعضاء المجلس البلدي ويتأمل مع معينيه في جرائد أسماء من له حق الانتخاب بالقرية، ويتصرف كتصرف حاكم الصلح في سنة خدمته ثم في السنة التي تليها، وتكون خدمته مجانا.
ومن متعلقات نظر المجلس البلدي إدارة الأملاك الراجعة للبلد وضبط مداخيلها ومراقبة أحكام البلد ومطالعة السجون والمارستانات وإدارة الضبطية وفصل المنازعات التي تقع بين ضباطها والأهالي بإعانة حاكم الصلح بالقرية، ثم البارواس وهي قسم دائرة الديانة، وهذا التقسيم في بلاد إنكلترة المعتبر دينيا وسياسيا معا مستعمل في سائر جهاتها، وإدارة أحوال البارواس تكون من الجمعية المركبة من كل من يكلف، ومن لوازم الإدارة المذكورة حفظ الكنائس والمقابر والطرقات وإعانة المساكين والضبطية وحصر من يولد ويموت، فالمتوظفون المكلفون بهذه الخدم المختلفة وهم وكلاء الكنائس والمرغلير ونظار المقابر والطرقات وأولياء الفقراء وضباط البوليس أي الضبطية كلهم تسميهم الجمعية العمومية المذكورة. (7) في شرح نظام الأحكام
اعلم أنه ليس بإنكلترة وزارة حكم مثل التي بفرنسا وغيرها، وأحكامها ليست محصورة بكتاب أو تقييد، وليس بها ما يخص المتوظفين بحكم إذا ارتكبوا مخالفة في تصرفاتهم الحكمية، وإنما جميع النوازل التي يختص بها مجلس والي الإيالة ومجلس الدولة بفرنسا راجعة في بلاد الإنكليز إلى مجالس عالية يسمي مجموعها مجلس الملك والي المجالس المعتادة ومجلس الأشيكيي فيما يخص المحاسبات، وسائر المتوظفين من أي نوع كانوا مطالبون بأعمالهم، فكل من يدعي مضرة منهم يطالبهم لدى المجالس المعتادة بدون توقف على رخصة ما ولو كانت المضرة ناشئة عن قوة الخطة العامة.
وأحكام الإنكليز تستند إلى القانون العام المؤسس على مجاري العادات، وتؤخذ من الأحكام التي جرى بها العمل. ومن الشروط المتفق عليها ومن شريعة الرومان ومن القانون المسطور والأحكام المؤلفة وأنظار المشرعين الكبار من البارلمان، فالجمعيات التي عليها مدار الإدارة الحكمية بواسطة أو بدونها هي القضاة والجوري ومشرعو التاج وجماعة الشرف والأفوكاتية وأعوان الحكم، فاللورد شانسلر الكبير بيده رئاسة الماجستراتور أي أحكام القوانين، ويقال له القاضي الأول ويرأس قمرة اللوردوات وهو أيضا أحد أعضاء مجلس الوزراء، ثم نائب الشانسلر واللوردوات الذين هم قضاة المجالس العليا وتحتهم حكام مجالس الكونتي ومجالس الضبطية، وحكام هاته المجالس يأخذون المرتب.
وبجانب جمعيات الحكم المشار إليها توجد حكام الصلح ولا مرتب لهم، وتكون منهم مجالس الأشهر الثلاثة في كل كونتي ومجالس الجلسات الصغار، ويحضر لديهم جميع التصرفات المحلية المتعلقة بالحكم وكذلك ما يتعلق بالإدارة. ثم الجوري - أي أمناء الحكم - لهم اعتبار تام في الحكم المدني؛ أي الأحكام العرفية وكذا أحكام الجنايات، ومنهم جوري كبار وجوري صغار، فخدمة الكبار التأمل في الدعوى من جهة قبولها أو ردها، فما يتفق عليه اثنا عشر من ثلاثة وعشرين وهم جملة الجوري يكون عليه العمل قبولا أو ردا، وإذا قبلت الدعوى يكون فصلها بمجالس الحكم بمحضر الجوري الصغار الذين عددهم في الأقل اثنا عشر. والشروط الواجب اعتبارها في انتخاب الجوري المذكورين هي أن يكون سن الواحد منهم أكثر من إحدى وعشرين سنة ودون الستين، ويكون له دخل سنوي من الربع والعقار مقداره مائتان وخمسون فرنكا أو يدفع كراء سنويا مقداره خمسمائة فرنك أو مقدارا معلوما للفقراء. وفي جميع الحالات يشترط أن يكون ممن يتصرف في حقوقه المدنية والسياسية، وليس للجوري مرتب، بل يخدمون مجانا. ولعدم وجود محتسب عمومي ببلاد الإنكليز كان القيام بدعاوي الجنايات ممن تعلقت به الجناية إلا إذا اشتدت فتقوم بها الدولة، ولذا كانت ضباطها ومستشارات التاج في الأحكام هم أتورني جنرال؛ أي المحتسب، وسلستر جنرال؛ أي الأفوكاتو العام، وأفوكاتو الملك. وهؤلاء المذكورون يعطون رأيهم في كل نازلة يسألون عنها خصوصا ما يتعلق بما بين الأجناس من الحقوق، والأتورني جنرال مخصوص بمقاصصة الجناة في الجنايات الثقيلة، والشرف مكلف بإمضاء الأحكام وتحته الكورنر الذي متعلق وظيفته الأصلية النظر في حال من يموت بحادث هل كان موته بأمر سماوي أو كان على وجه الخطأ أو العمد، وكل أحد له أن يدافع في نازلته عن نفسه، لكن في الغالب لا يستغنى عن توسط الأفوكاتو، وجماعة الأفوكاتية تنقسم إلى قسمين وكلاهما مكلف بالنيابة عن الخصمين وإحضار لوازم النازلة.
كيفية الحكم في نوازل الجنايات
يمكن حصر أحكام الجنايات في طبقتين، فالمجالس التي تحكم بدون حضور أمناء الحكم هم الطبقة الأولى، وهم حكام الصلح الذين يحكمون بانفرادهم، ومجالس الجلسات الصغار ومجالس الضبطية، وهؤلاء لا يحكمون إلا في النوازل الخفيفة كغرامات المخالفات في مثل صيد البحر والبر وخدمة الفبريكات وعدم التحفظ عما يضر بالعامة كبيع ما يضر بالبدن، ونحو الإجارات الواقعة بين المعلمين وصناعهم، وفي زجر من لا حرفة له عن البطالة، ثم في حفظ الشوارع وطرق الحديد وآلات الوزن والكيل وما أشبه ذلك، ونوازل المشاتمات والضرب الذي لم ينشأ عنه جرح أو مضرة والسكر وإفساد سياجات البساتين ونحوها.
والطبقة الثانية، المجالس التي يحضرها أمناء الحكم الصغار، فالأمناء الكبار يوجهون لهاته المجالس المدعى عليه بغير الأمور الثقيلة، والأمور الثقيلة يحكم فيها المجلس المستقر ويقال له مجلس الوطن، وبمدينة لندرة مجلس الجنايات الكبير. وتحكم هذه المجالس في الجنايات الشخصية والجنايات على الأملاك ودعاوي الزور ونحو ذلك. ورفع الشكايات إليها تارة يكون ممن تعلقت به الجناية وتارة من ضباط الضبطية وتارة من الدولة نفسها. ولكل واحد من الناس غير المتوظفين القيام بالجنايات صغيرة كانت أو كبيرة ولو تلحقه ضرورة منها. ثم إن ضباط الضبطية لهم إمساك الذين لا صناعة لهم وإيقافهم بالسجن إذا صدر منهم ما يحير الراحة كما لهم إيقاف من يدعى عليه أنه اختطف شيئا أو سرقه أو جنى جناية، ويسوغ مثل ذلك للأتورني جنرال، وهو محتسب الدولة المشار إليه آنفا، في حالة مخصوصة كما تقدم. وإذا وقع موت بقتل أو تشاجر أفضى إليه ولو بلا تعمد أو قتل أحد نفسه فالكورنر يبذل الجهد في البحث فورا، ويستدعي لذلك بعض أطباء الدولة ليمتحن بدن القتيل ويعطي رأيه في سبب الموت، وكل أحد يدعى عليه القتل يرفعه الكورنر للمجلس المستقر. وفيما عدا أحوال القتل من سائر الجنايات يرفع إلى أحد الحكام أو حكام الصلح أو الجلسات الصغار أو مجلس الضبطية، وكل من هذه المجالس الصغار التي تحكم في النوازل الخفيفة لا يوقف المدعى عليه بعد إعطاء ضمانة كافية لمطلب المدعي الذي لم يشتط فيه، كما أنه يطلقه إذا رأى الحجج القائمة عليه غير ناهضة، وإذا كانت محتملة للصحة احتمالا لا يكفي في الحكم عليه فإنه يطلق أيضا بعد أخذ الضمانة الكافية بأن سيرته تحسن في المستقبل، وهذه الضمانة إما أن تكون بكفالة إنسان معروف أو بتعيين مقدار معلوم من المال، ولا يلزم وضعه بمحل. وإذا لم توجد الضمانة المذكورة فللمجلس إيقاف المدعى عليه مدة أقصاها سنة، وإذا ترجح ثبوت الجناية على المدعى عليه فإن المجلس يفصل النازلة بذلك إن كانت من النوازل الخفيفة، وأما إن كانت ثقيلة فإنه يتمم الموجبات من تحرير الشهادات وتحليف شهودها ونحو ذلك، ثم يوجه النازلة إلى مجلس الأشهر الثلاثة أو إلى المجلس المستقر. وسائر أعمال المجلس تكون علنا، وللمدعى عليه أن يحضر الأفوكاتو أول وهلة ليدافع عنه، ولا يستنطق خارج المجلس بل وفي المجلس نفسه ينبهه الحاكم ويأمره بالتثبت، وعند استنطاقه يقول له: ما تقول ولست بمكره على القول، قل إن شئت عارفا أن ما تقوله يكتب عليك ويمكن أن يكون فيه حجة عليك فانظر ما تقول. قلت: ما أبعد هذا عن التقرير بضرب السياط ونحو ذلك فتأمل!
وفي الأحكام المتقررة أن المدعى عليه لا يرخص له في السراح بوضع الضمانة، بل يوقف بالمحل المعلوم يأكل ما يشتهيه من الطعام ويجتمع بأقاربه متى شاء، ويأتيه الأفوكاتو المدافع عنه في أي وقت شاء ويختلي به، ولا ينادى في السجن أو في محل الحكم إلا بعنوان المسجون دون المتهم أو الجاني أو المذنب حتى تثبت عليه الدعوى، وفي اليوم الذي يصدر فيه الحكم يجمع الشرف غالب الأمناء الكبار والصغار ويقرأ شاهد المجلس تقرير الدعوى على الأمناء الكبار فيتأملون هل في النازلة قرائن وشبهات كافية في تذنيب المسجون؟ فإذا اتفق غالب الأمناء على توجه موجب الحكم يكتب كبيرهم على رسم الدعوى لفظ رسم صحيح. والمسجون الذي تظهر عليه قرائن كافية في الجناية يحضر بالمجلس ويقرأ عليه ضابط المجلس رسم الدعوى ويسأله أيعترف بالذنب أم لا؟ فإن اعترف نبهه الحاكم بخطاب لين على ما يمكن أن يترتب على اعترافه عسى أن يتيقظ ويرجع عما صدر منه، فإذا دام على الاعتراف حكم المجلس عليه في الحال بدون حضور الأمناء وبدون مدافعة عنه، والذي لا يعترف بالذنب ويدعي البراءة يحضر له الأمناء الصغار فيحلفون أمام المجلس وتبتدأ المنازعة، فيتكلم وكيل المدعي أولا مع تقرير الأدلة واستنطاق الشهود وتحليفهم قبل الشروع في الحكم، ويجلسون في بيت الحكم بحيث يسمع كل منهم شهادة من قبله. قلت: وهذا الصنيع ليس بمستحسن.
والمدعى عليه أو وكيله يمكنه معارضة أدلة المدعي واستنطاق الشهود بإلقاء ما يظهر له بدون توسط رئيس الحكم في ذلك، ولا يسوغ للرئيس أن يعرف المجلس بما يعرفه من حال المدعى عليه كأن يقول هذا من أهل التهم أو ذوي المروءة، وحسبه إذا تكررت منه الجناية أن يعرف الحاكم بذلك بعد إعطاء أمناء الحكم رأيهم في النازلة، وحينئذ يسوغ له تقرير ذنبه السابق، ولا تدفع الشهادة إلا بمحل الحكم، ويجب حضور شهود الجنايات بأنفسهم في المجلس، بحيث لا تغني الكتابة من غير حضور الشاهد، وهذا الحضور من الشهود لدى الحكم في أمر الجنايات كاد يكون واجبا في هذه الأزمان، وبعد سماع دعوى المدعي واستفسار شهوده يبتدأ بسماع كلام المدعى عليه واستفسار شهوده أيضا، وآخر الكلام للمدعى عليه إذا لم يكن المدعي هو الدولة، فإن كان إياها فإن لها آخر الكلام، فإذا انتهت المجادلة فإن الرئيس يعرض النازلة على الأمناء وتكون المباحثة بمحل مخصوص، وجماعة الأمناء لا يعطون رأيهم إلا بعد اتفاق جميعهم؛ بمعنى أن يقولوا كلهم: مذنب أو غير مذنب، فإن خالفهم واحد منهم باحثوه حتى يرجع إليهم أو يرجعوا إليه. قلت: ووجوب الاتفاق غير معقول.
الحكم المدني
لما لم يكن بإنكلترة قانون معين يرجع إليه في الأحكام المدنية اعتاضوا عنه الاستعانة في غالب الأحوال بالأحكام الماضية والقوانين المتقررة، وقد يحكمون بمجرد الاجتهاد مع ترجيح سلوك طريق اللين والتخفيف، ويمكن لهذه الطائفة أن تحكم بما يقتضيه الذوق السليم والإنصاف خصوصا إذا لم تتكرر الجناية من المدعى عليه، والحاصل أن دائرة المجالس التي تحكم بمقتضى العادات والأحكام الماضية أضيق من دائرة المجالس الحاكمة بمجرد الاجتهاد. قال المؤلف فرانكفيل: إذا تعلقت النازلة بحدوث مضرة فمجالس الأحكام غير الاجتهادية لا تقدر إلا على الحكم بدفع المقدار الحاصل من الضرر. وأما مجالس الأكيتي أي الاجتهاد المبني على العدل فلها أن تحكم بأخذ الحذر اللازم؛ منعا لعود المضرة في المستقبل، بمعنى أن مجالس الأحكام العامة نظرها مقصور على الحقوق الثابتة، ومجالس الأكيتي تجيل نظرها فيما يؤدي إليه الاجتهاد، فتمنع المضرات الواقعة والمتوقعة، وينفذ حكم هذين النوعين من المجالس في سائر الأحكام المدنية أي المعاملات والجنايات، فالمجالس التي تصدر عنها الأحكام الاجتهادية هي قمرة اللوردوات ومجلس الشانسلر العالي المشتمل على رئيس القضاة، وهو اللورد شانسلر، وعلى لوردوين من حكام التحقيق وثلاثة من نواب الشانسلر وواحد دفتر دار ينظر صحف الحكم.
وبهذا المجلس أيضا اثنا عشر مستشارا لمجرد الاستشارة بدون أن يكون لهم صوت في الحكم، وإعطاء الاجتهاد لمثل هذا العدد مع أن أفراده من العارفين بالنوازل والأحكام لا ينشأ منه ضرر. والأحكام العامة تنحصر في أربع طبقات؛ الأولى: مجالس الكونتي للحكم في الأمور المدنية التي يحقق عليها. الثانية: المجالس الثلاثة العالية للأحكام العامة، وهي مجلس الملك ومجلس النوازل المدنية ومجلس الأشيكيي؛ أي المحاسبات المالية. الثالثة: مجلس بيت الأشيكيي أيضا. الرابعة: قمرة اللوردوات. فمجالس الكونتي يبلغ عددها إلى تسعة وخمسين وهي التي تحكم الحكم الأول في النوازل التي لا يتجاوز الحق فيها ألفا ومائتين وخمسين فرنكا، وهذه المجالس تشتمل على قاض وهو الحاكم على صاحب خزانة المجلس وعلى يازجي أي كاتب المجلس وعلى أعوان ورئيسهم، فصاحب الخزانة هو المكلف بتحقيق حساب اليازجي، واليازجي يقبل سائر المطالب ويقيدها بدفتر مجعول لذلك الأمر مع تعيين أسماء الخصوم وألقابهم ومساكنهم، وجماعة الأعوان مكلفون بإمضاء الأحكام ويحضرون وقت الحكم، وهم الذين يكتبون تذاكر التعيين ويباشرون تعطيل الأملاك وغير ذلك من لوازم الحكم، ولكل من المدعي والمدعى عليه في النوازل العرفية أن يطلب لفصل النازلة أمناء الحكم إذا كانت الدعوى في قدر مائة وخمسة وعشرين فرنكا فأكثر، وهذه الجوري أعني التي تكون في الأحكام العرفية تتركب من عشرة أعضاء، ومجالس الحكم الثلاثة الكبار تحقق النوازل التي ترجع إليها من مجالس الكونتي، وتقبل النوازل التي تكون في مقدار ألف ومائتين وخمسين فرنكا فما فوق، ويختص مجلس الملك زيادة على مراقبة المجالس التي هي دونه بجلب جميع النوازل التي يظهر له أن ينظر فيها ولو في أقل الأشياء، كما يختص مجلس الأشيكيي بالحكم في النوازل المتعلقة بمال الدولة، فالمجلس الأول مركب من رئيس وهو أول القضاة وأربعة أعضاء، والثاني والثالث كل منهما مركب من رئيس وأربعة أعضاء أيضا، وأعضاء هذه المجالس الكبار مكلفون بالحضور مرتين في السنة بمجالس الجنايات وبالإيالات السبعة من تقسيم المملكة الإنكليزية.
وزيادة على ذلك يرأس في كل شهر واحد من أولئك الأعضاء مجلس الجنايات المستقر بلندرة الحاكم في سائر الجنايات التي ترتكب بلندرة ونواحيها، ومن يطلب تحقيق الحكم الصادر من أحد المجالس الثلاثة يركب له مجلس من ثمانية أعضاء مأخوذين من المجلسين اللذين لم يحكما في النازلة، ويرأسهم اللورد شانسلر وهو قاضي القضاة، ولا يحقق على هذا المجلس أحد إلا مجلس اللوردوات الذي هو في تلك الحالة بمثابة المجلس العالي، وبحكمه تنتهي النازلة. وهذا المجلس له النظر في الأحكام العامة الصادرة من مجلس الشانسلر والمجالس الثلاثة العالية.
والحاصل أن للأحكام المدنية وأحكام الجنايات سلطات تتحد تارة وتتعاقب أخرى، وهناك تريبونالات صغار خصوصية تركناها هنا وهي المعدة لمثل نوازل الفلس والإرث والنكاح والطلاق ومجلس البحرية ومجلس المعادن ومجلس المدارس ونحو ذلك. والحكام مطلقا ينتخبون من أشهر العارفين بالأحكام ويسميهم اللورد شانسلر الكبير، ولا يعزل أحد منهم باختيار الحاكم، وإذا وقع خلاف بين إدارة الدولة ومجلس من المجالس تعرض النازلة على مجلس المملكة. هذا ما أمكن تلخيصه من تراتيب المجالس والأحكام بإنكلترة. (8) في محاصيل المملكة الإنكليزية وعدد حيواناتها ونتائج معادنها وغير ذلك
ليرة سترلين
محاصيل الأشياء الآتي ذكرها سنة 1833
86700000
ثمن سائر الحبوب
113000000
ثمن أنواع الحشيش المزدرع والطبيعي واللفت
19000000
ثمن البطاطة
3800000
ثمن الفواكه والخضر المزدرعة بالمقاثي
2600000
ثمن الكرستة والهبلون أي حشيشة الدينار
6000000
ثمن الجبن والزبد والبيض وغيرها
3500000
ثمن الأنغري أي الدمال
12000000
ثمن الصوف وبزر القنب
246600000
الجملة ليرة تصير 6165000000 فرنك
رأس
عدد الحيوانات في السنة المذكورة
2560000
خيل
11600000
بقر
55800000
غنم ومعز وغير ذلك
69960000
الجملة قيمتها تقريبا 6050000000 فرنك
والمملكة الإنكليزية تقدمت في عمران أرضها بأنواع الفلاحة والمواشي تقدما كليا منذ نيف وثلاثين سنة إلا أني لم أجد تفصيل ذلك في الكتب الملخص منها هذا الكتاب.
نتائج معادن إنكلترة سنة 1856.
فرنك
أصناف المعادن
20031000
ثمن القصدير
71176000
ثمن النحاس
43877000
ثمن الرصاص
5577000
ثمن الزنك وهو التوتية
363638000
ثمن الحديد
48000
ثمن المعدن المسمى أرسنيك وهو السليماني
13000
ثمن المعدن المسمى نيكل
416597000
ثمن الفحم الحجري
13850000
ثمن الملح
2500000
ثمن المعدن المسمى باريت
76062000
ثمن حجر البناء
3022000
ثمن التراب الذي يصنع منه الفرفوري
1016391000
الجملة
نتائج سكك الحديد.
فرنك
778909925
جملة ما تحصل منها في سنة 1863 وعدد المسافرين بها 204699466 نفسا
محاصيل الأهالي أصحاب الصنائع.
ليرة سترلين
أنواع المصنوعات
31000000
ثمن الأقمشة المصنوعة من القطن
8000000
ثمن أقمشة الحرير
16250000
ثمن أقمشة الصوف
11000000
ثمن أقمشة الكتان
15000000
ثمن الجلد
17300000
ثمن أنواع المصنوعات الرقيقة
5900000
ثمن البلور والفخار
3400000
ثمن المصوغ وماعون الفضة ونحو ذلك
9000000
ثمن الكاغد وتوابعه
31200000
محاصيل ما بقي من سائر الحرف
148050000
جملة ذلك تساوي 3701250000 فرنك
قيمة السلع الواردة إلى إنكلترة والخارجة منها في 1861.
الخارج
الداخل
أسماء الممالك
5765830
12822688
الروسية أي الموسكو
1121921
2620720
السويد
628602
951205
النورويج
1861426
2635041
الدنيمرك وعمالاتها الخارجية
4057850
6440895
البروسية
97897
412431
مكلنبورغ
1882716
284984
الهانوفر
77148
36479
أولدمبورغ
13046419
6058490
البلدان المتحدة في ألمانيا
10989749
7692895
هولاندة
1195827
335883
عمالاتها في غير أوروبا
4914359
3817800
البلجيك
17427413
17826646
فرنسا
20955
30322
الجزائر
11095
85353
عمالات فرنسا في غير أوروبا
2356105
1962899
البرتوغال
3386434
5458373
إسبانيا وجزر الباليار
1460269
4271793
كوبا وغيرها من مستعمرات إسبانيا
210991
781510
عمالات من توابع البرتوغال
940397
1046323
عمالات من توابع إسبانيا
6792660
2480064
إيطاليا
1795659
1246046
أوستريا أي النمسة
324196
789544
الإغريق
3104029
3631929
بر الترك
196375
1123290
التونة من توابع الدولة العلية
884544
77425
الشام من توابع الدولة العلية أيضا
2398478
8398493
مصر
1794
14593
تونس وطرابلس
187726
498688
الغرب
11025683
49389692
الدول المتحدة في أميركا
652862
347529
المكسيك
176517
313869
أميركا الوسطى
310555
137471
هاييتي
837426
433060
غرناطة الجديدة
434086
24556
فينازويلة
4690875
2631480
برازيل
602087
639717
أوراغون
1403227
1474869
بوينوس أيرس وباطاغونيا
1380533
2416895
شيلي
1031
125416
بوليفيا
1221018
3169552
بيرو
156916
81802
أكواتور
3161918
8608609
مملكة الصين
43426
538687
جزر جابون
36191
25138
سيام
26545 ...
العجم أي بلاد فارس
216
495
شطوط أفريقية الشرقية
1076452
1467992
شطوط أفريقية الغربية
271 ...
كرونلاند ومضيق داوس ... ...
جزر البحر الجنوبي
46721
143110
مراسي مختلفة
822024
638772
جزر الصوند
1169142
133834
جبل طارق
628891
143437
مالطة
325982
213157
جزر الإغريق
4195581
8682061
عمالات الإنكليز في أميركا الشمالية
2178944
4381054
جزر في غربي الهند وهندوراس
666701
1761380
غيان
13121
4767
جزر فالكلاند ويقال لها مالوين
11530804
6901487
أوستراليا
17053355
21968752
عمالات الهند الشرقي
1056458
1913425
جزر سانغبور
508349
2251019
جزيرة سيلان
12368
17
عدن وجزر في البحر الأحمر
589747
1914042
جزيرة موريس
2171616
1421647
عمالات جنوبي أفريقية
507079
208751
عمالات وجزر غربي أفريقية
1778522
137864
هونكونغ في الصين
394
544
جزيرة اليغولاند
159632498
218478751
الجملة ليرة سترلين
218478751
يضاف الداخل إلى الخارج
378111249
جملة قوة المتجر ليرة تساوي 9452781225 فرنكا
بيان متجر الهند سنة 1861.
ليرة سترلين
34170703
الداخل إليها في السنة المذكورة
34090154
الخارج منها
68260758
جملة قوة متجر الهند تساوي 1706521425 فرنكا
المراكب التي دخلت مراسي إنكلترة والتي خرجت منها في 1862.
المراكب الخارجة
المراكب الداخلة
طونلاتة
مراكب
طونلاتة
مراكب
أصناف المراكب
5532162
22921
5260329
22635
مراكب قلاع إنكليزية
4911579
25765
4745473
24434
مراكب قلاع أجنبية
2609816
7644
2660046
7941
فابورات إنكليزية
462479
1225
512040
1793
فابورات أجنبية
13516036
57555
13177888
56803
الجملة
13177888
56803
يضاف الداخل للخارج
26693924
114358
تكون جملة المراكب الداخلة والخارجة
بيان تكاثر الأهالي بإنكلترة عدا أرلاندة وسكوسيا.
عدد السكان
4800000
كان عدد السكان بإنكلترة سنة 1600
5600000
وصار في سنة 1650
6525000
وفي سنة 1688
7517000
وفي سنة 1750
10942000
وفي سنة 1801
11609000
وفي سنة 1821
18526000
وفي سنة 1841
23271995
وفي سنة 1861
وما تراه من التكاثر غير داخل فيه من ارتحلوا عن أوطانهم.
دخل الدولة الإنكليزية وخرجها والدين الذي عليها.
ليرة سترلين
أنواع الدخل سنة 1862
24034000
من الكمارك
17155000
من الأداء الذي على المأكولات والمشروبات
8994000
من الأداء الذي على التامبر أي الطابع
10567000
الأداء المرتب على الدخل
3150000
الأداء المرتب على الربع والعقار وغيرهما
3600000
دخل البوسطة
300000
دخل ملك الدولة
2803561
من أنواع مختلفة
70603561
الجملة
42970000
يضاف إلى ذلك دخل الهند
113573561
الجملة ليرة تساوي 2839339025 فرنكا
ليرة سترلين
أنواع الخرج في السنة المذكورة
26231657
فائدة الدين
1884001
مصاريف على الدين
16264789
مصروف العسكر والحراسة البلدية
11370588
مصروف السفن والبحرية
920587
مصروف إنشاء السفن
406489
مرتب الملكة
7640435
مرتب المتوظفين السياسية وغيرهم
4553461
مصروف على استخلاص الأداء
1080001
مصاريف مختلفة
43255000
مصروف الهند
113607008
جملة الخرج تساوي 2840175200 فرنك
112573561
يطرح من هذه الجملة الدخل المتقدم
836175
زيادة الخرج على الدخل
فرنكا
بيان ديون الدولة الإنكليزية
20045215175
جملة الدين الذي على الدولة
2846927025
جملة الدين الذي على الهند
22892142200
المجموع من ذلك
واعلم أن الدولة الإنكليزية بمقتضى قوانين المملكة لا تطلب من الأهالي أداء سنويا إلا المصاريف اللازمة لمصالح الدولة المذكورة أصولها آنفا، وأما الأداء اللازم للمصالح العامة غير ما تقدم من عمل الطرقات وبناء القناطر والمارستانات والكنائس والمدارس، ومرتبات المكلفين بها ومرتبات أهل الخطط الدينية ونحو ذلك، فإن تعيينه وصرفه بيد مجالس الأوطان والبلدان تحت نظارة البارلمان الكبير ولا مدخل للدولة فيه، وقدره تقريبا ثمانمائة مليون فرنك.
القوة العسكرية البرية بدولة إنكلترة سنة 1861.
جملة الجيش
التريس
الخيالة
الطوبجية والمهندسون
أصناف العساكر
98918
98918
عسكر تريس بالضباط
14436
14436
خيالة بالضباط
21336
21336
طوبجية بالضباط
11708
11708
مهندسون وغيرهم بالضباط
1121
أتاماجور أي أركان الحرب
جيش الهند
59567
59567
تريس
6416
6416
خيالة
5482
5482
طوبجية
12057
يداك
12400
في أرلاندة
19333
رديف
262774
158485
20825
38526
الجملة
القوة البحرية بإنكلترة في سنة 1861.
جملة البحرية
فسيالات
أصناف البحرية
24
أميرالا كبيرا تحت السلاح
66
ممن ذكر في اليداك
90
27
كاهية أميرال تحت السلاح
57
ممن ذكر في اليداك
84
21
كنترا أميرال تحت السلاح
107
ممن ذكر في اليداك
128
350
قبطانات أجفان تحت السلاح
402
ممن ذكر في اليداك
752
450
قبطانات فراقط تحت السلاح
723
ممن ذكر في اليداك
1173
798
يوزباشية تحت السلاح
353
ممن ذكر في اليداك
1151
54300
فسيالات صغار وعسكر بحرية
18400
فسيالات وعسكر بر معد للمراكب
76078
3378
الجملة نقلت إلى [الجدول التالي]
تابع القوة البحرية بدولة إنكلترة.
جملة المراكب ومدافعها 9756
مراكب قلاع
بها قوة خيل 125617
جملة البحرية
فسيالات
البحرية وأصناف المراكب
فابورات
فابورات مدرعة
76078
3378
نقلة جامعة [الجدول السابق]
82
1
58
23
أجفان
53
10
43
فراقط
30
27
3
قرابط
55
1
52
2
شالوب أي قوارب
3
3
كنونيار أي ذوات المدافع
136
136
شالوب كنونيار
4
4
بطريات عوامة
12
12
مراكب متنوعة
4
4
أفيزو
38
38
شالوب بومبارد
70
70
مراكب كبار لحمل الأثقال
2
2
بومبارد
6
6
ياكت
2
2
مراكب لحراسة الشطوط
497
50
412
35
76078
3378
الجملة
مراكب متجر الإنكليز في سنة 1862.
طونلاتة
مراكب
أصناف المراكب
4396509
26212
مراكب قلاع
537891
2228
فابورات
906125
9829
مراكب العمالات التابعة لإنكلترة ولم يتيسر لنا الآن تمييز الفابورات من مراكب القلاع
5840525
38269
الجملة
وجملة البحرية في جميع المراكب المذكورة 2883045 نفسا.
الباب الرابع
في الكلام على مملكة النمسة
(1) في تاريخها
اعلم أن هذه المملكة يقال لها مملكة أوستريا، وأوستريا في نفسها عمالة بلقب أرشيدوكاتو، وكانت تسمى نوركا وبانونيا العليا أضيفت للسلطنة الرومانية في مدة الإمبراطور تيبار سنة ثلاث وثلاثين من تاريخ المسيح، وكانت منذ القرن الخامس منه تتداول عليها أمم البرابرة كأمة الهن والأستروغوت والبويان والواندال واللونغوبارد إلى أن انقسمت بين أهل باواريا وجماعة الأوار وهي أمة من التتار. ثم استولى عليها شارلمان سنة سبعمائة وإحدى وتسعين وسماها أوستريا، ولما أراد هنري الوازلور - أي الصائد بالطيور - أن يضع سدا يقي المملكة من إغارات المجار جعل أرض أوستريا مارغرافية، والمارغراف لقب لحاكم الحدود، وكان ذلك سنة تسعمائة وثمان وعشرين.
ثم في سنة تسعمائة واثنتين وثمانين أولي عليها إمبراطور ألمانيا أوتون الثاني ليوبولد من بابنبرغ، وتوارثها بنوه من بعده بلقب مارغراف أولا ثم باسم مركيز ثم باسم دوك، وكان أخذهم للقب الأخير في سنة ألف ومائة وست وخمسين. ثم بعد انقراض تلك العائلة دخلت تحت سلطة فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا وذلك في سنة ألف ومائتين وست وأربعين، ثم انتقلت إلى يد أوتوكار ملك البوهيميا في سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين، ثم دخلت تحت يد رودولفو من عائلة هابسبورغ إمبراطور ألمانيا في سنة ألف ومائتين وست وسبعين، ثم أعطاها لابنه ألبرت في سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين، وبقيت في عقبه يتداولونها أولا بلقب دوك، ثم من سنة ألف وأربعمائة وثلاث وخمسين بلقب أرشيدوك. وقد خرج من هاته العائلة عدة أشخاص استولوا إمبراطورية ألمانيا بعد الإمبراطور رودولفو. وباستيلاء ألبرت الخامس من تلك العائلة إمبراطورا على ألمانيا في سنة ألف وأربعمائة وثمان وثلاثين باسم ألبرت الثاني صارت الإمبراطورية وراثة في تلك العائلة، وكانت مملكة أوستريا في ذلك الوقت تعاظمت بانضمام عمالة ستيريا إليها في سنة ألف ومائة وست وثمانين وعمالة كارنيول، ثم بإضافة كل ما كان راجعا بالوراثة إلى رودولفو من هابسبورغ، وهو الألزاس والصواب والسويسرة، وذلك في سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين، لكن في سنة ألف وثلاثمائة وسبع استقلت السويسرة بنفسها. وكذا انساق لعائلة أوستريا بسبب تزوج مكسيمليان بمارية التي هي من عائلة بورغونيا سنة ألف وأربعمائة وسبع وسبعين البلاد الواطئة - أي هولاندة - وقطعة كبيرة من بورغونيا. ثم لما استولى شارلكان - أي شارل الخامس - أضاف إلى ممالكها العديدة مملكة إسبانيا، لكن بالقسمة التي وقعت في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وألف بين شارل المذكور وأخيه الأرشيدوك فردناند انتقلت هولاندة وأحواز بورغونيا إلى الفرع الإسبنيولي من عائلة أوستريا، وتناول قسم فردناند المذكور عمالة أوستريا الأصلية مع ما يتبعها وضم إليها البوهيميا وبلاد المجار والأسقفيات الثلاث؛ أي العمالات التي كانت تحت حكم المطارين ، وهي تول وماتس وفردون، وكذلك المورافيا والسيلازيا واللوزاس، ثم نزعت منهم هذه الأخيرة بمعاقدة وستفاليا الواقعة في سنة ثمان وأربعين وستمائة وألف، كما نزع منهم الألزاس والأسقفيات الثلاث وعوضت لهم بملك ترانسلوانيا والكرواسيا. ثم بمصالحة أوترخت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة حازت أوستريا من تركة شارل الثاني ملك إسبانيا دائرة بورغونيا ودوكاتو مانتوة وممالك نابلي وسردانية، وفي سنة أربع عشرة وسبعمائة استبدلوا سردانية بمملكة صقلية، ثم بعد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة أرجعوا صقلية ونابلي إلى الأنفانت دون كارلوس من عائلة إسبانيا وأخذوا عوضهما دوكات بارمة وبياشنسة وغواستالة.
