بسم الله الرحمن الرحيم

... الحمد لله الذي نور بصائر من اصطفاهم لفهم المعاني ، وأضاء في سماء عقولهم بدور البيان والبديع والمعاني ، والصلاة والسلام على خير من نطق بالصواب ، وعلى آله وصحبه البررة الأنجاب ، وبعد...

Page 19

... فهذا مختصرفي علم المعاني والبيان والبديع مزين بزينة حسن المباني والترصيع ، اختصرت فيه مختصر العلامة جلال الدين أبي عبد الله محمد القزويني المسمى بتلخيص المفتاح ، وضممت إليه ما لا بد منه ، مع إبدال غير المعتمد به ، بعون الأكرم الفتاح ، وحذفت منه غالبا الخلاف والأمثلة والشواهد ، وما فيه نظر ، وما لتيسير حفظه على كل ذي همة ومرتاح ، ورتبته على مقدمة وثلاثة فنون ، راجيا بذلك النجاة مما نجا منه الناجون ، وسميته بأقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني ، والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله

المقدمة :

... يوصف بالفصاحة المفرد والكلام والمتكلم ، وبالبلاغة الأخيران فقط ، فالفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس ، والغرابة نحو :

... ... ... ... غدائره مستشزرات إلى العلا (¬1)

والغرابة نحو :

... ... ... ... وفاحما ومرسنا مسرجا (¬2)

والمخالفة نحو :

الحمد لله العلي الأجلل (¬3)

وفي الكلام خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها ، فالضعف كضرب غلامه زيدا ، والتنافر كقوله :

وليس قرب قبر حرب قبر (¬4)

/ وقوله : ... ... ... ... ... ... ... ... ... 2ب

Page 20

... ... ... ... كريم متى أمدحه أمدحه والورى (¬5) والتعقيد لخلل في اللفظ ، كقوله في خال هشام :

وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه (¬1)

أو في الانتقال ، كقوله :

... ... سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا (¬2)

وفي المتكلم ملكة يقتدر بها على التغيير عن المقصود بلفظ فصيح (¬3) .

Page 21

... والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ، وهو يختلف لتفاوت مقامات الكلام ، فمقام كل من التنكير والإطلاق والتقديم والذكر والفصل والإيجاز وخطاب الذكي يباين مقام خلافه ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام ، وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبارالمناسب ، وانحطاطه بعدمها ، فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب ، فالبلاغة راجعة للفظ باعتبار إفادة المعنى بالتركيب ، وتسمي ذلك فصاحة أيضا ، ولها طرفان : أعلى وما قرب منه ، وهما حد الإعجاز ، وأسفل ، وهو ما إذا غير عنه إلى ما دونه التحق عند البليغ بصوت الحيوان ، وبينهما مراتب كثيرة ، ويتبعها وجوه أخر ، تورث الكلام حسنا ، وفي المتكلم ملكة يقتدربها على تأليف كلام بليغ ، فعلم أن كل بليغ فصيح ، ولا عكس ، وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية الغرض ، وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره ، وهذا منه ما يبين في متن اللغة ، أوالتصريف ، أو النحو ، أو يدرك بالحس ، وهو ما عدا التعقيد المعنوي ، ويحترز عن الخطأ بعلم المعاني ، وعن التعقيد / بعلم البيان 3 أ ويعرف وجوه التحسين بعلم البديع ، وكثير يسمي الثلاثة علم البيان ، وبعضهم علم البديع ، وبعضهم الأخيرين علم البيان .

الفن الأول :

... علم المعاني : هوعلم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال ، وينحصر في ثمانية أبواب :

... أحوال الإسناد الخبري .

... أحوال المسند إليه .

... أحوال المسند .

... أحوال متعلقات الفعل .

... القصر .

... الإنشاء .

... الوصل والفصل .

... الإيجاز والإطناب والمساواة .

والأصح أن الخبر صادق وكاذب ، وأن صدقه مطابقته للواقع ، وكذبه عدمها .

أحوال الإسناد الخبري

قصد المخبر بخبره إفادة مخاطبه الحكم ، أو علمه به ، ويسمى الأول فائدة بخبر ، والثاني لازمها ، وقد ينزل العالم بها منزلة الجاهل ، فينبغي أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة ، فإن خلي ذهنه من الحكم ، والتردد فيه ، استغنى عن توكيده ، وإن تردد فيه طالبا له ، حسن توكيده ، أو أنكره ، وجب توكيده بحسب الإنكار ، ويسمى الأول ابتدائيا ، والثاني طلبيا ، والثالث إنكاريا ، ويسمى إخراج الكلام عليهما إخراجا على مقتضى الظاهر ، وكثيرا ما يخرج الكلام على خلافه ، فيجعل غير السائل إذا قدم إليه ما يلوح له بالخبر كالسائل ، وغير المنكر إذا لاح عليه شيء من إمارات الإنكار كالمنكر ، وعكسه إذا كان مع المنكر ما إن تأمله ارتدع ، وكذا اعتبارات النفي ، ثم الإسناد منه حقيقة عقلية ، وهي إسناد فعل أو معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر ، ومنه مجاز عقلي ، وهو إسناده إلى ملابس له غير ما هو له بتأول ، وملابسته شتى/ كفاعل ومفعول به ، ومصدر وزمان 3 ب ومكان ، وسبب ، وأقسامه أربعة ؛ لأن طرفيه إما حقيقيان ، أو مجازان ، أو مختلفان ، وهو في القرآن كثير ، وغير مختص بالخبر .

أحوال المسند إليه :

Page 22

Page 23