بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتقدس بجلال ذاته عن تحديد أولي البصائر، المتنزه بكمال قدرته عن تقديره بالأشباه والنظائر.

والصلاة على سيدنا محمد الذي بشر به في صحف الكبائر، وعلى آله الأنجاب الذين هم أقطاب الدوائر.

أما بعد: فلما كانت سيرة أمراء المسلمين - ورؤسائهم في جميع الأعصار والأمصار - كمال السعي والاهتمام إلى تنفيذ الأحكام الشرعية والقيام إلى مراسم الأمور الدينية، خصوصا إلى تزئين مجالسهم، وتحسين محافلهم بمذاكرة مسألة الإمامة، وبيان عصمتهم وسائر صفاتهم.

وكان إقبال أكثر الناس واشتغالهم بتحصيل العلوم الدينية من مآخذها والمسائل الشرعية من أدلتها، من فروع الدين وأصول العقائد، وبذل جهدهم، واستفراغ وسعهم في أنحاء العلوم الحقة أهم الأمور وأتمها

Page 9

عندهم، حتى صنفوا فيها كتبا عديدة، ومصنفات كثيرة، قد صارت تلك الكتب المدونة من نفائس خزائن أمراء عصرهم، وأصول ذخائر رؤساء دهرهم وجعلوا ذلك وسيلة إلى التقرب إلى الله سبحانه، و نيل شفاعة نبيهم، وأوليائهم. أولئك حزب الله " ألا إن حزب الله هم المفلحون ".

[لا] سيما أميرنا الأعظم ورئيسنا الأفخم، صاحب الفطانة النافذة جامع الفراسة الناقدة، معدن المروءة والعدالة، مخزن السخاوة والشجاعة، ماحي الظلم والعدوان باني العفو والإحسان، لم يوجد مثله حارسا للإمارة، ولم يعهد شبهه حافظا للحراسة، وحيد عصره، وفريد دهره، أعني أميرنا أمير زاده أعظم " بهمن ميرزا " حفظه الله تعالى عن جميع التلهفات والتأسفات، بمحمد وآله كاشف المعضلات.

فإنه قد بلغ الغاية شوقه، ووصل النهاية ميله، إلى مذاكرة العلوم الشرعية، خصوصا إلى ذكر فضائل أئمتنا عليهم السلام، ف‍ " صرفت فكري، وبذلت جهدي إلى تحرير رسالة في إثبات وجوب عصمتهم التي هي ملاك نجاة الفرقة الناجية من بين " ثلاث وسبعين فرقة " مروية (1) وجعلتها .

Page 10

تحفة إلى حضرته الشريفة، وحد منه العلية، وأرجو من الله أن يجعلها موافقا لطبعه، ومطابقا لما أدى إليه فكره ".

آية التطهير عصمة أهل البيت (ع).

أقول: إنه لما كانت " آية التطهير " أولى ما استدل به علماء أصحابنا معاشر الإمامية نور الله مراقدهم، على عصمة " أهل البيت " عليهم السلام بل وعلى حجية إجماعهم ، خلافا لأهل السنة، فلا جرم نشير إلى بيان الاستدلال بهذه الآية الشريفة، وكيفية الاحتجاج بها على عصمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله: بحيث يندفع به شكوك أهل الخلاف وشبهتهم، خصوصا شكوك رئيس المشككين " الفخر الرازي " (2) ثم نشير إلى ما يتعلق بها من المباحث، ويناسب لها من المسائل، مستمدا من الله سبحانه أنه خير موفق ومعين.

تفسير آية التطهير:

قال الله سبحانه: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (3) نصب أهل البيت في الآية: على النداء على .

Page 11

وجه الاختصاص، أو على المدح.

قال الشيخ أبو علي الطبرسي طاب ثراه (1) في تفسير جوامع الجامع (2): اتفقت الأمة على أن المراد " أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله " انتهى.

ثم الرجس في اللغة (3) القذر، والقذر ضد النظافة. والطهارة لغة: النزاهة والنظافة فالمراد من إذهابه سبحانه الرجس عنهم (ع) تبرئتهم وتنزيههم عن الأمور الموجبة للنقص فيهم، وتنفر الطباع عنهم خلقا وخلقا، وذم العقلاء إياهم، فيدخل فيه الذنب، وكل ما يوجب النفرة وإن لم يكن ذنبا بل يدخل فيه الخطأ، أيضا لكونه مستلزما للنقص فيهم، فيمنع عن اتباعهم فيفوت الغرض والمصلحة من نصبهم عليهم السلام أو المراد من الرجس: الذنب خاصة، قال في الجوامع: الرجس مستعار للذنب (4) والطهر للتقوى.

وقال صاحب المدارك: قد ذكر المفسرون أن الطهارة هنا تأكيد للمعنى المستفاد من ذهاب الرجس في زوال أثره بالكلية، والرجس

Page 12

في الآية مستعارة للذنوب، كما أن الطهارة مستعارة للعصمة (1).

إذا تقرر هذا فاعلم: أن ما قبل الآية وما بعدها وإن اقتضى دخول أزواج النبي صلى الله عليه وآله في تلك الآية: إلا أن العلامة (2) " قدس سره " قد نقل الإجماع على أن المراد بأهل البيت في الآية هو " علي وفاطمة والحسن والحسين " عليهم السلام.

عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الآية نزلت " في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين " عليهم السلام.

وعن أم سلمة " رضي الله عنها " أنها قالت: جاءت فاطمة " عليها السلام " إلى النبي صلى الله عليه وآله تحمل حريرة له (ص) فقال النبي صلى الله عليه وآله: ادعي زوجك وابنيك، فجائت بهم، ثم ألقى عليهم كساءا خيبريا، وقال: هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: أنت على خير (3) ولم يجعلها منهم فلو - كان راجعا إلى الزوجات لدخلت هي فيهن أيضا، ولأجابها ب‍ " نعم ".

وأيضا مراد الله تعالى في أفعاله واجب الوقوع عند الكل، فيكون

Page 13