وفي سنة أربعين وسبعمائة وألف انقطع نسل عائلة أوستريا من الذكور وانتقلت وراثة المملكة إلى البنات، فاستولت مارية تريزة ولقب زوجها فرنسوي من لورين باسم إمبراطور بعد منازعات طويلة، ثم صار إمبراطورا بالفعل سنة خمس وأربعين وسبعمائة وألف، وسمي فرنسوي الأول، وهو جد العائلة الجديدة المسماة أوستريا لورين المستولية الآن. وفي سنة ست وثمانمائة وألف انحلت سلطنة ألمانيا وسلب من فرنسوي الثاني لقب إمبراطور ألمانيا ولقب باسم إمبراطور أوستريا، وقصر حكمه على الممالك التي كانت له بطريق الوراثة. ثم إن ثورة الفرنساويين وحرب سنة خمس وتسعين وثمانمائة وألف نزعت من يد أوستريا جزءا كبيرا من ممالكها في ألمانيا وإيطاليا، غير أنه بحوادث سنة خمس عشرة رجعت لها إيالاتها القديمة ما عدا دائرة بورغونيا التي عوضت عنها مملكة اللومبارديا والبندقية بإيطاليا. وفي سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف ضيعت بمحاربة سولفرينو اللومبارديا فأخذها ملك سردانية بواسطة نابوليون الثالث المنتصر في تلك الوقعة. وفي سنة ست وستين وثمانمائة وألف خرجت البندقية أيضا من يدها، حيث تغلبت عليها دولة بروسية في حرب صادووة لمعاهدة بين تلك الدولة ودولة إيطاليا على محاربة دولة أوستريا. (2) في بيان أسماء ملوك أوستريا
سنة
جماعة المارغراف
982
ليوبولد الأول كونت دو بابنبرغ
994
هنري الأول
1018
ألبرت الأول الملقب بالمنصور
1056
أرنست الملقب بالشجاع
1075
ليوبولد الثاني الملقب بالجميل
1096
ليوبولد الثالث الملقب بالخاشع
1136
ألبرت الثاني الملقب بالمتعبد
1136
ليوبولد الرابع الملقب بالكريم
جماعة دوكات أوستريا
1142
هنري الثاني جازوميرغو
1177
ليوبولد الخامس
1194
فردريك الأول الكاثوليكي
1198
ليوبولد السادس الملقب بالماجد
1230
فردريك الثاني الملقب بالمحارب والشجاع
1247
أوتوكار
عائلة أوستريا هابسبورغ
1282
ألبرت الأول
1308
فردريك الأول الملقب بالجميل
1330
ألبرت الثاني الملقب بالعاقل
1358
رودولف الرابع الملقب بالماهر
1365
ألبرت الثالث أخو المذكور
1385
ألبرت الرابع
1404
ألبرت الخامس ثم في سنة 1438 انتخب المذكور لإمبراطورية ألمانيا باسم ألبرت الثاني
1440
فردريك الثالث وفي سنة 1453 لقب أمراء عائلته بأرشيدوك أوستريا
جماعة الأرشيدوكات الذين نالوا الإمبراطورية بألمانيا من عائلة هابسبورغ
1493
مكسيمليان الأول
1519
شارلكان وكان ملك إسبانيا والصقليتين أيضا؛ أي نابلي وصقلية
1556
فردناند الأول ملك البوهيميا والمجار، ثم الذين من بعده استولوا على تلك الممالك مع إمبراطورية ألمانيا
1564
مكسيمليان الثاني
1576
رودولف الثاني
1612
متياس
1619
فردناند الثاني
1637
فردناند الثالث
1657
ليوبولد الأول
1705
جوزاف الأول
1711
شارل السادس
1740
مارية تريزة ابنة شارل المذكور وكان زوجها دوك لوران وشاركها في الملك ثم صار إمبراطور ألمانيا بلقب فرنسوي الأول، وبعد موته سنة 1765 شاركت في ملكها ابنها جوزاف الثاني واستقل بعدها سنة 1780
1790
ليوبولد الثاني
1792
فرنسوي الثاني
إمبراطورية أوستريا
1804
فرنسوي المذكور تلقب بفرنسوي الأول
1835
فردناند الأول ابن المذكور ورث أباه سنة 1835
1848
فرنسوي جوزاف الأول المستولي الآن (3) في وصف المملكة
اعلم أن السلطنة النمساوية مقرها وسط أوروبا بين سبع درجات وإحدى عشرة دقيقة وأربع وعشرين درجة وخمس دقائق من الطول الشرقي، وبين اثنتين وأربعين درجة وثمان دقائق وإحدى وخمسين درجة ودقيقتين من العرض الشمالي، ويحدها في ناحية الشمال الروسية في طائفة والبروسية في أخرى، ومملكة الساكس وشرقا عمالتا أفلاق وبغدان التابعتان للدولة العثمانية في طائفة وفي البقية الروسية وقبلة مملكة إيطاليا وبحر البنادقة والمملكة العثمانية الأوروباوية، وغربا مملكة باواريا ومملكة فورتنبرغ وعصبة السويسرة وإيطاليا في طائفة، وأكبر الطول فيها من المشرق إلى المغرب يبلغ ألفا وأربعمائة وثمانين كيلومترا، وأكبر العرض يبلغ ألفا ومائة وستين كيلومترا، ومساحة سطحها من وقت الصلح المنعقد في زوريك سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف ستمائة ألف وثلاثة وثلاثون ألف كيلومتر مربعا، وعدد سكانها على ما تحرر في سنة سبع وخمسين وثمانمائة وألف بلغ خمسة وثلاثين مليونا وثمانية عشر ألفا وتسعمائة وثماني وثمانين نفسا، وعلى ما تحرر في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف سبعة وثلاثين مليونا من النفوس، منهم ثمانية وعشرون مليونا وستمائة ألف وثمانية وأربعون ألفا واثنتان وستون نفسا كاثوليك وأربعة ملايين وثلاثمائة ألف وخمسة وعشرون ألفا وثلاثمائة وثلاث أنفس بروتستانت، ومليونان وتسعمائة ألف وأحد وعشرون ألفا وتسعمائة وتسع وثلاثون نفسا على مذهب الإغريق، وخمسون ألفا وخمسمائة وسبعون نفسا بروتستانت يقولون بالوحدانية أي ينكرون الثالوث وألوهية عيسى عليه السلام، ومليون وتسعة وأربعون ألفا وثمانمائة وإحدى وسبعون نفسا من اليهود، وثلاثة آلاف وتسعمائة وخمس وخمسون نفسا على مذاهب مختلفة، وتخت المملكة مدينة وينى، وقد بلغ سكانها في سنة أربع وستين وثمانمائة وألف خمسمائة ألف وثمانية وسبعين ألفا وخمسمائة وخمسا وعشرين نفسا مع ما فيها من الجند.
وينتظم في هذه السلطنة أمم مختلفة الأجناس وبلدان مختلفة الطبائع والأخلاق، ويمكن حصر تلك الأمم في ثلاثة أقسام كلية وهي بلدان ألمانيا وبلدان المجار وبلدان بولونيا، فبلدان ألمانيا هي أوستريا التي سميت بها السلطنة، ودوكات صالسبورغ وستيريا وكارينتيا وكارنيول والفريول وأراضي مدينة ترييست والتيرول مع الفورارلبرغ ومملكة بوهيميا ومارغرافية مورافيا وسيليزيا النمساوية، وأما بلدان المجار فهي الترانسيلوانيا والسلافونيا والكرواسيا المنقسمة إلى عدة أوطان حربية، وأما بلدان بولونيا فتحتوي على الغاليسيا ولودوميريا والبوكوين وبلدان ألمانيا هي الداخلة وحدها في الكونفيدراسيون جرمنيك؛ أي عصبة جرمانيا، وقد خرجت الآن عن العصبة المذكورة، ومن هاته البلدان المختلفة يتكون اليوم أربع عشرة ولاية كبيرة، وهذه المملكة كثيرة الجبال والربا، أعظم ذلك سلسلة جبال أرتس التي في الناحية الشمالية، ويقال لها جبال أرض الحديد، وسلسلة جبال كراباك في الناحية الشرقية، وفيما بين الغرب والجنوب فروع من جبال الألب، وفي الوسط جبال بوهيميا وجبال مورافيا. وبالمملكة أفياف في غاية الامتداد، منها بسيطة أوستريا السفلى التي يشقها وادي طونة والبسيطة الكبرى والبسيطة الصغرى الكائنتان في بلاد المجار وبسيطة سلافونيا. وأما أوديتها فالألب والأودر والفيستول والدنييستر كلها تخرج من مملكة أوستريا، ووادي طونة غالب امتداده في تلك المملكة واستمداده من عدة مواضع بها، وبها عدة خلج مصنوعة مجموع طولها يبلغ ستة آلاف وثلاثمائة وخمسين كيلومترا وتتصل بها أودية تلك المملكة، وأعظمها خليج فرنسوي الأول يجمع بين وادي تيس والطونة. وبها طرق كثيرة متقنة الصنعة لتسهيل المواصلة بين البلدان، وطول طرق الحديد المنجزة سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف بلغ خمسة آلاف وثمانمائة وثمانين كيلومترا، ودخلها في السنة المذكورة بلغ مائة وسبعين مليون فرنك وتسعمائة ألف وخمسة وثمانين ألفا ومائتين واثنين وسبعين فرنكا، وبلغ طول التلغراف بها سنة أربع وستين وثمانمائة وألف خمسة عشر ألف كيلومتر وتسعمائة وستة وتسعين كيلومترا.
واعلم أن المملكة النمساوية كلها في الأرض القارة وليس بها من الشطوط إلا المقدار الذي على بحر البنادقة وشاطئه الشرقي أرفع من الغربي الذي غمر البحر منه مواضع كثيرة فصارت مستنقعات للمياه، ومقدار امتداد الشطوط المذكورة ألف وسبعمائة كيلومتر، ويوجد فيه من جهة الشرق جزر عديدة مثل فاليا وكيرسو وأوزيرو، كما يوجد بتلك المملكة بحيرات منها بحيرة أتير في أرشيدوكاتو أوستريا وبحيرات بالتون ونوسيدل في المجار وبحيرة كلاجنفورت في إليريا. ثم اعلم أن المملكة النمساوية هي أعنى الممالك الأوروباوية من جهة المعادن التي تستخرج من أرضها؛ فإن بها معدن الذهب في ترانسيلوانيا والمجار ومعدن الزئبق في الكارينتيا والقصدير والرصاص في بوهيميا والحديد بكثرة في ستيريا وأليريا وبوهيميا وهنغاريا، كما يستخرج من هاتين المملكتين الأخيرتين الزنك؛ أي التوتيا المعدنية، والكالامين؛ أي الحجر السليماني، والأنتيمون؛ أي الكحل الأصبهاني. وفي بوهيميا أيضا معادن الزرنيخ والزاج والرهج الأبيض، ويوجد في هنغاريا وترانسيلوانيا وغاليسيا معادن عديدة يستخرج منها الملح، كما يوجد الترب بكثرة في المجار، وهو نوع من التراب له بعض خواص للنفط ويصلح للوقود. والفحم الحجري موجود في سائر إيالات السلطنة المذكورة، كما يوجد في بعض مواضع منها الأحجار الثمينة الكروبيل؛ أي الياقوت الأحمر والأوبال، وبها أيضا تراب الفرفوري ونحوه من الأتربة المنتفع بها. ومن خواص بلاد أوستريا كثرة العيون المعدنية؛ أي الجارية على المعادن، ففي المجار أكثر من ألف عين من ذلك.
هذا، وإن الصناعات في سائر بلاد أوستريا في غاية الرواج، وبها عدد وافر من الفبريكات والآلات المعتبرة، لا سيما صناعة الجوخ فإن لهم بها مزيد اعتناء، وكذلك أقمشة الحرير والقطن والكتان والكاغد وصناعة الخرط، وبلور بوهيميا في غاية الشهرة، وبستيريا يتقن صناعة الحديد والفولاذ والمصوغ واصطناع الأواني ونحوها، كما اشتهرت مدينة وينى بإتقان صناعة الكراريس والصيني، وأهل التيرول بصناعة الفراء، وبالجملة فأعمال اليد تشغل عددا وافرا من أهالي تلك المملكة ذكورا وإناثا يبلغ سبعة ملايين وثمانمائة ألف بين صغار وكبار، وقيمة ما يخرج من أيديهم تتجاوز الثلاثة آلاف وخمسمائة مليون من الفرنكات، ومقاطع المعادن والفبريكات في المملكة المذكورة عيون متدفقة بالمال، وتشغل من الأهالي أكثر من مائة ألف وثمانية آلاف، وقد بلغت نتائجها في سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف مائتين وثلاثة وتسعين مليونا وأربعمائة وسبعة وخمسين ألفا وأربعمائة وسبعة وخمسين فرنكا.
وأما الفلاحة فأكثر من ثلث السلطنة صالح للحرث وقدر الثلث منها غابات، وأكثر من الربع مروج ومراع، ومنابت الكروم منها مقدرة بخمس العشر، وبالمملكة من الحيوانات العدد الكثير؛ فمن الخيل ثلاثة ملايين وأربعمائة وستون ألفا وثلاثمائة وتسعة وتسعون، ومن البغال ثلاثة وعشرون ألفا وسبعمائة واحد وثمانون، ومن الأحمرة ثمانية وثمانون ألفا ومائتان وأربعة وثمانون، ومن البقر أربعة عشر مليونا ومائتان وخمسة وخمسون ألفا ومائة وستة عشر، ومن الضأن ستة عشر مليونا وستمائة وأربعة وستون ألفا ومائتان وستة وثلاثون، ومن المعز مليون وخمسمائة وسبعة عشر ألفا وثمانمائة وخمسة وعشرون، ومن الخنازير ثمانية ملايين ومائة واحد وخمسون ألفا وستمائة وثمانية، وقدر ما يتحصل من نتائج الفلاحة في السنة يبلغ خمسة آلاف وتسعمائة وخمسة ملايين من الفرنك، وبها عدة جمعيات يعبر عنها عندهم بكريدي فونسيي لإعانة أهل الفلاحة بما يحتاجون إليه من المال، وبها اثنتان وسبعون جمعية للفلاحة وخمسة هاراس - أي أماكن - لتجويد الخيل، ونمو المتاجر بها لم يزل آخذا في الازدياد يوما فيوما، وبلغت قيمة المتجر دخلا وخرجا في سنة اثنتين وستين وثمانمائة وألف ألفا وأربعمائة مليون وثمانمائة وستة وأربعين ألف فرنك وسبعمائة واثنين وخمسين فرنكا، وعدد المراكب المتجرية التي دخلت مراسي المملكة وخرجت منها في تلك السنة أحد وعشرون ألفا وسبعمائة وخمسة عشر، الداخل منها عشرة آلاف وتسعمائة وخمسة والخارج عشرة آلاف وثمانمائة وعشرة، والمحمول للقسم الأول من الطونلاتات سبعمائة وستون ألفا وثلاثمائة واثنتان وخمسون، وللقسم الثاني سبعمائة وأربعة وسبعون ألفا وتسعمائة وعشرة، فالجملة مليون وخمسمائة وأربعة وأربعون ألفا ومائتان واثنتان وستون طونلاتة.
ثم إن لهم اعتناء عظيما بالتعلم والعمل بما يتعلمونه، وظهر منهم التقدم البين في ذلك خصوصا في إيالة أوستريا. وتعليم الأطفال أمر محتم عندهم من سن الست إلى الاثنتي عشرة سنة، وقد بلغ عدد المكاتب في سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف تسعة وعشرين ألفا ومائة وثمانية وثلاثين، وهي مكاتب أولى لتعليم مبادئ العلوم، وبها مليونان وخمسمائة ألف من التلامذة ذكورا وإناثا، وهناك ثمانمائة وأربعة وثلاثون مكتبا أرفع منها، ومائتان واثنان وسبعون مكتبا في الدرجة الوسطى، منها مائتان وأربعون مكتبا من النوع الذي يسكن به التلاميذ، واثنان وثلاثون مكتبا للعلوم الرياضية، وهناك سبعة مكاتب بوليتكنيك أي لسائر العلوم الرياضية وعدة مكاتب أخرى مخصوصة بالصنائع، وبها مدارس عمومية يتعلم بها المنتهون من التلامذة. وهناك مكاتب خاصة بفنون منها سبعة عشر مكتبا لفن القبالة وثلاثة للمعادن واثنان وثلاثون للفلاحة وخمسة لعلم التشريح وثلاثة لعلم الأحكام، ومكتب للبحرية وتسعة للعساكر البرية. واعلم أن مصاريف المكاتب المذكورة يدفع من الدخل الراجع لها مما يؤخذ من التلامذة ونحو ذلك، وما ينقص من المصاريف المذكورة فعلى الدولة والبلدان. (4) في قوانين هاته المملكة وكيفية إدارتها السياسية
اعلم أن القوانين النمساوية مؤسسة على مناشير صدرت من ملوكها في تواريخ مختلفة:
الأول:
المنشور الصادر من الملك شارل السادس سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وألف، وفيه منع تقسيم المملكة في المستقبل وأنها تبقى مملكة واحدة تحت سلطة ملك واحد وبين فيه كيفية وراثة كرسي الملك.
الثاني:
المنشور الصادر من الملك فرنسوي الثاني في أول أغشت سنة أربع وثمانمائة وألف، وبمقتضاه سمي ملك النمسة باسم إمبراطور.
الثالث:
المنشور الصادر من الإمبراطور فرنسوي جوزاف الأول في الثاني من أكتوبر سنة ستين وثمانمائة وألف، وبمقتضاه صارت القوة التشريعية أي وضع القوانين من حقوق الإمبراطور والمجلس.
الرابع:
القانون المؤرخ في السادس والعشرين من فراير سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف، وبمقتضاه صار من حقوق الأهالي انتخاب وكلاء يجتمعون في المجلس المسمى ريخسرات، المنقسم إلى مجلسين:
الأول:
مجلس الأعيان، وهو مركب من مائة وتسعة أعضاء من الرشداء من أمراء العائلة الملكية وكبراء الكنيسة الذين لهم رتبة أمير ورؤساء العائلات الذين لهم الحق في أن يكونوا أعضاء في هذا المجلس بالوراثة، وبقية الأعضاء ينتخبهم الإمبراطور من المتوظفين في الدولة ومن أعيان أهل المملكة بوظيفة عمرية.
الثاني:
مجلس وكلاء العامة المركب من ثلاثمائة وثلاثة وأربعين عضوا تنتخبهم مجالس الإيالات من أعضائها، ورؤساء المجلسين ينتخبهم الملك من الأعضاء. (5) فيما للملك من الحقوق
فمن حقوقه عرض القوانين الجديدة على المجلسين والإمارة على العساكر البرية والبحرية وإنشاء الحرب وعقد الصلح والمعاهدة والتجارة، ونصب المتوظفين من الوزراء وغيرهم وتأخير من لم تكن وظيفته عمرية عن المباشرة، وتعيين وقت اجتماع المجالس السياسية في كل سنة، وغلق مجلس وكلاء العامة ومنعه من الخدمة إن اقتضى الحال ذلك، وإجراء إدارة المملكة على مقتضى القوانين، وغير ذلك من كليات السياسة بواسطة وزرائه المسئولين للمجلس عن تصرفات الدولة. (6) في حقوق المجلسين
فمنها التأمل والقرعة في سائر القوانين المعروضة من الملك ومن الأعضاء؛ لأن لهم ذلك بحيث لا يمكن صدور قوانين جديدة إلا بعد المفاوضة فيها علنا بالمجلس وموافقة غالب الأعضاء عليها، خصوصا فيما يتعلق بتعيين أصول مصاريف الدولة والمبالغ الواجب أخذها في كل سنة من الأهالي والقوانين المتعلقة بالكمارك والمتجر والبريد والتلغراف، والطرق الحديدية والخدمة العسكرية، وسائر قوانين الأحكام المعتبرة بين السكان وغير ذلك مما يعمم نفعه. ومن حقوق المجلسين سؤال الوزراء المباشرين عما يظهر لهم في إدارة أحوال المملكة متى شاءوا، وعلى الوزراء الجواب بالبيان.
ولا يحضر في المجلسين وكلاء العامة من هنغاريا وكرواسيا وترانسيلوانيا إلا في النوازل التي تعم مصلحتها سائر المملكة؛ لأن لهاته الإيالات المذكورة نوع استقلال في إدارتها الداخلية ولها مجالس خاصة للنظر في مصالحها. (7) في الكلام على مجلس الدولة
هذا المجلس مركب من الوزراء وممن ينتخبهم الملك من المتوظفين ومن أهل المملكة ومأموريته تهذيب القوانين الجديدة التي يجب عرضها على المجالس السياسية، وتراتيب الإدارة وفصل النوازل الواقعة بين المأمورين فيما يتعلق بمأموريتهم، ونحو ذلك من كليات الأمور. (8) في الكلام على الوزارات
اعلم أن إدارة المملكة تنقسم إلى نظارة ثمانية وزراء، وهم مسئولون عن تصرفاتهم ويجتمعون للنظر في المصالح تحت رئاسة الملك أو من ينوبه، ويسمى محل اجتماعهم مجلس الوزراء، ومعهم ثلاثة أعيان تسمى شانسليي؛ أي كنشليير، ولكل واحد منهم رتبة وزير، وهؤلاء مكلفون بمصالح الإيالات الثلاث المذكورة في آخر [حقوق المجلسين]. (9) في تقسيم المملكة
اعلم أن المملكة النمساوية تنقسم إلى عشرين إيالة، وتنقسم تلك الإيالات إلى أوطان كبار وصغار، وفي كل إيالة وال من طرف الدولة ومعه مجلس مشورة مكلف بإمضاء أوامر الدولة والنظر على الضبطية وعلى بقاء راحة السكان وإدارة عموم مصالح الإيالة وغير ذلك مما للعمال النظر فيه من مصالح الدولة والإيالة. (10) في مجالس الإيالات
اعلم أن في كل إيالة مجلسا؛ ففي إيالتي ألمانيا وسلافونيا مجلس مركب من كبراء الكنيسة ومن رؤساء مكاتب العلوم ومن المنتخبين من أصحاب الأملاك ومن مجالس المتجر وأهل الصناعات ومن أهالي البلدان والمداشر ومن نواب سكان الضواحي لستة أعوام. وفي إيالة هنغاريا مجلس ينقسم إلى مجلسين أحدهما مركب من كبراء الكنيسة ومن أعيان المملكة المسلمين عندهم نوبليس، والآخر مركب ممن ذكر ومن الأهالي، وجملة أعضائه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون لمدة ثلاثة أعوام. وفي عمالة ترانسيلوانيا وكرواسيا وسلافونيا مجالس مثل ما ذكر لهنغاريا، والملك ينتخب رؤساء المجالس المذكورة من الأعضاء إلا رئيس المجلس الثاني من هنغاريا فإن انتخابه للمجلس، وكذلك رئيس مجلس إيالة ترنسيلوانيا؛ لأنه من حقوق أكبر أعيان المملكة. (11) فيما تستحقه هاته المجالس
فمن حقوقها النظر في المصالح الخاصة بالإيالات من توزيع الأداء وغير ذلك، كما ينظر مجلس النواب في التخت في مصالح سائر المملكة. (12) في مجالس الأوطان
اعلم أن في كل وطن كبير من أوطان إيالة هنغاريا وترانسيلوانيا وكرواسيا وسلافونيا مجلسا مركبا من أعضاء ينتخبهم الأهالي للنظر في مصالح الوطن مثل ما لمجلس الإيالة، وفي الأوطان التابعة لإيالتي ألمانيا وأسلاف مجالس مركبة من أعضاء تنتخبهم الأهالي لإعطاء الرأي للولاة وإعانتهم على إدارة المصالح وغير ذلك. (13) في المجالس البلدية
اعلم أن في كل بلدة من بلدان المملكة مجلسا بلديا مركبا من أعضاء تنتخبهم الأهالى لمدة ثلاثة أعوام تحت رئاسة مشايخ البلدان، ومأمورية المجالس المذكورة إدارة الأملاك الراجعة لمصالح البلد وصرف المبالغ المعينة لعمل الطرقات وبناء القناطر وحفظها، وإدارة مكاتب العلوم والمارستانات وديار الصدقات، وإعلان القوانين الجديدة وتوزيع الأداء المرتب من المجالس الكبار على أهل البلد باعتبار المكاسب، وإعانة المأمورين بأخذ العسكر والنظر في أحوال الضبطية المكلفة بمنع ما يحير راحة السكان. (14) في إدارة الأحكام
اعلم أن الأحكام في المملكة النمساوية تختلف إدارتها باختلاف أقسامها، فأما الألمان والسلاف فلهما مجلس عال مقره مدينة ويني وأعمال هذا المجلس النظر في النوازل نظرا ثالثا؛ أي تحقيق حكم مجالس التحقيق، سواء تعلق بجناية أو بمعاملة مالية، وفصل جميع ما يقع من التوقفات والمخالفات بين المجالس والتريبونالات الداخلة تحت إدارته، وفصل ما يرفع إليه من الخلاف الواقع بين المجالس ومتوظفي الدولة، ويليه مجالس مكلفة بالتحقيق؛ أي بإعادة النظر في أحكام المجالس الأول، وهذه المجالس موجودة بمدينة وينى وغراتس وترييست وإنسبروك وبراغ وبرون ولامبرغ وكراكوفيا وزارة، ولهم من المجالس الأول نحو ثلاثة وعشرين، مركبة من عدة أعضاء، ولهم من التريبونالات الصغار سبعة وأربعون، ويكون الحاكم فيها شخصا واحدا وحكمها أقصر من حكم المجالس حتى إنها لا تحكم في الجنايات إلا بمثل ما يحكم به رؤساء البوليس؛ أي الضبطية. وأما الجنايات الثقيلة والمتوسطة فترجع إلى المجالس، فما كان منها سياسيا يختص بالحكم فيه المجلس الذي في مركز الإيالة؛ وذلك لأن المجالس يحكمون في سائر النوازل المالية وفي الجنايات التي لم يعين لها القانون حاكما غيرهم لخصوصية في النازلة أو في مرتكبها، ثم إن أعمال المجالس لا يلزم كتابتها إلا في النوازل المالية، وأما في الجنايات فلا يلزم ذلك كما لا يلزم إشهار الحكم، غير أن للرئيس أن يرخص لمن يطلب الحضور لاستماع الخصام، وله أن يفتح باب مجلس الحكم لسائر الناس. وعرض الشكاية يكون أولا من المدعي أو من وكيل الحق العمومي، والمدعى عليه له أن يوكل من يناضل عنه، وإن اقتضى الحال تقديم وكيل رسمي قدم. وأمر الوكلاء العمومية والأفوكاتية نظير اصطلاح فرنسا.
أما هنغاريا فالمجلس الأعلى المسمى عندهم بطاولة السبعة الأشخاص مركب من سبعة أعضاء ومن المجلس الملكي المعبر عنه بطاولة روايال، ويعبر عن الجميع بالمجلس الأكبر السلطاني ويرأسه وزير الحكم، وينفرد مجلس طاولة السبعة بتحقيق نوازل الأموال والجنايات كما ينفرد المجلس الملكي بتحقيق أحكام التريبونالات التي تحت إدارته. ومع كونه مجلس تحقيق يحكم أيضا كمجلس أول فيما إذا أريد فهم مضمون حكم مشكوك فيه، وينزل الأحكام بطريق القياس، كما يحكم في نوازل القتل والقصاص الشائن للعرض. ولهم تريبونالات صغار يعبر عنها بتريبونالات الكوميتا وتحتها حكام الديستريكت وهم مثل حكام الصلح بفرنسا، ويحقق أحكامهم وأحكام التريبونالات طاولة الديستريكت المشتملة على عدة أعضاء، ونظامهم يشبه المجالس الأول، وعلى هذه الكيفية مجالس كرواسيا وسلافونيا وترانسيلوانيا.
ووراء هاته المجالس المذكورة يوجد لتلك السلطنة سلطة وأحكام خصوصية كمجلس الماريشال الكبير الذي يحكم في النوازل المتعلقة بالعائلة السلطانية ورسل الأجانب والتريبونالات العسكرية والبحرية والمتجرية وأحكام أهل العرف في النوازل التي تحدث في الأسواق السنوية المسماة بفوار. ويقع التحكيم بتراضي الخصمين في الأمور المتجرية والمالية.
هذا، وبعد تحريرنا أحوال الإدارة السياسية بالمملكة النمساوية وقعت تغييرات معتبرة لزمنا بيان خلاصتها هنا، وهي أن المملكة المذكورة انقسمت إلى مملكتين؛ الأولى: مملكة النمسة وتوابعها من أمم الألمان والسلاف، والثانية: مملكة المجار وتوابعها. والمملكتان تحت رئاسة ملك واحد باسم إمبراطور بالنسبة للأولى وباسم ملك بالنسبة للثانية. ولكل من المملكتين قوانين سياسية تخصها ومجلسان؛ مجلس أعلى ومجلس وكلاء عامة، لتأسيس القوانين وتعيين أصول مصاريف الدولة والأداء اللازم أخذه من الأهالي لذلك، والاحتساب على الدولة وغير ذلك مما تقدم بيانه. وإدارة المملكتين في أمورهما الداخلية والخارجية موكولة إلى عهدة الملك بواسطة وزراء في كلتا المملكتين مسئولين عن تصرفات الدولة للمجالس. والمملكتان، وإن كانت كل وحدة منهما مستقلة في أحوالها الخاصة بها، لكنهما متحدتان في المصالح التي تعمهما، وللنظر في هاته المصالح التي تتحد فيها المملكتان مجلس مركب من أعضاء تنتخبهم المجالس وإدارة مملكة المجار بمقتضى قوانينها القديمة، وقوانين المملكة النمساوية تغيرت في هذه المدة الأخيرة؛ لأن تأسيس القوانين السياسية وانتزاعها كان من حقوق الملك والآن صار من حقوق أهل المملكة، بحيث إن ترتيب القوانين المذكورة وتبديلها يكون منه ومن مجلس وكلاء العامة كما ذكر عن غيرها من الممالك. وما عدا ما ذكرناه يكفي في بيانه ما قدمناه. (15) في القوة المالية والعسكرية
دخل الدولة النمساوية سنة 1863.
فيورين
أنواع الدخل
129386100
من الربع والعقار والبتيندات؛ أي سراحات الصنائع
249958501
من الكمارك والملح والدخان والتامبر والمأكول والمشروب
40612863
من المعادن وأملاك الدولة
16762917
دخل طارئ من أنواع شتى
436720381
الجملة فيورين تساوي 1091800952,50 فرنكا
خرج الدولة النمساوية سنة 1863.
فيورين
أنواع الخرج
7458700
مرتب الإمبراطور وعائلته
75000
مصروف كنشلرية الملك؛ أي بيت سر الدولة
192900
مرتب أعضاء مجلس الدولة
68500
مصروف مجلس الوزراء
2733800
المبلغ المعين لوزارة الخارجية
27085264
المبلغ المعين لوزارة الدولة
9740935
للوزارة المذكورة لمصالح الديانة ومكاتب العلوم
15064764
المبلغ المعين لكنشلرية هنغاريا
2297437
لكنشلرية إيالات كرواسيا وسلافونيا
3539118
لكنشلرية إيالات ترانسيلوانيا
3341771
لوزارة البوليس أي الضبطية
9136700
لوزارة الأحكام
113176998
لوزارة المال، ومنه مصروف خلاص المجابي
6881034
لوزارة الفلاحة والمتجر
4636000
مصروف على تحرير محاسبات الدولة
1386000
مصاريف مختلفة
93321600
لوزارة الحرب
11072500
لوزارة البحر
150102560
فائدة الدين الذي على الدولة
35000000
زيادة لوزارتي الحرب والبحر
496311581
جملة ذلك تساوي 1240778952,50 فرنكا
مقابلة الخرج بالدخل.
فيورين
496311581
جملة الخرج كما في الجدول يمناه
436720381
يطرح منه جملة الدخل المتقدم تفصيله
59591200
زائد الخرج يساوي 148978000 فرنك
وقيمة الفيورين النمساوي فرنكان ونصف.
6316796602
جملة الدين الذي على الدولة النمساوية فرنكا
القوة العسكرية البرية بدولة النمسة.
وقت الحرب
وقت الصلح
مراتب العساكر وأصنافهم
3
3
ماريشالات أي مشيرات
212
212
أمراء أمراء وأمراء ألوية
326 ...
من المذكورين في اليداك
489788
171428
تريس
41903
39183
خيالة
93962
45122
طوبجية
785
785
حراس الملك الخاصة
12404
12404
جند رمرية وهم ضرب من الشرطة
639383
269137
جملة ذلك عدا الفسيالات
ويضاف إلى العدد المذكور عساكر أخرى في وقت الحرب كالخيالة غير المرتبين والحرس البلدية وغير ذلك.
القوة البحرية بالدولة النمساوية سنة 1865.
جملة المراكب وبها مدافع 1063
مراكب قلاع
فابورات بها قوة خيل 13580
جملة البحرية
مراتب العسكر وأصناف المراكب
6
أمراء البحر
10
قبطانات أجفان
21
قبطانات فراقط
4
قبطانات قرابط
433
يوزباشية وملازمية
10251
بحرية
3635
أطباء وصنائعية وغيرهم
5121
عسكر تريس معد للبحر
1
1
أجفان
7
2
5
فراقط
7
7
فراقط حديد
5
3
2
قرابط
14
11
3
أبركة
61
34
27
شالوب
19
19
فابورات بالعجلة
2
2
ياكت
1
1
بطرية عوامة
117
51
66
19481
الجملة
الباب الخامس
في الكلام على مملكة الروسية
(1) في تاريخها
اعلم أنه لم يعرف في القديم من سكان هاته المملكة إلا أهل الجنوب، وكان الأقدمون يدعون هذه الجهة باسمي سرماتيا وشيتيا على وجه إجمالي من دون تحديد معلوم، ويقسمون القبائل القاطنة بها إلى سرمات وركسولان ويازيج وأغاتيرس وكيمريس وتاوري وماوت وغير ذلك. ثم في القرون الأولى من السلطنة الرومانية أغار السرمات وهم فرع من السلاف سكان شمال الروسية الأصليين على الجهة الجنوبية المذكورة وتملكوها، واستمرت في سلطتهم إلى أن خرجت عليهم في القرن الثالث من التاريخ المسيحي أمة الغوت من أرض سكندينافيا (وسيأتي ذكرها) واستولت على غالب القبائل المستقرة بين بحر البلتيك والبحر الأسود، فتكون من ذلك بين أنهر النييمن والدنييبر والولغا والدون سلطنة كبيرة شملت جميع ما يسمى الآن روسية أوروبا، وفي سنة ست وسبعين وثلاثمائة أغار الهن المتقدم ذكرهم في الأبواب السالفة على هذه السلطنة وأسقطوها فاستمرت البلاد بعد ذلك مدة أربعة قرون ممرا للأمم الواردة على أوروبا من المشرق وميدانا للاضطرابات المسترسلة. وبالجملة فقد استولت عليها أمم الهن والألان والبلغر والخزر على التعاقب وطرد بعضهم بعضا، ومع ذلك الاضطراب فقد تأسست بها مدن في حدود القرن السادس وأشهرها نفوغورود الكبرى وكياف، ثم ظهرت بها أمة الفاراغ وهي من أمم جرمانيا الساكنين بشاطئ البلتيك وقدومهم إليها كان باستدعاء من أهل نفوغورود ليدافعوا عن حدودهم ضد أهل فينلاند.
ثم إن روريك رئيس الفاراغ استولى على نفوغورود ولقب بالأمير الكبير سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ثم امتدت أيدي ذريته حتى استولوا في أقرب وقت على القسم الجنوبي من الروسية وعلى الغاليسيا واستقروا بكياف إلى أن ضيقوا على القسطنطينية وأخافوا أهلها، وازدادت شوكتهم ونمت مكاسبهم في مدة الأمير فلاديمير الكبير الذي أدخل الديانة النصرانية إلى بلاده سنة ثمان وثمانين وتسعمائة. واستمر ارتفاع شأنهم وزادت شوكتهم في مدة ياروزلاف الأول صاحب شريعتهم وأحكامهم، وذلك من سنة تسع عشرة وألف إلى أربع وخمسين وألف، ثم بعد ذلك اشتعلت بها نيران الحروب الأهلية بسبب ما كان لهم من العادة القبيحة من قسمة الممالك بين أمراء العائلة الملكية، فإن الأمير منهم كان يستولي على قطعة من الأرض بما فيها، وكذا تعطى قطع للبنات عند زواجهن، فنشأت من ذلك الحروب الأهلية التي انقسمت بها المملكة إلى أقسام يتعذر معها اتحاد الإمرة، فبقيت كياف التي هي تخت السلطنة مقرا للأمير الكبير وبقية الأقسام تحت سلطنة أمراء من تلك العائلة، وهي إمارة نفوغورود وبولوتسك وسمولانسك وتشرنغوف وبريزلاف وتموتركان وهاليكس وتفار وفلاديميرس وسوزدال، ثم موسكو التي تأسست في سنة سبع وأربعين ومائة وألف. ومع هذا الاضطراب الذي كان داخل المملكة كانت الغارات المشرقية تتداول عليها، فمن ذلك ما فاض عليها من أمة البشيناغ وأمة بولوفتس وأمة المغول.
ففي سنة أربع وعشرين ومائتين وألف اجتاز باتوخان ابن جنكزخان بجيش المغول وادي ولغا وافتتح قسما من الروسية الجنوبية، وأسس السلطنة الكبيرة المسماة بسلطنة كابشاك، وفي سنة أربعين ومائتين وألف استولى باتو بن توشي أحد أمراء المغول على مدينة كياف، وبعد مدة يسيرة انقاد لأحكامه البودوليا والفولينيا والغاليسيا الشرقية كما انقاد لطاعته أمراء الروسية الشمالية، ولم يبق منهم مستقل بأمره إلا أمير موسكو الذي تلقب في سنة ألف وثلاثمائة وثمان وعشرين بلقب الأمير الكبير، وقد دامت سلطة المغول على الروس مدة مائة وخمسين سنة، وذلك من سنة ألف ومائتين وأربعين إلى سنة ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين، ثم بوقوع حروب أهلية في المغول والتتار واستيلاء تيمور على بلدانهم اتسعت عن الروسية ربقة العبودية، ومع ذلك فقد ضيقوا على مدينة موسكو ونهبت مرارا ولم تتحرر تلك البلاد من رق التتار إلا في سنة ألف وأربعمائة وإحدى وثمانين على يد الأمير الكبير إيفان الثالث، وطوع هذا الأمير في ذلك العهد نفوغورود وبسكوف والبيارمية وضم إلى ممالكه عدة ولايات كانت لأمراء منها السفاريا، ثم أضاف أيضا إلى مملكته القسم الغربي من سيبيريا. ثم إن بازيلي وإيفان الرابعين اللذين استوليا بعد الأمير المذكور شرعا في الحروب التي استمرت مدة طويلة مع أهل بولونيا وجماعة الكفالييرات التوتونيك وأهل السويد، وفي أيامهما افتتحت سمولانسك وقازان واستراكان وغالب سيبيريا، وعجز إيفان المذكور عن أخذ الليفونيا مع شدة اجتهاده وحرصه على أخذها.
ثم في سنة ألف وخمسمائة وثمان وتسعين انقطعت عائلة روريك ووثب بوريس غودونوف على كرسي المملكة فنشأت من ذلك اضطرابات مع ما كان من تحارب بولونيا والسويد على أخذها، ولم يزل ذلك الاضطراب بها حتى أشرفت على الاضمحلال. ثم بولاية ميشال رومانوف في سنة ثلاث عشرة وستمائة وألف خمدت نيران الحروب وزال معظم الضرر، وقامت الروسية على ساقها شيئا فشيئا في مدة هذا الأمير. ثم في أيام الذي بعده استرجعت سفاريا من أيدي البولونيين. ولما انتقلت الدولة لبطرس الكبير من سنة اثنتين وثمانين وستمائة وألف إلى سنة خمس وعشرين وسبعمائة وألف أخذ في توسيع دائرة المملكة وتهذيب أخلاق أهلها بالفنون والصناعات، وكان مطمح نظره تحرير أهل الروسية واستخلاصهم من ربقة الجهل والعبودية وتنمية عددهم وعددهم. وكان اقتضى الحال أن يزور بنفسه الممالك الأوروباوية ويشاهد الأمم الذين أحرزوا قصب السبق في ميدان التمدن، فتوجه أولا إلى مملكة هولاندة وتعلم بها صناعة النجارة واصطناع السفن، وكان يخدم بترسخانة صاردم مثل آحاد الناس متسميا باسم بطرس ميكايلوف، ثم توجه إلى إنكلترة واختار منها مهندسين حذاقا ليصطنعوا له خليجا بين واديي دون وولغا، ومع ذلك فلم تنقص هذه الأشغال من ملاحظته لمصالح بلاده وأسباب عمرانها مع استرساله في الحروب الهائلة. ومن مآثره أنه هذب الأحكام ودون لها قانونا ونظم أحوال الضبطية وأجاد صناعة السفن وترتيب الحربي منها، وأعان أصحاب الصنائع وأبدل حكم البطرك الذي هو كبير الكنيسة المستبد بحكم المجلس الذي ركبه للنظر في أمور الديانة، وأسس أكدمية العلوم بمدينة بطرسبورغ واخترع كيفيات نياشين الافتخار لتمييز ذوي المناصب، وأسس المدينة المذكورة التي هي التخت الآن، ووسع نطاق المملكة إلى بحر البلتيك وبحر الخزر والبحر الأسود، وضعضع ملك بولونيا وأوقفها على السقوط وكسر من شوكة السويد وتداخل في سياسة أوروبا العمومية، وقوى سلطته ونفوذ كلمته داخل مملكته بجعل نفسه رئيسا للديانة.
ثم لما أفضت الدولة في سنة اثنتين وستين وسبعمائة وألف إلى عائلة هولستين غوتورب الغربية من بنت رومانوف لانقراض عقب البيت المذكور وقفت الروسية عن التقدم هنية. ثم في مدة كاترينا الثانية من سنة ثلاث وستين وسبعمائة وألف إلى ست وتسعين عادت إلى التقدم وتوسيع الدائرة إلى أن بلغت ما بلغت من القوة والاشتهار وفتحت بلاد التتار الصغرى مع أرض القريم وافتكت الليتوانيا من يد البولونيين واستولت على الكورلاند والكوكاز أي الجركس، وظفرت بنصف مملكة بولونيا عند اقتسامها في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة وألف، وابنها بولس الأول المستولي بعدها دخل في التحزب الأوروباوي على فرنسا وبعث جيشا تحت رئاسة الجنرال سوفاروف سنة تسع وتسعين وسبعمائة وألف إلى السويسرة لمحاربة الفرنسيس هناك، فاسترسلت الحروب مع فرنسا حتى أوقفها إسكندر الأول بشروط تيلسيتس سنة سبع وثمانمائة وألف. ثم تجددت الحروب سنة اثنتي عشرة بين الدولتين حتى اضطرت الروسية إلى إحراق مدينة موسكو بنفسها إرغاما لنابوليون الأول، ومع ذلك فلم تتنازل عن قوتها بل أخذت حينئذ فينلاند والبوتنيا الشرقية وباسرابيا الكرج. ثم في سنة خمس عشرة وثمانمائة وألف تسلطت على أكثر من ثلثي بولونيا الكبرى التي كان نابوليون قبل ذلك بثمان سنين أنشأها دولة مستقلة باسم غران دوكاتو وأرسوفيا، وأنشأت فيهما مملكة ذات كونستيتوسيون بلقب مملكة بولونيا.
وكانت الروسية في ذلك الوقت أكثر الدول الكبار سطوة ونفوذ الكلمة في أوروبا، ورئيسة للحزب المعروف بصانت إليانس؛ أي المعاهدة المقدسة المنعقدة بينها وبين دول بروسية وأوستريا وإنكلترة وبعض الدول الصغار على محاربة نابوليون المذكور. ثم بعد انتقال السلطنة إلى الإمبراطور نيكولا استولت الروسية على القسم الأكبر من أرمينية وافتكته من يد الفرس وكذا إيالة أخالسيكي ومصب نهر التونة من يد الترك.
وفي سنة تسع وعشرين وثمانمائة وألف بلغ جيش نيكولا إلى نواحي القسطنطينية فأوقفه تداخل الدول الكبار، وقبل ذلك كانت هذه الدولة ضعفت الدولة التركية ضعفا بينا بإعانتها الإغريق على تحصيل استقلالهم من سنة عشرين وثمانمائة وألف إلى سنة سبع وعشرين، وبسعيها في تحرير الصرب والفلاق والبغدان وجعلها تحت حمايتها. والحاصل أن الدولة العثمانية رأت الشدة عند عقدها مع الروسية شروط هنكار أسكله سي في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة وألف، وقد ثار أهل بولونيا في ذلك الوقت على الروسية مع قيام أهل فرنسا على ملكهم في سنة ثلاثين وثمانمائة وألف إلا أنها قهرتهم وطوعتهم مع ما أظهره الثوار من قوة المدافعة، ومن ذلك الوقت صارت بولونيا قطعة من مملكة الروسية بعد أن كان لها نوع استقلال بشروط كانت بينهما.
ولما ظفر الإمبراطور نيكولا في سائر الوجهات ورأى خلو الجو له عزم في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وألف على حماية النصارى القاطنين بإيالات الدولة العثمانية، فأنشأ حروبا جديدة مع الدولة المذكورة أفضى الحال فيها إلى اتحاد فرنسا وإنكلترة مع الدولة العثمانية ووقوع الانكسار على جيش الروسية عدة مرات حتى انقادت إلى طلب المصالحة بعد فقدها مدينة سيبستبول في القريم، وتمت شروط الصلح وصححت في منتهى مارس سنة ست وخمسين وثمانمائة وألف، وكان النجاح فيها للدول المتحدة. وفي أثناء الحروب المذكورة ولي إسكندر الثاني ابن نيكولا وهو الذي عقد الصلح، ثم شرع في إصلاح ما فسد بالحروب المشار إليها وتقويم حال سلطنته فابتدأ بتحرير الرعايا من سلطة الأعيان عليهم ونظم كيفية تعليم العامة، وبينما هو بصدد تفقد حال بلاده إذ ثار عليه أهل بولونيا في سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف، ولم يستتب له تطويعهم إلا بعد سنتين بواسطة حروب أهريقت فيها دماء غزيرة. (2) في ذكر ملوك الروسية على ترتيبهم في الولاية
سنة
عائلة روريك
862
روريك الأول أولا مع أخويه سميوس وتروفر ثم وحده
879
أوليغ نائب الدولة عن إيغور
913
إيغور المذكور ابن روريك
945
أولغا زوجة إيغور المذكور
964
زفياتوزلاف الأول
973
ياروبولك الأول
980
فلاديمير الأول
1015
زفياتوبولك الأول
1019
ياروزلاف الأول
1054
إيزيازلاف الأول عزل مرتين ورجع إلى 1078
1067
فزيزلاف
1073
زفياتوزلاف الثاني إلى 1076
1078
فزيفولود الأول
1093
زفياتوبولك الثاني
1113
فلاديمير الثاني
1125
مستيزلاف الأول
1132
ياروبولك الثاني
1137
فياتشيزلاف
1138
فزيفولود الثاني
1146
إيغور الثاني
1146
إيزيازلاف الثاني إلى 1154
1147
يوريي الأول في مدينة موسكو ثم في مدينة كياف من سنة 1149 إلى سنة 1157
ثم وقع خلاف وانشقاق بين ملوك موسكو وكياف واستمر مدة ست وثمانين سنة مبدأها 1154
1154
في كياف روستيزلاف الأول إلى 1162
1154
في مدينة موسكو أندريا الأول بوغوليوسكي إلى 1175
1156
في كياف إيزيازلاف الثالث إلى 1167
1167
فيها أيضا مستيزلاف الثاني إلى 1170
1168
فيما ذكر غليب يوريا فيتش؛ أي ابن يوريي الأول إلى 1172
1172
فيما ذكر ياروزلاف الثاني إيزيازلافيتش إلى 1175
1175
في موسكو مكاييل الأول إلى 1177
1179
في كياف رومان الأول
1177
في موسكو فزيفولود الثالث إلى 1212
1179
في كياف زفياتوزلاف الثالث إلى 1193
1193
فيها إيضا روريك الثاني إلى 1209
1193
فيها أيضا رومان الثاني إلى 1206
1206
فيها أيضا فزيفولود الثالث إلى 1212
1212
فيها أيضا مستيزلاف الثالث إلى 1224
1213
في موسكو يوريا الثاني إلى 1238
1230
في كياف فلاديمير الثالث إلى 1239
1217
في موسكو قسطنطين إلى 1218
1239
في كياف ميكاييل الأول فزيفولودوفيتش إلى 1240
1238
في موسكو ياروزلاف الثاني أخو ميكاييل إلى 1240
وبعد حروب باتو بن توشي انتقل التخت أولا إلى فلاديميرس ثم إلى موسكو
1240
ياروزلاف الثاني المذكور
1247
زفياتوزلاف الثالث فزيفولودوفيتش
1249
أندريا ياروزلافيتش
1252
صانت إسكندر الأول سمي نفسكي لانتصاره على السويد عند نهر النيفا
1263
ياروزلاف الثالث ياروزلافيتش
1272
بازيلي الأول
1276
ديمتري الأول إلى 1294
1294
أندريا الثاني إلى 1304
1295
دانيال
1304
بازيلي من سوزدال
1304
ميكاييل الثاني من تفار إلى 1319
1319
يوريي الثالث
1323
ديمتري الثاني من تفار
1326
إسكندر الثاني من تفار
1328
إيفان الأول كاليتا
1340
سيميون
1353
إيفان الثاني
1359
ديمتري الثالث من سوزدال
1362
ديمتري الرابع دونسكي
1389
بازيلي الثاني
1425
بازيلي الثالث الضرير
1462
إيفان الثالث الملقب بالكبير
1505
بازيلي الرابع
1533
إيفان الرابع الملقب بالمهول، وهو أول من تسمى كزاراي إمبراطور
1584
فادور الأول
1598
بوريس غودونوف من عائلة رومانوف
1605
فادور الثاني
1605
ديمتري الخامس واسمه الحقيقي غريغوريوس
1606
بازيلي الخامس شويسكي
1610
فلادزلاس من بولونيا
عائلة الرومانوف
1613
ميكاييل الثالث
1645
ألكسيس الأول
1676
فادور الثالث
1682
إيفان الخامس وبطرس الأول الكبير
1686
صوفيا مع المذكورين إلى 1689
1689
بطرس الكبير وحده
1725
كاترينا الأولى زوجة بطرس المذكور
1727
بطرس الثاني
1730
حنى بنت إيفانوف
1740
إيفان السادس
1741
إلزبث أو إليصابات بنت بطرس
عائلة هولستين غوتورب
1762
بطرس الثالث من هولستين غوتورب حفيد إليصابات
1762
كاترينا الثانية من أنهالت زوجة بطرس الثالث المذكور
1769
باولو الأول أي بولس ابنها
1801
إسكندر الأول
1825
نيكولا الأول
1855
إسكندر الثاني الموجود الآن (3) في وصف مملكة الروسية
اعلم أن هذه المملكة هي أكبر ممالك الأرض لامتدادها في أوروبا وآسيا وأميركا من ست عشرة درجة وعشر دقائق إلى مائة وثلاث وثلاثين درجة من الطول الشرقي، ومن ثمان وثلاثين درجة وأربعين دقيقة إلى إحدى وثمانين درجة من العرض الشمالي، وطولها من الشرق إلى الغرب خمسة عشر ألف كيلومتر وعرضها من الشمال إلى الجنوب خمسة آلاف كيلومتر، ويقال إنها مقدار تسع سطح الأرض كما أنها جزء من تقسيم جرم الكرة إلى ثمانية وعشرين جزءا، وبها من السكان مقدار سكان ربع أوروبا وجزء من خمسة عشر جزءا بالنسبة إلى جميع البشر. والبحور محيطة بها في غالب جهاتها، وفي جهة الشمال منها البحر الجامد. ويحدها في أوروبا من ناحية الغرب مملكة النمسة والمملكة البروسيانية وبحر البلتيك ومملكة السويد، ومن ناحية القبلة بعض مملكة الترك، وفي آسيا بعض مملكة الترك أيضا، ومملكة الفرس والتركستان ومملكة الصين، ويحدها شرقا أميركا الإنكليزية. وأعظم أقسامها الثلاثة آسيا لكن القسم الأوروباوي منها الذي يمكن أن يبلغ نصف قسم آسيا هو المهم المعتبر. وتكسير مساحتها أربعمائة ألف وأربعة وعشرون ألفا واثنان وأربعون ميلا مربعا جغرافيا، أي ثلاثة وعشرون مليونا ومائتان وستة وثلاثون ألفا وسبعة وعشرون كيلومترا مربعا. وعدد سكانها ثمانون مليونا ومائتان وأربعة وخمسون ألفا وأربعمائة وثلاثون نفسا، منهم واحد وستون مليونا وواحد وستون ألفا وثمانمائة نفس في أوروبا.
وجملة رعايا الروسية تنقسم باعتبار أمر الديانة إلى هذه الأقسام، وهي: تسعة وستون مليونا ومائتان وخمسة وستون ألفا على مذهب الإغريق، ومليون وتسعمائة ألف على مذهب البروتستانت، وثلاثة ملايين وستمائة ألف واحد وستون ألفا على مذهب الكاثوليك، وأربعة ملايين وأربعمائة ألف وستة وستون ألفا من الإسلام، والباقي يهود وغيرهم.
وكان تخت السلطنة في القديم مدينة موسكو، ومن سنة ثلاث وسبعمائة وألف صار التخت مدينة بطرسبورغ، وبعض أقسامها يسمى حكومة وبعض إيالة وبعض مملكة، وهو قسم بولونيا القديمة. ويشتمل القسم الأوروباوي على خمسين حكومة، وبولونيا على خمس حكومات، وفينلاند على ثمان، وكذا الكوكاز والسيبيريا على إحدى عشرة حكومة، فجملتها خمس وثمانون. وأما القسم الأميركاني فقد كان في ملك جمعية من تجار الروس ولذلك لم توجد له إدارة رسمية، والآن بيع لدولة أميركا، والبحور المحيطة بهذه السلطنة عظيمة منها البحر الأبيض في ناحية الشمال وبحر البلتيك في الناحية الغربية والبحر الأسود وبحر أزوف في ناحية القبلة وبحر الخزر فيما بين القبلة والشرق. وليس في القسم الأوروباوي جبال معتبرة إلا في الناحية الشرقية منها، فيوجد جبال أورال. أما قسم آسيا فكثير الجبال الكبيرة؛ منها بناحية الجنوب جبال الكوكاز وبناحية الشمال فروع جبال الأورال الممتدة إلى الناحية الشرقية، ثم جبال آلتاي الصغير وجبال سيانيان وجبال كانتي العليا وجبال داوري وجبال يابلونوي وجبال آلدان وستانوفوي. أما أوديتها فهي من أكبر الأودية، منها في قسم أوروبا الولغا والدنييبر والباتشورا والدوينتان والنيامن والدنييستر والدون، وغير هذه مما لا يختص بالروسية كواديي الفيستول والكور، وفي قسم آسيا الكوبان والأوبي واليانيسي واللينا وغيرها مما هو أقل طولا منها كالأورال والخاقانغا وغيرهما.
هذا، وأما أسباب التواصل في الروسية فإنها إلى الآن لم تكن تامة مرضية، لكنها آخذة في التقدم والحسن، والدولة بصدد إتمام الطرق الحديدية لتواصل الإيالات وبلدان المتجر الكبار، وقد أوصلت طريقا من بطرسبورغ إلى مدينة موسكو طوله ستمائة وأربعون كيلومترا، وكان انتهاؤه سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وألف، وطريقا آخر من بطرسبرغ إلى فارسوفيا على ويلنا طوله مع الفرع الواصل إلى كانغزبرغ ببروسية ألف ومائتان وثمانية وأربعون كيلومترا، وعما قريب توصل مدينة تيودوزيا إحدى مراسي القريم بمدينة موسكو بطريق يكون امتداده ألفا ومائة وتسعة وخمسين كيلومترا. وهناك طريق آخر يتوجه من موسكو إلى دونابورغ الكائنة على وادي الدوينا ليتصل منها بمدينة ليابو، وهي من أكبر مراسي الكورلاند على بحر البلتيك، وطول هذا الطريق ألف ومائتان وسبعة عشر كيلومترا ثم يتضاعف بين الشمال والجنوب، ومجمع الطرق في كرسك الذي هو مركز بين وسط المملكة والناحية الجنوبية، وسينزل خط الطريق من هناك بين وادي الدون والدنييبر مع فرع طوله ثلاثون كيلومترا يصل إلى قرب أوديسة، كما يخرج من موسكو طريق آخر يتوجه إلى الناحية الشرقية مارا بفلاديميرس وينتهي إلى نيجني نفوغورود، وطوله أربعمائة وستة وعشرون كيلومترا، ثم يمتد إلى ناحية سيبيريا ليتصل بحدود الصين، وبالجملة فقد جمع بالطرق المشار إليها بين ثلاثة تخوت وهي فارسوفيا وبطرسبورغ ومدينة موسكو وبين ثلاثة بحور وهي بحر البلتيك وبحر الخزر والبحر الأسود وبين ثلاثة أقطار وهي القطر الشمالي والقطر المركزي والقطر الجنوبي من تلك السلطنة، كما جمع بها بين عدة بلدان كانت متصلة بالخلج المصنوعة، فقد حصل بها لدولة الروسية هيئة اجتماعية لا تحصل بدونها، واتصال بأوروبا من جهة بروسية والنمسة. أما الاتصال بالخلج فلهم فيه كيفية مستحسنة بها قرب تواصل مراسي الروسية مع الإيالات الداخلية، فبحر البلتيك يتصل ببحر الخزر بخليجين وبالبحر الأسود بثلاثة خلج كبار، كما يتصل هذا البحر ببحر الخزر بخليج واحد، ومن وادي ولغا والنيفا والدوينا والدون والدنييبر والنيامن تحصل اتصالات في غاية الامتداد.
هذا، وإن مملكة الروسية محتوية على عدة أمم مختلفة الأجناس أعظمها جنس السلاف، ومن هذا الجنس الروس والبولونيز؛ أي أهل بولونيا، ثم الليفونيان؛ أي أهل ليفونيا ثم الكورلنديون ثم الليتوانيون، ويوجد بكثرة بناحية القطب الشمالي من الروسية جنس الفينوي والاستوانيان واللابون، ويقال لهم ساموياد، وجنس التشراميس والأوستياك والتشوفاش والبيرميان وغيرهم، ثم بعد المذكورين جنس الألمان والإغريق واليهود والتتار والترك والأرمن والكرج وقبائل الكوكاز، وقبائل أخرى رحالة مثل المغول والكلموك والكورياك والكمشدال والتشوكوتش والأليوت. ويقال إنه يوجد بهذه السلطنة ثلاثون لسانا في الأقل، والمذهب الإغريقي المنفصل عن الكاثوليكي هو المتسلطن بتلك المملكة، والكزار - أي الإمبراطور - هو رئيس الكنيسة من أيام بطرس الكبير ويعينه في إدارة أمورها المجلس الديني الذي يعبر عنه عندهم بالسيندوس المقدس، ويوجد بالروسية كثير من الإغريق التابعين لكنيسة رومة، وقد اعتنى الأهالي كل الاعتناء بتقليل أرباب هذا الاعتقاد.
ثم إن سكان الروسية منقسمون على خمس طبقات؛ وهي: جماعة النوبليس، أي الأعيان؛ والكلارجي، أي أهل الكنيسة؛ والبرجوي، أي سكان الحواضر؛ والبيزان أي أهل البادية والقرى، وهم قسمان: أحرار وسرف؛ أي مستعبدون تابعون لغيرهم. ولطبقة الأعيان مزيد سلطة على غيرهم خصوصا فيما يملكون من الأراضي، وعددهم يبلغ أربعمائة ألف نفس، وعدد الطبقة الثانية يبلغ مائتين وخمسة وأربعين ألف نفس، وهاتان الطبقتان لا يدفع أهلهما شيئا من الأداء للدولة. وأما طبقة السرف فقد خرجت من ربقة الرق بالأمر الصادر في التاسع عشر من فراير سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف.
وأمر التمدن في الروسية مختلف باختلاف البلدان ومواقعها وعاداتها، والعلوم والآداب وسائر الصناعات لا تنمو إلا في بلدان مخصوصة، ولا يوجد في المملكة كلها إلا تسعة مراكز أصلية لتعليم العلوم، لكن الإمبراطور الموجود الآن لم يزل مجتهدا في تحرير إدارة لائقة فيما يتعلق بتعليم العامة.
ثم إن ناحيتي الجنوب والغرب من المملكة المذكورة أخصب وأغنى وأعمر من بقية الجهات، لكن من تجاوز مدينة موسكو ووادي ولغا يرى أن عدد البلدان والقرى والحرث قليل جدا، وأكثر الأراضي فلوات معطلة لا تنبت إلا الحشيش أو مناقع مغطاة بالثلج أو مقاطع أو أماكن حيوانات ينتفع بجلودها، ومن ذلك سيبيريا التي هي من آسيا لا يوجد بها إلا المتوحشون من الناس أو المنفيون إليها والذين يحرسونهم. واعلم أن وطأة البرد تشتد على ثلاثة أرباع المملكة في الأقل مدة تسعة أشهر من السنة ويعقبها صيف في غاية الحر والقصر، وفي الناحية القبلية من المملكة يعتدل الهواء، وتوريد وأرمينية وبسرابيا ذوات هواء طيب، وأرض أوروبا منها مختلفة اختلافا بينا ولذلك اختلفت نباتاتها، وكتان الكورلاند والليفونيا في غاية الجودة، وهذا النوع مع القنب من جوالب الغنى المعتبر، وإيالة الأوكرانيا من أخصب مواضع المعمور في نبات الحبوب التي يحمل منها مقدار وافر إلى كثير من الممالك، ويوجد في غالب أرضها أجمات ممتدة ومنها يجلب الصمغ المعبر عنه بالرجينة والقطران وأخشاب السفن الفائقة. وفي آسيا بنواحي بحر الخزر ينبت الراوند وغيره من أنواع النباتات التي يتداوى بها، ونبات الدخان كثير في الإيالات الجنوبية وكذا في إيالات الأوكرانيا والفاروناج وسراتوف وتوريد، ويزرع اللفت الأحمر في مقدار أربعين ألف إكتار (والإكتار عشرة آلاف متر مربعا)، ويزرع في غالب أراضي المملكة الهبلون وبإيالة استراكان ينبت القرمز، وفي قبلي الكوكاز خصوصا أرمينية ينبت القطن، وينبت الفلفل على شطوط وادي سامارا، وفي توريد ونواحي الكوكاز وإيالة استراكان توجد الثمار الجيدة ويستخرج من عنبها الخمر المعدودة عندهم من أنواعها الطيبة، كما يوجد بالمملكة المذكورة سائر الحيوانات المخلوقة لنفع الإنسان خصوصا ذوات الشعر فلها بها شهرة عن بقية الممالك، ولهذه المملكة مقاطع عديدة لا سيما في سيبيريا. ومن جبال أورال يستخرج الذهب والفضة والبلاتين (الذهب الأبيض) والحديد والقصدير، ومن شطوط البلتيك وغابات الليتوانيا يستخرج الكهرباء الأصفر والرمادي، وبالناحية الأوروباوية من جبال أورال يوجد ألماس وأنواع من الأحجار الثمينة. وأما الصناعات فإن هذه المملكة متنازلة فيها عن الممالك الأوروباوية الغربية بكثير، ومع ذلك فلبعض بلدانها تقدم بين فيها، فمن ذلك صناعة دبغ الجلود الطيبة الرائحة، منها: التلاتين والصابون وأقمشة السفن والأخبية واللبد وجمع الخاويار؛ أي بيض الحوت والغراء المعروف وزيت البالين المسمى حوت يونس عليه السلام، ومستقطرات الحبوب وصناعة الكراريس والصياغة والسلاح والبلور، وصناعة الأقفال وتذويب المعادن وصناعة الكاغد والفرفوري، وأنواع الكشمير والجوخ والأقمشة القطنية وغيرها، وأما التجارة فلها رواج تام في داخل الملكة وخارجها، ومراكزها البلدان التي على شواطئ الأبحر كأوديسة وريغا وأركانجل وكذا في البر، فلها تداول في المتجر مع بلدان أوروبا الغربية ومع الهند والصين، وقد بلغت قيمة المتجر دخلا وخرجا في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف ألفا وثلاثمائة وثمانية وأربعين مليونا وأحدا وعشرين ألفا ومائة وستة وثلاثين فرنكا، وعدد المراكب المتجرية التي دخلت مراسي المملكة وخرجت منها في تلك السنة خمسة عشر ألفا ومائة وثمانية وستون مركبا، الداخل منها خمسة آلاف وثمانمائة وأربعة والخارج تسعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وستون. (4) في نظام السياسة والإدارة
إدارة دولة الروسية بيد إرادة سلطانية واحدة لا تطالب بشيء ولا يجب أن تقف عند حد، وهي مبعث جميع السلطات، ويلقب السلطان عندهم بكزار أي إمبراطور أو بأوتوكرات وهو الرئيس الأكبر وصاحب شريعة الأمة والذي يوظف سائر متوظفي السلطنة، ويده العليا في الإدارة وفي أمر المال والأمور الداخلية والخارجية، وكذا في ديانة الأمة؛ لأن تصرفه يتعلق بالسياسة والديانة؛ إذ هو رئيس المذهب الإغريقي الذي يسمونه الأورتودكسي، وتحته مجلس السلطنة ويستشار في جميع الأمور المهمة غير المتعلقة بالسياسة الخارجية فإنها من خصوصياته بإعانة وزرائه، ثم إن مجلس السلطنة هو مجلس تشريع ومجلس إدارة ومجلس حكم جميعا، فينظر في أمر القوانين ويكتبها ويعين المداخيل والمصاريف ويتأمل المحاسبات السنوية للوزارات، ويكون في الأحكام بمثابة مجلس أعلى وتركبه من الوزراء وأمراء العائلة الملكية ومن أعضاء ينتخبهم الإمبراطور لمدة حياتهم. وينقسم المجلس ثلاث طوائف:
أولاها:
للنظر في التشريع وترتيب القوانين.
والثانية:
للنظر في الأمور المدنية والدينية.
والثالثة:
للنظر في الاقتصاد والتصرفات المالية.
ووراء هذه الطوائف ثلاث جمعيات:
إحداها:
للنظر في أحوال الكوكاز.
والثانية:
للنظر في أحوال بولونيا.
والثالثة:
للنظر في تحرير السرف.
ومن أعضاء المجالس الذين هم مستشارو المملكة من لا يجلس بالمجلس إلا إذا استدعي، وذلك في غير أوقات الخدمة الاعتيادية. وبعبارة أخرى الاجتماعات عندهم نوعان:
أحدهما:
الاجتماع للخدمة الاعتيادية.
والثاني:
اجتماع عمومي لداع يقتضيه، وفي هذا الوجه يضاف إليهم بالاستدعاء من ليس له خدمة اعتيادية من مستشاري المملكة. وكل قسم يشتمل على رئيس وأربعة أعضاء إلى سبعة كلهم لهم حق الجلوس بالمجالس العامة، والإمبراطور يمضي ما يتفق عليه المجلس، وله أن لا يمضيه، ورئيس المجلس العام يرأس الوزراء.
ومجلس السناتو الذي كان تأسس بأمر بطرس الأول يتركب من أعضاء ينتخبهم الإمبراطور من أعيان متوظفي المملكة، وهذا المجلس هو الحارس للقوانين والمحافظ على إمضائها والمراقب لسيرة الولاة وأعمال كبار متوظفي الدولة المكلفين بالخدمة العامة، وهو الذي يشهر القوانين والأوامر الصادرة من الإمبراطور ويقيدها ويعطي خطط النوبليس ويحكم حكما فاصلا في نوازل الجنايات السياسة، وكذا في الأمور المدنية وسائر الجنايات، ويستثنى من ذلك نوازل قليلة تعرض على خصوص الإمبراطور. ولمجلس السناتو إعادة النظر في الأحكام الصادرة من حكام الإيالات. وهو منقسم إلى عشرة أقسام، خمسة منها في مدينة بطرسبورغ وثلاثة في مدينة موسكو واثنان في فارسوفيا، وألحق قسمان آخران يجلسان بالمدينة الأولى؛ أحدهما ينظر في أحكام الأملاك والثاني في الأمور المتعلقة بخطة الأعيان. ولا يمضي حكم مجلس السناتو في اجتماعاته العامة إلا إذا اتفق عليه ثلثاه فأكثر، وتكون مفاوضتهم سرية لا تحضرها العامة. والمحتسب بالسناتو هو وزير الحكم، والإمبراطور يمضي ما يتفق عليه، ويمكنه أن لا يمضيه. وبجانب مجلسي السلطنة والسناتو توجد جمعية تنظر في المعاريض والمطالب التي تعرض على الإمبراطور، وتبين للمشتكين من الحكام ألهم عرض نوازلهم على المجلسين المذكورين أم لا.
وأما المجلس الديني المسمى بالسيندوس المستحدث في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وألف فهو مشتمل على أساقفة الإيالات الكبيرة، ومن أعماله تسمية كبراء الكنائس والنظر في إدارتهم لها وعرض ما يستقر عليه الرأي في ذلك المجلس على الإمبراطور ليمضيه، وبعد هاته المجالس الثلاثة الكبيرة مجلس الوزراء المكلف بأمور الإدارة المعتادة وعدد أعضائه موكول لاجتهاد الإمبراطور، والوزارات في نفسها تسع كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في غير هذه المملكة، وزيادة على ذلك يوجد هناك إدارة مركزية للبوسطة والتلغراف وإصلاح الطرقات وتيسير أسباب المواصلة. وهناك مجلس يسمى بالرقيب العام أعضاؤه مثل الوزراء.
وقد أشرنا في طالعة الكلام على الروسية إلى أن مملكتها منقسمة إلى حكومات وإيالات، وكل حكومة تنقسم إلى دوائر، والدوائر تنقسم إلى مشيخات، والمشيخة تحتوي على قسيمات صغار، وكل حكومة يرأسها الوالي المدني وهو أكبر متوظفيها والمطالب بتصرفاته فيها، وله مجلس مركب من نائبه وثلاثة مستشارين وجليسين. ويعطي هذا المجلس رأيه تحت رئاسة الوالي في أحوال الإيالة العامة لكن ليس له إلا إعطاء الرأي، فللوالي أن يعمل برأي المجلس وأن لا يعمل، حيث كان هو المطالب بما ينشأ عن تصرفه، وفي النوازل المتعلقة بالتاج ونوازل الجنايات يضاف لمجلس الوالي ثلاثة أشخاص من المتوظفين يسميهم وزير الحكم ويحضر ذلك المجلس نائب الحق العام مع معينين له للنظر في إجراء القوانين، ويوجد مع ذلك في كل مركز حكومة رئيس ضبطية ورئيس أطباء ورئيس مهندسين، وللوالي أيضا رئاسة صندوق المال وعلى البناءات والقناطر والطرقات. وجمعية الأعيان في كل حكومة طائفة متحدة مرؤسة بماريشال منهم، عددهم على عدد الدوائر والمشيخات التي توجد بها طوائف الأعيان. وهذه الجمعيات تعين غالب متوظفي الإدارة المدنية والحكمية كخطة ماريشال الأعيان ورئيس الضبطية ورؤساء مجالس الأحكام وأعضائها وحكام الصلح، ويكون التعيين في كل ثلاث سنين، لكن تقرر الخطة موقوف على موافقة الإمبراطور، ويكفي موافقة الوالي إذا لم يكن في الخطة مزيد اعتبار.
ثم إن أهالي البلدان ينقسمون إلى طوائف منها أعيان البلدية ومنها الباعة ومنها أواسط الناس ومنها جمعيات الصناع المعلمين. ومن البلدية أحرار إيالات البلتيك وإيالات بولونيا القديمة ثم سائر الخدمة، لكن هؤلاء لهم من البلدية مجرد الاسم، فبلدية البلدان يختارون أعضاء مجلسهم البلدي ورئيسه كما يختارون مشايخهم وجلساء المجالس وهم مستشارو الحكام، وللمجلس البلدي زيادة على ما له من الخدمة وإدارة الأشغال فصل سائر النوازل التي تحدث بين البلدية في متعلقات التجارة، ويوجد في المجالس المدنية ومجالس الجنايات نواب عن المجلس البلدي في البلدان الكبار، وتتجدد المجالس البلدية في كل ثلاث سنين، وفي البلدان الصغار يكون اختيارهم من عامة البلدية وفي البلدان الكبيرة يختارهم من أداؤه في العام مائتا فرنك فأكثر ممن بلغ خمسا وعشرين سنة كاملة. هذا، وبكل مشيخة بالبادية جمعية من كبار عائلات المكان تكون هي المجلس البلدي هناك، ويعبر عن رئيسهم بستاروست، وهذا المجلس هو الذي يعين أداء المشيخة اللازم للدولة أو لمصالح بلدهم ويعين اللائق بالخدمة العسكرية في قسمه، ويترجح رأيهم بالأكثرية ورئيسهم هو الواسطة بين جمعية الكانتون أي القيادة وبين حكام الصلح والمشيخة، وهو الذي يجيب عما استقر عليه رأيهم، وله شيء من تصرفات الضبطية. وكل مشيخة بها تريبونال يسمى تريبونال الأمان مركب من المار الذي هو رئيس المجلس البلدي ومن عضوين مختارين من سكان المشيخة. وهذا التريبونال يحكم في سائر النوازل ما عدا نوازل الجنايات.
وأما الكانتون فإدارته بيد جمعيته المستقرة بأوسط بلدانه أو أكثرها سكانا أو أشهرها في الحرف والصنائع، وتشتمل على متوظفي المشيخات وعلى نواب منها يكون كل واحد منهم نائبا عن عشر ديار، ونظر هذه الجمعية يتعلق بجميع الفوائد العامة للكانتون كالمارستانات ونحوها وتحرير حسابات المتوظفين وتصحيح دفاتر أخذ العسكر وتوظيف الأداء والعمل على ما يستقر عليه رأي الأكثر منهم، ورئاستهم تكون للشيخ الأسبق في الخطة، وهو الذي يتولى إدارة الكانتون وحفظ راحة السكان، وهو في ذلك مثل رئيس المجلس البلدي إلا أنه أكبر منه خطة. ومن أعماله: مراقبة إجراء التراتيب العامة والبحث عن الجناة وإمساكهم ومنع ارتكاب الأمور الممنوعة بإنهائها لمن له النظر فيها، وله فصل ما يكون مرجعه لنظر الضبطية وفي إعانته مجلس مركب من أعيان الكومون الكائن تحت قيادته مع معينيه وقباض المداخيل، ومع ذلك فهو المطالب بما يقع في إدارته، حيث كان له الابتداء بعرض الأمور، وليس على المجلس إلا إعطاء الرأي فيها وتعيين المقادير اللازمة من المال وفي نحو بيع أملاك بعض الناس بطلب من خزانة الدولة أو من أرباب الديون، وفي تسمية المتوظفين أو تأخيرهم.
ويشتمل المجلس المشار إليه على أربعة إلى اثني عشر عضوا على نسبة عدد السكان لفصل الأحكام يختارهم المجلس المذكور من أعضائه ويتبدلون في كل سنة، ويصدر الحكم من مجموعهم أو على التناوب بحسب ما يقتضيه نظر المجلس المعين لهم، ويكون اجتماعهم مرتين في الشهر، وقد يقتضي الحال أكثر من ذلك فيجمعهم رئيس القيادة. ويحكم هذا المجلس في نوازل البوادي التي لا تتجاوز مائة روبل، وهي مبلغ أربعمائة فرنك، وإذا تعلقت نازلة بإنسان أجنبي عن الكانتون فإن نازلته ترفع إلى المجالس المعتادة إلا إذا تراضى الخصمان فتفصل هناك، كما إذا تراضيا في أكثر من المقدار المذكور، وبحكمهم تنتهي النازلة بحيث لا ترفع بعدهم لمجلس آخر، ولو في الجنايات التي يحكم فيها ذلك المجلس، ويصدر حكمهم مشافهة بدون كتب. ولأهل البادية التحاكم في غير الجنايات لدى حكم يتفق عليه الخصمان الرشيدان، وما يحكم به يكون العمل عليه ويقيد ذلك الحكم بدفتر خصوصي يكون بمجلس القيادة، ويشترط في جميع المتوظفين المشار إليهم أن لا ينقص عمر الواحد منهم عن خمس وعشرين سنة وأن يكون صاحب عرض، وليس لأحد أن يمتنع من قبول خطة ما إلا إذا كان له من العمر ستون سنة أو عذر بدني معتبر أو سبقية في الخدمة. ويوجد بالديستريكت مجلس مركب من حكام الصلح دائرة حكمه أوسع من دائرة حكم حكام الصلح بفرنسا، ومن أعمالهم أنهم يقبلون شكاية البوادي من متوظفيهم سواء كانوا مجتمعين أو منفردين، ولهم توبيخ المشتكي بهم وإلزامهم غرامة ما ضاع بحكمهم وتعطيلهم عن مأموريتهم، وحكام الصلح تحت نظر ولاة الحكومة والسناتو.
وبما ذكرنا يعلم أن كثيرا من الإدارات الداخلية يتولاه أهل المملكة، وأن الأعيان وطوائف الباعة والبلدية وأهل البوادي يسمون متوظفيهم بأنفسهم، هذا وإن الإيالات الكائنة بحدود المملكة يوجد بها مع كل والي مدينة وال عسكري، ولكل منها مجلس إدارة ومكتب سياسي، وهذا الأمر متقرر بمملكة بولونيا وفينلاند وسيبيريا، وتمتاز فينلاند بوجود وزارة لها خصوصية ببطرسبورغ ومجلس سناتو أعضاؤه يسميهم الإمبراطور في كل ثلاث سنين. ولهذا المجلس تصرفان: تصرف مشرع من حيث ترتيب القوانين وتصرف مجلس أعلى من حيث فصل النوازل في تلك المملكة. (5) في إدارة الأحكام بدولة الروسية
أحكام هاته المملكة متشعبة جدا، وقد تقدم في أثناء بيان الإدارة الداخلية الإشارة إلى أن كل طبقة من طبقات الناس لها تصرف في متعلقات الأحكام، ولا حاجة لإعادة ذلك هنا، بل حسبنا أن نقول في معنى قاعدة كلية أنه يوجد في كل قسم من إيالة تريبونال أول يبتدئ الحكم في النوازل، وهو منقسم على طائفتين؛ إحداهما تحكم في الجنايات والأخرى في الأمور العرفية، وأعضاء هذا التريبونال ينتخبون من الأهالي ويحقق حكمه المجلس العالي المستقر بالبلدة الرئيسة من تلك الإيالة، وهو أيضا منقسم إلى طائفتين إحداهما للجنايات والأخرى للأمور العرفية. وفوق هذه المجالس مجلس السناتو وكومسيون المعاريض المكلف بعرض النوازل على السناتو أو على مجلس السلطنة، وفوق الكل الإمبراطور.
ومن مستحدثات قوانينهم إبطال الحكم بالقتل، وكذا بالضرب إلا في نوازل نادرة، وقد عوضت هاتان العقوبتان مع عقوبات أخرى بالنفي إلى سيبيريا. هذا بيان إدارة المملكة، فإذا تأملت ذلك ترى أن الإدارة بها مضبوطة بقوانين ومجالس كغيرها من الممالك الأوروباوية إلا أن الفرق بينها وبين هذه الممالك من وجهين؛ أحدهما: أن أعضاء المجالس السياسية كمجلس السلطنة ومجلس السناتو ينتخبهم الإمبراطور لا الأهالي، الثاني: أن ما يتفق عليه غالب أعضاء المجلسين للإمبراطور أن يوافق عليه أو يخالف، وهذا هو السبب في تسميته بالسلطان المطلق التصرف؛ لأنه لم يرخص لرعاياه في التداخل في الأمور السياسية مما أشرنا إليه عند شرحنا للحرية في المقدمة. (6) في قوة دولة الروسية المالية والعسكرية
بيان دخلها وخرجها والدين الذي عليها.
404068004
جملة الدخل روبل تساوي 1616272016 فرنكا
404068004
جملة الخرج روبل تساوي 1616272016 فرنكا
1922216319
جملة الدين الذي عليها تساوي 7688865276 فرنكا
القوة العسكرية البرية سنة 1864.
جملة الجيش
بلطاجية
طوبجية
خيالة
عسكر تريس
أصناف الجيش
808670
16203
48773
49183
694511
تحت السلاح
74561
74561
عسكر وطني
53362
53362
عسكر في الحراسة
199380
199380
يداك
1135973
16203
48773
49183
1031814
الجملة
القوة البحرية بدولة الروسية سنة 1864.
جملة المراكب ومدافعها 3691
مراكب قلاع
فابورات بها قوة خيل 37007
جملة البحرية
أمراء البحر
البحرية وأصناف المراكب
بالعجلة
حديد
95
95
أميرالات وجنرالات
2345
2345
فسيالات كبار وصغار
966
966
متوظفون سياسيون
55216
بحرية وعسكر معد للبحر
169
حراس المراسي
18
9
9
أجفان
25
5
20
فراقط
25
3
22
قرابط
12
12
كليبر
1
1
بطرية عوامة
3
3
أبركة
38
13
25
سكاين
1
1
شالوب
79
79
شالوب كنوبيير
14
12
2
ياكت
2
2
طاندير
22
13
9
مراكب لحمل الأثقال
70
70
مراكب صغار
3
3
دوك عوامة
300
300
لخدمة المراسي تقريبا
613
363
248
2
58791
3406
الجملة
الباب السادس
في الكلام على مملكة البروسية
(1) في تاريخها
اعلم أن أصل نشأة الدولة البروسيانية كان بإيالة براندبورغ، وأول من استوطنها في زمن تاسيت الروماني - المؤرخ الشهير المولود سنة أربع وخمسين مسيحية - أمة اللومبارد، وجماعة البورغوند، وجماعة السمنون التي كانت تزعم أنها أعز وأشجع أمم السواف، وهم قسم كبير من الأمم الجرمانية ، ثم أمة الغوتون التي هي قسم من الفاندال. ثم في حدود القرن الخامس من الميلاد المسيحي طردت أمة الفاناد تلك الأمم، واستقرت مكانها بتلك الإيالة، وأغارت تلك الأمم المطرودة على عدة إيالات للرومان فمكثت بها، ولم تلبث أمة الفاناد مدة يسيرة حتى انقسمت إلى عدة أقسام صغيرة. ثم في القرن الثامن دخلت تحت سلطة شارلمان فجعلها إيالة في تخوم مملكته، ثم استولى عليها الكونت سيجفريد صاحب الساكس بلقب مارغراف البراندبورغ في سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ثم دخلت بالإرث ليد ألبرت الملقب بالدب من بيت أنهالت، وقد ترقى في ذلك الوقت إلى خطة أليكتور واستقام به حال تلك الإيالة، وتهذبت أخلاق أهلها وانتقلوا به من حالة الوثنية إلى النصرانية.
وفي ذلك الوقت كانت تلك الإيالة منقسمة على ثلاثة أقسام، وهي: المارش القديمة الكائنة غربي وادي الألب، والمارش المتوسطة بين وادي الألب والأودر، والمارش الجديدة بشرقي الأودر. ثم في ابتداء القرن الخامس عشر دخلت تلك الإيالة بطريق الإرث في حوز عائلة لوكسامبورغ، ولما صار ملك بوهيميا سيجزموند إمبراطورا جعل فردريك السادس من عائلة هوهنزولرن الذي كان بورغرافا في نورمبرغ واليا عليها. ثم إن أحد كونتات هوهنزولرن اسمه كونراد وهو جد عائلة براندبورغ كان حائزا بورغرافية نورمبورغ من سنة أربع وستين ومائة وألف، وبقيت في حوز ذريته إلى عام واحد وثمانمائة وألف، واستولى ذريته من سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف إلى سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف على عدة بلدان منها آنسباخ وكولمباخ، ولم يبق خارجا عن ملكهم من فرنكونيا إلا جانب يسير. ثم انقسم ملكهم بعد ذلك بين ابني فردريك الخامس؛ وهما: جان الثالث الابن البكر وفردريك السادس الابن الثاني، وهذا الأخير اشترى في أوائل القرن الخامس عشر من الإمبراطور مارغرافية براندبورغ بثلاثمائة ألف فيورين وأخذ لقب أليكور الذي كان يتلقب به حاكم تلك الإيالة، وتسمى بفردريك الأول من براندبورغ، وذرية هذا الأمير هم الذين يتداولون رئاسة تلك المملكة اليوم باسم ملوك بروسيا.
ولم تكن إيالة براندبورغ محتوية في ذلك الوقت إلا على المارشين القديمة والمتوسطة، ثم أضاف إليهما فردريك الثاني الملقب بسن الحديد المارش الجديدة التي افتكها من الكفالييرات التوتونيك المتقدم ذكرهم في سنة خمس وأربعين وأربعمائة وألف، ولم تزل هاته الإيالات بأيدي آل بيته إلى ابتداء القرن السابع عشر.
ثم بمقتضى الشرط المنعقد في سانتن سنة أربع عشرة وستمائة وألف بواسطة دولتي فرنسا وإنكلترة وبعض دول ألمانيا وشرط دوسلدورف المنعقد سنة أربع وعشرين وستمائة وألف أضاف الأليكتور جان سيجزموند إلى إيالاته دوكاتو كليف وكونتي المارك والرافنسبرغ. ثم إن جان المذكور المتزوج بابنته ألبرت الثاني الذي كان آخر دوك ببروسية ورث سنة ثمان عشرة وستمائة وألف الدوكاتو المذكورة التي كانت راجعة لسلطة بولونيا، فسكان بروسية كانوا في القديم أمتي الغوتون والفاندال وغيرهم، وكانت معدودة من المملكة الغوتية، ثم بعد خروجهم منها أغار عليها أمم من السلاف كانت فيهم جماعة الليتوانيين والبروس الذين كانوا يسكنون شاطئ وادي الفيستول، وتسمت مملكة بروسية باسمهم. وقد كان هؤلاء القوم من عبدة الأوثان المتوحشين إلى أواخر القرن الثاني عشر من التاريخ المسيحي.
وفي مبادئ القرن الثالث عشر رام دوك مازوفيا واسمه كونراد إدخالهم في دين النصرانية، فدافعوه وخربوا ممالكه سنة سبع ومائتين وألف، فاستغاث أولا بجماعة الكفالييرات الملقبين في اللاتينية بأنسيفري؛ أي حاملي السيوف في سنة خمس عشرة ومائتين وألف، ثم بالكفالييرات التوتونيك في سنة ست وعشرين فانتصرت الجماعة الأخيرة تحت رئاسة كبيرهم هرمان من سالزا في سنة سبع وثلاثين والتي بعدها، وكان ذلك مبدأ افتتاح تلك البلدان المتبربرة، وتم فتحها في سنة ثلاث وثمانين. ثم إن الجماعة الأخيرة استقروا في بروسية وجعلوا رئيس إدارتهم الكبير في ماريانبورغ سنة تسع وثلاثمائة وألف، وكان مستقرهم قبل ذلك بأرض الشام حين كانوا ممن يحارب المسلمين لأخذ بيت المقدس، فخرجوا منها وتركوها لهم في حدود سنة تسعين ومائتين وألف. وحين استقروا بأرض بروسية قام بختها بهم ووفدت عليهم طوائف من الألمان فبنوا مدنا جليلة اختصت بمزايا كمزايا الجمهورية، إلى أن تكون من أهاليها الطبقات الثلاث الذين كانوا بمجلس الديانات، إلا أن رئاسة المملكة بقيت بيد جماعة التوتونيك الذين بلغوا نهاية القوة والغنى شيئا فشيئا ثم تنازل أمرهم واختل نظامهم؛ حيث تحكمت فيهم دواعي الرفاهية والإسراف فآل أمرهم إلى التخاذل والتكاسل حتى تضعضع إيوانهم وذهب عنفوانهم بعد أن اشتدت وطأتهم على رعاياهم، وبلغ نهبهم وإفسادهم إلى حيث لا يطاق، حتى صارت الأهالي تستعين عليهم بأهل بولونيا، ولم تزل الحروب متقدة بينهم إلى أن فقدوا شوكتهم واستقلالهم بالكلية، وأول حرب قطعت أوداج شوكتهم حرب جماعة البولونيين لهم في تاننبرغ سنة عشر وأربعمائة وألف، ثم ما كان في سنة أربعين وأربعمائة وألف من تعصب طوائف عديدة عليهم كأهل دانتسيك والبينغ وطورن وغيرهم مع أعيان من عدة إيالات. وفي سنة أربع وخمسين وأربعمائة وألف دخلوا تحت حماية كازيمير الرابع ملك بولونيا. ثم بمصالحة طورن في سنة ست وستين وأربعمائة وألف وضعت الحرب أوزارها بانقسام بروسية قسمين؛ غربي وشرقي، فالأول صار جزءا لمملكة بولونيا باسم بروس ويدعى بروس بولونيا، والثاني بقي بأيدي ولاتها باسم بروس توتونيك تحت رعاية بولونيا.
وفي سنة إحدى عشرة وخمسمائة وألف استولى على جماعة التوتونيك المذكورة المارغراف ألبرت، وهو من بيت براندبورغ من الفرع الثاني من تلك العائلة، واتبع المذكور مذهب لوتير وحل أحباس التوتون وأدخلها في بيت مال الدولة، وذلك في سنة خمس وعشرين وخمسمائة وألف، وجعل ممالكه المشار إليها وراثة في ذريته مع بقائها تحت رعاية بولونيا، ومن ذلك الوقت صارت هاته المملكة تدعى باسم بروس دوكال.
ثم إن تاج الملك انتقل إلى زوج ابنة فردريك ألبرت الثاني، وهو جان سيجزموند أليكتور براندبورغ المتقدم ذكره في سنة ثمان عشرة وستمائة وألف، غير أنه لم يتيسر لأمراء براندبورغ تطويع تلك الممالك الداخلة في حوزهم بالإرث لاشتغالهم بحروب الثلاثين سنة. ثم إن فردريك غليوم الملقب بالأليكتور الكبير استخلص البلاد من ورطة الاضمحلال بعد أن أسلم للسويد إيالة البومرانيا السيتاريور في معاهدة وستفاليا سنة ثمان وأربعين وستمائة وألف وفتح البومرانيا الشرقية، مع إيالات أخرى كان بعضها في حكم أساقفة وبعض في حكم رؤساء أساقفة، ثم بمعاهدة والهاو في سنة سبع وخمسين وستمائة وألف تحررت إيالته من حماية بولونيا وحصل لهذا الأمير شهرة عظيمة في الناحية الجنوبية باستخلاص بولونيا ودنيمرك من سلطة السويد بمشارطة أوليغا في حدود سنة ستين وستمائة وألف. ثم دخل الأمير المذكور في التحالف مع أعداء فرنسا سنة أربع وسبعين وستمائة وألف، وكان له مزيد اعتناء في محاربتها. وفي سنة ست وسبعين وستمائة وألف آوى إلى مملكته عشرين ألفا من البروتستانت الذين طردوا من فرنسا حين رجع ملكها عن معاهدة نانت، وكان أولئك المطرودون هم الذين عمروا براندبورغ بالحراثة ومهدوا بها طرق التمدن. ثم إن فردريك الثالث وارث الأمير المذكور أعان الإمبراطور ليوبولد على الترك سنة ثلاث وثمانين وستمائة وألف ودخل في محالفة أوغزبورغ ضدا للوزير الرابع عشر سنة أربع وثمانين وستمائة وألف، ثم دخل في المحالفة ضد لويز المذكور في حروب وراثة إسبانيا سنة سبعمائة وألف، لكن كان دخوله في هذه المحالفة غاليا على إمبراطور ألمانيا؛ لأنه طلب منه أن يلقبه باسم ملك فصارت إيالته مملكة. وفي أوائل سنة إحدى وسبعمائة وألف توج بالفعل في مدينة كانغزبرغ، وسمي بفردريك الأول واعترفت أوروبا بتلك المملكة الجديدة في مصالحة أوترخت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وألف، وأضاف بعد ولايته إلى مملكته إمارة مورس في سنة اثنتين وسبعمائة وألف وأرض تكلنبورغ وفالنغن وإمارة نوشتيل في سنة سبع وسبعمائة وألف. ثم في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وألف أضاف لمملكته أيضا قسما من الغلدر. ثم في مصالحة سطوكهولم الواقعة بعد حروب الشمال الكبرى سنة عشرين وسبعمائة وألف أخذ ابنه فردريك غليوم الأول إيالات فولن وأوسدوم وستتين والنصف من بومرانيا القبلية وجيش جيوشا معتبرة مع خزانة عامرة.
وبالجملة فقد ترك مملكة خصبة عامرة لابنه فردريك الملقب بالكبير سنة أربعين وسبعمائة وألف الذي تسمى به أسلافه، وبقي في الملك أربعين سنة نافذ الكلمة في سائر ممالك أوروبا. وفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وألف والتي بعدها اغتنم من عائلة أوستريا جميع السيلازيا إلا قليلا منها وكونتية غلاتس، وبقيت هذه على ملكه بعد صلح آكس لاشاييل الواقع في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وألف وصلح هوبرتسبورغ الواقع في سنة ثلاث وستين وسبعمائة وألف، وقاوم التعصب القوي الواقع من فرنسا وأوستريا والروسية والساكس والسويد في الحروب المسماة بحروب السبع سنين المتقدم ذكرها من سنة ست وخمسين وسبعمائة وألف إلى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وألف. وبالجملة فقد آل أمر هذا الملك إلى أن وضع مملكته في الصف الأول من ممالك أوروبا الحربية. وفي سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة وألف التي اقتسمت فيها بولونيا أخذ في حصته البروس البولونيز عدا دانتسيك وطورون.
ومما يحكى عن هذا الملك أنه بعد انتهاء تلك الحروب المذكورة أسس إدارة مملكته على قوانين مرعية بين الراعي والرعية، وشرع في إنشاء قصر جليل الشأن رفيع البنيان في بستان يناسب ظرفه فخامة المظروف؛ للدلالة على ما له من القوة والسلطان، فاعترض لإحدى زوايا القصر طاحون تدور بالريح كانت لرجل من العامة فاستباعها منه المكلف بالبناء، فأبى من بيعها فضاعف له الثمن فامتنع فلم يجد المكلف بدا من عرض النازلة على الملك، فاستدعى الملك الرجل وقال له: لماذا امتنعت من البيع وقد ضوعف لك الثمن؟ فأجابه بقوله: مولاي إني لا أبيعها أبدا وهي عندي بمنزلة بوستدام. (يعني قصر الملك بالمدينة المسمى بذلك الاسم) فقال له الملك: ألم تعلم أني قادر على افتكاكها غصبا وأخذها مجانا؟ فأجابه الرجل بتهكم: نعم، أنت قادر على افتكاكها مني إن لم يكن عندنا قضاة ببرلين (أي تخت المملكة وهذه العبارة صارت اليوم مثلا عندهم)، فضحك الملك والتفت إلى أصحابه قائلا: لعمري لقد صدق الرجل وما لنا إلا تبديل صورة قصرنا. فبقيت الطاحون على حالها إلى اليوم بجانب القصر، وسمى الملك ذلك القصر باسم صاحب الطاحون. انتهت الحكاية. أقول: قد علم الرجل أن الملك لا يقدر على افتكاك الطاحون بدعوى أنها للمصلحة العامة؛ إذ القصر والبستان إنما هما لمصلحة الملك الخاصة، ولذلك لم يتزحزح بالتهديد قاصدا بامتناعه معرفة هل كان الملك يفي بما وعد من العدل أو يحيد عنه لشهوة نفسه، فلما رأى احترامه لشريعة البلاد وأحكامها أوقف الطاحون على الملك وذريته، وهي باقية شاهدة على عدل ذلك الملك يقصدها المسافرون إلى يومنا هذا، وقد شاهدناها.
وعند الاقتسام الثاني لبولونيا الواقع سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وألف دخلت دانتسيك وطورن مع جميع بولونيا الكبرى في حوز فردريك غليوم الثاني. هذا، ولدخول الملك المذكور في المحالفة المضادة لفرنسا اضطر في مصالحة بال الواقعة في سنة خمس وتسعين وسبعمائة وألف إلى تسليم ما كان في حوزه بالناحية الشمالية من شاطئ الرين، لكن في الاقتسام الثالث الواقع في هذه السنة أيضا اعتاض ما خرج من يده بإضافة إيالة بياليستوك وبلوك وغيرهما إلى مملكته، وكان قبل ذلك بخمس سنين اشترى إمارة آنسباخ وبايروت، ثم لما حارب فردريك غليوم الثالث نابوليون وكانت دائرة الحرب عليه في يانه ضيع بمصالحة تيلسيت سنة سبع وثمانمائة وألف جميع ما كانت تملكه البروسية في وستفاليا وفرنكونيا ثم بولونيا الكبرى التي صارت في ذلك الوقت دوكاتو كبرى لفرسوفيا، وتحددت بروسيا بوادي الأودر وسقط اعتبارها، بيد أن سقوط نابوليون رفعها دفعة واحدة وأن مجمع ويني أرجع لها في سنة أربع عشر وثمانمائة وألف مقدار ربع بولونيا الكبرى تقريبا وجميع الممالك التي كانت بيدها عدا آنسباخ وبايروت، كما التحق بها بومرانيا السويدية والنصف من مملكة الساكس تقريبا وعدة آراض على حافتي الرين الشرقية والغربية تكونت منها بروسية الرين، ويقال لها الدوكاتو الكبرى بالرين الواطي، كما التحق بها سنة خمس عشرة وثمانمائة وألف سعارلوي وهي قلعة في حدود فرنسا القديمة، ثم استولت سنة خمسين وثمانمائة وألف على إمارتي هوهنزولرن، وبعد محاربة الدنيمرك أضافت إلى ممالكها دوكاتو لونبورغ بالاتفاق مع النمسة في مدينة غاستين سنة خمس وستين وثمانمائة وألف، ثم بانتصارها على النمسة في سنة ست وستين وثمانمائة وألف أضافت إلى مملكتها أيضا عدة ممالك من الكونفدراسيون؛ أي عصبة جرمانيا القديمة، وهي: مملكة الهانوفر والهاس أليكتورال؛ أي الانتخابية ودوكاتو ناسو ومدينة فرنكفورت الحرة التي كانت تخت العصبة. (2) في أسماء ملوك بروسية وبيان ولاية كل منهم على الترتيب منذ ابتدائهم بأليكتور براندبورغ
سنة
جماعة المارغرافات أليكتورات ببراندبورغ
1415
فردريك الأول
1440
فردريك الثاني الملقب بسن الحديد
1471
ألبيرت الملقب بآشيل وأوليس؛ أي الشجاع والعاقل
1486
جان الملقب بالششرون أي الفصيح
1499
يواكيم الأول الملقب بنسطور؛ أي طويل العمر
1534
يواكيم الثاني الملقب بهكتور؛ أي المحارب
1571
جان جورج
1598
يواكيم فردريك
1608
جان سيجزموند
1619
جورج غليوم
1640
فردريك غليوم الملقب بالأليكتور الكبير
1688
فردريك الثالث وفي 18 يناير سنة 1801 تلقب بملك بروسية باسم فردريك الأول، وبه ابتدأت مدة ملوك بروسيا
1713
فردريك غليوم الأول ابن فردريك الأول المذكور
1740
فردريك الثاني الكبير وهو ثالث أولاد فردريك غليوم لا بكرهم، وكان يتعاطى العلم وينظم الشعر بالفرنساوية
1786
فردريك غليوم الثاني ابن أخي الكبير
1797
فردريك غليوم الثالث
1840
فردريك غليوم الرابع
1861
غليوم الأول انتقل الملك إليه من أخيه (3) في وصف مملكة بروسية
اعلم أن موقع المملكة البروسيانية بين ثلاث درجات وخمس وثلاثين دقيقة وعشرين درجة وإحدى وثلاثين دقيقة من الطول الشرقي، وبين تسع وأربعين درجة وثمان دقائق وخمس وخمسين درجة واثنتين وخمسين دقيقة من العرض الشمالي، وامتدادها طولا من حدود الروسية إلى حدود فرنسا - أي من وادي نيامن إلى وادي موزيل - يتجاوز ألفا ومائتي كيلومتر، وعرضها يبلغ في أطول جهاته خمسمائة كيلومتر وفي متوسطها مائة وخمسين كيلومترا ومبلغ تسطيحها مائتان واثنان وعشرون ألف كيلومتر وستمائة وستون كيلومترا مربعا. وقبل هذا التاريخ كانت المملكة منقسمة إلى قسمين منفصلين بست ممالك صغار، يحتوي مجموعها على سطح أقصر جهات عرضه يبلغ خمسة وخمسين كيلومترا وأطولها تسعون كيلومترا.
وكان امتداد خط حدود المملكة البروسيانية ثمانية آلاف كيلومتر تقريبا، منها خمسمائة وسبعون على شاطئ بحر البلتيك، وكان مبلغ عدد سكانها في ثالث دجمبر سنة ألف وثمانمائة وأربع وستين تسعة عشر مليونا وثلاثمائة وأربعة آلاف وثمانمائة وثلاثا وأربعين نفسا، وبالإضافات الأخيرة اتحدت أقسام المملكة وانتظمت صورتها وحدودها وازداد اتساعها بقدر ثلاثة وخمسين ألف كيلومتر مربعا على سبيل التقريب، كما ازداد في سكانها أكثر من ثلاثة ملايين ما عدا أهل شلزويغ وهولستين؛ المملكتين اللتين لهما من سطح الأرض سبعة عشر ألف كيلومتر وخمسمائة وخمسة وأربعون كيلومترا مربعا، ومن النفوس تسعمائة وثمانية وخمسون ألفا وخمسمائة وتسع وسبعون نفسا، وهاتان المملكتان لم يتحقق مرجعهما إلى الآن، لكن بحسب الظاهر تستقل بهما الدولة البروسيانية، فيبلغ حينئذ سطح أرضها تقريبا ثلاثمائة وثلاثة وستين ألف كيلومتر مربعا، ويبغ عدد سكانها ثلاثة وعشرين مليونا وستمائة ألف تقريبا أيضا.
وأما حدود المملكة المذكورة فيحدها في ناحية الشمال بحر البلتيك ومملكة الدنيمرك وبحر الشمال وهولاندة، وشرقا بولونيا والروسية وقبلة مملكة النمسة ودوكاتوات ساكس وقسم باواريا الذي على الرين والهيس ودارمستاد وفرنسا، وغربا البلجيك والدوكاتو الكبرى من لوكسامبورغ وفرنسا، وأما جبالها فكثيرها بساكس وسيليزيا وناحية وادي الرين مثل جبل سوديت وكاربات وهارن، وما عدا تلك الجهات أراض بسيطة ممتدة، وأما أوديتها فكثيرها في الناحية الشرقية منها البريغل والويزر والفيستول والأودر والألب، والأنهار المتصلة بتلك الأودية تسهل المواصلة في سائر جهات المملكة وحمل نتائج الأرض والصناعات من بلد إلى آخر، وبوادي الرين الذي يشق الجانب الغربي من المملكة انفتح طريق بحر الشمال للإيالات المتوسطة، وكثير من الأنهر أنشئت خلجا وأوصل بقنوات كبيرة بين الألب والأودر والفيستول تسير فيها السفن التجارية، وبالناحية الشرقية من المملكة يوجد كثير من البرك ومستنقعات المياه وبحيرتان عظيمتان متصلتان بالبحر تسمى إحداهما كوريشحاف والأخرى بروسيشحاف. وبها طرق كثيرة حسنة كالتي في إيالة الرين وإيالة الألب، وبها من الطرق الحديدية ما يتواصل به غالب بلدان المملكة مع التخوت الكبيرة من ممالك أوروبا.
وإقليم المملكة يختلف حره وبرده باختلاف المواضع، وعلى الجملة فهي أقرب إلى البرد منها إلى الحر، وفي الناحية الشمالية تكثر الرطوبات جدا. وإيالة سيليزيا والإيالة الكائنة على غربي وادي الويزر كثيرة الخصب، بخلاف أرض براندبورغ فإنها ضعيفة مجدبة.
وأما نتائج المملكة فمنها القمح الجيد على اختلاف أنواعه والحبوب الدقيقية واللفت الأحمر والبطاطة والحمص والكتان والقنب وخشب السفن والهبلون والزعفران والدخان. وبشاطئ الرين تكثر الكروم، ويوجد بها العسل وقصب السكر والحرير وجياد الخيل والأنعام. كما أن بها معادن الحديد والنحاس والقصدير والرصاص والشب وملح البارود والملح والزاج والفحم الحجري والجير والرخام والمتشفف وتراب الصيني والحجر اليماني والجزع ونحوها من الأحجار الثمينة، ويوجد بشاطئ بحر البلتيك الكهرباء، وفي آكس لاشابال المياه المعدنية وكذا في فارنبرون وهيرشبرغ وغيرهما. وأما صناعات اليد فهي عندهم في غاية التقدم تضاهي صناعات إنكلترة وفرنسا، ومن نتائجها أقمشة الكتان والقطن والحرير والأقمشة المطبوعة والسروج والكراريس وأنواع السلاح وآلات الحديد والنحاس والبرانيط والكاغد والساعات والزرابي وصناعة الدبغ والدهن الأزرق الشهير بدهن بروسية. وبها من الأشربة البيرة وسائر المقطرات، ويصنع بها البلور والفرفوري والقطر، وتجاراتها رائجة خصوصا في غربي الويزر لسهولة المواصلات بوادي الرين، والطرق الجليلة المتصلة بمملكة البلجيك وألمانيا وهولاندة والسويسرة مع وجود شركة الكمارك المسماة بشركة زولفرين المحتوية على غالب ممالك شمال ألمانيا. وأما قوتها المتجرية فهي مجهولة لدخولها في الشركة المذكورة، وعدد مراكب المتجر الداخلة والخارجة بهذه المملكة بلغ في سنة ثمانمائة واثنتين وستين وألف أربعة وعشرين ألفا ومائة مركب ومركب محمول جميعها ثلاثة ملايين وثمانمائة وثلاثة وتسعون ألفا ومائة وأربع وخمسون طونلاتة، الداخل منها أحد عشر ألفا وتسعمائة وثلاثة وستون، والخارج اثنا عشر ألفا ومائة وثمانية وثلاثون.
هذا، وإنها من الممالك الأوروباوية المتسعة بها دوائر المعارف، ولم يزل اتساعها يتزايد، حيث إن قوانين البلاد تلجئ الأهالي إلى إرسال أولادهم للمكاتب عند بلوغهم ست سنين، وقد بلغ عددهم سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف ثلاثة ملايين، ومن مكاتبهم ما هو مخصوص بتعليم الفلاحة والصناعات، وبها عدة مدارس لتدريس الفنون العويصة. وبالجملة فبالمملكة البروسيانية سائر أنواع المعارف اللازمة لتقدم الدول في ميدان التمدن والتهذب. (4) في قوانين المملكة البروسيانية وكيفية إدارتها
اعلم أن الملك فردريك غليوم الرابع أعطى الكونستيتوسيون لأهل المملكة في خامس دجنبر سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف مع قانون انتخاب وكلاء العامة، وتعرف به أهل القمرتين المتكونتين بمقتضاه في السادس والعشرين من فراير سنة تسع وأربعين وثمانمائة وألف، وتحرر في سلخ ماية من السنة المذكورة بإعانة مجلس البارلمان الذي اجتمع في سابع أغشت من تلك السنة أيضا فأرخ الكونستيتوسيون بعد التحرير بسلخ يناير سنة خمسين وثمانمائة وألف، وهذه أصوله: أن يتساوى جميع البروسيانيين أمام الحكم بحيث لا تعتبر مزايا الأعيان، وأن لا يتقدم أحد لنيل الوظائف إلا بالمعرفة والأهلية، وأن تحفظ الحرية الشخصية ولا يحرم منها أحد من السكان إلا في الحالات المقررة في القانون، وأن لا تنتهك حرمات المساكن بحيث لا يبحث فيها عن الكواغد وسائر الخبايا إلا على الوجه المبين في القانون أيضا، وأن لا يحرم أحد من حاكمه الوطني ولا يحكم عليه مجلس غير معتاد، وأن لا يحكم على المذنب إلا بحكم متقرر معلوم في القانون، وأن تحترم الأملاك ولا يؤخذ منها شيء للمصلحة العامة إلا بالقيمة، ولا يعاقب أحد بالموت مطلقا ولا بأخذ المال بدون سبب يوجب ذلك قانونا، وأن لا يمنع أحد من إشاعة آرائه بالقول أو بالكتابة أو بالطبع أو بالتصوير، ومن تاريخ هذا الكونستيتوسيون نسخت مراقبة الدولة في هذا الشأن. ولا تضيق دائرة حرية المطابع إلا بقانون.
وللأهالي أن يجتمعوا بدون استئذان في ذلك بشرط أن لا يكون معهم سلاح، وأن يكونوا بمحل منحصر سواء كان اجتماعهم للمشاركة أو لغيرها من الأغراض التي يريدونها إلا أن يكون لأمر يمنعه القانون. ولا يمنع أحد من عرض حاله أو شكواه الخاصة به دون ما هي راجعة للعامة، فإن الكلام فيها من وظيفة الجمعيات المعروفة، وأسرار المكاتيب مكتتمة واحترامها واجب إلا في أحوال عينها القانون كحالة الحرب والبحث عن الجناية. وقد محا القانون رسوم مزايا الأعيان التابعة لمقاماتهم والخصوصيات المتعلقة بآراضهم محوا لا يكاد يتوقع معه رجوع شيء منها في المستقبل في جميع بلدان المملكة.
وجناب الملك واجب الاحترام ومكاتيبه الرسمية مختومة بعلامة إمضاء الوزير المسئول عن تصرفاته. وللملك قوة التنفيذ، وهو الذي يسمي الوزراء ويؤخرهم ويعلن القوانين ويصدر الأوامر اللازمة في إمضائها، ويحكم على الجيوش ويشهر الحرب ويعقد الصلح ويشترط الشروط، إلا أنه يجب عرض سائر شروط المصالحة وغيرها على موافقة القمرة إذا كان في الشروط ما تتحمل به المملكة، وله أن يعفو عن الجاني من غير توقف على موافقة القمرة إلا إذا كان الجاني وزيرا وصدرت الشكاية به من القمرة، وله أن يجمع البارلمان ويفرقهم عند انتهاء الخدمة، وله نقض مجلس النواب بشرط انتخاب الأهالي وكلاء في ظرف ستين يوما، وبعد ذلك بثلاثين يوما يجمع المجلس. ومن حقوق الوزراء حضور القمرتين، ويجب عليهما الإصغاء لما يلقونه، لكن لا صوت في الترجيح إلا لمن يكون منهم عضوا في القمرة. ولكل من المجلسين إقامة الدعوى على الوزراء إذا رأوا منهم خروجا عن حدود الكونستيتوسيون أو أحذ مال المملكة أو شائبة خيانة، والحاكم في أمثال هاته النوازل التريبونال الأعلى عند اجتماع جميع أقسامه.
والبارلمان الذي هو مجموع قمرتي الأعيان والنواب يشارك الملك في القوة التشريعية، وما يكون من التراتيب متعلقا بتوظيف الأداء يعرض أولا على قمرة النواب التي لها التصرف فيه بالزيادة أو النقص، ثم يعرض على قمرة الأعيان فإما أن تقبله على ما هو عليه أو ترده بدون تصرف فيه. وللملك وكل من القمرتين استنباط الأحكام والتراتيب ثم عرضها على الأنظار لتصير قانونا بالموافقة عليها. والملك يأمر باجتماع البارلمان في صدر كل سنة للخدمة المعتادة ويجمعه كلما اقتضى الحال جمعه، ولكل من القمرتين تسمية رئيسها وعمل تراتيب إدارتها الداخلية، ومفاوضة القمرة تكون علنا، ولا يتم الرأي في شيء إذا لم يكن غالب أعضاء القمرة حاضرا، وكل من الأعضاء يعطي رأيه في القرعة بما يؤديه إليه اجتهاده وأمانته ولا يقال له لماذا قلت كذا أو اخترت هذا عن ذلك، ولا يجلب أحد من الأعضاء إلى الحكم في مدة فتح القمرة إلا أن يظفر به وقت صدور الجناية منه أو بأثر ذلك، وفي هاتين الحالتين تستأذن القمرة في جلبه ثم تتبع نازلته.
هذا، وإن قمرة الأعيان تتركب من الأصناف الآتية؛ أولها: أمراء العائلة الملكية الرشداء الذين يسوغ لهم الملك حضور القمرة. ثانيها: الأعيان الذين يستحقون حضور القمرة بطريق الإرث، وهم رؤساء عائلات هوهنزولرن هكينغن وهوهنزولرن سيغمرينغن ورؤساء أربع عشرة عائلة ملكية قديمة وتسعة وأربعون شخصا من الأعيان بين أمراء وكونتات . وثالثها: متوظفو الخطط الأربع الكبار ببروسية وخمسة وأربعون شخصا ينتخبهم الملك، ومن يعرض على الملك بطلب جمعية الأعيان وجمعيات العلوم والصناعات وأرباب الأملاك القديمة ووكلاء أربع وثلاثين مدينة أعطى لها حق العضوية، فعدد أعضاء هاته القمرة والحالة هذه غير محصور ولا يستحقون مرتبا ولا مصروفا، وخطتهم في القمرة عمرية.
وأما قمرة النواب فتشتمل على ثلاثمائة واثنين وخمسين عضوا منتخبين من مائة وست وسبعين قسمة بمقتضى قانون السابع والعشرين من يونيو سنة ستين وثمانمائة وألف، والانتخاب يستدعي منتخبا ومنتخبا، فأما المنتخب (بالكسر) فيشترط فيه أن يكون بروسيانيا ممن بلغ عمرة أربعا وعشرين سنة ولم يحرم الحقوق المدنية والسياسية ولم يأخذ الصدقة، وأن يسكن بالمشيخة (أي مكان تصرف الشيخ) ستة أشهر في الأقل، وكل مائتين وخمسين رجلا ينتخبون رجلا ينوب عنهم في الانتخاب، فإذا اجتمع المنتخبون أولا الذين يبلغ عددهم ثلاثة وسبعين ألفا ينتخبون النواب، ولا بد أن يكون الانتخاب أولا وثانيا على رءوس الأشهاد. وأما المنتخب (بالفتح) للنيابة بالقمرة فيشترط فيه أيضا أن يكون بروسيانيا بلغ عمره ثلاثين سنة، ولم يحرم الحقوق المدنية والسياسية وأن يكون ساكنا ببروسية منذ عام في الأقل قبل الانتخاب (لأن الذي يغيب عن بلاده مدة قد يتناسى بعض أحكامها، وقد يحدث بعده منها ما لا يعلم به، وقد ينقص بالمغيب حبه لوطنه الأصلي؛ ولذلك جرت العادة الإنكليزية بأن نواب دولهم في الممالك الأجنبية يرجعون لوطنهم بعد كل خمس سنين ويقيمون به ولو شهرين). ومدة نيابة وكلاء العامة بالقمرة ثلاث سنين ولا يأخذون في مقابلة الخدمة إلا مصروف الطريق والسكنى لا غير. (5) في كيفية الإدارة الوطنية بالمملكة البروسيانية
مرجع هذه الإدارة إلى ثلاث إدارات؛ إدارة المركز وإدارة الإيالات وإدارة المشيخات. فأما الإدارة المركزية فتشتمل على وزارة العمالة، ويقال لها: الإدارة العليا ومجلس الوزراء، وأركانها ثمانية وزراء غير داخل فيهم وزير قصر الملك. وأما إدارة الإيالات؛ أي من جهة عموم سياستها، فهي بيد ثمانية رؤساء كبار بقدر عدد الإيالات مقدمين من طرف الدولة حسبما اقتضاه المنشور المؤرخ بخامس يونيو سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة وألف، وبهذا المنشور ترتب ديوان في كل إيالة يحتوي على جماعة من الأعيان أعطى الملك لكل واحد منهم صوتا شخصيا، وعلى وكلاء ملاكة الآراض المسماة أكواستر، وهي مختصة بصنف من الكفالييرات، نشأ في عهد الرومان وعلى نواب المدن والقرى، وفي كل سنة تجتمع هذه الدواوين وتعرض الدولة عليهم جميع القوانين المتعلقة بمصالح العامة، كما تعرض من تلك الدواوين القوانين المتعلقة بإيالاتها، وكل ديوان يسمى رئيسه الملقب بالماريشال.
والإيالات تنقسم إلى ولايات مجموعها ست وعشرون، وإدارة كل ولاية بيد جمعية من المتوظفين كل فرد منهم يطالب بأمر معين، وتلك الجمعية تنقسم أقساما ثلاثة؛ قسم يتكفل بأحوال الضبطية وأعمال المشيخة، وقسم يتكلف بأمر الديانة والتعليم، وقسم يتكلف بالأمور المالية، وتجتمع الأقسام عدة مرات في الأسبوع. ثم تنقسم الولايات إلى دوائر، الموجود منها بالمملكة ثلاثمائة وست وعشرون دائرة يحكم في كل دائرة منها لاندرات، وهو بمنزلة خليفة القائد، وولايته من تلقاء الملك يختاره من أشخاص يعينها نواب الدائرة في مكتوب، ويشترط فيه أن يكون من ملاك الأراضي، وهو بمثابة نائب الدائرة عند الدولة ونائب الدولة عند الدائرة، ويكون في إعانته أعيان الدائرة ونواب البلدان والقرى.
وأما إدارة المشيخة فإنها بيد جمعية تشتمل على شيخ المدينة وعدة مستشارين له، ويجلسون بالمجلس البلدي، وأعضاء تلك الجمعية يسميهم المجلس البلدي، لكن في البلدان التي يبلغ سكانها عشرة آلاف نفس يلزم إمضاء الملك، وفيما هو دون ذلك يمضي على تسميتهم ولاة الإيالات، ثم تسمية أعضاء المجلس البلدي تكون من كل بروسياني يملك دارا بالمشيخة أو يدفع أداء أقله خمسة عشر فرنكا في السنة. والجمعيتان المذكورتان - أي حكام المشيخة وأعضاء المجلس البلدي - تنتهي خدمتهم بست سنين، يتجدد في كل عامين ثلثهم، وإذا اقتضى الحال تعطيل خدمة المجلس البلدي بمقتضى أمر من الملك فينبغي أن يجمع غيرهم في ظرف ستة أشهر، وتصرفاته على منوال تصرفات المجلس البلدي بفرنسا، ومشيخة القرى في إدارة الشيخ ومعينيه وجماعة الملاكة، أما الأراضي المحتوية على مشيخة فإن مالكها - بمعنى صاحب الجريد مثلا - هو الذي يتولى الحكم في ذلك المكان من جهة الدولة، وإذا كانت الأرض لأحد الأعيان فهو الذي يعين حاكم المحل للدولة من الفلاحة المكترين منه، وفي غير ذلك يختار الشيخ نائب الحاكم الذي يشمل حكمه تلك الأرض.
وفي إيالة وستفاليا اتحدت المشيخات المتحدات الفوائد وصارت كانتونا مع بقاء كل مشيخة منفردة بإدارتها الخصوصية، وإنما اجتماعها فيما يرجع للإدارة العمومية وأرباب الأملاك الذين يدفعون الأداء على الأرض هم الذين يتعاطون إدارة الكانتون مع رئيسهم. وفي إيالة الرين يتولى ذلك شيخ البورغ مع معينين له أو ثلاثة، ومن مشايخ البورغ من له مرتب لرئاسة الكانتون إذا كان يحتوي على عدة مشيخات كبيرة وكان لهم مجلس بلدي، وكل قرية لها رئيس خاص يجمع أهلها للمفاوضة فيما يخصهم. (6) في ترتيب الأحكام
اعلم أن بمملكة بروسية قانونين:
أحدهما:
القانون الفرنساوي، وهو المعمول به في إيالة الرين.
والثاني:
القانون البروسياني، وهو المحكوم به في بقية بلدان المملكة؛ ولذلك قد يقع تفاوت في ترتيب الأحكام.
فالجنايات الخفيفة يحكم فيها تريبونالات الضبطية تارة بحاكم واحد ولا يتجاوز حكمه سجن شهر ونصف، وتغريم مائة وسبعة وثمانين فرنكا ونصف، وتارة بثلاثة حكام، ويشمل حكمهم سائر الجنايات الخفيفة، وأما الجنايات الثقيلة فإنها تعرض على أمناء الحكم المتنوعين إلى تريبونالات معتادة وتريبونالات مخصوصة بأمور، فالأولى هي المعبر عنها بالتريبونالات الأولية وحكمها يمتد إلى نهاية الدائرة من تقاسيم المملكة، والتريبونالات الأخرى تكون في البلدان التي يبلغ سكانها خمسين ألف نفس، وفي إيالة الرين يمتد حكمها في جميع أرضها. هذا، ويجعل من التريبونالات الأولية اثنان وعشرون مجلسا لتحقيق نوازل المملكة، وبمدينة برلين التي هي تخت المملكة مجلس عال مركب من ستة رؤساء وتسعة وأربعين عضوا، ومن أعمال هذا المجلس تحقيق أحكام مجالس التحقيق بجميع المملكة، فأحكام المملكة لها ثلاث درجات إلا في إيالة الرين فليس لها إلا درجتان لكن لا يمنع أحد من رفع نازلته من مجلس التحقيق بتلك الإيالة إلى المجلس الأعلى بمدينة برلين. والمجلس المشار إليه هو الذي يفصل أيضا المنازعات الواقعة أحيانا بين المجالس فيما يتعلق بحقوقها، وأما المنازعات التي تحدث بين أهل الإدارة الملكية والمجالس فيركب لفصلها مجلس خصوصي من رئيس الوزراء ومن بعض أعضاء المجلس المنازع وبعض متوظفي الإدارة، وهناك مجلس كبير يعقد وقت الحاجة للحكم في أمور مخصوصة، وتركيبه من قمرة الحكم التي ببرلين ومن مجلس الحكم الذي به أعضاء من عائلة الملك وعائلتي هوهنزولرن.
ثم إن مجلس الحكم يتركب من اثني عشر عضوا مأخوذين من قمرة الحكم، خمسة منهم يحكمون حكما أوليا والباقون يحققون عليهم، وتعيينهم يكون من وزير الحكم، ومن مشمولات نظر قمرة الحكم البحث والحكم في المخالفات التي تقع ضد الدولة، وفي هذه الحالة تنقسم القمرة قسمين أحدهما يحكم على المدعى عليه، والثاني يحقق عليه بأن ينظر في حال المدعى عليه وفي تنزيل الحكم على جنايته. والقسم الأول يتركب من سبعة أعضاء والثاني من عشرة.
هذا، وإن هناك مجالس خصوصية منها مجالس التجارة التي تنتخب أعضاؤها من أعيان التجار وثقاة أهل المعرفة بتسمية المعلمين وأرباب الحرف، وقد يحقق هذا المجلس ما يحكم به أهل العرف على أرباب الصناعات، ومنها مجالس المدارس التي تحكم على التلاميذ فيما يتعلق بالتربية بالسجن لمدة أقصاها شهر، ومنها مجالس مذهب الكاثوليك التي تحكم في التعازير وفي متعلقات النكاح ونحوه مما يرجع للكنيسة، ومنها مجالس الكمارك والمجالس العسكرية ومجالس القيم الحاكمة بتعيين قيمة ما يؤخذ للمصلحة العمومية.
واعلم أن التريبونالات كلها مستقلة ولا تسلط لوزارة الحكم عليها إلا بتحسين الإدارة الحكمية، وتسمية الحكام بيد الملك وليس له عزلهم، وإذا أعفى أحد الأعضاء فلا يسقط مرتبه. وهذا تلخيص المجالس الأولية والأحكام الخفيفة بمملكة بروسية على ما بينه صاحب الجدول السنوي الباريسي: تسعة مجالس مدنية - أي عرفية - بإيالة الرين، ثلاثة مجالس للمدن، مجلسان للمدن والدوائر، وهذه الخمسة تحكم أيضا مثل مجلس الجنايات إذا انضاف إليها الجوري؛ أي أمناء الحكم، مائتان وسبعة وثلاثون مجلسا للدوائر الأولية منها ستة وسبعون هي مجالس جنايات أيضا بإضافة الجوري إليها، ست وأربعون جمعية مؤبدة معينة للحكم، خمسمائة كومسيون للحكم أيضا، مائة وخمسة وعشرون حاكم صلح بإيالة الرين، ثلاثة وثمانون مجلسا خصوصيا، منها مجلسان للمتجر والبحر، وثمانية لخصوص المتجر في إيالة الرين، وستة للمدارس، واثنان وعشرون للكمارك بشاطئ الرين والألب والويزر، وثلاثة وثلاثون للمشيخات في إيالة الرين من الناحية الجنوبية، واثنتا عشرة جمعية من أهل العرف في ولاية كولونيا. (7) في بيان قوة بروسية المالية والعسكرية البرية والبحرية في سنة 1265
150714031
جملة الدخل طالر تساوي 565177616 فرنكا
150599164
جملة الخرج طالر تساوي 564746865 فرنكا
114867
زيادة الدخل على الخرج 430751 فرنكا
وكان دخل الدولة في سنة إحدى وستين ومائتين وألف 135341701 طالر بمقتضى المضبطة الرسمية المقدمة لمجلس النواب، والخرج: 139327337 طالر، فزاد إذ ذاك الخرج على الدخل: 3985636 طالر. واعلم أن الطالر يساوي ثلاثة فرنكات وخمسة وسبعين صنتيما؛ أي ثلاثة فرنكات وثلاثة أرباع الفرنك.
268671204
جملة الدين طالر تساوي 1007517015 فرنكا
هذا، وبعد التاريخ المذكور - أي عام خمسة وستين - اقترضت الدولة البروسيانية مبالغ وافرة لحرب جرمانيا، ثم بعد الحرب اقترضت أيضا مبلغا لتبديل المكاحل والمدافع ولإنشاء سفن حربية، فتكون جملة الدين الذي عليها الآن أكثر مما ذكر.
بيان القوة العسكرية البرية في سنة 1865.
وقت الحرب
وقت الصلح
أصناف العساكر
1
1
ماريشال
1
1
نائبه
35
35
جنرالات كبار
58
58
ليوتنان جنرال
97
97
ماجور جنرال
190
190
أمراء الإيالات
308373
165963
عسكر تريس
42013
41203
خيالة
30120
17611
طوبجية
7072
5427
بلطاجية وغيرهم للطرقات
33750
2220
المكلفون برفع الأثقال
144597
عسكر يداك
153516
8015
عسكر الحراسة
719823
240821
الجملة
القوة البحرية بدولة البروسية سنة 1865.
جملة العسكر
أمراء وضباط
أصناف البحرية
1
أميرال
1
كنتر أميرال
2
4
قبطانات أجفان
8
قبطانات فراقط
12
67
يوزباشية وملازمية
104
فسيالات صغار
171
2454
شواش وأونباشية وبحرية وصناع
300
بحرية صغار
عسكر تريس معد للبحر
3
3
أمراء الإيالات
1
1
قائمو مقامات
2
2
ألاي أمينية
8
8
يوزباشية وملازمية
666
شواش وأونباشية وعسكر
طوبجية
6
6
يوزباشية وملازمية
32
32
فسيالات مكلفون بأحوال المراسي
444
شواش وأونباشية وعسكر
4101
237
الجامعة نقلت إلى محولة
تابع القوة البحرية بدولة البروسية.
جملة المراكب ومدافعها 462
مراكب قلاع
فابورات بها قوة خيل 3900
جملة العسكر
أمراء وقبطانات وفسيالات
أصناف العساكر والسفن
أليس
بالعجلة
4101
237
نقلة جامعة محولة
2
2
أجفان مدرعة بالحديد
8
8
قرابط
6
6
شالوب كانونيير كبار
15
15
شالوب كانونيير صغار
1
1
ياكت
1
1
قرابط
2
2
أفيزو
2
2
فابورات لجر السفن
3
3
فراقط قلاع
3
3
أبركة
2
2
مراكب صغار
36
36
شالوب كنونيير
4
4
يول
85
48
34
3
4101
237
الجملة
هذا ودولة بروسية مجتهدة الآن في تكثير أسطولها اقتداء بالدول الكبار الأخرى، فإنها بعد التاريخ المتقدم ذكره خصصت تسعة وأربعين مليون طالر لإنشاء سفن جديدة منها عشر فراقط مدرعة وعشرة من النوع المسمى مونيتور، وهي مراكب مدرعة ذات منطح حاملة لمدافع ضخمة، وعشر قرابط من لوح وحديد وعدة مراكب لحمل الأثقال وأكثر هذه المراكب يكون أنشاؤها في بلاد الإنكليز.
بيان عدد مراكب بروسية المتجرية في سنة 1865
كان للبروسيانيين في سنة 1855 ثمانمائة وتسعة وعشرون مركبا لا غير محمولها من الطونلاتات 267088، ولكن مع ازدياد حظوظ البلاد ازداد أيضا عدد مراكب المتجر لما يوجد في أجزاء العمران والحضارة من تعلق بعضها ببعض، فبلغ عددها في سنة 1858 تسعمائة وثلاثة وثلاثين مركبا محمولها 326216 طونلاتة، وصار في سنة 1861 ألف مركب وثلاثة وأربعين مركبا، منها خمسة وأربعون فابورا محمولها من الطونلاتات 336832 ومن البحرية 10251، وبلغ في سنة 1865 ما يأتي:
عدد البحرية
عدد المراكب
أصناف المراكب
10251
961
مراكب قلاع كبار
27
فابورات كبار
1749
390
مراكب قلاع صغار
86
فابورات صغار
12000
1464
الجملة
الباب السابع
في الكلام على عصبة جرمانيا
(1) في تاريخها
قد سلف لنا في المقدمة أن شارلمان ملك فرنسا ومعظم ممالك أوروبا أسس سلطنة سماها السلطنة الغربية الجديدة أو الثانية، وذلك سنة ثمانمائة مسيحية، ثم خرجت عنها فرنسا وإيطاليا سنة سبع وثمانين وثمانمائة، ومن مبدأ دولة أوتون الثاني سنة اثنتين وستين وتسعمائة صار التاج الملكي الذي كان متداولا بين ملوك فرنسا وإيطاليا وألمانيا مختصا بملوك الأخيرة منها، ولقبت من ذلك الوقت بالمملكة الجرمانية، وكان هذا التاج من عهد موت آخر إمبراطورات العائلة الكارلونجيانية سنة إحدى عشرة وتسعمائة إلى سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف لا يعطى إلا بالانتخاب، ومن هذه السنة إلى سنة ست وثمانمائة وألف صار وراثة في عائلة هابسبورغ. وفي السنة المذكورة تشتت شمل هذه السلطنة بتسليم فرنسوي الثاني، ثم فيها أيضا اتحدت الممالك الغربية منها وأنشأت المعاهدات المسماة بمعاهدة الرين تحت حماية نابوليون الأول.
ثم بما وقع من الحوادث سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف والتي بعدها تغيرت تلك المعاهدة وتبدلت بمعاهدة جديدة بين ثلاث وثلاثين دولة تلقبت بمعاهدة جرمانيا تحت رئاسة إمبراطور النمسة، وبالحرب التي وقعت بين البروسية والنمسة سنة ست وستين وثمانمائة وألف انحلت المعاهدة المذكورة، وأسست دولة بروسية الظافرة في هاته الحرب معاهدة أخرى لقبتها بمعاهدة ألمانيا الشمالية، وجعلتها تحت رئاستها وأدخلت فيها جميع الممالك التي كانت داخلة في المعاهدة التي قبلها ما عدا مملكة باواريا والفورتمبرغ وإمارة بادن وليختنستين والممالك التي كانت تابعة للنمسة وداخلة في المعاهدة وهولاندة، وأسست لتلك المعاهدة كونستيتوسيونا بمحضر البارلمان الألماني أي مجلس نواب العامة من تلك الدول المتحدة، وبمحضر المجالس الخصوصية بها، وذلك سنة سبع وستين وثمانمائة وألف. (2) في قانون المعاهدة
محصل الكونستيتوسيون المشار إليه آنفا ما معناه أن المقصود من هذه المعاهدة هو حماية حقوق الممالك الداخلة فيها وإبقاء قوانينها وتحسين حالة أمة الألمان، وأن رئاسة الدول المتعاهدة من حقوق تاج بروسية فقط، وأن ترتيب القوانين العمومية لهذه الدول يكون بواسطة المجلس المشترك الذي هو فيها بمثابة مجلس الدولة في غيرها، وبواسطة بارلمان المعاهدة، ولأعضاء المجلس المشترك أصوات بقدر قوة ممالكهم، حتى إن بروسية بما أضافت لها من الممالك صار لها سبعة عشر صوتا وبقي لما عداها من سائر الدول ستة وعشرون، ولكل نائب دولة من الدول المذكورة أن يحضر في البارلمان ولو بدون موافقة أعضاء المجلس، ويسمع كلامه فيما يدافع به عن رأي دولته، وإذا وقعت مخالفة بين أعضاء المجلس في تغيير القوانين التي تتعلق بالقوة البحرية أو البرية؛ فإن الجهة التي معها صوت الدولة الرئيسة تترجح على مقابلتها إذا كان الرأي إبقاء الحال على ما كانت عليه، وأعضاء البارلمان تسميهم أهالي الممالك، وكلفته استنباط القوانين العمومية، وله أن يقبل الشكايات وعرض الحال، ومدة خدمته ثلاث سنين ولا يغلق قبل استيفائها إلا بموافقة مجلس النواب والدولة الرئيسة، وإذا وقع ذلك فلا بد أن يجتمع المنتخبون من الأهالي في ظرف ستين يوما لينتخبوا أعضاء مجلس جديد يجتمع عند تمام تسعين يوما من يوم الإغلاق، وينتخب البارلمان رئيسه والنواب عنه والكتاب ويمضي الأمور بموافقة الأكثر.
وأما مباشرة الدول الأجنبية فيما يتعلق بخلطتها مع دول المعاهدة فلا تكون إلا للدولة الرئيسة، فهي التي تنشئ الحرب وتعقد شروط الصلح والمعاهدات وغير ذلك مع الأجانب، وترسل السفراء السياسية بالنيابة عن جميع تلك الدول، وهي التي تجمع مجلس النواب والبارلمان كل سنة وتفتح المجلس وتغلقه، وتعرض على البارلمان ما اتفق عليه مجلس النواب، ويبعث المجلس بعض الأعضاء أو مكلفا خصوصيا للمدافعة، وتعلن القوانين وتمضي عليها وتسمي المتوظفين في الخطط العمومية وتأخرهم إن استوجبوا التأخير، ويرأس ملك بروسية الذي هو أمير جيوش العصبة الألمانية في الحرب القوة البحرية والبرية المعدودة جندا واحدا في حالة السلم والحرب، ويتسع تصرفه في القوة البحرية بحيث يولي الضباط بها والمتوظفين بخططهم ويؤخرهم، وقد وقع اتفاق العصبة المذكورة من هذا التاريخ إلى آخر سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وألف على أن تكون قوة الجند في حالة الصلح بحساب واحد على المائة من السكان تقريبا، وأن جميع القوانين العسكرية الموجودة في بروسية تمضي على جميع عساكر الممالك المتعاهدة، وإذا أرادت مملكة أجنبية الدخول في المعاهدة فلا يكون ذلك إلا بواسطة الدولة الرئيسة وبمقتضى قانون المعاهدة.
والحاصل أن مجلس نواب الدول ومجلس وكلاء العامة بالممالك المتحدة كلاهما ينظر في المصالح العمومية لتلك الدول تحت رئاسة دولة بروسية المستقلة كما تقدم، بما يتعلق بالأحوال الخارجية من عمل الحرب وعقد الشروط وغير ذلك بالنيابة عن جميع تلك الدول، وإن كانت كل واحدة منها لها استقلال تام في أحوالها الداخلية، فعندها مجالس وإدارات بتراتيب تخصها بحسب ما يليق بحالها. والمقصود من هذا الاتحاد أمران؛ الأول: حماية هذه الدول بعضها من بعض بحيث لا تتعدى واحدة منها على الأخرى ولو كانت أضعف منها، والثاني: حمايتها من الدول المجاورة لها ولو كانت في غاية القوة لما تراه من الشوكة لمجموعها التي لا تحصل لكل واحدة منها بانفرادها. فظهر بهذا أن كل واحدة من هذه الدول وإن فاتها شيء من حقوقها كمباشرتها للدول الأجنبية، فقد حصل لها من الطمأنينة التامة بسبب الاتحاد المذكور الحامي لاستقلالها، ما يوازي أضعاف ما فاتها من تلك الحقوق الحاصلة لها على فرض عدم دخولها في المعاهدة وتعرضها للأخطار؛ ولذلك لم يقع من واحدة منها توقف في هذا الأمر الذي من تبصر فيه يراه من أحكم السياسات النافعة في بقاء استقلال الدول الصغيرة التي تهتدي إليه وتبني قواعدها عليه؛ لأن قوة الجميع ليست كقوة المجموع كما قال الحكيم العربي:
إن القداح إذا اجتمعن فرامها
بالكسر ذو حنق وبطش أيد
سلمت ولم تكسر فإن هي بددت
فالوهن والتكسير للمتبدد
ثم إن بروسية عقدت مع ممالك جرمانيا الجنوبية، وهي مملكة باواريا ومملكة فورتمبرغ وإمارة بادن الكبيرة، معاهدة على أن تكون هي مع هذه الدول يدا واحدة على من حاربها أو حارب واحدة منهن، والغالب على الظن أن هذه الممالك ستدخل في المعاهدة المتقدمة كما يدخل فيها أيضا جانب من إمارة الهلس الكائنة على شاطئ وادي المين وإمارة ليختنستين الصغيرة، ومساحة جملة هذه الممالك مائة وثلاثة عشر ألفا وسبعمائة وأربعة وثمانون كيلومترا مربعا، وعدد سكانها بلغ في سنة ست وستين وثمانمائة وألف ثمانية ملايين وخمسمائة ألف وعشرين ألفا وأربعمائة وستين نفسا، وإذا وقع ما يظن من دخول هذه الممالك في المعاهدة المتقدمة تكون مسافة ممالك الدول المتعاهدة خمسمائة ألف وثمانية وعشرين ألفا وثمانمائة واثنين وتسعين كيلومترا مربعا، وعدد سكانها ثمانية وثلاثين مليونا، وجندها المشترك في حالة السلم ثلاثمائة ألف وثمانين ألفا، وبانضمامه لبقية عساكر الممالك المذكورة في حالة الحرب يبلغ نحوا من مليون ومائتي ألف.
ثم إن التعليم العمومي بتلك الممالك في درجة مرضية، ووجوه الدخل بها هي الفلاحة والغابات وتربية الحيوان وخدمة المعادن التي منها الفضة والحديد والرصاص والفحم الحجري. وصناعات الأيدي بها في حالة مرضية أيضا وأكثرها غزل الصوف وغيره وصناعة الأقمشة منهما، وبها فبريكات الفرفوري والفخار والسكر والبلور وصناعة الجلود وغيرها، ودائرة المتجر بها في غاية الاتساع والاستقامة. (3) في تفصيل أحوال الدول المتحدة بألمانيا المسماة كونفدراسيون جرمنيك ما عدا بروسيا
بيان دخل هذه الدول وخرجها.
الخرج
الدخل
أسماء الدول
51221189
51221189
دولة الساكس
16462500
16462500
دولة مكلمبورغ شوارن
2062500
2062500
دولة مكلمبورغ سترالتس
8089125
8324625
دولة أولدنبورغ
6375330
6487991
دولة ساكس وايمار
19155000
19155000
دولة برونزويك
14468000
14468250
دولة أنهالت داسو تساتن
4174500
4316340
دولة ساكس مايننغن
5226738
6045932
دولة ساكس كوبورغ غوطا
3135830
3295890
دولة ساكس آلتنبورغ
910435
1097158
إيالة ليبي ديتمولد
1994018
1954738
إيالة والديك
5422876
5422876
إيالة شوارتسبورغ رودولستات
2292577
2355055
إيالة شوارتسبورغ سوندرسهوزن
1083164
1107536
إيالة رويس (فرع ثان وهو شلايز)
855000
855000
إيالة شومبورغ ليبي
750000
750000
إيالة رويس (فرع بكر وهو غرايز)
17236724
17236724
بلدة هامبورغ
2670000
2538000
بلدة لوبك
7380479
6677917
بلدة بريمن
19683200
19941716
إيالة هاس دارمستات
190649185
191776937
الجملة
بيان ما على كل من الدول المذكورة من الدين وما تقدمه من العساكر لجيش العصبة.
الدين
العساكر
أسماء الدول
221551241
23439
دولة الساكس
29437812
5526
دولة مكلمبورغ شوارن
3750000
990
دولة مكلمبورغ سترالتس
25852125
3018
دولة أولدنبورغ
21396000
3015
دولة ساكس وايمار
44511661
2933
دولة برونزويك
12923351
1930
دولة أنهالت داسو تساتن
7383144
1780
دولة ساكس مايننغن
6268431
1645
دولة ساكس كوبورغ غوطا
5047000
1418
دولة ساكس آلتنبورغ
1343956
1113
إيالة ليبي ديتمولد
5625000
591
إيالة والديك
3500000
737
إيالة شوارتسبورغ رودولستات
5648291
661
إيالة شوارتسبورغ سوندرسهوزن
2636491
864
إيالة رويس (فرع ثان وهو شلايز)
313
إيالة شومبورغ ليبي
3300000
436
إيالة رويس (فرع بكر وهو غرايز)
106320400
2509
بلدة هامبورغ
3054825
506
بلدة لوبك
42602010
1041
بلدة بريمن
23625000
2524
إيالة هاس دارمستات
561133738
56985
جملة
بيان عدد سكان الدول المذكورة وما لكل منها من الأصوات في مجلس النواب العام وأسماء التخوت.
السكان
الأصوات
التخوت
أسماء الدول
2225240
4
درازد
دولة الساكس
546639
2
شوارن
دولة مكلمبورغ شوارن
99628
1
نيو سترالتس
دولة مكلمبورغ سترالتس
294359
1
أولدنبورغ
دولة أولدنبورغ
267112
1
وايمار
دولة ساكس وايمار
274069
2
برونزويك
دولة برونزويك
119515
1
داسو
دولة أنهالت داسو تساتن
168816
1
مايننغن
دولة ساكس مايننغن
153879
1
كوبورغ
دولة ساكس كوبورغ غوطا
137075
1
آلتنبورغ
دولة ساكس آلتنبورغ
106086
1
ديتمولد
إيالة ليبي ديتمولد
57550
1
أرولسان
إيالة والديك
70030
1
رودولستات
إيالة شوارتسبورغ رودولستات
62974
1
سوندرسهوزن
إيالة شوارتسبورغ سوندرسهوزن
81806
1
شلايز
إيالة رويس شلايز
30144
1
بوكبورغ
إيالة شومبورغ ليبي
39397
1
غرايز
إيالة رويس غرايز
229911
1
هامبورغ
بلدة هامبورغ
55423
1
لوبك
بلدة لوبك
88856
1
بريمن
بلدة بريمن
845571
1
دارمستات
إيالة هاس دارمستات
5954080
26
جملة السكان والأصوات
واعلم أن هذه الدول كلها قانونية وراثية، ولكل واحدة منها قمرة خصوصية - أي مجلس نواب - إلا بلدة هامبورغ وبلدة لوبك وبلدة بريمن فإنها جمهورية وإلا إيالتي رويس فإنهما من الدول ذوات السلطان المطلق، وهما بالنسبة إلى غيرهما من تلك الدول متأخرتان في مجال التمدن، والظاهر من الأحوال الجارية الآن في أوروبا أنهما لا بد أن تتخذا الكونستيتوسيون لتساويا بقية الدول.
الباب الثامن
في الكلام على مملكة إيطاليا
(1) في تاريخها
اعلم أن إيطاليا بمقتضى الأخبار المنقولة عن الرومانيين كانت تسمى في الزمن القديم ساتورنيا، وفي سنة سبعمائة وألف تقريبا قبل الميلاد وفدت جماعة من سكان أركاديا (وهي قطعة من المورة) إلى إيطاليا تحت رئاسة كبيرهم المسمى أنوتروس، فتسمت البلاد المذكورة أنوتريا نسبة إلى الرئيس المذكور، ثم سماها إيطالوس أحد خلفائه إيطاليا نسبة إليه.
وقبل حرب تروية بمدة وجيزة، أعني في سنة ثلاثمائة وألف تقريبا قبل الميلاد، اضطر إيفاندروس حفيد ملك أركاديا إلى الرحيل من عمل البيلوبونيز (وهو اسم عمل المورة القديم)، وتوجه لإيطاليا مع جماعة من الأركاديين وأنشأ المدينة الصغيرة المسماة بالانتيوم على الجبل الذي سمي فيها بعد بلاتين، وبعد ذلك بمدة يسيرة وفد أنياس صهر ملك تروية على مصب وادي التيبر مع فرقة من عسكره الذين سلموا من شر الإغريق، وعقد على بنت الملك لاتينوس المسماة لافينيا، وأنشأ مدينة لافينيوم سنة خمسين ومائتين وألف تقريبا قبل الميلاد. وعلى كل حال فإن في الأزمان القديمة كانت إيطاليا مسكونة بأمم يقال لهم أبوريجان؛ أي أصليون، ثم أتاها البيلاج والليبورن والأوسك، ثم أتاها جماعة من طائفة الإغريق الجديدة، ودخلها مرتين غزاة من أهل البر الذي هو الآن فرنسا وألمانيا، وهم السمبر والسنون وغيرهم، ويقال لهم أيضا سلت أصحاب بلوفيز، وتخلل بين الدخولين جماعة من جبال الراسية يقال لهم أتروسك، والمذكورون كانوا دولة جمهورية قوية بإيطاليا حتى قدم بلوفيز إليهم في سنة سبع وثمانين وخمسمائة قبل الميلاد، فمن ذلك العهد ابتدأ انحطاطهم وانتهزت رومية الفرصة في تطويع الدولة المذكورة لها.
ورومية هذه التي كانت محلا للفوز على سائر إيطاليا، وتكوين سلطنة عجيبة لا مثيل لها في الدنيا ذلك الوقت، اختطت في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة قبل الميلاد، فحكم فيها أولا سبعة ملوك من السنة المذكورة إلى سنة تسع وخمسمائة قبل الميلاد، وفي عهد الملك الثالث والرابع منهم صار لها شأن معتبر، وفي عهد الثلاثة الباقين صارت قوية وذات ثروة وعمارة كثيرة، واستولت على بعض جيرانها من الأمم، وظلم الملك تركويننيوس أحدهم أوجب خلع الولاية عنهم وصيرورتها دولة جمهورية في السنة المذكورة. وصاحب الأمر والنهي في الدولة المذكورة كان يقال له قنصل، أعني مستشارا. وبهذا الانقلاب وقفت رومية عن التقدم والانتشار مدة مائة وستين سنة، وكانت الأمم القوية بإيطاليا في ذلك الوقت الرومان والغوليين في شمالها والسمنيت في جنوبها، ولكن من سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة إلى سنة خمسين وثلاثمائة قبل الميلاد ضيع الغوليون قوتهم من غير نفع. ثم من سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة إلى سنة سبع وستين ومائتين قبل الميلاد عظمت شجاعة الرومان حتى إنهم انتصروا على السمنيت، وحازوا جميع وسط إيطاليا وجنوبها، وفي المدة المذكورة تظاهر الرومان بأوصاف فخرهم الحربية والبلدية التي بنوا عليها قوة بلادهم، وتغلبوا على جانب من بلاد الغوليين من سنة إحدى وعشرين ومائتين إلى سنة ثلاث وسبعين ومائة. وفي سنة اثنتين وأربعين للميلاد انضمت القطعة المذكورة إلى إيطاليا وصارت عمالة من عمالات الرومان، وبعد ذلك العهد اختلط تاريخ إيطاليا بتاريخ رومية وصارت تابعة لها في أحوالها، ثم مدت رومية أخيرا خطا قوتها خارج إيطاليا وتسلطت شيئا فشيئا على جانب كبير من الدنيا المعروفة عند الأقدمين. وفي سنة ثلاثين قبل الميلاد أبطل أوكتافيوس أحد ولاتها الدولة الجمهورية واستبد في الملك بلقب أغسطوس وإمبراطور أي سلطان، فمن ذلك العهد ابتدأت السلطنة الرومانية التي يقال لسلاطينها قياصرة.
وفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة مسيحية بعد موت الإمبراطور تيودوز انقسمت السلطنة المذكورة إلى سلطنتين؛ سلطنة الشرق وسلطنة الغرب، وبقيت مدينة رومية قاعدة سلطنة الغرب. ولما خربت السلطنة المذكورة في سنة ست وسبعين وأربعمائة مسيحية أغار على إيطاليا أمة يقال لها هيرول، وملكتها من السنة المذكورة إلى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة مسيحية، ثم أمة يقال لها أوستروغوت من السنة المذكورة إلى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة مسيحية، ثم دخلت في ملك السلطنة الشرقية من هذه السنة إلى سنة ثمان وستين وخمسمائة. ثم أتى إليها في السنة المذكورة قوم اللونغوبارد ويقال لهم أيضا لومبارد واستولوا على أقاليمها الشمالية، فانقسمت حينئذ قسمين؛ قسم للومبارد سمي إيطاليا اللومباردية أو البربرية وفيما بعد لومبارديا، وقسم للسلطنة الشرقية سمي إيطاليا الإغريقية أو الرومانية، وهذه القطعة الثانية منها كان يقال لواليها إيكزارخوس (وهي لفظة يونانية معناها حاكم في الخارج)، وكان مقره بمدينة رافينا.
وفي سنة ست وعشرين وسبعمائة وقعت هناك ثورة بسبب ظلم الإمبراطور الإغريقي ليون الثالث، واستقلت إمارة رومية وترتبت دولة جمهورية تحت رئاسة البابا. ولكن بعد مدة قليلة صار الوالي الإغريقي يجور على البابوات من جهة وملوك اللومبارديا من جهة أخرى، حتى إن البابا أسطافان الثالث اضطر إلى طلب إعانة شارل مارتل ملك فرنسا. وبينما الأمر كذلك إذ امتد اللومبارد إلى جهة الجنوب حتى أخذوا من الإغريق في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة قطعة وسموها عمالة بنفانتو، ولكن خربت مملكتهم الأصلية أيضا بفعل الإمبراطور شارلمان في سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وصارت إيطاليا حينئذ منقسمة إلى ثلاثة أقسام وهي إيطاليا الإفرنجية وإيطاليا اللومباردية وإيطاليا الإغريقية، وفي الانقسام المذكور لم يكن البابوات ملوكا مستقلين، بل كانوا تحت سلطة الإمبراطور، وبعد وفاة شارلمان بقليل صارت إيطاليا مملكة مستقلة. وفي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة مسيحية أضيف إليها تاج السلطنة، والتاج المذكور كان لبسه من حقوق ملوك الإفرنج المعروفين بالكارلونجيان، ولكن بعد تأخير السلطان شارل الضخم منهم في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة اجتهد بعض أمراء الطليان، وهم برانجي وغي وغيرهما أن يحصلوا على تاج الإمبراطورية وتاج إيطاليا أو أحدهما. وبعد زوال السلالة الكارلونجيانية من ألمانيا في سنة إحدى عشرة وتسعمائة بقي الأمراء المذكورون مستقلين.
وفي سنة اثنتين وستين وتسعمائة أرجع أوتون الأول إمبراطور ألمانيا شمال إيطاليا تحت حكمه، وأراد من بعده الاستيلاء أيضا على إيطاليا الإغريقية وخصوصا هنري الثالث منهم، فإنه جعل البابوات تابعين لسلطنته وذلك من سنة تسع وثلاثين وألف إلى سنة ست وخمسين وألف مسيحية. ولكن في سنة ثلاث وسبعين وألف استقل البابا غريغوريوس السابع من التبعية المذكورة وسعى في رفع الرتبة البابوية على رتبة السلاطين بواسطة إثارته لنازلة الخلعة التي دام نزاعها إلى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف مسيحية، وفي ذلك الوقت دخل النورمنديون (نسبة إلى عمالة نورمنديا من أعمال فرنسا) إلى إيطاليا الإغريقية وافتكوها من سلاطين الشرق ومن اللومبارد، وأحدثوا مملكة الصقليتين سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف بولاية روجير الأول ملكا عليهما وتابعا للبابا، وفي أثناء ذلك اشتعلت الحرب بين حزب الغوالف وحزب الجيبلين الطليان، ودامت من سنة إحدى وستين ومائة وألف إلى سنة ثمان وستين ومائتين وألف، ففاز الغوالف وطرد الألمانيون من إيطاليا، واستقلت بلدان اللومبارديا والطوسكانة ونادت بالحكم الجمهوري، ولم يبق بها خوف من تسلط سلاطين ألمانيا عليها. ولكن جل ولاة البلدان المذكورة كانوا ظلاما، وطالما طرد البابا من رومية وانتصب الحكم الجمهوري بها.
وشيئا فشيئا تمكن حال إيطاليا في التأسيس بعد ثورات شديدة وانقسمت مملكة الصقليتين بعد الثورة المشهورة بفابر سيسيليان سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف إلى مملكتين؛ مملكة نابلي ومملكة صقلية، واستولى على المملكتين المذكورتين بيتان متعاديان ودام هذا الحال إلى سنة أربع وخمسمائة وألف، وصارت ميلانو تخت عمالة معتبرة في عهد الأمراء من بيت فيسكونتي الذين دامت العمالة المذكورة بأيديهم من سنة سبع وسبعين ومائتين وألف إلى سنة سبع وأربعين وأربعمائة وألف، ومن بيت سفورتسة الذين دامت ولايتهم عليها من السنة المذكورة إلى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وألف. ورفع الكونت أمدي السادس الملقب بالأخضر شأنا كبيرا لعمالة سافويا من سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف إلى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وألف.
ومنذ القرن الرابع عشر صارت البندقية تمتد في بر إيطاليا وكان بيت آست في عمالة فرارة وبيت غونزاغة بمانتوة، واشتهرت مدينة فلورانسة من بين بلدان طوسكانة، وابتدئ تأسيس بيت ميدشي فيها ورجع البابوات لإيطاليا بعد أن كانوا منفيين مدة سبعين سنة ببلد أفينيون من فرنسا، أعني من سنة تسع وثلاثمائة وألف إلى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وألف. وأرجع الكردينال البورنوس حكم البابا أينوسان السادس، ونشره في جل بلدان العمالات الكنائسية سنة ستين وثلاثمائة وألف.
ومع ذلك لم يتيسر لإيطاليا أن تحتمي بالتمام من جور الأجنبي، وطالما سعى البابا جول الثاني من سنة ثلاث وخمسمائة وألف إلى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وألف في طرد البربر من إيطاليا، فإن فرنسا وإسبانيا كانوا يتقاتلون على أخذ هذه البلاد الجميلة، لكن خاب سعي ملوك فرنسا وهم: شارل الثامن ولويز الثاني عشر وفرنسوي الأول، وفازت إسبانيا باستيلائها على مملكة الصقليتين سنة خمس وخمسمائة وألف، ثم استتبعت عمالة ميلانو لها في سنة أربعين وخمسمائة وألف، بحيث إنها حصرت إيطاليا شمالا وجنوبا ورتبت باقيها كما شاءت، ولم تبق إلا البندقية مستقلة. وفي القرن السابع عشر نقصت سلطة إسبانيا بإيطاليا، وفي الثامن عشر كادت تزول بالكلية بدخول عمالة ميلانو ومملكة الصقليتين تحت حكم النمسة من سنة ست وسبعمائة وألف إلى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وألف، ولكن من سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وألف إلى سنة خمس وثلاثين وثمان وثلاثين وسبعمائة وألف استولى في عمالة بارمة ومملكة الصقليتين فرعان من بيت البوربون الإسبنيوليين، بشرط أن لا تضم العمالاتان المذكورتان إلى مملكة إسبانيا أبدا.
ثم تبدلت أحوال إيطاليا مدة بسبب حروب الثورة الفرنساوية في عهد نابوليون الأول، فإنه وقع انضمام عمالتي سافويا والبييمونت لفرنسا في سنة إحدى وثمانمائة وألف ووقع افتكاك عمالة ميلانو من النمسة وجعلها دولة جمهورية، وأخذت دولة النمسة بدلا عن ذلك البندقية وما تبعها، واستولى على الطوسكانة أمير من آل بيت إسبانيا. وفي سنة خمس وثمانمائة وألف بعد حرب أوسترليتس وشروط برزبورغ أضيفت البندقية مع ما تبعها إلى عمالة ميلانو، وسميت مملكة إيطاليا وضمت جنوة إلى فرنسا، وفتحت العساكر الفرنساوية مملكة نابلي، ولم يبق منها بيد ملكها فرديناند الرابع سوى جزيرة صقلية، وأولى نابوليون في المملكة المذكورة أخاه جوزاف سنة سبع وثمانمائة وألف، ثم صهره مرات سنة ثمان وثمانمائة وألف، وسلمت ملكة طوسكانة في ملكها سنة سبع وثمانمائة وألف، وأضيفت المملكة المذكورة إلى فرنسا، وأضيف جانب من عمالة البابا لمملكة إيطاليا، وكذلك التيرول الجنوبي في سنة تسع وثمانمائة وألف. وأضيفت رومية مع ما بقي من عمالة البابا لفرنسا، بحيث إن إيطاليا بتمامها كانت تابعة لنابوليون بأربع كيفيات ما عدا جزيرة صقلية فإنها بقيت بيد بوربون نابلي. ومملكة سردانية بقيت بيد بيت سافويا؛ وذلك أن سائر الجهة الكائنة بين الشمال والغرب كانت معدودة قطعة من فرنسا ما عدا عمالة لوكة وبيومبينو التي أعطاها لأخته أليزة. وسائر الجهة الشرقية مع جانب من عمالة البابا كانت معروفة باسم مملكة إيطاليا، وكانت تحت إدارة البرنس أوجان ابن زوجته الأولى بالنيابة عنه برتبة كاهية الملك، ومملكة نابلي كانت تحت حكم صهره مرات وكان وقع تأخير البابا كبقية أمراء الطليان، ولكن بعد وقائع سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف رجعت عمالة رومية بتمامها للبابا بمقتضى شروط ويني الشهيرة، ورجع لبيت سافويا عمالة سافويا والبييمونت ونيسة وجنوة، واستولت دولة النمسة على ميلانو والبندقية ولقبتا بمملكة اللومبارديا والبندقية، واستولى بطوسكانة ومودنة أميران من آل بيت النمسة، وأعطيت عمالة بارمة لماريا لويزة زوجة نابوليون الثانية. وبقيت مملكة نابلي بيد مرات، ولكن وقع افتكاكها منه في مدة نابوليون الثانية المعبر عنها بمدة المائة يوم وترجيعها لفرديناند الرابع ملكها الأول.
وفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ثارت مملكة اللومبادريا والبندقية على دولة النمسة وانفصلت صقلية من نابلي، وتأسس بنابلي وسردانية الحكم القانوني المعبر عنه بالكونستيتوسيون، ونادت رومية وطوسكانة بالحكم الجمهوري. ولكن في سنة تسع وأربعين وثمانمائة وألف رجع كل شيء لحاله. وفي سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف وقعت الحرب بين فرنسا وسردانية وبين النمسة فافتكت العساكر الفرنساوية والسردانية عمالة اللومبارديا من النمسة، وبمقتضى أصول شروط الصلح المنعقدة في حادي عشر يوليو سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف ببلد فيلافرانكة بوادي المينشيو، أحال إمبراطور النمسة عمالة اللومبارديا المذكورة لإمبراطور الفرنسيس، وهو نقل الإحالة المذكورة لملك سردانية، وأصول الشروط المذكورة وقع تصحيحها بمدينة زوريك، ولقبت شروط الصلح باسم المدينة المذكورة مؤرخة في الحادي عشر من نومبر سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف، وبينما كانت الحرب واقعة باللومبارديا قامت عمالات الطوسكانة وبارمة ومودنة والرومانية .
وفي شهر أشتنبر سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف اجتمع أربع جمعيات منتخبة بالاقتراع العمومي بفلورانسة وبارمة ومودنة وبولونيا، وحكموا بتأخير ملوكهم السابقة، وانضمام ممالكهم لمملكة سردانية تحت ولاية الملك فيكتور إمانويل الثاني من بيت سافويا القانونية، ووقع عرض الرأي المذكور على الأهلين فوافقوا عليه من غير تعرض، وقبل ملك سردانية حكم الانضمام المذكور وأمر بانضمام بارمة ومودنة والرومانية بمنشوره المؤرخ في الثامن عشر من مارس سنة ستين وثمانمائة وألف، وأمر بانضمام الطوسكانة بمنشوره المؤرخ في الثاني والعشرين من الشهر المذكور. وبسبب الوقائع الحربية التي تمت في السنة المذكورة نادى أهل عمالة المارش والأومبريا من مملكة رومية وأهل نابلي وصقلية بالانضمام أيضا. وفي سلخ أكتوبر واثنين في دجمبر سنة ستين وثمانمائة وألف قبل الملك المناداة المذكورة ووافق على اجتماع العمالات المذكورة مملكة واحدة بأوامره المؤرخة في السابع عشر من دجمبر.
ثم في السابع عشر من مارس سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف وقع نشر القانون الذي بمقتضاه سمي الملك فيكتور أمانويل الثاني نفسه ملك إيطاليا مع تسلسل هذا الاسم في ذريته، وفي سنة ست وستين وثمانمائة وألف انضمت عمالة البندقية لهذه المملكة الجديدة. (2) في أسماء ملوك إيطاليا وترتيبهم في الولاية
اعلم أن بيت سافويا متأصل من العائلة المعروفة بالعائلة الساكسونية (وهي عائلة كبيرة منقسمة إلى ستة فروع، منها فرع إمبراطورات جرمانيا)، وكبير البيت المذكور هومبرت الأول الذي أقامه رودولف الثالث ملك بورغونيا واليا على سافويا وموريان بلقب كونت، وكان يقال له ذا الأيادي البيض. واختلف المؤرخون في اسم أبيه؛ فمنهم من قال: هو ابن رجل يقال له برتولد أو بارولد كونت موريان، ومنهم من زعم أنه ابن رودولف المذكور، ومنهم من زعم أنه ابن هوغ مركيز إيطاليا. ولقب هومبرت هذا بكونت سافويا في سنة سبع وعشرين بعد الألف، ونال من إمبراطور جرمانيا كونراد الملقب بالساليك عماليتي الفوسينيي والشابلي الأسفل، والعمالة المسماة وال داوستة (أي وادي أوستة، وهم اسم مدينة) كلها أربع وثلاثين بعد الألف.
من سنة
إلى سنة
أسماء الملوك ونسبهم
عائلة كونتات سافويا
1027
1048
هومبرت الأول المذكور
1048
1060
أمدي الأول قيل ابن هومبرت وقيل حفيده
1060
1080
أمدي الثاني ابن أخي الأول
1080
1103
هومبرت الثاني الملقب بالمتقوي
1103
1148
أمدي الثالث تسلط الإمبراطور هنري الخامس على بلاده وجعلها كونتية السلطنة الجرمانية
1148
1188
هومبرت الثالث
1188
1233
توماس الأول
1233
1253
أمدي الرابع
1253
1263
بونيفاس عرف رولاند مات مسجونا
1263
1268
بطرس أخو أمدي الرابع، ويقال له شارلمان الصغير
1268
1285
فيليب الأول أخو بطرس
1285
1323
أمدي الخامس الملقب بالكبير
1323
1329
إدوارد الملقب بالسخي
1329
1343
أيمون الملقب بالسليم أخو إدوارد
1343
1383
أمدي السادس ويقال له الكونت الأخضر
1383
1391
أمدي السابع ويقال له الكونت الأحمر
عائلة دوكات سافويا
1416
1451
أمدي الثامن ولاه الإمبراطور سبجزموند خطة دوك في 1416 وسلم الملك لابنه لويز في 1434 ثم انخلع له في 1440 لأنه انتخب بابا
1440
1465
لويز الأول المذكور
1465
1472
أمدي التاسع
1472
1482
فيلبرت الأول المسمى الصياد
1482
1489
شارل الأول المسمى الحربي أخو فيلبرت
1489
1496
شارل الثاني ولد في 1488 وكانت الإدارة بيد أمه
1496
1497
فيليب الثاني ابن لويز الأول ولد في 1438
1497
1504
فيلبرت الثاني المسمى الجميل
1504
1533
شارل الثالث المسمى الطبيب أخو فيلبرت
1533
1580
إمانويل فيلبرت المسمى رأس الحديد
1580
1630
شارل إمانويل الأول الملقب بالكبير
1630
1637
فيكتور أمدي الأول
1637
1638
فرنسوي ياسينت مات في سن السبع سنين
1638
1675
شارل إمانويل الثاني
1675
1713
فيكتور أمدي الثاني
عائلة ملوك سردانية
1713
1730
فيكتور المذكور تولى ملكا على سردانية وغيرها بلقب فيكتور أمدي الأول
1730
1773
شارل إمانويل الأول
1773
1796
فيكتور أمدي الثاني
1796
1802
شارل إمانويل الثاني
1802
1820
فيكتور إمانويل الأول
1820
1831
شارل فليكس
1831
1849
شارل ألبرت من فرع سافويا كارينيان، تولى الملك لأن شارل فليكس لم يخلف عقبا، ثم انخلع لولده فيكتور إمانويل الثاني في 23 من مارس سنة 1849 عند تغلب جيوش أوستريا عليه في واقعة نفارة، وتوفي مهاجرا لبلاده في مدينة أوبورتو من أعمال مملكة البورتوغال في أواخر السنة المذكورة
ملوك إيطاليا
1861
فيكتور إمانويل المذكور المالك الآن (3) في وصف إيطاليا
إيطاليا قطعة من جنوب أوروبا كائنة بين سبع وثلاثين درجة وخمسين دقيقة وست وأربعين درجة وأربعين دقيقة من العرض الشمالي، وبين ثلاث درجات وخمس وأربعين دقيقة وست عشرة درجة وخمس دقائق من الطول الشرقي، وهي شبه جزيرة وشكلها شكل جزمة ذات مهماز، وحدها من جهة الشمال سويسرة والنمسة، وبين الشمال والغرب فرنسا، ومن الغرب وبينه وبين الجنوب البحر الرومي المسمى مديتراني ومضيق مسينا الفاصل بينها وبين صقلية، وبين الجنوب والشرق البحر الرومي أيضا، ومن جهة الشرق بحر الأدرياتيك، وطولها ألف وثلاثمائة كيلومتر وذلك من الجبل المسمى مون بلان إلى رأس سبارتيفينتو، وعرضها يختلف جدا فإنه من جهة الشمال يبلغ قدره خمسمائة وخمسين كيلومترا، وفي الوسط ومن جهة الجنوب لا يزيد على مائتين وعشرين كيلومترا، مع أنه في بعض الأماكن يضيق حتى إنه لا يتجاوز ستين كيلومترا، ومساحتها مع جزرها مائتان وأربعة وثمانون ألفا وأربعمائة وخمسة وستون كيلومترا مربعا، وعدد سكانها على ما تحرر سنة اثنتين وستين وثمانمائة وألف أربعة وعشرون مليونا ومائتان وثلاثة وستون ألفا وثلاثمائة وعشرون نفسا كلهم على المذهب الكاثوليكي إلا النادر منهم. وجزرها المعتبرة الخاصة بها جزيرة صقلية وجزيرة سردانية، وفي جنوب جزيرة صقيلة جزيرة بنتلارية، وبين صقلية والبر جزر ليباري، وفي مدخل جون نابلي جزر إيسكيا وكابري، وبين طوسكانة وكورسكة جزيرة آلبا، قال نابوليون: إنه لا توجد قطعة من أوروبا أحسن من إيطاليا وضعا لصيرورتها دولة بحرية عظيمة. فإن طول شطوطها في البر يبلغ ألفين وثلاثمائة كيلومتر تقريبا، وجزيرة سردانية مع جزيرة صقلية لهما ألف وأربعمائة كيلومتر من الشطوط، بحيث إن إيطاليا مع سائر جزرها كبارا وصغارا تحتوي على ثلاثة آلاف وتسعمائة كيلومتر من الشطوط. وقبل سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف كانت إيطاليا منقسمة إلى إحدى عشرة عمالة وهي مملكة سردانية، وإمارة مونكو ومملكة اللومبارديا والبندقية ودوكات مودنة ودوكات بارمة ودوكات لوكة ودوكات ماسة وكرارة وغران دوكات الطوسكانة، وعمالة البابا وجمهورية صان مرينو ومملكة نابلي وجميع الممالك المذكورة اجتمعت الآن وصارت مملكة إيطاليا، ما عدا قطعتين صغيرتين وهما: مونكو وصان مرينوا ومدينة رومية والبر المجاور لها الذي بقي لدولة البابا.
وفي جهتي الشمال والغرب من إيطاليا تمتد جبال الألب وتتصل بها جبال الأبنين التي تشق إيطاليا طولا، وتتفرق منها عدة جبال صغار منها الجبل الناري المسمى فيزوف، وفي صقلية توجد أيضا سلسلة جبال أعظمها الجبل الناري المسمى آتنة. ويجري في شمال إيطاليا نهر عظيم يسمى بو تنصب فيه جل أنهار تلك الجهة كالتيشينو والآدا والأوليو والمينشيو والترابيا والطارو وغيرها، ما عدا نهر الأيزونصو والتليامينتو والبيافي والبرينتة والأديجي فإنها تنصب في بحر الأدرياتيك. وفي جهة الوسط والجنوب تجري أنهار صغيرة عديدة تنصب في البحر، ويوجد في إيطاليا الشمالية عدة بحيرات منها البحيرة المسماة لاغو ماجوري؛ أي البحيرة الكبرى، وبحيرات كومو وغاردا ولوغانو وليكو وإيزيو. وفيها طرق معتادة للمواصلة كثيرة، وأما طرق الحديد فإن المنجز منها في سنة خمس وستين وثمانمائة وألف أربعة آلاف وأربعمائة واثنا عشر كيلومترا، والتي أشرفت على التمام أربعة آلاف وثمانمائة واثنان وثمانون كيلومترا.
وإيطاليا مشهورة بطيب الهواء وحسنه ما عدا الجهة الوسطى منها فإنه يوجد فيها مستنقعات تسمى بونتين يحدث منها في كل سنة أمراض عامة. وأرضها تختلف لكنها في الغالب خصبة وخصوصا عمل اللومبارديا الذي ينتج فيه الأرز بكثرة وسائر أنواع الحبوب، وعمل نابلي الذي زيته وخمره وبردقانه لها صيت عظيم في أوروبا. وفي الأماكن الجنوبية المتطرفة يزرع القطن والقصب الحلو، ودود الحرير والنحل يعطيان من ثمرهما مقدارا وافرا، وحيوانها كحيوان سائر أوروبا ما عدا الجاموس الذي صار متأنسا، ونوع خروف يوجد بجزيرة سردانية، وتوجد بها الحيوانات ذوات السموم بكثرة، وفي شطوطها حوت كثير لذيذ.
وغنى إيطاليا الأرضي من أنواع الأحجار الثمينة أكثر من المعادن، وهو ركن مهم فإنه يوجد بها أنواع البرفير والرخام والمرمر بجبال الألب والأبنين وبكرارة وفلتيرة، والرخام المركب من ألوان كثيرة في ستاتسيمة، والرخام الأسود في بيستويا والرخام الأخضر في براتو، وحجر فلورانسة الذي بعد صقل بلاطه تظهر فيه أشكال ديار خربة وأشجار، والحجر الذي بعد حرقه يتكون منه ما يعرف بفسفور بولونيا الذي يلمع في الظلام، واليماني ببارمة وغيرها من أعمال الطوسكانة وفيشنسة وسيينة والبييمونت وجبل الفيزوف. وأما مقاطع صقلية وسردانية فإنها تعطي جانبا يسيرا من الذهب وقناطير قليلة من الفضة وألوف قناطير من الرصاص وخمسمائة أو ستمائة ألف قنطار من الحديد. وتوجد أيضا بإيطاليا مقاطع زئبق ونحاس وتوتيا وكبريت وشب وملح وبعض عيون معدنية مشهورة كشهرة عيون ألمانيا، ويصنع بها الأقمشة الحريرية والصوف والبرنجق والدويدة وغيرها من أنواع العجين والمرايا والبرانيط وغير ذلك. ولها صنائع خاصة بها تتقنها كالفرفوري والفخار الفائق وآلات الطرب وأوتارها وأمور السعف والتبن المنسوبة لها.
وقد قل كثيرا متجر إيطاليا البحري منذ كشفت أميركا ورأس الرجاء الصالح، ومدنها المشهورة بالتجارة البندقية وآنكونة وغرنة وجنوة. والتجارة الداخلية غير نامية أيضا لكن باجتماع إيطاليا في مملكة واحدة ستزول جميع الموانع التي كانت معطلة للمتجر المذكور. وقد بلغت قيمة متجرها في سنة أربع وستين وثمانمائة وألف ألفا ومائتين وأربعين مليونا وتسعمائة وسبعين ألفا وتسعمائة وتسعة وعشرين فرنكا، الخارج منها أربعمائة وخمسة ملايين وثمانية وخمسون ألفا وثمانمائة وسبعة وثمانون فرنكا، وعدد المراكب الداخلة لمراسيها والخارجة منها سنة أربع وستين وثمانمائة وألف مائتان وواحد وثلاثون ألفا وتسعمائة وسبعة، الخارج منها مائة وخمسة عشر ألفا وأربعمائة وخمسة وأربعون محمول جميعها من الطونلاتات ستة عشر مليونا وسبعمائة وستة وستون ألفا ومائتان وأربعة وستون. والسبب في كثرة مراكب هذه الدولة مع أن متجرها أقل بكثير من متجر فرنسا التي لا يدخلها من المراكب ما يدخل إيطاليا هو أن غالب هذه شطوط، فيدخلها قاصدها وغير قاصدها من المراكب الجائلة في البحر الرومي وبحر البنادقة، بل يمكن دخول المركب الواحد عدة مراس من مراسيها، ونظير هذا السبب يوجد في بعض الممالك كالدنيمرك. وعمل الطريق الحديدية ابتدئ تسهيله.
ويوجد في جميع أعمال إيطاليا قمرات متجرية، والبانكات أخذت الآن في التكاثر. وبقيت إيطاليا مدة من الزمان مقرا للصنائع المستظرفة (أعني التصوير والنقش) ويرغب في انتيابها كثيرا السواحون لكثرة الأبنية الهائلة بها، وخرج منها رجال معتبرون في جميع الأمور لا يتيسر تسمية جميعهم لكثرة عددهم، فلنكتف من الشعراء الأقدمين بدانتي وبتراركا وأريوستو وتاسو ومتستازيو والفياري، ومن المؤلفين المهرة ببوكاتشو وغويتشرديني ودافيلا، ومن أهل السياسة بمكيافلي وفيكو وبكاريا وفيلخجياري، ومن المصورين برفاييل وليوناردو دا فينشي وتيتسيانو وتينتورلي وكوريجيو وكاراتشو وسالفتور روزا، ومن النقاشين الحذاق بميكيلانجلو وكانوفا، ومن المؤلفين في الموسيقى ببوربرة وبرغوليزي، ومن الفلكيين بغليلاو وتوريشلي وفولطة، ومن البابوات بغريغوريوس السابع وسيستو الخامس وليون العاشر. والقرن السادس عشر الذي وجد فيه كثير من هؤلاء المهرة يسمى قرن ليون العاشر، وهو معدود من الأربعة القرون المشهورة بالعلوم. (4) في الكلام على قوانين دولة إيطاليا
اعلم أن الملك شارل ألبرت صاحب مملكة الصاردو هو الذي أعطى القانون الجاري به عملهم اليوم بمنشوره المؤرخ بالرابع من مارس سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف، المتضمن أن من حقوق الملك تنفيذ القوانين والإمرة على العساكر البرية والبحرية وعقد الحرب والصلح وشروط المعاهدة والتجارة، ولكن إذا كان في ذلك ما يوجب زيادة مصاريف أو نقصا من حدود المملكة فلا بد من عرضه على موافقة مجلس نواب العامة، ومن حقوقه نصب الوزراء وتعيين جميع الوظائف وتأخير من لم تكن وظيفته عمرية متى شاء، وتعيين وقت اجتماع المجلس الأعلى ومجلس النواب، وتعطيل الثاني إن اقتضى الحال ذلك بشرط أن يطلب من الأهالي انتخاب مجلس جديد في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وعرض ما يستحدثه من القوانين على المجالس المشار إليها ثم إمضاؤها بعد موافقتهم عليها، وإصدار الأوامر بتنفيذ القوانين والعفو عمن شاء من أهل الجرائم. وهذه الأمور وإن كانت كلها من حقوق الملك فإنها متوقفة على إجازة الوزراء؛ لما عليهم من المسئولية للمجلسين المذكورين عن تصرفات الدولة، حتى إنه لا يسعهم البقاء في الوزارة إذا لم يكن رأي الغالب من المجلسين موافقا لسياستهم كما تقدم في الدولة الإنكليزية. (5) في بيان حقوق الأهالي
فمنها المساواة في الحقوق المدنية والسياسية والمساواة لدى الحكم والحرية الشخصية، واحترام الأملاك وحرية المطابع والاجتماعات العمومية للمفاوضة في مصالح الأهالي، وعرض كل أحد ما يظهر له من الشكايات على المجلسين المذكورين. (6) في بيان مجالس المملكة
المجلس الأعلى المسمى بالسناتو يتركب من أعضاء ينتخبهم الملك من أعيان المتوظفين ومن كبراء الكنيسة ومن نجباء أهل المملكة، ومن حقوق أمراء العائلة الملكية أن من بلغ منهم سنه إحدى وعشرين سنة يدخل في زمرة هذا المجلس، ولكن لا يكون له صوت فيه إلا إذا بلغ خمسا وعشرين سنة. وعضوية هذا المجلس عمرية وعدده غير محصور إلا أن به اليوم مائتين وثلاثة وثمانين عضوا، ومن أعماله التأمل في سيرة الدولة والمفاوضة فيها علنا ثم الاقتراع على القوانين التي تعرض عليه من الأعضاء أو من الملك، ومنها: التأمل والحكم فيما يصدر من الوزراء من المخالفات التي يدعى بها عليهم من مجلس نواب العامة، وفيما يصدر من الجنايات السياسية المتعلقة بالدولة أو بخصوص ذات الملك. (7) في بيان مجلس نواب العامة
مجلس نواب العامة يتركب من أعضاء عددهم اليوم أربعمائة واثنان وأربعون ممن لا يكون عمره أقل من ثلاثين سنة، بمراعاة أن على كل خمسة وثلاثين نفسا وكيلا واحدا لمدة خمسة أعوام، ولا يكون في هذا المجلس من متوظفي السياسة والعسكر من له مرتب من الدولة إلا إذا كان ذلك في مقدار خمس الأعضاء فلا يضر وجوده. وأعضاء هذا المجلس ينتخبهم الأهالي، لكن يشترط في المنتخب (بالفتح) أن يكون من أهل المملكة وممن يتصرف في حقوقه الشخصية والسياسية وأن يبلغ عمره ثلاثين سنة، كما يشترط في المنتخب (بالكسر) أن يكون من أهل المملكة منشأ أو دخولا في الجنسية وأن يبلغ عمره خمسا وعشرين سنة، وأن يعرف القراءة والكتابة، وأن يؤدي على أملاكه أربعين فرنكا في السنة أو يدفعها كراء عن محل خدمة صناعته، إلا إذا كان من أعضاء مجالس العلوم أو المتجر أو المدرسين للعلوم والمعارف وأرباب الوظائف السياسية والعسكرية ونياشين الافتخار وسماسرة المتجر والتلامذة المشهود لهم بالمعرفة، فجميع هؤلاء لا يعتبر في تأهلهم للانتخاب ذلك الأداء السنوي.
ومن أعمال مجلس النواب المفاوضة والاقتراع علنا على جميع القوانين المعروضة من الدولة أو الأعضاء، ومن حقوقه الخاصة تعيين مصاريف الدولة ومقدار الأداء الذي يوظف على الأهالي والتأمل في سيرة الدولة في الأمور الداخلية والخارجية، وسؤال الوزراء عنها وإقامة الدعوى على أحدهم أو جميعهم بالخيانة، وتنشر النازلة لدى المجلس الأعلى. أما رئيس مجلس النواب فينتخبه أعضاؤه. ثم إن للدولة مجلسا مركبا من أعضاء ينتخبهم الملك من أعيان المتوظفين، مأموريته إعطاء الرأي في النوازل التي تعرض عليه من الوزراء وفصل النوازل التي تقع بين المتوظفين فيما يتعلق بالمأمورية، وله تهذيب القوانين ونحو ذلك من المصالح المشار إليها في الكلام على الدول المتقدمة. (8) في أحوال الوزراء
إدارة هاته المملكة تحت نظارة تسعة وزراء يتصرفون عن أمر الملك بمقتضى القانون ويسألون في تصرفاتهم للأمة، ويجتمعون للنظر في المصالح تحت رئاسة الملك أو نائبه، ويسمى محل اجتماعهم مجلس الوزراء. (9) في حكام الإيالات
تنقسم هذه المملكة إلى تسع وخمسين إيالة، وتنقسم الإيالات إلى أوطان كبار، ثم هذه إلى أوطان صغار، ففي كل إيالة وال من طرف الدولة في صحبته مجلس مركب من أعضاء ينتخبهم الملك مكلف بإمضاء أوامر الدولة والنظر في عموم مصالح الإيالات وغير ذلك مما لسائر الولاة. كما أن في كل إيالة مجلسا مركبا من أعضاء ينتخبهم أهل الإيالة لمدة خمسة أعوام يكون عددهم ستين عضوا في الإيالة التي سكانها أكثر من ستمائة ألف نفس، وخمسين فيما دون ذلك إلى أربعمائة ألف، وأربعين فيما دون ذلك إلى مائتي ألف، وعشرين في بقية الإيالات المسكونة بأقل من مائتي ألف، وفي كل سنة يبدل الخمس من المجالس المذكورة بالقرعة في الخمسة الأعوام الأولى، ثم يصير التبديل بالأقدمية، وتجتمع هاته المجالس أول يوم إثنين من شهر أشتمبر من كل سنة إلى تمام المدة اللازمة، وخدمتهم تعيين المبالغ اللازمة لمصالح إيالتهم كتمهيد الطرقات وبناء القناطر والمارستانات والمكاتب ونحو ذلك، وتؤخذ المبالغ المشار إليها من دخل الأملاك الموقوفة على مصالح الإيالة، وإذا لم يف الدخل المذكور يوزعون المقدار الناقص على الأهالي بزيادة جزء على الأداء المطلوب من كل شخص، وإدارة صرف ما ذكر في المصالح المشار إليها في عهدة وكلاء الإيالة المنتخبين لمجلس النواب، ومن مأمورية هاته المجالس النظارة العامة على إدارة المكلفين بديار الصدقات المعينة للفقراء، وإعطاء الرأي في تغيير حدود الإيالات؛ حيث يقتضي الحال إضافة شيء من بعضها لبعض، وفيما يجب إحداثه من القناطر التي يدفع المارون عليها شيئا معينا، وفي تعيين الأماكن المناسبة لترسيم الأسواق ومجامع الدواب والسلع المعروضة للبيع، وفي تحرير التراتيب المحترمة وغير ذلك من مصالح إيالتهم. (10) في نواب حكام الإيالات
في كل من أوطان الإيالة الكبار نائب مأموريته التأمل في تصرف المجلس البلدي هل هو موافق للقوانين أم لا، وله في غير الحالة الضرورية تعطيل نفوذ رأيهم، ويبادر بعرضه على والي الإيالة الذي له إبطاله بموجب القانون. كما يوجد في كل من الأوطان المذكورة مأمور من طرف الدولة مكلف بحفظ راحة السكان ومأمور آخر مكلف بالنظر في أخذ العسكر. (11) في حكام المراكز الصغار
في كل مركز من مراكز الأوطان الصغار مأمور مكلف من طرف الدولة بالنظر في بقاء راحة السكان الذي هو من واجبات حاكم البلد. (12) في المجالس البلدية
في كل بلد مجلس بلدي يركب من ستين عضوا في البلدان التي يبلغ سكانها ستين ألف نفس، ومن أربعين في المسكونة بما دون ذلك إلى الثلاثين ألفا، ومن ثلاثين عضوا فيما دون ذلك إلى عشرة آلاف، ومن عشرين عضوا فيما دون ذلك لمدة خمسة أعوام، ويبدل الخمس في كل سنة كما تقدم، وكلهم تحت رئاسة مشايخ البلدان. وشروط انتخابهم كشروط انتخاب مجلس النواب، غير أنه في اعتبار السن فيمن لهم الكلمة في الانتخاب يبدأ بمن بلغ عمره إحدى وعشرين سنة، وفي اعتبار الأداء يبدأ بمن يؤدي خمسة وعشرين فرنكا في البلدان الكبار، وفي التي دونها يبدأ بمن يؤدي عشرين فرنكا، وهكذا إلى من يؤدي خمسة.
وتجتمع هاته المجالس مرتين في السنة؛ ربيعا وخريفا لتمام الخدمة، وقد يجتمعون لنصب المتوظفين وتأخيرهم عن المباشرة، ولهم التفاوض والانفصال في إدارة مصالح بلدهم والصدقات ومكاتب التعليم والتنظيف والنظارة على الضبطية، وترتيب قبض المبالغ المعينة للبلد، وتعيين ما يكفي منها لمصالحها وغير ذلك مما لمثلها في الممالك الأخرى. (13) في إدارة مصالح البلدان
في كل بلد جمعية مركبة من أعضاء يعينهم المجلس البلدي تحت رئاسة مشايخ بلدهم، مكلفون بمباشرة إدارة ما يعينه المجلس لمصالح البلد. وأعضاء هاته الجمعية ستة في البلد المسكون بثلاثين ألف نفس وأربعة في المسكون بما دون ذلك. (14) في تعطيل المجالس
للملك تعطيل خدمة مجالس الإيالات والمجالس البلدية لأسباب سياسية بشرط أن يطلب من الأهالي أن ينتخبوا مجالس جديدة في مدة غايتها ثلاثة أشهر، وفي تلك المدة يكلف بعض مأموري الدولة بإجراء المصالح المكلفة بها المجالس المذكورة. وإذا رفع للملك شكاية من سيرة الولاة أو بعض أعضاء مجلس النواب المكلفين بإدارة مصالح الإيالة فعلى الملك عرض ذلك على مجلس الدولة. (15) في بيان مجالس الحكم
اعلم أن الدولة الطليانية هي اليوم عبارة عن مجموع دول إيطاليا ودولة الصاردو كما تقدم، ولقرب مدة اتحاد الدول المذكورة لم تجد الدولة فسحة لترتيب مجالس الحكم على نمط واحد، ولذلك لم يتيسر لنا بيان عدد المجالس، لكن نقول على الإجمال: إن الأحكام بإيطاليا منسوجة على منوال أحكام الممالك الأوروباوية ذوات الكونستيتوسيون كفرنسا وإنكلترة، بحيث إن بها مجالس جنايات تفصل نوازلها بمحضر الجوري ومجالس عرفية ومجالس صلح ومجالس تحقيق وأربعة مجالس عليا. (16) في بيان مكاتب العلوم
اعتمادا على ما تقدم عند الكلام على التراتيب الفرنساوية من انقسام المكاتب إلى ثلاث مراتب، ينبغي أن نقتصر هنا على بيان عدة المكاتب وما بها من التلامذة بمقتضى ما حرر في سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف، فمكاتب المرتبة الأولى أحد وثلاثون ألفا وثمانمائة، بها من التلاميذ مليون ومائة وثمانية وسبعون ألفا وسبعمائة وثلاثة وأربعون، ومكاتب المرتبة الثانية ألف وستة وتسعون بها من التلاميذ تسعة وأربعون ألفا ومائة وخمسة وثمانون، ومكاتب المرتبة الثالثة وهي العليا تسعة عشر بها تسعة آلاف وخمسمائة وستة وثمانون. وأما البندقية ففيها من المرتبة الأولى ألفان ومائة وستة وعشرون مكتبا بها من التلامذة مائة وسبعة وعشرون ألفا ومائة وسبعة عشر، ومن الثانية أربعة وثلاثون بها من التلامذة أربعة آلاف وستمائة وسبعة عشر، ومن الثالثة مكتب واحد به من التلاميذ ألف وثلاثمائة وواحد وثمانون. وفوق المراتب الثلاث مكتب أعلى لتحرير العلوم.
وللمملكة مكاتب مخصوصة بالعلوم العسكرية والصنائع والفلاحة، وإدارتها تحت نظر وزير العلوم ومجلس معه، ومصاريف المرتبة الثالثة ومائة وثلاثة وعشرين من الثانية وسائر المكاتب العسكرية على الدولة، وباقيها على الإيالات والبلدان. (17) في قوة إيطاليا المالية والعسكرية البرية والبحرية
القوة المالية.
جملة دخل الدولة السنوي
614811652
فرنكا تقريبا
جملة خرجها السنوي
935386425
فرنكا تقريبا أيضا
جملة الدين الذي كان عليها في سنة 1863
3103150979
فرنكا
القوة العسكرية البرية في سنة 1866.
وقت الحرب
وقت الصلح
أصناف العساكر
153
153
أمراء الجيش من أمير لواء فما فوق
210
210
أتاماجور؛ أي أركان الحرب
272175
138735
تريس بالضباط إلى الأمير ألاي
18373
17895
خيالة
21792
21792
جاندارم وهم ضبطية خيالة
30032
18926
طوبجية
16990
7424
مهندسون وعسكر لرفع الأثقال
6175
3183
المكلفون بإدارة الجيش
13900
13900
ضباط وعسكر مقيمون بالحصون
115000
عسكر يداك
494800
222218
الجملة
القوة البحرية بدولة إيطاليا سنة 1866.
جملة المراكب ومدافعها 1321
مراكب قلاع
بها قوة خيل 30210
بحرية
أصناف البحرية والمراكب
فابورات
فابورات مدرعة
2
أميرالات
3
فيش أميرال في مقام أمير أمراء
10
كنترا أميرال في مقام أمير لواء
22
قبطانات أجفان
36
قبطانات فراقط
150
فسيالات من الرتبة الأولى والثانية
150
فسيالات صغار
11193
بحرية
660
صنائعية
5850
عسكر معد للبحر
14
14
فراقط منها واحدة بالشبور
2
2
قرابط
6
6
كوننيار
2
2
بطرية عوامة
2
2
أجفان
9
9
فراقط
22
2
20
قرابط
5
5
كوننيار
11
11
أبركة
31
8
23
لحمل الأثقال
104
10
70
24
18076
الجملة
قوة إيطاليا البحرية المتجرية.
طونلاتة
مراكب
أنواع المراكب
669516
16398
مراكب قلاع
16887
50
فابورات
686403
16448
الجملة
الباب التاسع
في الكلام على مملكة إسبانيا
(1) في تاريخها
هاته المملكة كانت في القديم قبل الميلاد تابعة لدولة اليونان ثم استولى عليها القرطاجنيون، ثم في سنة ثلاث وثلاثين ومائة قبل الميلاد استولى عليها الرومانيون وصارت من الممالك التابعة لهم، وبقيت بأيديهم نحو خمسة قرون، ثم استولت عليها الأمة المسماة فيزيغوت من أهل الشمال واستوطنتها إلى سنة عشر وسبعمائة مسيحية، ثم دخلها الإسلام بفتح العرب لها، واستفحل ملكهم فيها واتسع نطاقه إلى أن بلغ من الشهرة والتقدم في التمدن والعلوم والمعارف والصنائع، خصوصا علم الفلاحة الذي اتخذته الإفرنج قدوة إلى يومنا هذا ما هو معروف، ثم انقسم ملكها إلى ملوك طوائف وصار الملك يخرج من أيديهم بسبب ذلك شيئا فشيئا كما هو مشهور في كتب التواريخ الإسلامية إلى سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وألف، وفيها انقرض ملك الإسلام من إسبانيا رأسا .
واستولى فردناند ملك إسبانيا على غرناطة، وهي آخر ممالك الإسلام بها ودام الملك في ذرية فردناند المذكور إلى سنة سبعمائة وألف فانقرضت وطلب الإسبنيوليون فليب الخامس حفيد ملك فرنسا أن يتولى أمرهم فتولاه بعد حروب مشهورة بين فرنسا وبقية دول أوروبا الذين أرادوا منعه من الولاية عليها، ودام الملك في ذريته إلى سنة ثمان وثمانمائة وألف، وفيها وقعت بين ملكها شارل الرابع من العائلة المذكورة وبين ابنه فردناند السابع منازعة في حكاية مشهورة اغتنم فرصتها نابوليون الأول فافتك الملك من أيديهم، وقدم أخاه له وبقي في يده إلى سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف، ثم رجع ملكها لذرية فليب الخامس بولاية فردناند المذكور، ولا زال الملك في أيديهم إلى يومنا هذا. (2) في ملوك إسبانيا وتواريخ ولايتهم
سنة
من عائلة آرغون
1479
فردناند الخامس مع زوجته إيزابيلا صاحبة قسطلية
من عائلة النمسة
1516
شار الأول الذي تلقب فيما بعد شارل الخامس
1556
فليب الثاني
1598
فليب الثالث
1621
فليب الرابع
1665
شارل الثاني
من عائلة بوربون الفرنساوية
1700
فليب الخامس
1724
لويز الأول
1724
فليب الخامس ولاية ثانية
1746
فردناند السادس
1759
شارل الثالث
1788
شارل الرابع
1808
جوزاف بونابارت
1813
فردناند السابع
1833
إيزابيلا الثانية مع أمها مارية كريستينا
1843
ثم وحدها إلى الآن (3) في وصف المملكة
اعلم أن هاته المملكة من الممالك الأوروباوية الجنوبية الغربية ومقرها بين ست وثلاثين درجة ودقيقة واحدة وثلاث وأربعين درجة وإحدى وخمسين دقيقة من العرض الشمالي، وبين الدرجة الأولى من الطول الشرقي والحادية عشرة وسبع وثلاثين دقيقة من الطول الغربي، ويحدها في الشمال البحر المحيط والجبال الفاصلة بينها وبين فرنسا وفي الجنوب بوغاز جبل طارق وفي الغرب مملكة البرتوغال وفي الشرق البحر الأبيض، ومساحتها طولا من الشمال إلى الجنوب ألف ومائة كيلومتر وعرضا من الغرب إلى الشرق ستمائة كيلومتر، ودائرتها ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربعة وسبعون كيلومترا منها ألفان وسبعمائة كيلومتر شطوط، ومساحة أرضها خمسمائة ألف وتسعة وأربعون ألفا ومائتان وثلاثة وأربعون كيلومترا مربعا ما عدا جزر الباليار.
وهي ذات جبال وأودية فبها من الجبال الكبار ستة ومن الأودية العظام خمسة ومن الصغار أربعة، وعدد سكانها بلغ في سنة سبع وخمسين وثمانمائة وألف خمسة عشر مليونا وأربعمائة وأربعة وخمسين ألفا وخمسمائة وأربع عشرة نفسا، وكلهم على المذهب الكاثوليكي. ولها مستعمرات في أميركا يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين وأربعة وستين ألفا ومائة وأربعا وعشرين نفسا، ولها في أفريقية وآسيا وجزر الأوقيانوس مستعمرات يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين وسبعمائة وستة وأربعين ألفا ومائتين وثلاثا وثلاثين نفسا، ولها طرق حديدية بلغ طول المنجز منها في سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف ثلاثة آلاف وخمسمائة وتسعة وستين كيلومترا.
ولها تقدم في العلوم والمعارف، وفيها من المكاتب من الطبقة الأولى ثلاثة وخمسون ألف مكتب ومن الثانية ستة وخمسون مكتبا ومن الثالثة اثنا عشر مكتبا، ولها مكاتب أخرى لتدريس المنتهي من التلامذة في المكاتب المتقدمة ليخرج منها المدرسون بتلك المكاتب. وتوجد مكاتب أخرى كمكتب مهندسي الطرقات وبناء القناطر ونحوها من المصالح العامة وكمكتب استخراج المعادن، ومكتب الفلاحة ومكتب الصنائع ومكتب الموسيقى والنحت وصناعة الدهن، ومكتب الشهود ومكتب المتجر البري والبحري، ومكتب البيطرة ومكتب صناعة الماكينات، ومن نباتاتها القمح والشعير والأرز والقطاني والزيتون والزعفران والقطن والقنب والعنب والبردقان والرمان وغير ذلك من الفواكه والثمار.
وفيها معادن كثيرة كمعدن الزمرد ونحوه من الأحجار الثمينة ومعدن النحاس والرصاص والزئبق والتوتيا والفحم الحجري والكبريت والحديد والملح وغير ذلك. وأنعامها كثيرة ومن أشهرها الغنم ذو الصوف الجيد الشهير، ومن صنائعها أقمشة الحرير والكتان والقطن والكاغد والصابون والجلد والأسلحة، وهي في جودة صناعتها مشهورة خصوصا بلدة طليطلة والصياغة ونحو ذلك. ولها تجارة واسعة بحيث بلغت قيمة الخارج منها سنة اثنتين وستين وثمانمائة وألف مائتين وسبعة وسبعين مليونا وستمائة وثلاثة وثلاثين ألفا وسبعة وستين فرنكا ونصفا، وقيمة الداخل لها أربعمائة وتسعة وأربعين مليونا وثمانمائة وثمانية وعشرين ألفا وسبعمائة وخمسة وسبعين فرنكا وثلاثة أرباع. وبلغ عدد المراكب الداخلة براية الإسبنيول خمسة آلاف ومائتين وثمانين، وبراية الأجانب خمسة آلاف وخمسمائة وأربعة، والخارجة برايتهم أربعة آلاف وثلاثمائة وسبعة عشر، وبراية الأجانب أربعة آلاف وثمانمائة وأحد عشر مركبا. (4) في تنظيماتها السياسية
اعلم أن الكونستيتوسيون الذي عليه اليوم سياسة هاته المملكة كان تأسيسه في سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف، ومن أصوله أن وضع القوانين الجديدة لا يكون إلا من المجلس المسمى كورتيس بموافقة الملك، وهذا المجلس ينقسم إلى مجلسين؛ مجلس أعلى ومجلس وكلاء عامة. فالمجلس الأعلى هو المركب من أعيان العائلات الذين لهم الحق في أن يكونوا أعضاء فيه بدون ولاية خاصة، وهم العائلات المتفضل عليهم بذلك من الملوك لخصال صدرت من أسلافهم ومن أرباب الخطط النبيهة المجعول من حقوقها العضوية فيه بمجرد تقدمهم إليها، وهم كبراء الكنيسة من أساقفة ورؤساء أساقفة وكبراء العساكر الذين يبلغون رتبة خاصة، ورؤساء مجالس الأحكام من الرتبة العليا ومن أعيان ينتخبهم الملك بوظيفة عمرية من الأهالي باعتبار الشروط المقررة في القانون. ومجلس وكلاء العامة هو المركب من أعضاء تنتخبهم الأهالي ممن يدفع للدولة أداء سنويا، مقداره في الأقل مائة وخمسون فرنكا على ما لا ينقل، أو ممن له دخل مقداره في الأقل ثلاثة آلاف فرنك مما ينقل من الأملاك، ويعتبر في عددهم أن يكون لكل خمسين ألف نفس وكيل. وهؤلاء الأعضاء يتبدلون في كل خمسة أعوام، وشرط المنتخبين لهم أن يكونوا ممن يدفع أداء للدولة مائة فرنك في كل سنة أو ممن يدفع خمسين فرنكا إن كان من أهل المعارف.
ومن حقوق هذين المجلسين: القرعة والمفاوضة في جميع القوانين الجديدة، وتعيين أصول مصاريف الدولة ودخلها كل سنة، وسؤال الوزراء عن تصرفات الدولة في السياسة الداخلية والخارجية، وغير ذلك مما تقدم إيضاحه في الممالك القانونية. أما الملك فمن حقوقه تنفيذ القوانين باسمه وعمل الحرب وعقد شروط الصلح والمعاهدة والتجارة ونصب الوزراء وانتخاب رؤساء المجلسين المذكورين وغيرهم من المتوظفين، وتأخير من لم تكن وظيفته مؤبدة عن المباشرة، وإصدار الأوامر في تعيين أوقات اجتماع المجالس وتعطيل خدمة مجلس وكلاء العامة إن اقتضاه الحال على شرط أن يطلب من الأهالي انتخاب مجلس جديد في مدة نهايتها ثلاثة أشهر، وعرض القوانين الجديدة على موافقة المجالس، وهذه الأصول وإن كانت من حقوق الملك لكنها تتوقف على إجازة الوزراء لمسئوليتهم عن تصرفات الدولة. قلت: لكن العمل بهاته القوانين في هذه المملكة لم ينجح مثلما نجح في غيرها من الممالك الأوروباوية لدوام الحروب الداخلية فيها بين الأحزاب، وبسببه تغتنم الدولة الاستبداد في كثير من الأحوال بقدر ما تنتهز من الفرصة.
وللدولة مجلس آخر غير المجلسين المذكورين مركب من أعضاء ينتخبهم الملك، ومأموريته تهذيب ما يراد عرضه من القوانين الجديدة على المجالس المذكورة، وتراتيب إدارات المملكة وفصل النوازل الواقعة بين المتوظفين أو بينهم وبين غيرهم فيما يتعلق بالمأمورية، ويعطي الرأي في النوازل المهمة التي تعرض عليه من الوزراء، ومجلس آخر أيضا مأموريته التأمل فيما تنمو به المتاجر وتعظم به الصنائع جودة وإتقانا. (5) في إدارة المملكة
إدارتها مقسومة بين ثمانية وزراء يباشرونها على نظر رئيسهم الذي هو الوزير الأول، ويجتمعون تحت رئاسة الملك أو من ينوبه في ذلك للنظر في المصالح، ويسمى جمعهم مجلس الوزراء. وتنقسم المملكة إلى تسع وأربعين إيالة وفي كل إيالة وال مكلف بتنفيذ أوامر الدولة المتعلقة بمصالحها وإدارتها، وينظر في مصالح الإيالة مما على الولاة النظر فيه كما تقدم إيضاح مثله، ومعه مجلس مشورة مركب من أعضاء ينتخبهم الملك، مأموريته التأمل والحكم في النوازل الواقعة بين المأمورين بإدارة المصالح العامة ومن يتفقون معه على بعض الخدم العمومية أو بين المأمورين ومن يدعي ضررا من سيرتهم. ولكل إيالة مجلس يسمى مجلس الإيالة مركب من أعضاء تنتخبهم الأهالي تحت رئاسة رئيس ينتخبه الملك من الأعضاء، مأموريته توزيع الأداء المرتب من مجلس وكلاء العامة على الإيالة بين بلدانها، وتوزيع الأنفس المطلوبة منها لخدمة العسكر، والنظر فيما تحتاج إليه الإيالة مما يجب إحداثه من المصالح، وتعيين المبالغ الواجب أخذها من الأهالي لقضاء تلك المصالح ونحو ذلك، ولكل بلدة من بلدان الإيالة مجلس بلدي مركب من أعضاء ينتخبهم الأهالي الذين يدفعون للدولة أداء مقداره في الأقل خمسون فرنكا في السنة على ما لا ينقل من الأملاك، وهذا في البلدان الكبار. وأما في البلدان الصغار فلا يعتبر شرط الأداء، ورئيس هذا المجلس هو شيخ البلد أو نائبه، وينتخبهما الملك من أعضائه، ومأموريته النظر في مصالح البلد وتحقيق حسابات الشيخ ونائبه المكلفين بقضاء تلك المصالح وإجراء القرعة في أخذ العسكر، وإعانة المكلفين بخلاص المجابي وتعيين تراتيب إدارة أملاك البلد، وتقسيم المياه والمراعي وغير ذلك من مصالح البلد بين سكانه.
وللملكة المذكورة من المجالس الحكمية أربعمائة وخمسة وتسعون مجلسا لفصل نوازل الجنايات والماليات الواقعة بين السكان، وخمسة عشر مجلسا للتحقيق على الأحكام الصادرة من المجالس المذكورة إن طلب المحكوم عليه ذلك، ومجلس آخر أعلى بحكمه تنتهي جميع النوازل كما تقدم نظيره في فرنسا. (6) في قوة إسبانيا المالية والعسكرية البرية والبحرية
القوة المالية.
بلغ دخل المملكة السنوي في 1862
507892250
فرنكا
وبلغ خرجها في السنة المذكورة
505283808
فرنكا
وكان عليها من الدين في تلك السنة
3568683575
فرنكا
قوتها العسكرية البرية في سنة 1862.
169972
عسكر تريس
16824
خيالة
12626
طوبجية
4016
مهندسون
12951
خيالة جندارمية لحفظ البلد؛ أي ضبطية خيالة
216389
الجملة
قوتها البحرية في السنة المذكورة.
جملة المراكب ومدافعها 1864
مراكب قلاع
فابورات
جملة البحرية
أصناف البحرية والمراكب
1100
فسيالات كبار وصغار
189
المكلفون بالإدارة
128
ماكنجية
13615
بحرية
7980
عسكر بر معد للبحر
3
2
1
أجفان
24
3
21
فراقط
22
4
18
قرابط
20
20
قوليت
28
10
18
لحمل الأثقال
15
15
أبركة وسكاين
17
17
فابورات صغار
30
30
كوننيار
مراكب مشرفة على التمام
2
2
أجفان حديد بها قوة خيل 100
6
6
فراقط حديد بها قوة خيل 1000
4
4
قرابط
6
6
قوليت
12
12
شالوب كوننيار
189
34
155
23012
الجملة
القوة البحرية المتجرية.
الجملة
م قلاع
فابورات
المراكب المتجرية
1438
1395
43
مراكب كبار للسفر البعيد
3390
3309
81
مراكب صغار للسفر القريب
4828
4704
124
الجملة بها بحرية: 36744
الباب العاشر
في الكلام على مملكة السويد والنورويج
(1) في تاريخها
اعلم أن هذه المملكة كانت منقسمة إلى عدة ممالك صغار، ثم في القرن العاشر تكون من تلك الممالك دولتان، وفي ابتداء القرن الثاني عشر صارت المملكتان مملكة واحدة، وفي سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وألف انتخب أهلها ملكة الدنيمرك والنورويج لتتولى عليهم أيضا. وبمقتضى شروط انعقدت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة وألف صارت الممالك الثلاث، وهي المسماة بإسكندنافيا؛ أعني مملكة السويد والنورويج والدنيمرك متحدة تحت إمارة الملكة. ومن سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وألف إلى سنة عشرين وخمسمائة وألف وقعت ثورات عديدة بمملكة السويد؛ لعدم رضاهم بسلطة الدنيمرك عليهم آل الأمر فيها إلى استقلالهم تحت إمارة غوستاف فازا سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة وألف. وفي مدة هاته العائلة تمذهب أهل السويد بمذهب لوتير الذي هو فرع من مذهب البروتستانت، وفي مدتها أيضا من سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة وألف إلى سنة أربع وخمسين وستمائة وألف صارت مملكة السويد من أفخر الممالك المعتبرة في أوروبا حتى تولى ثلاثة من ملوكها على بولونيا، وتداخلت في أحوال ألمانيا مدة الحروب المسماة بحروب الثلاثين سنة تداخلا نجحت فيه بانتصارات عظيمة على ضدها من دول ألمانيا، وكانت من الدول الشمالية المتحالفة مع فرنسا.
واتسعت حدود المملكة المذكورة زيادة على ما أضاف إليها الملك إريك التاسع في القرن الثاني عشر من مملكة فينلاند، واستيلاء الملك غوستاف أدولف على إيالات ليفونيا واينغريا وكاريليا واستيلاء الملكة كرستينة في القرن السابع عشر على جزء من مملكة البومرانيا وإيالات برامن وفاردن ومصب وادي الأودر. وفي سنة أربع وخمسين وستمائة وألف تنازلت هاته الملكة عن الملك لقريبها شارل العاشر من الفرع المسمى بعائلة القنطرتين، وهذه العائلة التي ملكت من السنة المذكورة إلى سنة عشرين وسبعمائة وألف رفعت في ابتداء أمرها شأن المملكة بمقتضى الشروط التي عقدها شارل الحادي عشر سنة ستين وستمائة وألف مع دولة بولونيا التي سلمت حقوقها في إيالتي ليفونيا واستونيا لدولة السويد. وفي السنة المذكورة تسلم من دولة الدنيمرك إيالات إسكانيا وهالاند وبلاكنج وبوهس. لكن بسوء سيرة شارل الثاني عشر الذي كان انتصر انتصارا عظيما على جيوش الروسية انتصر عليه بطرس الكبير ملك الروسية في واقعة بولتافا سنة تسع وسبعمائة وألف، وضاعت على السويد ممالك معتبرة بمقتضى الشروط التي انعقدت بينها وبين الروسية سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وألف.
وفي سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وألف تسلطن على السويد أدولف فردريك من عائلة هولستين غوتورب وألجئ الملك غوستاف أدولف وهو الرابع من العائلة المذكورة إلى التنازل عن الملك سنة تسع وثمانمائة وألف، ورجع التاج لعمه شارل الثالث عشر لحسن سيرته. وحيث لم يكن له وارث من عائلته تبنى الماريشال الفرنساوي برندوت سنة إحدى عشرة وثمانمائة وألف. وفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وألف دخلت دولة السويد مع الدول المتألبة على فرنسا وأضيف لها مملكة النورويج، حيث شرطت ذلك في تداخلها مع الدول. وفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة وألف تولى الماريشال برندوت الملك بعد موت شارل الثالث عشر باسم شارل الرابع عشر، وفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة وألف مات شارل الرابع عشر وتولى ابنه شارل الخامس عشر، وهو المتولي الآن. وفي مدة شارل الرابع عشر وابنه شارل الخامس عشر المذكورين ارتفع شأن مملكة السويد والنورويج خصوصا في فنون العلم والمعارف وتهذيب القوانين السياسية وتنمية الفلاحة والصنائع. (2) في وصف مملكة السويد والنورويج
اعلم أن مملكتي السويد والنورويج محتويتان على الجزيرة المتصلة بالأرض القارة المسماة بالإسكندنافيا، وموقعهما بين خمس وخمسين درجة وثلاث وعشرين دقيقة وإحدى وسبعين درجة وعشر دقائق من العرض الشمالي وبين درجتين وخمسين دقيقة وثمان وعشرين درجة وخمس وأربعين دقيقة من الطول الشرقي. وأطول جهاتهما يبلغ ألفا وثمانمائة وثمانين كيلومترا، وأشدهما عرضا يبلغ ثمانمائة وعشرين كيلومترا، وسطحهما يبلغ سبعمائة وستة وأربعين ألفا ومائتين وثمانية عشر كيلومترا مربعا. ويحد هاته الجزيرة من ناحية الشمال البحر الجامد القطبي، وغربا خليج الصوند والكاتغات والسكاجر راك والبحر الشمالي وبحر الإسكندنافيا اللذان هما من أجزاء البحر المحيط، وقبلة بحر البلتيك والسكاجر راك، وشرقا مملكة الروسية وبحر البلتيك وخليج بوتنيا. وقد بلغ سكانها سنة ستين وثمانمائة وألف خمسة ملايين وخمسمائة وتسعة وخمسين ألفا وتسعمائة وتسعا وأربعين نفسا.
وهاته الأرض المحدودة كائنة بين بحرين ومنقسمة بسلسلة جبال طويلة، وهي مع ذلك كثيرة البحيرات ومستنقعات المياه والأودية ومجاري السيول، وبها دخلات كثيرة في البحر، وسكانها أرباب قوة وفطنة وشجاعة وخبرة بأحوال البحر، وقد كانت المملكتان منفصلتين عن بعضهما مدة مديدة والآن اجتمعتا تحت سلطنة ملك واحد وإن لم تزالا متغايرتين، فلكل منهما لسان مخالف للسان الأخرى وعوائد مخالفة لعوائدها أيضا، وتاريخ كل منهما مختص بها، ولكل منهما عسكر مستقل بها. والفاصل بين المملكتين جبال دوفرين المسماة جبال ألب إسكندنافيا، ومساحة مملكة السويد وحدها أربعمائة وتسعة وثلاثون ألف كيلومتر وثمانمائة وثلاثة عشر كيلومترا مربعا، وعدد سكانها أربعة ملايين وتسعة وستون ألفا وتسعمائة واثنان، والهواء بغالب أقطارها طيب والشتاء بها يابس جدا ويدوم ستة أشهر، ولا وجود للربيع بها، ومدة الصيف قصيرة جدا مع شدة الحر، وفي الخريف يكثر الضباب. وكلما قربت ناحية الشمال يشتد البرد وتطول مدة الشتاء، فإن اللابونيا الكائنة في قسم السويد لا تزيد مدة الصيف فيها على ستة وخمسين يوما من الثالث والعشرين من يونيو إلى ثامن عشر أغشت، وفي بقية أيام السنة تكون الأرض مغطاة بالثلج والجمد.
وأرض السويد ليست بأرض خصب إلا في قسم الغوتيا منها، ولا يصلح للازدراع منها إلا مقدار عشرة آلاف كيلومتر مربعا، وهذا القدر جزء من ثلاثة وأربعين جزءا من أرضها وبقية الأجزاء أجمات وبحيرات وجبال، ومع ذلك فإن سوق الفلاحة بها نافقة حتى إن الحاصل من قمح أرضها يبلغ خمسة عشر مليونا وثلاثمائة طن، ومن البطاطة اثني عشر مليونا وسبعمائة ألف طن، والطن عبارة عن ألف كيلو أي ألفي رطل. وبها من الخيل أربعمائة ألف ومن البقر مليونان ومن الضأن مليون ومائة وخمسون ألفا ومن المعز مائة وخمسون ألفا ومن الخنازير أربعمائة وستون ألفا، وبها مقاطع الحديد الجيد المشهور ومقاطع النحاس والرصاص والتوتيا والكوبالت والكبريت والزاج والملح والشب والفحم الحجري والرخام والبورفير، وأقوى جوالب الغنى بها ما يقطع من غاباتها الآخذة من أرضها قدرة ثلاثمائة وعشرين ألف كيلومتر، ويكثر بها صيد الحوت، والصناعات بها رائجة كصناعة أقمشة الصوف والحرير والقطن والغوانتوات واصطناع الآلات الصالحة للفنون الرياضية والطبيعية ومحابس الرخام وغيرها من التحف التي تعد للزينة، وصناعة تصفية السكر وفبريكات الجلد والفخار والبلور والكاغد والتقطير ونحوها. ودخل الأهالي من قيمة ما ذكر في السنة مائة واثنان وستون مليونا ومائة وأربعون ألف فرنك.
هذا، وإن بالمملكة المذكورة كثيرا من الخلجان المصنوعة لتسهيل المواصلة، وأعظمها وأحسنها خليج غوتة الذي يعبر عليه من بحر البلتيك إلى البحر الشمالي، وبوسطه وادي غوتة وخليج ترولهتي وبحيرة وانر وبحيرة واتر ووادي موتالا وبحيرات بورن وبوكسن، بحيث إنه يتوصل به من غوتمبرغ إلى مدينة سطكهولم، وطوله ثلاثمائة وعشرين كيلومترا ويحتوي على ثمان وخمسين جابية ومقدار اثنين وثمانين كيلومترا منه نحت في الأحجار، والطرق المعتادة بها كثيرة جدا، وأما طرق الحديد الموجودة بهاته المملكة فمنها ما تمت خدمته ومنها ما لم يزل فيه العمل. ولم يزل متجرها في النمو حتى بلغت قيمة الخارج منها في سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف مائتين وأحدا وخمسين مليونا وثمانمائة وسبعة وثلاثين ألفا وثلاثمائة وأربعين فرنكا، وقيمة الداخل لها مائتين وخمسة ملايين وتسعمائة وثمانية آلاف وثمانين فرنكا. وبلغت جملة المراكب المتجرية التي دخلت مراسيها والتي خرجت منها أربعة عشر ألفا وثلاثمائة وأربعا، منها براية السويد والنورويج تسعة آلاف وستمائة وأربع وعشرون، الخارج منها سبعة آلاف وتسعمائة وثمانية وعشرون.
وتنقسم مملكة السويد إلى ثلاثة أقسام؛ أولها: قسم السويد، والثاني: الغوتيا، والثالث: النورلاند واللابونيا، ثم ينقسم القسم الأول إلى تسع مشيخات والثاني إلى عشر والثالث إلى خمس، وبساط التعليم في جميعها في غاية الاتساع. (3) في قوانينها السياسية
اعلم أن من حقوق ملك السويد الرئاسة على العساكر البرية والبحرية، وعمل الحرب والصلح، وعقد شروط المعاهدة والتجارة، على شرط أن يستشير في مغيب المجالس السياسية الكومسيون المركب من أعضاء من مملكة السويد ومملكة النورويج، وأن يطلب اجتماع المجالس السياسية ليعرض عليهم سبب الحرب إن كان ذلك في وقت حضورها. وله تولية المتوظفين وغير ذلك مما لسائر الملوك القانونية، ويتصرف في سياسة المملكة بموافقة أربعة مجالس في أمور، وبإعانة الوزراء ومجلس الدولة المسئول جميعهم - أي الوزراء - وأعضاء المجلس في أمور أخرى. والمجالس الأربعة المذكورة أولها مركب من النوبليس؛ أي أعيان الأمة، والثاني من أهل الديانة والثالث من أعيان البلدان والرابع من لفيف الناس. ولا يمكن تبديل قانون ولا ترتيب أداء ولا أخذ عسكر إلا بموافقة غالب أعضاء المجالس الأربعة.
وهذه المجالس لا يقع اجتماعها إلا أربعة أشهر في كل ثلاثة أعوام، وفي مدة مغيبهم يبقى منهم مجلس مركب من أربعة وعشرين عضوا من كل مجلس ستة أعضاء، ومجلس مركب من ستة أعضاء مأخوذين من المجلس الثاني كلفته حفظ حرية المطابع ومنع التعدي على من كتب شيئا، وهو مع المجلس الأول والمحتسب العمومي نواب عن المجالس الأربعة مدة مغيبهم للتأمل في سيرة الدولة ومجالس الحكم وغير ذلك مما كانت تفعله المجالس المذكورة لو كانت حاضرة، ثم وقع جمع المجالس الأربعة في مجلسين؛ مجلس أعلى ومجلس وكلاء عامة، مع بقاء ما كان لها من الحقوق. ولأهل مملكة السويد والنورويج ما لغيرهم من رعايا الدول القانونية من فصل النوازل الواقعة بينها لدى مجلس مركب من رئيس وأعضاء بوظيفة عمرية يفصلون سائر الجنايات والماليات بمحضر الجوري، كما ذكر بمملكة فرنسا وغيرها. (4) في قوتها المالية دخلا وخرجا والعسكرية برا وبحرا
القوة المالية.
جملة دخل الدولة السنوي
335314107
فرنكا تقريبا
وجملة خرجها السنوي
247970791
فرنكا تقريبا أيضا
وجملة الدين الذي كان عليها سنة 1865
436006109
فرنكا
وجملة العساكر كانت في السنة المذكورة
130000
نفسا
القوة البحرية بمملكة السويد سنة 1867.
جملة المراكب ومدافعها 1000
مراكب قلاع
فابورات
بحرية وقت الحرب
بحرية وقت الصلح
أصناف البحرية والمراكب
25000
9600
بحرية
7
5
2
أجفان
4
3
1
فراقط
9
4
5
قرابط
8
8
أبركة
94
76
8
شالوب كوننيار
6
6
فابورات صغار
128
96
32
25000
9600
الجملة
وأما مملكة النورويج فتختها مدينة كريستيانية، ومساحة أرضها ثلاثمائة وسبعة عشر ألفا وسبعمائة وستة وتسعون كيلومترا مربعا، وعدد سكانها بلغ في سنة خمس وخمسين وثمانمائة وألف مليونا وأربعمائة وتسعين ألفا وسبعا وأربعين نفسا، وإقليمها مقارب في الحرارة والبرد لإقليم السويد، على أن البرد في شطوطها أقل منه في أرض السويد، كما أنها في الصيف أقل حرارة من السويد. ولا يزيد المحترث من أرضها على جزء من مائة، ولا تتجاوز نتائج مزارعها مليونين وخمسمائة هكتوليتر أي مائة ليتر من الحبوب وثلاثة ملايين هكتوليتر بطاطة ومائة ألف هكتوليتر من الخضر اليابسة، وصوفها أحسن الموجود بأوروبا، وبالقسم الجنوبي منها ينبت الدخان والهبلون والأشجار ذوات الثمار، وبهاته المملكة من الخيل مائة وخمسون ألفا ومن البقر سبعمائة ألف ومن الضأن مليون وثلاثمائة ألف ومن المعز مائتا ألف، وفوق مائة وعشرين ألفا من بقر الوحش المعدود من جوالب الغنى بهاته المملكة كصيد الحوت فإنه أروج تجارة بها خصوصا النوع المسمى بمورو الذي يستخرج منه الزيت المشهور نفعه عند الأطباء وكذا المسمى بهارنغ. وفي سنة خمس وخمسين وثمانمائة وألف باع أهل هاته المملكة من هذا الحوت للأجانب ما تجاوز ثمنه خمسين مليون فرنك.
ومن هذه المملكة يجلب الريش اللطيف المستعمل بأوروبا لحشو الوسائد، ويوجد بها جانب من مقاطع النحاس والحديد والرصاص والفضة وغيرها، لكنها ليست غنية كمقاطع السويد، ولهم تجارة في اللوح رائجة مع الأجانب، وبها محال لتذويب المعادن زيادة على أماكن تقطير السبيرتوات ومن الحبوب ومحال لنشر اللوح واصطناع الآلات، وغالب صناعاتهم على منوال صناعات السويد فيما يرجع لاستخراج المعادن وقطع الأشجار وصيد الحيتان واصطناع السفن، ويوجد بمدينة كريستيانية مدرسة علوم عامة ومكتب حربي ومكتب بحري، ومذهب أهلها مذهب لوتير من البروتستانت، وقوة متجرها في سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف بلغت قيمة الخارج منه سبعة وعشرين مليونا وخمسمائة وخمسة وخمسين ألفا ومائة وأحدا وعشرين فرنكا، وقيمة الداخل ثلاثة وأربعين مليونا ومائة وستين ألفا ومائة وتسعة فرنكات. وجملة المراكب المتجرية التي دخلت مراسيها سنة سبع وستين وثمانمائة وألف ثلاثة آلاف ومائتان وأربعة وسبعون براية المملكة وألفان ومائتان وستة وأربعون براية الأجانب، والتي خرجت منها ثلاثة آلاف ومائتان وخمسة وثمانون برايتها وألفان وخمسمائة وثمانية وسبعون براية الأجانب.
وأقسام مملكة النورويج ثلاثة؛ الجنوب والوسط والشمال، وباعتبار الإدارة تنقسم إلى خمس حكومات ومجموعها يحتوي على سبع عشرة مشيخة، وهي في قوانينها وحريتها وأحكامها ترتيبا وغير ذلك كمملة السويد، وأما قوتها المالية دخلا وخرجا والعسكرية برا وبحرا فهي ما سنبينه:
القوة المالية.
بلغ الدخل السنوي في سنة 1867
29882250
فرنكا تقريبا
وبلغ الخرج في السنة المذكورة
29882250
فرنكا
وكان على الدولة من الدين في تلك السنة
45199000
فرنكا
وجملة عساكرها البرية
42900
نفس
القوة البحرية بمملكة النورويج سنة 1864.
جملة المراكب ومدافعها 396
مراكب قلاع
فابورات أليس
جملة البحرية
أمراء البحرية
أصناف البحرية والمراكب
1
فيش أميرال
1
كنتر أميرال
2
4
قبطانات أجفان
14
قبطانات فراقط
16
قبطانات قرابط
44
فسيالات
14339
فسيالات صغار وبحرية
3
1
2
فراقط
5
2
3
قرابط
4
3
1
سكاين
4
4
بنباردات
103
103
شالوب كوننيار
5
5
فابورات
124
109
15
14419
2
الجملة
والسفن المتجرية 5678 فلكا بها بحرية 36694 نفسا.
الباب الحادي عشر
في الكلام على مملكة هولاندة
(1) في تاريخها
اعلم أن هذه المملكة كانت مقسومة على عدة إيالات منفصلة عن بعضها، ومن سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف أضيف جميعها إلى مملكة فرنسا، ثم رجعت إلى العائلة الملكية من النمسة، وفي سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وألف رجعت بالوراثة لمملكة إسبانيا؛ لأن ملكها كان من العائلة الملكية بمملكة النمسة، وفي سنة تسع وسبعين وخمسمائة وألف رجعت دولة جمهورية وسميت بالسبع الدول المتحدة، وفي سنة أربع وسبعين وسبعمائة وألف استولت عليها دولة فرنسا وبقي لها اسم الدولة الجمهورية، وفي سنة ست وثمانمائة وألف رجعت دولة مستقلة وتولاها لويز بونابارت أخو نابوليون الأول وأبو نابوليون الثالث، ومن سنة عشر وثمانمائة وألف رجعت عمالة من العمالات التابعة لدولة فرنسا، ثم رجعت مع عمالة البلجيك دولة مستقلة وسميت بالبلاد الواطئة. وأول ملوكها من ذلك الوقت غليوم الأول من عائلة الناسو، ولا زالت في ذريته إلى يومنا هذا، وخرجت عنها دولة البلجيك في سنة ثلاثين وثمانمائة وألف واستقلت بنفسها. (2) في وصف مملكة هولاندة
موقعها بين خمسين درجة وخمس وأربعين دقيقة وثلاث وخمسين درجة وخمس وأربعين دقيقة من العرض الشمالي، وبين الدرجة الأولى وخمس دقائق والدرجة الرابعة واثنتين وخمسين دقيقة من الطول الشرقي، ويحدها قبلة مملكة البلجيك، وشرقا مملكة بروسية وشمالا وغربا بحر الشمال. وقدر مساحتها أربعة وثلاثون ألفا ومائتا كيلومتر مربعا. ومبلغ سكانها في سنة خمس وستين وثمانمائة وألف ثلاثة ملايين وسبعمائة وخمسة وثلاثون ألفا وستمائة واثنتان وثمانون نفسا. ولها مستعمرات خارج أوروبا، فمنها جزر بالأوقيانوس من شرق الهند مساحتها مليون وخمسمائة وأربعة وثمانون ألفا وتسعمائة وأحد وتسعون كيلومترا مربعا، وسكانها تسعة عشر مليونا وأربعمائة واثنان وخمسون ألفا ومائتان وسبع أنفس، ولها بأميركا ما مساحته مائة وخمسة وخمسون ألفا وثمانية وسبعون كيلومترا مربعا وبه من السكان ستة وثمانون ألفا وسبعمائة وثلاث أنفس. ولها بأفريقية شاطئ الغيني، وسطحه سبعة وعشرون ألفا وأربعمائة كيلومتر مربعا وسكانه مائة وعشرون ألفا، فجملة سطح المستعمرات الخارجية مليون وسبعمائة وسبعة وستون ألفا وأربعمائة وتسعة وستون كيلومترا مربعا، وجملة سكانها تسعة عشر مليونا وستمائة وثمانية وخمسون ألفا وتسعمائة وعشر أنفس.
ثم إن أرض هولاندة منبسطة في جميع جهاتها، وبعضها أسفل من البحر؛ ولذلك تسمى بالبلاد الواطئة، واحترزوا من فيضان البحر عليها بسدود عجيبة، ولهم كيفيات حسنة في الخلج التي تسهل بها المواصلة بين بلدان المملكة. وبها أودية معتبرة منها وادي الأسكو والموز والرين، ومروجها كثيرة جدا، ومن نتائجها القمح والشعير والفول والكتان والقنب والقرمز والدخان والخضر والأشجار المثمرة وأنواع الأزهار والأنعام. ومن معادنها الحديد وغيره، وصناعاتها في غاية الرواج منها قماش الكتان والموبر والحرير والجوخ والكاغد والفخار وصناعة الصبغ وصقل الماس والكتب وأنواع التقطير. وأما طرقها الحديدية فقد بلغت في سنة أربع وستين وثمانمائة وألف ستمائة وأربعة وأربعين كيلومترا. ولها متجر واسع بلغت قيمة الخارج منه من المملكة سنة إحدى وستين وثمانمائة وألف بليونا وثلاثة ملايين ومائة وتسعة وخمسين ألفا وثمانمائة وسبعة وتسعين فرنكا ونصفا، وقيمة الداخل لها بليونا ومائة واثنين وسبعين مليونا وتسعمائة وثلاثة وعشرين ألفا وستمائة وخمسة وتسعين فرنكا.
والتعليم بها آخذ في التقدم، فبها من المكاتب الأولية ثلاثة آلاف وستمائة وثمانية، ومن مكاتب الفقراء ستمائة وخمسة، ومن مكاتب كبار السن مائة وواحد، ومن مكاتب يوم الأحد مائة وأربعة عشر. وبها ثلاثة مكاتب أصولية لتعليم معلمي المكاتب الصغار، وثلاثة وستون مكتبا لتعليم الفنون المتوسطة، وبها ثلاث مدارس لتعليم العلوم الدقيقة ومكتبان يعبر عنهما بمكتبي المشيخة، واثنا عشر مكتبا لعلوم الديانة، وبها ثلاثة مكاتب لتعليم القبالة والطب ومتعلقاته، ومكتب لمهندسي البلدية ومتوظفي المستعمرات الخارجية، ومكتبا حرب ومكتب بحرية ومكتب بيطرة ومكتب فلاحة، وثلاثة أماكن لتعليم الصم البكم وثلاثة للعميان وواحد للبهاليل، وهناك عدة مكاتب لتعليم الموسيقى والتطريب والتصوير والجمناستيك وهو حركات رياضة البدن. (3) في قوانينها السياسية
اعلم أن دولة هولاندة دولة كونستيتوسيونية ، فمن حقوق ملكها تنفيذ القوانين والإمارة على العساكر البرية والبحرية، وعمل الحرب والصلح وعقد شروط المعاهدة والمتجر، ما لم يكن في ذلك تغيير في حدود المملكة ولو بالزيادة؛ فإنه لا يكون حينئذ إلا بموافقة المجلس الأعلى ومجلس وكلاء العامة. ومن حقوقه أيضا تعيين وقت اجتماع المجلسين المذكورين في كل سنة وتعطيل خدمتهما معا أو أحدهما إن اقتضاه الحال، على شرط أن يطلب من الأهالي إعادة الانتخاب. ومن حقوقه عرض القوانين الجديدة على موافقة المجلسين، ونصب الوزراء وغيرهم من المأمورين، وتأخير من لم تكن وظيفته عمرية عن المباشرة، وتعيين مرتبات جميع المتوظفين إلا أعضاء المجالس؛ فإن مرتبهم معين في القانون، والنظر في عموم إدارة العمالات التابعة للملكة خارج أوروبا، والعفو عن المحكوم عليه من أهل الجرائم بعد استشارة مجالس الحكم في ذلك، وفصل النوازل التي تقع بين إيالتين فأكثر فيما يتعلق بالمصالح العامة لا في النوازل الشخصية التي تقع بين السكان؛ فإن مرجعها لمجالس الحكم. وجميع ما ذكر وإن كان من حقوق الملك، لكن يتوقف إجراؤه على موافقة الوزراء له لمسئوليتهم عن تصرفات الدولة للمجالس. (4) في تركيب المجلس الأعلى ومجلس وكلاء العامة وحقوقهما
فالمجلس الأعلى مركب من تسعة وثلاثين عضوا، تنتخبهم مجالس الإيالات ممن يدفع أداء معلوما لتسعة أعوام، ويبدل ثلث الأعضاء كل ثلاثة أعوام، ومجلس وكلاء العامة مركب من خمسة وسبعين عضوا، باعتبار أن لكل خمسة وأربعين ألف نفس وكيلا واحدا تنتخبهم الأهالي لمدة أربعة أعوام، ويبدل نصف الأعضاء في كل عامين، وانتخابهم ممن بلغ سنه من الأهالي ثلاثا وعشرين سنة، وكان يدفع من الأداء مبلغا من أربعين إلى مائة وعشرين فرنكا، ومن حقوق هذين المجلسين المفاوضة علنا والقرعة على جميع القوانين المعروضة من الدولة أو من أعضائهما عليهما، بحيث لا يمضي قانون إلا بعد موافقة غالب المجلسين عليه، ومنها تعيين أصول مصاريف الدولة والأداء الواجب أخذه من الأهالي في كل سنة، والنظر في سيرة الدولة وسؤال الوزراء عما يظهر لهم خصوصا مجلس وكلاء العامة؛ لأن من حقوقه تعيين جماعة يحققون له الحال في النوازل المهمة بسؤال من يلزم سؤاله والاطلاع على دفاتر الدولة، وغير ذلك مما يحصل لهم به معرفة حقيقة الحال في تصرف الدولة بحيث تكون سيرة الدولة في إدارة سياسة المملكة بمقتضى قوانينها، وتنقسم إدارتها إلى نظارة سبع وزارات مسئولة عن تصرفاتها، بحيث إن بقاء الوزراء المباشرين في الخطة لا يكون إلا إذا استصوب المجلس المذكور سيرتهم. وللدولة مجلس مركب من أعضاء ينتخبهم الملك وله تأخيرهم، ومأمورية هذا المجلس تهذيب القوانين وترتيب الإدارة، وغير ذلك من مصالح الدولة تحت رئاسة الملك أو من ينوبه كما تقدم بيانه في الكلام على فرنسا وغيرها. (5) في تقسيم المملكة
اعلم أن المملكة تنقسم إلى إحدى عشرة إيالة، وفي كل إيالة وال من طرف الدولة ومجلس مكلف بإمضاء الأوامر والقوانين مثل ما ذكر لفرنسا، وفي كل إيالة مجلس مركب من أعضاء تنتخبهم الأهالي لستة أعوام يجتمعون في وقت معلوم من كل سنة للنظر في مصالح الإيالة من تعيين ما يجب إحداثه، وتعيين المبالغ اللازمة له، والتأمل في حساب المأمورين بإدارة ذلك، وغير هذا من مصالح إيالتهم مما تقدم بيانه في بقية الممالك. وينتخب هذا المجلس من أعضائه جمعية مركبة من أربعة إلى ستة أعضاء لإجراء ما اتفق عليه مجلس الإيالة مع واليها. وفي كل بلدة من بلدان الإيالة مجلس بلدي مركب من أعضاء تنتخبهم الأهالي تحت رئاسة شيخ البلد المنتخب من الملك ينظرون في مصالح البلد، مثل ما تقدم بيانه في المجالس البلدية بالممالك المتقدمة. وأما إدارة الأحكام، فلهذه المملكة مائة وخمسون مجلسا من مجالس الحكم وأربعة وثلاثون تريبونالا أول وأحد عشر مجلسا للتحقيق ومجلس عال، وليس لهم أمناء حكم، والحكم عندهم يكون علنا، وحكامهم لا يعزلون. ولهم سبعة مجالس للعسكر وثلاثة للبحرية، وبمدينة أوترخت مجلس حربي عال، والديانة الحاكمة بهاته المملكة هي البروتستانتية. (6) في قوتها المالية دخلا وخرجا والعسكرية برا وبحرا
دخل الدولة في سنة 1863.
فرنكا
146967970
الدخل السنوي من المملكة عينها تقريبا
262662387
دخل التابع لها من الهند وغيره تقريبا أيضا
409630357
الجملة
خرج الدولة في السنة المذكورة.
فرنكا
145051980
مصاريفها في أوروبا تقريبا
262641137
مصاريف على العمالات التابعة لها
407693117
الجملة
جملة الدين الذي عليها: 2582547455 فرنكا تقريبا.
القوة العسكرية البرية.
أنفس
60962
تريس وخيالة وطوبجية وغيرهم بأوروبا
28504
مثل الأصناف المذكورة في العمالات التابعة لها
89466
الجملة
القوة البحرية في مملكة هولاندة سنة 1863.
جملة المراكب ومدافعها 1780
مراكب قلاع
فابورات
جملة البحرية
أمراء البحرية
أصناف البحرية والسفن
3
أميرال
1
فيش أميرال
5
كنتر أميرال
9
20
قبطانات أجفان
40
قبطانات فراقط
309
فسيالات
173
فسيالات صغار
96
أطباء البحر
70
فسيالات الإدارة
6197
بحرية غير 800 في الهند
2154
فسيالات وعسكر بر
2
2
أجفان
12
7
5
فراقط
19
7
12
قرابط
42
13
29
قواليت
12
12
أبركة وأفيزو وغيرها
5
5
بطرية عوامة
8
8
أبركة
3
3
شنور
36
36
شالوب كوننيار منها 1 حديد
6
6
مراكب
145
87
58
9068
9
الجملة
الباب الثاني عشر
في الكلام على مملكة الدنيمرك
(1) في تاريخها
اعلم أن مملكة الدنيمرك كان حالها مجهولا إلى سنة ثلاثين وتسعمائة، وفي التاريخ المذكور استولت عليها العائلة الأسكيولدنجية نسبة إلى سكيولد، ودام الملك فيها إلى سنة سبع وأربعين وألف، وفي مدة هاته العائلة استولى الدنيمرك على غالب إنكلترة، وبقيت بأيديهم من سنة ست عشرة وألف إلى سنة إحدى وأربعين وألف، وانقرضت هاته العائلة في سنة سبع وأربعين وألف. وتولت عليها العائلة الاستريثيدية، ودام الملك فيها إلى سنة ست وتسعين وثلاثمائة وألف، وآخرهم الملكة مرغريتا ابنة الملك الأخير منهم التي تزوجت بملك النورويج فملكت الدنيمرك بعد موت أبيها بحق الوراثة فيه، وملكت النورويج بحق الوراثة في زوجها بعد وفاته، ثم ملكت السويد بانتخاب الأهالي لها كما تقدم في الكلام على مملكة السويد. وفي سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وألف أعطت تاج مملكة النورويج لقريبها آريك البومراني، وفي سنة ست وتسعين وثلاثمائة وألف أعطته أيضا تاج مملكة الدنيمرك، وفي السنة التي بعدها أكملت له تاج السويد. وفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وألف تولى كريستيان الأول من عائلة أولدنبورغ، ولم يزل الملك في أعقابه إلى سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف، غير أن مملكة السويد خرجت من أيديهم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة وألف، ومملكة النورويج خرجت منهم أيضا سنة أربع عشرة وثمانمائة وألف. وفي سنة ثلاث وستين وثمانمائة وألف المذكورة توفي الملك فردريك السابع آخر ملوك الدنيمرك من عائلة أولدنبورغ، ولم يترك وارثا للملك، فتولى عوضه البرنس كريستيان من غلوكسبورغ بمقتضى معاهدة لندرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وألف، وتلقب بكريستيان التاسع، وفي سنة أربع وستين خرج من أيدي الدنيمرك إيالتا شلزويغ وهولستاين. (2) في وصف هاته المملكة
اعلم أن مملكة الدنيمرك هي أصغر الممالك الاسكندينافية الثلاث، وموقعها بين خمس درجات مع ثلاثين دقيقة وثلاث عشرة درجة من الطول الشرقي، وبين ثلاث وخمسين درجة مع عشر دقائق وسبع وخمسين درجة مع أربعين دقيقة من العرض الشمالي. والبحر محيط بها من جميع الجهات إلا الجهة القبلية المتصلة بإيالتي شلزويغ وهولستاين اللتين انفصلتا عنها سنة أربع وستين وثمانمائة وألف بالحرب التي وقعت بينها وبين البروسية والنمسة. ويحدها في ناحية الشمال مضيق سكاجر راك الفاصل بينها وبين النورويج، وفي ناحية الشرق مضيق الصوند والكاتاغات وبحر البلتيك الفاصلة بينها وبين السويد، وفي ناحية الغرب بحر الشمال. ومن مشمولاتها القطعة المستجزرة المسماة جوتلاند وجزر سيلاند وفيونيا ولالاند وفالستر وبورنهولم وماين وآروي وآلزن وفامارن ولازوي ونستاتهولم. ومبلغ تسطيحها خمسة وثلاثون ألفا وتسعمائة وستة وسبعون كيلومترا مربعا، ومبلغ سكانها بمقتضى ما تحرر في أول فراير سنة أربع وستين وثمانمائة وألف مليون وستمائة ألف وثمانية آلاف وخمس وتسعون نفسا.
والمستعمرات الراجعة للدولة المذكورة هي جزر فاروي بأوروبا وأزلاند وغروهنلاند وصانت كروا وصان توماس وصان جان بأميركا، ومجموع تسطيح هاته الجزر مائة وتسعة وثلاثون ألفا ومائتان وأربعة وسبعون كيلومترا مربعا، يخص أزلاند منها مائة وألفا كيلومتر وأربعمائة وستة وسبعون، ومجموع سكانها مائة وأربعة وعشرون ألفا وعشرون نفسا، يخص أزلاند منها ستة وستون ألفا وتسعمائة وسبع وثمانون نفسا، وتخت هاته المملكة مدينة كوبنهاغ، والمتصل منها بأوروبا غالبه أرض منبسطة، ومساحات الأودية والبحيرات والسباخ ومستنقعات المياه منها تحتوي على قدر نصف عشر المملكة.
وهذا الإقليم وإن لم يكن في غاية شدة البرد لكنه ندي وأرضه خصبة؛ ولذلك كانت أنعامها طيبة وخيلها جيدة. ويبلغ عدد الخيل فيها ثمانمائة ألف، والبقر يبلغ مليونين، والغنم مليونين ونصفا، والخنازير ستمائة ألف. والفلاحة بها في غاية النمو قمحا وشعيرا وغيرهما، ومما ينجح فيها من النباتات النبات الذي يصبغ به اللون العنابي والهبلون والكلزة التي يستخرج منها الزيت، ويزرع بها الغرفالة والفول والبطاطة والخردل والكتان والقنب والدخان، ومن ذوات الثمار التفاح والإجاص وحب الملوك والعوينة، وصيدها كثير وكذا الحوت. ومن جوالب الغنى بهذه المملكة الطين الذي يحمل منها لتدميل الأرض، وبها بعض مقاطع حديد والحجر الذي يطبع عليه وحجر الكري مثل الجص والأرجيل وقليل من الفحم الحجري بجزيرة بورنهولم، وبشاطئ بحرها يوجد الكهرباء الرمادي، ويصنع بها أقمشة القلوع والجوخ والفرفوري والسلاح والآجر والطواجين وآلات التقطير والتصفية والغوانتوات. وتجارتها ذات رواج منذ قرون عديدة، والطرق الحديدية قليلة بها، لكن بها عدة جمعيات لها فابورات عديدة تتوجه بالتجارة لسائر بلدان أوروبا الأصلية.
وقد بلغت قيمة المتجر بالمملكة المذكورة سنة اثنتين وستين وثمانمائة وألف اثنين وثلاثين مليونا ومائتين وثلاثة وتسعين ألفا ومائة وأربعة عشر فرنكا؛ الداخل منها اثنان وعشرون مليونا وخمسمائة وثلاثة وستون ألفا وثمانمائة وخمسة وخمسون فرنكا، وبلغت جملة المراكب المتجرية الداخلة لها والخارجة منها مائة وسبعة وعشرين ألفا وأربعمائة وستة؛ الداخل منها أحد عشر ألفا وتسعمائة وسبعة وستون. وأما مواد التعليم فهم فيها في غاية التقدم ومذهبهم مذهب لوتير، ولا يمنع أحد من التمذهب بغيره. وموقع جزيرة أزلاند بين ست عشرة درجة وسبع وعشرين درجة من الطول الغربي وبين ثلاث وستين درجة وسبع وستين درجة من العرض الشمالي، وأرضها في غاية البرد، ومع كون سطحها كاد يكون من الجمد فقد تقذف مياها تغلي، ولهم في التعليم تقدم بين ومذهبهم مذهب لوتير. (3) في قوانينها السياسية
اعلم أن هذه الدولة دولة وراثية قانونية، فمن حقوق الملك فيها إدارة أحوال المملكة الداخلية والخارجية بواسطة وزرائه المسئولين عن تصرفات الدولة ونصب الوزراء وسائر المتوظفين وتأخير من لم تكن وظيفته عمرية عن المباشرة، وتعيين الوقت المعتاد لاجتماع المجالس اللازم كل سنة، وله جمعها في غير الوقت المعتاد لموجب يقتضيه، وتعطيل خدمة المجلسين الأعلى ومجلس وكلاء العامة أو أحدهما على شرط أن يطلب من الأهالي إعادة الانتخاب في مدة شهرين، وفي تلك المدة إن بقي أحد المجلسين غير معطل يتوقف عن الخدمة حتى يحصل اجتماع الثاني.
ومن حقوقه الإمضاء على القوانين، فكل ما يصدر من المجالس لا يصير قانونا إلا إذا أمضى عليه الملك، وله في مدة غيبة المجالس إصدار الأوامر في الأمور الضرورية، ويكون لها من الاحترام ما للقوانين بشرط أن لا تخالف أصولها، وأن تعرض على موافقة المجالس عند اجتماعها. ومن حقوقه أن يصير رشيدا عند بلوغه ثمان عشرة سنة، وعليه أن يكون تابعا لمذهب لوتير الذي هو من فروع مذهب البروتستانت، وتأسيس القوانين يكون منه ومن المجلس الأعلى المركب من ستة وستين عضوا؛ منهم اثنا عشر منتخبون من الملك بوظيفة عمرية، وسبعة منتخبون من أهالي التخت لمدة ثمانية أعوام، وسبعة وأربعون منتخبون من بقية الأهالي للمدة المذكورة. ويتبدل النصف ممن لم تكن وظيفته عمرية في كل أربعة أعوام، ومجلس وكلاء العامة المركب باعتبار أن لكل ستة عشر ألف نفس وكيلا واحدا، فهو غير محصور بعدد مخصوص.
وشرط المنتخب للمجلسين أن يكون سنه خمسا وعشرين سنة، وأن يكون من أهل المعرفة والمروة، والانتخاب عندهم على درجتين؛ بمعنى أن عامة الأهالي ينتخبون أناسا أولا، وهؤلاء ينتخبون أعضاء المجلسين، واجتماعهما المعتاد يكون في المدة التي يعينها الملك وأقلها شهران، وخدمة كل منهما تكون علنا إلا إذا رأوا في بعض النوازل خلاف ذلك. ومن حقوقهما أن القوانين لا تعتبر إلا بعد عرضها عليهما وتفاوضهما فيها ثلاث مرات، ولا تعتبر الموافقة أولا وثانيا؛ ومنها تعيين أصول مصاريف الدولة كل سنة، والأداء الواجب أخذه من الأهالي لذلك، وتحرير محاسبات الدولة بعد صرف المصاريف المذكورة؛ ومنها انتخاب رؤسائهما من جملة الأعضاء، وأن لكل من أعضائهما أن يقدم ما يظهر له من القوانين للمجلس أو للملك، وأن يسأل الوزراء عما يظهر له، كما أنهم مسئولون لجملة المجلس وللملك، فيمكن ادعاء الخيانة عليهم أو المخالفة للقانون من الملك أو المجلس أو من بعض أعضائه، وحينئذ تكون نازلة تفصل بالمجلس الأعلى، ويجب على الوزراء الحضور في القمرة للمدافعة عن تصرفاتهم أو عن القوانين المعروضة من الدولة.
ومن حقوق العامة الضامن فيها القانون الحرية التامة وقت انتخاب أعضاء المجالس، والاجتماعات العامة للمفاوضة في المصالح وحرية المطابع والحرية الشخصية واحترام المساكن، بحيث لا يدخلها أحد إلا بإذن أربابها أو بموجب القوانين، والمساواة بين الأهالي لدى الحكم بحيث إنه لا فرق بين عظيم وحقير في ذلك، وكذا في الخطط عند وجود الأهلية بالمعرفة والمروة، وفصل النوازل الشخصية لا يكون إلا بمجالس الحكم، وكل بلدة أو قرية من بلدان وقرى المملكة مستقلة بإدارة مصالحها من غير تداخل من الدولة في ذلك. (4) في قوتها المالية دخلا وخرجا والعسكرية برا وبحرا
القوة المالية في سنة 1864.
35424640
الدخل رزدالا يساوي
100251731
فرنكا
37785904
الخرج رزدالا يساوي
107034108
فرنكات
132110802
الدين الذي عليها
373873569
فرنكا
والرزدال صرفه فرنكان وثلاثة وثمانون صنتيما.
القوة العسكرية البرية في سنة 1862.
نفسا
20944
عسكر تريس
6163
خيالة
4384
طوبجية ومهندسون
31491
الجملة
وفي وقت الحرب تستطيع الدولة جمع خمسين ألفا.
القوة البحرية بدولة الدنيمرك سنة 1862.
جملة المراكب ومدافعها 929
مراكب قلاع
فابورات
جملة البحرية
أمراء البحر وقبطانات
أصناف البحرية والمراكب
1
فيش أميرال
3
2
كنتر أميرال
29
قبطانات أجفان
23
قبطانات فراقط
52
85
فسيالات
1784
بحرية
3
2
1
أجفان
9
4
5
فراقط
6
2
4
قرابط
7
2
5
سكونير
2
2
أبركة
1
1
بطرية عوامة
7
7
شالوب كوننيار
1
1
ياكت
1
1
كوتير
27
27
لحمل الأثقال
8
8
بالعجلة كبارا وصغارا
1
1
يول
33
33
شالوب كوننيار بالمجاديف
17
17
يول بالمجاديف
123
90
33
1924
55
الجملة
الباب الثالث عشر
في الكلام على مملكة باواريا
(1) في تاريخها
اعلم أن هذه المملكة كانت في زمن قيصر الروماني معدودة من الصحاري الخالية، ثم صارت معمورة في مدة الإمبراطور أغسطوس وعدت من إيالات المملكة الرومانية مضافة للفيندليسا ونوريكا. ثم في القرن الخامس المسيحي أتت جماعة البويوار من بوهيميا وسكنوا بنوريكا الغربية ودخلوا تحت سلطنة الإفرنج من سكان أوسترازيا، وذلك من سنة ستمائة وثلاثين إلى ستمائة وستين، وفي ذلك الوقت كانت مملكة باواريا مرؤسة بجماعة الدوكات من عائلة أجيلولف، ورئيس هاته العائلة هو أجيلولف تملك في سنة خمسمائة وثلاثين.
ولم تزل الدوكات تستولي على باواريا من تلقاء ملوك الإفرنج إلى أن تلقب الدوك أديلون بالملك في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، فحاول الخروج من رعاية شارل مارتل فلم ينجح سعيه في ذلك. فلما ولي بعده تاسليون نقض العهد الذي بينه وبين الملك بابان وتعصب أولا ضد شارلمان مع ديديا ملك اللومبارديا ومع دوك أكويتانيا، ثم مع جماعة الأوار، لكنه انهزم وضيع ممالكه وحبس في دير رهبان سنة سبعمائة وثمان وثمانين.
ثم إن شارلمان أعطى ولاية تلك المملكة لجيرولد كونت صواب، كما أن لويز المغفل جعل دوكاتو باواريا مملكة سنة ثمانمائة وأربع عشرة وأعطاها لابنه لوتير، ثم أعطاها ابنه المذكور للويز الجرماني في سنة ثمانمائة وسبع عشرة. وكانت مملكة باواريا في ذلك الوقت تحتوي على قبائل الكارينتيا والكرنيول والأيستريا والفريول والبانونيا القديمة والمورافيا والبوهيميا. وفي سنة تسعمائة واثنتي عشرة انقرضت عائلة الكارلونجيان بوفاة لويز الطفل، فرجعت باواريا إلى ما كانت عليه من الحدود الأصلية، وصارت دوكاتو تحت رعاية سلطنة ألمانيا، وأمروا عليهم المارغراف أرنول الملقب بالخبيث ابن لويتبولد، ثم بعد وفاته سنة تسعمائة وسبع وثلاثين بقيت المملكة بيد خلفائه مدة يسيرة، ثم استولى عليها جماعة الدوكات من عائلة الساكس من سنة تسعمائة وسبع وأربعين إلى سنة أربع وألف، ثم من عائلة فرانكونيا من السنة المذكورة إلى سنة سبعين وألف، ثم جماعة الغوالف من عائلة آست من السنة المذكورة إلى سنة تسع وثلاثين ومائة وألف، ثم جماعة دوكات من أوستريا، ثم في سنة ثمانين ومائة وألف دخلت في يد أوتون الفيتلسباخي من ذرية أرنول الخبيث المتقدم ذكره.
وقد كبرت المملكة المذكورة في مدة خلفاء الدوك المذكور، وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف انقسمت المملكة بين لويز الثاني وهنري الثالث عشر ابني أوتون الملقب بالشهير؛ فالأول منهما يحكم على باواريا العليا والثاني على السفلى. ثم في سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف جمع لويز الثالث ابن لويز الثاني قسمي المملكة، وفي السنة التي بعدها صار إمبراطورا على ألمانيا واتسعت دائرة ملكه جدا، وقبل موته الواقع في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وألف تملك زيادة على باواريا البراندبورغ وهولاندة وزيلاند والتيرول وغيرها. ثم إن أبناء لويز المذكور قسموا هذه الإيالة على عدة فروع انقرضت كلها في مدة يسيرة.
وفي سنة سبع وخمسمائة وألف جمع ألبرت الثاني الذي هو من عائلة فرع المونيخ باواريا كلها جمعا جديدا، وعارض ورثته تسلط المذهب البروتستانتي، وتحزبوا مع إمبراطور ألمانيا في حروب الثلاثين سنة. وفي مقابلة ذلك رقى الإمبراطور فردناند الثاني الدوك مكسيمليان إلى رتبة أليكتور، وجعل هذا اللقب مما يبقى في بيته وذلك سنة ثلاث وعشرين وستمائة وألف. ثم إن حفيده مكسيمليان إمانويل استولى من سنة تسع وسبعين وستمائة وألف إلى ست وعشرين وسبعمائة وألف، وفي خلال هذه المدة حالف فرنسا في حروب وراثة إسبانيا، وبعد واقعة هوخستات سقط عن سلطانه ولم يرجع إليه إلا بعد صلح بادن سنة أربع عشرة وسبعمائة وألف. ثم إن وارثه شارل ألبرت ادعى إرث ملك الإمبراطور شارل السادس، فتسلط على البوهيميا وأوستريا وتوج نفسه في مدينة فرنكفورت سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وألف وتسمى شارل السابع، لكن قارعه فرنسوي اللوراني بجيش النمسة وألجأه إلى التنازل عن المرتبة التي ادعاها وعن سلطنة باواريا ومات قبل انتهاء هاته الحرب. ثم إن ابنه مكسيمليان جوزاف اصطلح مع الإمبراطور واسترجع منه ممالكه بشروط فوسن سنة خمس وأربعين وسبعمائة وألف، ثم بموت هذا الأمير الذي هو آخر عائلته وقع خلل في مملكة باواريا وذلك في سنة سبع وسبعين وسبعمائة وألف. ثم إن شارل تيودور المتصل بتلك العائلة بواسطة المصاهرة استولى عليها بدون موافقة أوستريا، وابن أخيه مكسيمليان جوزاف استولى بعده سنة تسع وسبعين وسبعمائة وألف.
وقد قاست مملكة باواريا شدائد في مدة حروب الربوبليك الفرنساوية حتى تنازلت لها عن ممالكها الكائنة على شمال الرين، لكن عوضت لها ذلك بما بقي بينهما من المعاهدة مدة مديدة، وكانت تعين فرنسا بالمدد الكثير، واتسعت دائرة هاته المملكة مدة كونها تحت حماية نابوليون اتساعا بينا، وصارت مملكة؛ أي يلقب حاكمها بالملك في سنة ست وثمانمائة وألف. ثم في حروب سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وألف انعطف مكسيمليان بجيشه على فرنسا بعد أن كان من معينيها، فجوزي عن ذلك من قبل الدول المضادة لفرنسا بتقرير ملكه على كل ما كان في حوزه. وفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة وألف أعطى أهل مملكته الكونستيتوسيون، وزرع ابنه لويز الأول في مملكته ما كان مولعا به من حب الفنون المستظرفة، وتنازل عن الملك لابنه مكسيمليان الثاني سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف، ولم يفتر هذا عن المعارضة في التئام ألمانيا وانضمام بعضها إلى بعض؛ لما في ذلك من بقاء اعتبار مملكة باواريا، ثم خلفه ابنه لويز الثاني في سنة أربع وستين وثمانمائة وألف. (2) في أسماء أمراء مملكة باواريا
سنة
الأمراء المتلقبون بلقب دوك من عائلة أجيلولف
530
أجيلولف
554
غاريبالد الأول
593
تاسليون الأول
610
غاريبالد الثاني
640
تيودور الأول
680
تيودور الثاني
700
تيودبرت وغريموالد
728
هوبرت ويقال له هوجيبرت
737
أديليون
748
تاسليون الثاني
ملوك الإفرنج من عائلة الكارلونجيان
788
شارلمان
814
لويز الأول ولوتار
817
لويز الثاني الملقب بالجرمانيك
876
كارلومان
880
لويز الثالث
882
شارل الغليظ
888
أرنول لكارينتي
900
لويز الرابع الطفل
الدوكات من باواريا
911
أرنول الخبيث
937
آبرهارد
938
برتولد
الدوكات من ساكس ومن فرانكونيا
948
هنري الأول
955
هنري الثاني الملقب بالمخاصم
978
أوتون الأول الصوابي
983
هنري الثالث
985
هنري الرابع
1004
هنري الخامس
1026
هنري السادس
1039
هنري السابع
1049
كونراد الأول الزوتفاني
1053
هنري الثامن
1056
كونراد الثاني
1057
أغنيس (ملكة لا ملك)
1061
أوتون الثاني
الدوكات من الغوالف ويقال لهم والف أيضا
1070
ولف الأول
1101
ولف الثاني
1120
هنري التاسع
1122
هنري العاشر
الدوكات من بيت أوستريا
1139
ليوبولد
1141
هنري الحادي عشر
1156
هنري الثاني عشر
عائلة ويتلزباخ
1180
أوتون الأول
1183
لويز الأول
1231
أوتون الثاني الملقب بالشهير
1253
هنري الثالث عشر ولويز الثاني
1294
لويز الثالث
1347
أتيان الأول
1378
جان المونيخي أي من مونيخ
1397
أرنست وغليوم الأول
1438
ألبرت الأول
1460
جان وسجيزموند
1468
ألبرت الثاني
1508
غليوم الثاني ولويز
1550
ألبرت الثالث
1579
غليوم الثالث
1598
مكسيمليان الأول
جماعة الأليكتورات
1623
مكسيمليان الأول صار أليكتورا في التاريخ يمناه
1651
فردناند ومارية
1679
مكسيمليان الثاني (إمانويل)
1725
شارل ألبرت
1745
مكسيمليان الثالث (جوزاف)
عائلة بلاتين
1777
شارل تيودور
1799